الرئيس التنفيذي جمانا راشد الراشد CEO Jomana Rashid Alrashid نائب رئيس التحرير Managing Editors Editorial Consultant in KSA Aidroos Abdulaziz Camille Tawil Saud Al Rayes Deputy Editor-in-Chief مديرا التحرير مستشار التحرير في السعودية محمد هاني Mohamed Hani الأمير أحمد بن سلمان بن عبد العزيز عيدروس عبد العزيز كميل الطويل سعود الريس 1987 أسسها سنة 1978 أسسها سنة هشام ومحمد علي حافظ رئيس التحرير غسان شربل Editor-in-Chief Ghassan Charbel عاودت محكمة الرُّبع الأول من القرن اجتماعاتها. أمضى القضاة وقتا طويلا في تمحيص ملف المتَّهم. ملف عنيف ومخيف يذكّر بملفات قساة الحرب العالمية الثانية. قلبُوا الأوراق ففاحت منها رائحة الدَّم. لمحُوا قوافل من الجثث الصغيرة. وبكاء أطفال تحت الخيام. لمحُوا بحرا من الـرُّكـام. شـاهـدُوا الأيــدي التي تتسابق من أجل الفوز بكسرة خبز أو حفنة أرز. لم يسبق لقضاة هذه المحكمة أن واجهوا متَّهما من هذا النوع. رجل دخل موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية طافيا على نهر ضحاياه. لم يقتل أحــد من الـفـلـسـطـيـنـيـن قـــــدر مـــا قـــتـــل. يــحــســدُه آريـــيـــل شــــارون على ارتكاباته. كسر من العظام أكثر بكثير مما كسر إسحاق رابين قبل أن ييأس من القتل، ويصافح ياسر عرفات. لـــم يـقـتـل أحــــد مـــن الـــقـــادة الـفـلـسـطـيـنـيـن قــــدر ما قـــتـــل. ومــــن قــــــادة «حـــــزب الــــلــــه». وجــــنــــرالات «الـــحـــرس الثوري» والجيش الإيراني والعلماء النوويين. وقادة «الحوثيين». شــعــر الــقــضــاة بــالــخــوف. هـــذا الـــرَّجـــل يـقـتـل هنا وهناك وهنالك. لا يرف له جفنٌ. يحتقر القانون الدولي والحدود الدولية. لا حدود لحقدِه ويدُه طويلة. طائرات لا تـرحـم. ومـسـيّــرات بـارعـة فـي القتل. ســرق الأرشـيـف الـنـووي من إيـــران. شطب حكومة الحوثيين. يتباهَى بقتل أمينين عامَّين لـ«حزب الله» في حفنة أيام. هـــذا مــتَّــهــم بــالــغ الـــخـــطـــورة. أســـتـــاذ فـــي المـــنـــاورة والمـداورة. إذا اضطر إلى قبول وقف النار يفخّخ بنود الاتـــفـــاقـــات والــتــفــاهــمــات. يـحـتـفـظ لـنـفـسِــه بـقـطـعـة من أرض عـدوّه. ويحتفظ بحق الاستمرار في القتل. وإذا أرغمَه دونالد ترمب على لجم جنونه الـدمـوي يعتبر الأمـر مجرد استراحة قصيرة بين حربين. دراسته في أميركا علَّمته مفاتيح الـرَّقـص مـع الإدارات المتعاقبة على اختلافها. لا حـــــدود لــوقــاحــتــه. يـمـكـن أن يـــذهـــب إلــــى منبر الـكـونـغـرس لـتـحـدّي رئــيــس الــقــوة العظمى الـوحـيـدة. السّلاح الأميركي سيفُه وترسُه لكنَّه لا يتصرَّف كتابع. يذهب بعيداً. ثم يتراجع. ليعاود الانقضاض. يرتكب المذابحَ، ويلبس ثوب الضحية. السلام بالنسبة له هو استسلام أعدائه من دون قيد أو شرط. ارتبك القضاة. فاقت إقامة الرجل في مكتب رئيس الــــــوزراء جـمـيـع أســـافـــه، ثـــم إنَّــــه مـنـتـخـب. كـــأنَّـــه يملك تـفـويـضـا شعبيا بـالـقـتـل. اتُّــهــم بــالاخــتــاس وخـيـانـة الأمانة وتلقِي رشًــى. اتهامات تكفي لإسقاط صاحب المنصب لكن ذلك لم يحدث. يــذهــب إلـــى انـتـخـابـات فـيـعـيـده الـيـمـن المـتـطـرف إلـــى «مـهـمـتـه». تـتـداولـه المـحـاكـم، ولا يـنـفـض أنـصـاره من حوله. يستأذن المحكمة في الخروج لسبب طارئ، ثــم يتكشف أنَّــــه خــــرج لإصــــدار أمــــر بـاغـتـيـال أو غــارة مـــدويّـــة. أســتــاذ فــي التَّضليل والمــفــاجــآت. كـــان العالم منشغلا بـأهـوال مشاهد غـــزة حـن افتتح فـي المنطقة بـؤرة جديدة للتوتر. أعلن الاعتراف بـ«جمورية أرض الصومال» التي لم يعترف بها أحدٌ. يريد الإقامة قبالة خليج عـدن ومـجـاورة بــاب المـنـدب. يريد الإطـــال على الحوثيين من مكان قريب. دخل بنيامين نتنياهو قاعة المحكمة بربطة عنق زرقـــاء. عــدَّد له القاضي الاتهامات فــرد مبتسماً. قـالَ: «سيدي القاضي. غريبة قصة هذه المحكمة. لم يخطر ببالِها أن تستدعي يحيى السنوار حين أطلق ما سمَّاه الطوفان. لم تحاول استدعاء حسن نصر الله حين بادر إلى إطـاق حرب الإسناد. انشغلت بمجريات الحربِ، ولم تسأل عمَّن أطلق الرصاصة الأولى فيها. 1976 ) ســـيّـــدي الـــقـــاضـــي. فـــي يــونــيــو (حـــــزيـــــران خـطـفـت جـمـاعـة وديــــع حــــداد طـــائـــرة إلـــى عنتيبي في أوغندا على متنِها عـدد من الإسرائيليين. قـرَّر رئيس الــوزراء إسحاق رابـن عـدم الرُّضوخ للخاطفين. أرسل لـتـحـريـر الـــرهـــائـــن قـــــوة كـــومـــانـــدوس بــقــيــادة شقيقي الــضَّــابــط جــونــاثــان نـتـنـيـاهـو. نجحت عملية تحرير الرهائن لكن شقيقي قُتل. أقسمت أمام جثتِه أن أتبنَّى شعار حداد نفسِه وهو «وراء العدو في كل مكان» وهذا ما فعلته دائـمـا. ثم إنّني تعلمت من والــدي المــؤرخ أن القدر حشرنا مع الفلسطينيين في مكان ضيق. مكان لا يتَّسع لشعبين ولا لعلمين ولا لدولتين. لهذا تعيش إســرائــيــل مـنـذ ولادتـــهـــا حــــرب وجــــود مـفـتـوحـة. حـرب وجود تكون فيها قاتلا أو قتيلاً. ذات يوم خدع رجل اسمه ياسر عرفات رجلا اسمُه إســحــاق رابــــن. تصافحا فــي حـديـقـة الـبـيـت الأبـيـض. تظاهر عرفات بالقبول ببعض الأرض. استغل أوسلو ليزرع على هذا التراب الضّيّق علما فلسطينيا وكوفية فلسطينية. كـــان عــرفــات يـريـد مــواجــهــة إســرائــيــل من داخل بيتها. كان يراهن على الوقت والتزايد السكاني. لا يستطيع إسـرائـيـلـي أن ينسى أن عـرفـات كـــان وراء الــــرَّصــــاصــــة الـــتـــي أطـــلـــقـــت فــــي مــنــتــصــف الــســتــيــنــات، وأحيت الصراع على هذه الأرض الضيّقة التي لا تتَّسع لشعبين. ســـيّـــدي الــقــاضــي. لا يــعــرف الأمــيــركــيــون الــشــرق الأوسط. ولا يعرفه الأوروبيون. في هذا الجزء الصَّعب من العالم يرخي التاريخ بثقله على الحاضر والمستقبل معاً؛ لهذا حين جاء قاسم سليماني لتطويق إسرائيل بالصواريخ والميليشيات عثر على حلفاء في خرائط عـــدة. لـم يكن أمــامِــي غـــداة انـطـاق «الــطــوفــان» غير أن أرد عليه بطوفان من النار. أن أقلب المعادلة في الشرق الأوسط وأغيّر الملامح. وهـــا هــي غـــزة بــا الــســنــوار، و«حـــمـــاس» مطالبة بـنـزع سـاحـهـا. ولـبـنـان بـا نصر الـلـه، و«حـــزب الله» مـــطـــالـــب بـــنـــزع ســــاحــــه. وســــوريــــا بــــا بـــشـــار الأســـــد، ومطالبة بمنطقة منزوعة السلاح. أرسلت الطائرات، وعاقبت بـاد سليماني، وثقبت هيبتَها. وسأرسلها مجددا حين يقتضي الأمـر. الضَّوء الأخضر من ترمب يأتي وإن تـأخَّــر». تجادل نتنياهو طويلا مع القضاة حين سألوه عن الإبـادة والتجويع والتهجير. استأذن فجأة بـالانـصـراف. ربَّــمـا لإصـــدار أمــر باغتيال أو شن غارات مدمرة. نتنياهو أمام محكمة الرُّبع الأول لـــو طُـــلـــب مـــن الأمــيــركــيــن أن يـغـمـضـوا أعـيـنـهـم ويـتـخـيـلـوا المستقبل فـربـمـا لــن تـطـرأ عـلـى مخيلتهم صـــورة بـريـطـانـيـا؛ فـهـي أرض المـــاضـــي: قـــاع، وبـيـرة دافئة، وملك حقيقي. ومع ذلك، خلصت دراسة جديدة إلى أن الأحداث الجارية على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي -تحديدا المصاعب التي تخوضها بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي- تُقدّم لمحة عمّا قد يحمله الغد للولايات المتحدة. فـــي الــــواقــــع، جــــاء قـــــرار الانـــفـــصـــال عـــن الاتـــحـــاد الأوروبــــــي بـمـثـابـة كـــارثـــة اقــتــصــاديــة بـكـل المـقـايـيـس. وتُقدّر الدراسة، التي نشرها «المكتب الوطني للبحوث الاقـتـصـاديـة»، الشهر المـاضـي، أن الناتج الاقتصادي في المائة مما 8 إلـى 6 السنوي لبريطانيا أقـل بنحو كــان سيبدو عليه لـو اخـتـار الناخبون البريطانيون الــبــقــاء تــحــت مـظـلـة الاتـــحـــاد الأوروبـــــــي. الـحـقـيـقـة أن هذه خسارة أكبر في الناتج الاقتصادي مما تكبدته بريطانيا في ذروة الـركـود، الــذي أعقب الأزمــة المالية . إنــهــا ضــربــة أقــــوى مــمــا كــانــت ستعانيه 2008 عــــام الـبـاد لـو اختفت جميع الـبـنـوك وشــركــات السمسرة وصناديق التحوّط في لندن فجأة. ويـصـف مؤلفو الـــدراســـة، وهــم مجموعة مكونة اقــتــصــاديــن أمـيـركـيـن وأوروبــــيــــن، نتائجهم 5 مـــن بأنها تحمل تحذيرا للولايات المتحدة. جدير بالذكر هـنـا أنـــه لا تـوجـد أمـثـلـة كـثـيـرة عـلـى انـسـحـاب الـــدول المتقدمة من الأســـواق العالمية. وعليه، تُــقـدّم التجربة البريطانية إحـدى نقاط المقارنة القليلة فيما يخص السياسات التجارية التقييدية التي ينتهجها الرئيس دونالد ترمب. وبأسلوب جاف، خلصت الورقة البحثية إلى أنه «فيما يخص خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبـي، ترك الأمر أثرا اقتصاديا كبيرا على المملكة المتحدة». اليوم، أصبحت الخلفية العامة معروفة؛ فخلال النصف الـثـانـي مـن الـقـرن الـعـشـريـن، قـــادت واشنطن جهودا عالمية لتقليل الحواجز التجارية. وحسب أي تقييم منطقي، فـاقـت فـوائـد هــذه الـجـهـود تكاليفها. ومع ذلك، لم تبذل النخب السياسية جهدا يُذكر لتقليل تلك التكاليف. واليوم، نعيش ردة فعل عكسية لهذه الجهود. وتصف الـورقـة البحثية انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي بأنه مثال على «إصلاح تجاري عـكـسـي». وقــد وصـفـه تـرمـب، خــال حملته الرئاسية الأولــــى بـأنـه تمهيد لمــا سـيـأتـي. وفـــي أغـسـطـس (آب) ، بعد شهرين من تصويت بريطانيا المفاجئ على 2016 مـغـادرة الاتـحـاد الأوروبـــي، غـرّد ترمب عبر «تويتر»، قائلاً: «سيطلقون علي قريبا لقب السيد بريكست!». واشــتــرك الـرئـيـس وداعــمــو خـــروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبـي في الخوف من الغرباء. في الواقع، بنى ترمب مسيرته السياسية برمتها على فكرة أن بقية العالم تستغل الـولايـات المتحدة؛ فالتجارة، في نظره، ليست سوى «استنزاف الدول الأخرى لأموالنا، والهجرة هي سرقة الآخرين لوظائفنا»، والمعاهدات الدولية قيود تحد من سيادة أميركا. وحتى الآن، وبعد أن بات من المستحيل تجاهل سلبيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبـي، يظل تــرمــب مــؤيــدا لـخـطـوة الانــفــصــال. وعـنـدمـا سُــئــل هـذا الـصـيـف عـمـا إذا كــانــت بـريـطـانـيـا قـــد اســتــفــادت إلـى أقصى حد من خروجها من الاتحاد الأوروبــي، أجاب ترمب بـأن التنفيذ كـان «غير متقن، لكنني أعتقد أنه في طريقه إلى التحسن». وســعــيــا لـتـقـيـيـم عـــواقـــب خـــــروج بــريــطــانــيــا من الاتحاد الأوروبي، تستند الدراسة الجديدة إلى مسح دوري لــلــشــركــات، بــمــا فـــي ذلــــك آلاف الـــشـــركـــات الـتـي فـــي المـــائـــة مـــن الـعـامـلـن فـــي الـقـطـاع 10 تــوظــف نـحـو الخاص البريطاني. وتمثلت النتيجة الأكثر إثارة للاهتمام -بالنسبة للولايات المتحدة- في أن حالة عدم اليقين تسببت في ضرر أكبر من التغييرات في قواعد التجارة؛ بمعنى أن الشركات قــادرة على التكيف مع مجموعة جديدة مـن الـعـوائـق، لكن مـا أربــك الشركات حقّا على امتداد العقد الذي تلا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ما يُفترض منها التكيف معه. الواقع أن سياسات ترمب التجارية المتقلبة أدت إلـى إثـــارة مزيد مـن الارتــبــاك؛ فحسب أحـد المقاييس، رفعت الجولة الأولى من إعلانات الرسوم الجمركية في أبريل (نيسان) مستوى عدم اليقين بشأن السياسات الاقـتـصـاديـة لواشنطن إلــى أعـلـى متوسط شـهـري له عقود على الأقل. 4 منذ نتاجا لذلك، تضررت الشركات الصغيرة بشدة، إذ تجد صعوبة أكبر في التكيف، وتفتقر إلى النفوذ السياسي الـــازم للحصول على استثناءات خاصة، بـل حتى الإجـــــراءات الـورقـيـة للقواعد الـجـديـدة تُثقل كاهلها. ومــن الـــدروس المستفادة الأخـــرى مـن دراســة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، أن الأضرار تتراكم تدريجياً. ورغم عدم تحقق التوقعات بـأن تعريفات ترمب ستعصف بالاقتصاد الأميركي كــالإعــصــار، فـــإن هـــذا تــحــديــدا لــم يـكـن مــوطــن الخطر الحقيقي مطلقاً. الحقيقة أن «بـريـكـسـت» تسبب في إلـــحـــاق الأذى بــبــطء وهــــــدوء، مـــع تـقـلـيـص الــشــركــات استثماراتها وتوظيفها وابتكاراتها. وجــاءت الآثـار الــتــراكــمــيــة لـــقـــرار الانـــفـــصـــال عـــن الاتــــحــــاد الأوروبــــــي عميقة. بـطـبـيـعـة الـــحـــال، تــوجــد اخــتــافــات بـــن الـوضـع والــولايــات المتحدة 2016 الاقـتـصـادي لبريطانيا عـام الــيــوم. على سبيل المــثــال، كــان الاقـتـصـاد البريطاني يعاني الركود حتى قبل الـ«بريكست»، في حين يشهد الاقتصاد الأميركي طفرة هائلة بفضل قطاع الذكاء الاصطناعي. كما أن الاقتصاد البريطاني يعتمد على التجارة بأكثر من ضعف اعتماد الاقتصاد الأميركي، ما يجعله أكثر عرضة للمخاطر. ويــبــقــى هـــنـــاك فــــرق آخـــــر، قـــد يـــكـــون الأهــــــم؛ كــان خـروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبــي قـرارا لا رجعة فيه؛ فبريطانيا لا يمكنها ببساطة التصويت لصالح الانضمام مجددا إلى الاتحاد الأوروبي. وبذلك تتجلّى المفارقة في أن قرارا جرى تصويره بوصفه خطوة نحو تأكيد السيادة البريطانية، تـرك البلاد أكثر اعتمادا على حسن نوايا جيرانها الأوروبيين. * خدمة «نيويورك تايمز» ً مصاعب بريطانيا اليوم... مستقبل أميركا غدا OPINION الرأي 13 Issue 17199 - العدد Tuesday - 2025/12/30 الثلاثاء غسان شربل *بنيامين أبلبوم
RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky