الثقافة CULTURE 18 Issue 17199 - العدد Tuesday - 2025/12/30 الثلاثاء تحولات كبرى أعادت رسم ملامح المشهد الثقافي والفكري ... صدمة التراث المنهوب وتحديات «السيادة الرقمية» 2025 فرنسا الثقافية تحولات كبرى، أعادت 2025 شهد عام رســــــم مــــامــــح المـــشـــهـــد الـــثـــقـــافـــي والـــفـــكـــري فــي فـرنـسـا، فـبـن أســــوار المـتـاحـف العريقة وطـــــاولات لــجــان الـتـحـكـيـم الأدبـــيـــة، عـاشـت باريس مخاضا فكريا وتقنياً، وضع الهوية الـفـرنـسـيـة عـلـى مـحـك الـتـحـديـث والـرقـمـنـة، وســط صخب سياسي لـم يغب عـن ردهــات الثقافة. استهلت باريس عامها على وقع زلزال أمـنـي وتــراثــي، تــجــاوزت ارتـــداداتـــه الـحـدود الـفـرنـسـيـة، حـــن اسـتـيـقـظ الــعــالــم عـلـى نبأ السطو الصادم على «كنوز التاج» من قلب متحف الـلـوفـر. إذ استهدفت الـسـرقـة «تـاج لـــويـــس الـــخـــامـــس عـــشـــر» المــــرصــــع بـــنـــوادر الأحـــــجـــــار الـــكـــريـــمـــة الــــتــــي تـــخـــتـــزل تـــاريـــخ السيادة الفرنسية منذ مطلع القرن الثامن عـــشـــر. هـــــذا الـــــتـــــراث المـــنـــهـــوب يــمــثــل حـقـبـا سياسية متعاقبة، مـن الملكية المطلقة إلى الإمبراطورية النابليونية، ما جعل ضياعها خـــســـارة لا تُـــقـــدر بـثـمـن مـــــادي. وقــــد أثــــارت الواقعة موجة عارمة من التغطية الإعلامية الـــدولـــيـــة، حـيـث ســـارعـــت كــبــريــات الصحف والــوكــالات العالمية إلـى وضـع فرنسا تحت مجهر المساءلة، وسط تساؤلات حادة حول «هــشــاشــة» المـنـظـومـة الأمـنـيـة فــي الـصـروح الثقافية الكبرى. وانصبت الانتقادات على وزارة الثقافة وإدارة المتحف، متهمة إياها بــالــتــقــصــيــر فــــي حـــمـــايـــة «أمــــانــــة الـــتـــاريـــخ» التي لا تخص فرنسا وحـدهـا، بل البشرية جمعاء. فــي قـلـب هـــذا المــنــاخ المــشــحــون، انفتح مـــلـــف «الــــرقــــمــــنــــة والــــــذكــــــاء الاصـــطـــنـــاعـــي» فـــي الــقــطــاع الــثــقــافــي، لـيـشـكـل أكــبــر معركة آيـديـولـوجـيـة شـهـدهـا الــعــام. ولـــم يـكـن هـذا الــجــدل مـحـصـورا فــي الأدوات الـتـقـنـيـة، بل امـــتـــد لـيـشـمـل «أخـــاقـــيـــات الإبــــــــداع». حيث دافـعـت وزارة الثقافة تحت إشـــراف رشيدة داتــي عن استراتيجية «السيادة الرقمية»، الــــهــــادفــــة إلــــــى رقـــمـــنـــة الأرشـــــيـــــف الـــوطـــنـــي الـفـرنـسـي لـحـمـايـتـه مــن الانـــدثـــار وتسهيل وصــول الأجـيـال الجديدة إليه عبر تقنيات الــــواقــــع المــــعــــزز. إلا أن هـــــذا الـــتـــوجـــه قــوبــل بمعارضة شـرسـة مـن نخب فكرية رأت في «خوارزميات الإبــداع» تهديدا لـ«الاستثناء الثقافي الـفـرنـسـي». واحـتـدم النقاش حول مــــا إذا كـــــان الــــذكــــاء الاصـــطـــنـــاعـــي سـيـعـيـد إنتاج المعرفة أم سيعمل على «تنميطها»، وسط مخاوف من أن تتحول المتاحف والمكتبات من فضاءات للتأمل الحي إلى مــنــصــات رقــمــيــة بــــــاردة تفقد العمل الفني روحه التاريخية. كـمـا شـكّــلـت المــعــارض الكبرى الــــتــــي احــتــضــنــتــهــا المـــتـــاحـــف 2025 الــبــاريــســيــة خــــال عــــام عــــــامــــــة فـــــــارقـــــــة فـــــــي المـــشـــهـــد الـثـقـافـي الــفــرنــســي، لـيـس من حـيـث الإقـــبـــال الـجـمـاهـيـري فــقــط، بــل أيضا مـــن حــيــث الـــرهـــانـــات الــفــكــريــة والـتـاريـخـيـة 3 والـجـمـالـيـة الـتـي حملتها. وقـــد تــصــدّرت مـــعـــارض تــحــديــدا قـــوائـــم «الأكـــثـــر انــتــظــاراً» و«الأكـثـر زيـــارة»، وفرضت نفسها كأحداث ثقافية جامعة بين الفن والتاريخ والسياسة والــــذاكــــرة الإنــســانــيــة. مـنـهـا مــعــرض «الـفـن المُـــنـــحـــط»: مـحـاكـمـة الـــفـــن الــحــديــث فـــي ظل الـنـازيـة فــي متحف بـيـكـاسـو، وهـــو مــن بين ، حـــيـــث وصـــف 2025 أبـــــــرز مـــــعـــــارض عــــــام بـــالـــحـــدث الــثــقــافــي الاســتــثــنــائــي لأنــــه أعـــاد فتح واحـــدة مـن أكـثـر الصفحات قتامة في تـاريـخ الـفـن الأوروبــــي، لأنــه تـنـاول سياسة النظام النازي في ثلاثينات القرن الماضي، حــــن جــــــرى تــصــنــيــف أعــــمــــال فـــنـــيـــة كــبــرى – لـــكـــانـــديـــنـــســـكـــي، وبـــــــول كــــلــــي، وشــــاغــــال، وبيكاسو نفسه – على أنـهـا «فــن منحط»، وتم مصادرتها أو تدميرها أو استخدامها فـــي حـــمـــات تـشـهـيـر آيـــديـــولـــوجـــيـــة. نـجـاح المعرض لم يكن جماليا فحسب، بل معرفيا وسياسيا أيضاً. فقد استطاع أن يقدّم قراءة عميقة لعلاقة السلطة الشمولية بـالإبـداع، مـــظـــهـــرا كـــيـــف يـــتـــحـــول الــــفــــن فــــي الأنـــظـــمـــة القمعية إلى ساحة صراع رمزي. وقد حظي المعرض بتغطية إعلامية واسعة، واستقبل ألف زائر، حسب أرقام المتحف، 240 أكثر من معارض التي لا 10 كما تصدّر قوائم «أهـم ». وعلى نقيض 2025 تُفوّت في باريس عام الطابع السياسي الـحـاد لمـعـرض بيكاسو، جــــاء مـــعـــرض «مــاتــيــس ومـــارغـــريـــت: نـظـرة أب» في متحف الفن الحديث بباريس ليقدّم تـجـربـة شــديــدة الـخـصـوصـيـة والحميمية، مـسـلـطـا الـــضـــوء عــلــى الــعــاقــة بـــن الـــرســـام هنري ماتيس وابنته مارغريت، التي كانت حــــاضــــرة فــــي أعـــمـــالـــه كــمــلــهــمــة ومـــوضـــوع ونقطة ارتكاز إنسانية. تميّز هـذا المـعـرض بنجاحه فـي إعـادة قــــــراءة أعـــمـــال مــاتــيــس مـــن زاويــــــة جـــديـــدة، لا تـركـز عـلـى الابــتــكــار التشكيلي أو الـلـون والــــخــــط فــــقــــط، بــــل عـــلـــى الـــبـــعـــد الــعــاطــفــي والـــنـــظـــرة الأبــــويــــة الـــتـــي شـــكّـــلـــت جــــــزءا مـن مسيرته الـفـنـيـة. وقـــد وجـــد الـنـقـاد فــي هـذا المــــعــــرض مــــثــــالا عـــلـــى قــــــدرة المـــتـــاحـــف عـلـى تجديد الـسـرديـات الكلاسيكية، والانـتـقـال مـن الــقــراءة الأكـاديـمـيـة البحتة إلــى مقاربة إنسانية تُقرب الفن من الجمهور. 250( الإقـــــبـــــال الـــجـــمـــاهـــيـــري الـــــافـــــت ألـــف زائــــر) خـاصـة مــن الـعـائـات والمهتمين بتاريخ الفن الحديث، جعل المعرض واحدا مــــن أكـــثـــر المــــعــــارض تــــــــداولا فــــي الــصــحــافــة الثقافية الفرنسية. أما معرض «أرتميسيا، بطلة الــفــن» فــي متحف جـاكـمـار - أنــدريــه، فقد شـكّــل بـــدوره حـدثـا مفصليا فـي سياق إعــادة الاعتبار للفنانات النساء في تاريخ الــفــن، حـيـث أعــــاد المــعــرض تسليط الـضـوء عــلــى أرتـمـيـسـيـا جـنـتـيـلـيـشّــي، إحــــدى أبـــرز الـــرســـامـــات فـــي الـــقـــرن الــســابــع عـــشـــر، الـتـي ظُـــلـــم اســـمـــهـــا طــــويــــا داخــــــل ســــرديــــة فـنـيـة هـيـمـن عـلـيـهـا الــــرجــــال. ولــــم يــكــن الاهــتــمــام بــأرتــمــيــســيــا مـــحـــصـــورا فـــي كــونــهــا «امـــــرأة فنانة»، بل بوصفها مبدعة ذات لغة بصرية قــــويــــة، عـــالـــجـــت فــــي أعـــمـــالـــهـــا مـــوضـــوعـــات الـــقـــوة، والـــعـــنـــف، والــبــطــولــة الــنــســويــة، في زمــن كــان الإبــــداع فيه امـتـيـازا ذكــوريــا. وقد ساهمت جودة الأعمال المعروضة، والسياق الــتــاريــخــي الــدقــيــق، فـــي جـعـل المـــعـــرض من ألـــــف زائـــــر) 180( أنـــجـــح مــــعــــارض المــــوســــم وجـــذب جمهورا متنوعاً، مـن طلبة الفنون إلــــى الــبــاحــثــن والمــهــتــمــن بــتــاريــخ أوروبـــــا الثقافي. أمـا في الأروقــة الأدبـيـة، فقد ظل إعلان الجوائز الكبرى الحدث الأكثر أهمية، حيث عكست خيارات هذا العام رغبة في العودة إلى السرديات الكبرى والقضايا الوجودية. في هذا السياق، حاز الكاتب لوران موفينييه على جـائـزة «غـونـكـور» عـن روايــتــه «المـنـزل الـــفـــارغ»، وهـــي روايــــة سيكولوجية معقدة تفكك مفهوم الغياب والــذاكــرة فـي المجتمع المـعـاصـر، وقــد أشـــادت اللجنة ببراعته في تــطــويــع الــلــغــة الــفــرنــســيــة لــخــدمــة المـشـاعـر الدفينة. وفي المقابل، نالت الكاتبة أديلايد دي كــلــيــرمــون - تــونــيــر جـــائـــزة «ريــــنــــودو» عـــن عـمـلـهـا «أردت أن أعـــيـــش!»، الــــذي مـزج بــن الـتـأريـخ والـــدرامـــا الإنـسـانـيـة، مـتـنـاولا صـراعـات الهوية في أوروبـــا الوسطى. ولم يغب الـجـدل السياسي عـن المـوسـم الأدبـــي، إذ تـــصـــدر كـــتـــاب الـــرئـــيـــس الأســـبـــق نـيـكـولا ســاركــوزي «يـومـيـات سـجـن» قـوائـم الأكثر مبيعاً، مثيرا عاصفة مـن الـــردود؛ حيث لم يكتف ساركوزي بعرض تجربته القانونية، بل خاض في نقاشات فلسفية حول العدالة والمصير، ما دفع النقاد إلى اعتباره «بيانا سياسياً» بصبغة أدبية تهدف إلى استعادة مكانته في التاريخ الفرنسي المعاصر. معرض «أرتميسيا بطلة الفن» باريس: أنيسة مخالدي معرض «ماتيس ومارغريت: نظرة أب» ً في متحف الفن الحديث بباريس كثافة المواعيد تربك جمهورا متحمسا الثقافة اللبنانية تتوهج بين الانتعاش والفوضى من دون أن تعبأ بالحرب إذا كـــــان مــــن عــــنــــوان لــــهــــذه الـــســـنـــة فـهـو «النضال» من أجل استبدال البشاعة بالجمال. عــلــى حــــرب إسـرائـيـلـيـة 2024 فــقــد أغـــلـــق عــــام ضــــــــروس، انــــحــــســــرت، لــكــنــهــا لــــم تـــنـــتـــه بــعــد. كـــان عـلـى الـلـبـنـانـيـن أن يـــعـــودوا إلـــى المـسـرح وغـــالـــيـــريـــات الــــفــــن، ومـــهـــرجـــانـــات الــســيــنــمــا، والـــعـــروض الـفـنـيـة، والأنـشـطـة الأدبـــيـــة، كأنما الوطن لا يقصف، والأرض لا تسلب. الحرب وإن انحسرت فقد بقيت مستمرة، والـــتـــهـــديـــد بـــتـــمـــددهـــا مــــن جـــديـــد يــــومــــي، ولا يـــــزال. لـكـن مـــن يـــرى بـــيـــروت، قـــد لا يــصــدق أن هـــؤلاء الـذيـن لا يـكـفّــون عـن الاحـتـفـاء بالمسرح والأدب والمـــعـــارض والأفـــــام والـكـتـب هــم على شــفــيــر هــــاويــــة. فـــعـــدا الانـــهـــيـــار الاقـــتـــصـــادي، والاضطرابات السياسية، جاءت الحرب كأنما كي لا تترك مجالا لهدنة. قـــــد لا تــــكــــون مـــبـــالـــغـــة الـــــقـــــول إن كــثــافــة الأنشطة الثقافية فـي بلد صغير مثل لبنان، وفي الظرف الصعب الذي يعيشه، ومن دون أي تمويل من الـدولـة، تكاد تكون ظاهرة يصعب تفسيرها، حتى فهمهما. كم الأنشطة والدعوات كثير حد الإربـاك، وهــــــذا يـــأتـــي فــــي أحــــيــــان كـــثـــيـــرة عـــلـــى حــســاب الـنـوعـيـة. خـشـبـات المــســارح مـحـجـوزة مقدماً، ومــواعــيــد الـجـمـهـور تــتــضــارب. لـشـدة الطلب، ثمة مسرحيات تغيب ثم تعود، مثل «مجدرة حـمـرا» إخـــراج يحيى جـابـر، وتمثيل البديعة أنجو ريحان. وهي من المسرحيات التي راقت كثيرا للجمهور، كذلك أعيد تقديم «مونوبوز» للكاتبة والمـخـرجـة والممثلة بيتي تـوتـل. وفي نـهـايـة الـــعـــام، أعــــاد الأخـــــوان صــبّــاغ مسرحية غنائية كانا قدّماها قبل سنوات طويلة، هي «أنا وغيفارا». وكذلك أخرج الفنان عبد الحليم كركلا من أرشيفه عمله الرائع «ألف ليلة وليلة» وأعـــاد تقديمه فـي بــيــروت، قبل أن يـغـادر إلى موسكو ليقدم العمل على «مسرح البولشوي»، بنجاح كبير. وفـــي نـهـايـة الـــعـــام، قــدّمــت المـخـرجـة لينا خـــــوري مـسـرحـيـتـهـا الـجـمـيـلـة «أبـــــو الـــــزوس» الـــتـــي تـعـكـس تــعــقــيــدات الـتـركـيـبـة الـلـبـنـانـيـة، وهي تجمع بين الفكاهة والعمق، وتغوص في النفس البشرية على طريقتها. ثمة كثافة يختلط فيها العث بالسمين، إن في الفن التشكيلي أو في الأعمال السينمائية، حتى فـي إصــــدارات الكتب. قـد تـكـون الظاهرة أكــــبــــر مـــــن لــــبــــنــــان، بـــســـبـــب انــــتــــشــــار وســــائــــل التواصل، وهشاشة المعايير. لكن السؤال الذي لن تجد إجابة عليه، هو من يمول كل هذا الكم مــن الأعـــمـــال، حـتـى الـهـابـطـة مـنـهـا؟ ومـــا الــذي أدخـلـنـا فــي هـــذا الازدحـــــام الـثـقـافـي؟ وهـــل هي ظاهرة صحية، لأنها تجلب الفرح والاجتماع حـــول الـتـجـاريـب الإبــداعــيــة، أم ثــرثــرة لا طائل تحت غالبية ما يصدر عنها؟ الإجـــابـــات ليست يـسـيـرة، لـكـن المــؤكــد أن ثمة الكثير مما يسعد ويبهج. من ذلك، عشرات الحفلات التي أحياها الكونسرفتوار الوطني لـلـمـوسـيـقـى هـــذا الـــعـــام، فـــي مـخـتـلـف المـنـاطـق الــلــبــنــانــيــة، بـفـضـل رئــيــســتــه الــنــشــطــة المـؤلـفـة المــوســيــقــيــة والمــغــنــيــة هــبــة الــــقــــواس، لتصبح المـوسـيـقـى الكلاسيكية، بفضل جـهـد أسـاتـذة المعهد وطلابه، في متناول كل مواطن. المعارض كانت كثيفة بدورها، نذكر منها مــعــرض «ديـــفـــا: مــن أم كـلـثـوم إلـــى دالـــيـــدا» في «مـتـحـف ســرســق»، فــي بــيــروت، نـظَّــمـه «معهد الـعـالـم الـعـربـي» فـي بــاريــس، حيث انطلق من هـــنـــاك إلــــى أمـــســـتـــردام وعــــمّــــان، قــبــل أن يصل العاصمة اللبنانية. فـي المـعـرض فساتين، صـــور، تسجيلات، أفـــــام، وثــائــقــيــات، قـطـع أثـــــاث، شــنــط، دفــاتــر، أشياء أخرى كثيرة، تخص نجماتنا الأثيرات، مـــثـــل هـــنـــد رســــتــــم، فــــيــــروز، وردة، أم كــلــثــوم، صباح، وغيرهن كثيرات. ومـــن المـــعـــارض التشكيلية المـهـمـة، الــذي أقـــامـــه «غـــالـــيـــري صـــالـــح بــــركــــات» للتشكيلي الـــعـــراقـــي ضـــيـــاء الـــــعـــــزاوي، بـــعـــنـــوان «شـــهـــود الزور»، لنكتشف من جديد جداريات العزاوي، التي ترسم خرائط التراجيديات العربية، حيث يتحول الزائر إلى متفرج على المجزرة الكبرى. فالمقتلة عند هــذا الـعـراقـي الحزين ممتدة من بغداد إلى الموصل فحلب، وبيروت وغزة. وفــــي «مــتــحــف ســــرســــق»، أقـــــام الــفــنــانــان الموهوبان جوانا حاجي توما وخليل جريج، مــعــرض «ذكـــــرى الـــنـــور» فـــي اســتـــعـــادة لأجـمـل أعمالهما فــي الـسـنـوات الـعـشـر الأخـــيـــرة، بعد أن جابت مدنا عـدّة، وعـادت إلى بيروت لتجد مــســتــقــرهــا، وتـــحـــكـــي لأهـــــل الــــبــــاد قـصـصـهـم وتاريخهم ومعاناتهم، وما دُفن تحت ترابهم. مـــن المــواعــيــد الــتــي أثـــــارت إعــجــابــا كبيرا معارض «وي ديزين بيروت» أو «نحن نصمم بـيـروت» في نسخته الثانية، حيث أعيد رسم مــامــح مــواقــع فــي الـعـاصـمـة بــأنــامــل مبدعين تــفــنــنــوا فــــي تـــقـــديـــم رؤى، أضــــافــــت إلـــــى روح الأمـكـنـة مـعـانـي أخــــرى، فــي بـحـث عــن الـهـويـة، والانـتـمـاء، والــذاكــرة. تـوزعـت المشاريع الفنية فـــي عـــدد مـــن المـــواقـــع، مـــن بـيـنـهـا عـــمـــارة «بـــرج المـــر» و«فـيـا عـــودة» و«الـحـمـامـات الرومانية» و«بناية الاتحاد» ومصنع «أبرويان». وفــــــــــي الــــــصــــــيــــــف، وبـــــســـــبـــــب اســـــتـــــمـــــرار التهديدات، تــرددت لجان المهرجانات طويلاً، قــبــل أن تــعــلــن بـــرامـــجـــهـــا، لـكـنـهـا فـــي الـنـهـايـة قـــــررت ألا تــغــيــب، وفـــضّـــلـــت أن تـعـتـمـد بشكل كبير عـلـى الـفـنـانـن اللبنانيين، دون توسيع الـطـمـوح والـــتـــورط مــع فـــرق كـبـيـرة. ومـــن أبــرز مـا قــدّم فـي مهرجانات بيت الـديـن: ميوزيكال «كــلــو مــســمــوح» الــــذي لـعـبـت الـــــدور الـرئـيـسـي فيه الفنانة كـــارول سماحة، وأخـرجـه وشــارك فــي تمثيله روي الـــخـــوري، كـمـا كـــان الافـتـتـاح بـ«ديوانية حبّ» المستوحاة من مجالس الطرب القديمة. جمع الحدث ثلاثا من أبـرز المطربات الـعـربـيـات: جـاهـدة وهـبـة (لـبـنـان) الـتـي أدارت بمهارة الجلسة الغنائية، وريهام عبد الحكيم (مصر)، ولبانة القنطار (سوريا)، مع نخبة من العازفين بقيادة المايسترو أحمد طه. وتـــوالـــت المــهــرجــانــات الـسـيـنـمـائـيـة على مدار العام، واختير فيلم «أرزة» لتمثيل لبنان فـي الأوســكــار، مـن إخـــراج ميرا شـايـب، بطولة دياموند أبو عبود، تدور أحداثه حول أم تكافح في بيروت وتواجه تحديات لاسترداد دراجتها النارية. وفاز فيلم «ثريا حبي» بجائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان القاهرة السينمائي الـــدولـــي، لـلـمـخـرج نـيـكـولا خـــــوري، يستكشف حياة الفنانة الراقصة ثريا بغدادي، وعلاقتها بــزوجــهــا الـــراحـــل المـــخـــرج الـسـيـنـمـائـي مـــارون 4 بـــــغـــــدادي. كـــمـــا صـــــدر فــيــلــم «مـــشـــقـــلـــب» عــــن حكايات لبنانية في مرآة الكوميديا السوداء، أخـــرجـــهـــا كـــل مـــن لـــوســـيـــان بـــورجـــيـــلـــي، وبـــان فـقـيـه، ووســــام شـــرف، وأريــــج مـحـمـود. وكـذلـك فيلم «صـــوت آب» لمـارسـيـل غـصـن، يستحضر ألـــم مـديـنـة تـقـطّــعـت أوصــالــهــا، وفـيـلـم «نـجـوم الأمـل والألـــم» لسيريل عريس، الـذي شـارك في «مهرجان البندقية»، وفيلم «إلى عالم مجهول» للمخرج مهدي فليفل. وخـــــال هــــذه الـــســـنـــة، تـــم إحـــيـــاء الـــذكـــرى لمــيــاد مـيـخـائـيـل الـنـعـيـمـة، الــتــي تـعـذر 135 الــــــ الاحتفاء بها العام الماضي، وأقيم مؤتمر تميز بدراسات وشهادات في ناسك الشخروب. كما اجتمع محبّو الروائي إلياس خـوري وعائلته فـــي المـكـتـبـة الــوطــنــيــة لإحـــيـــاء الـــذكـــرى الأولــــى لرحيله، بمشاركة وزير الثقافة غسان سلامة، الذي قلده وساما بهذه المناسبة. كما تم تكريم الممثل القدير الراحل أنطوان كرباج في «مسرح المـــديـــنـــة». ومــــن ضــمــن الــتــكــريــمــات لـلـراحـلـن، الـعـودة إلـى إرث منصور الرحباني بمناسبة مئويته، حيث أحيت نشاطات عدة، لعل أبرزها الـحـفـل المـوسـيـقـي الـــخـــاب، الــــذي قـدمـتـه هبة طوجي بمعية الموسيقي أسامة الرحباني على أدراج قلعة بعلبك ضمن «مـهـرجـانـات بعلبك الدولية» خلال الصيف. وقد رحل عنا هذا العام الشاعر والمترجم والــصــحــافــي إســكــنــدر حــبــش بــعــد مــعــركــة مع الــــســــرطــــان، وكــــذلــــك الإعــــامــــي الـــعـــاشـــق لـلـغـة العربية، الذي عرفه بعنايته الاستثنائية بلغة الــضــاد، بــسّــام بــــرّاك. كـمـا رحـلـت مـهـا بـيـرقـدار الــخــال زوجــــة الــشــاعــر الـــراحـــل يــوســف الــخــال، وبـقـيـت لـوحـاتـهـا وجــرأتــهــا. أمـــا الـفـقـيـد الــذي اهتز لوداعه لبنان فكان زياد الرحباني، بما له من مكانة في نفوس الناس. كانت المفاجأة في «اليوم الوطني للتراث» مايو (أيار) إلى 14 أيام من 3 الذي سمح طوال منه، بإعفاء الزوار من رسم دخول المتاحف 16 والمـــــواقـــــع الأثــــريــــة الـــتـــابـــعـــة لــــــــوزارة الــثــقــافــة، وخـصـصـت لـهـم وســـائـــل نــقــل، فــكــان المـقـبـلـون بــــــــالآلاف، مــــا وضـــــع الـــــــــوزارة أمــــــام مــــــأزق غـيـر متوقع، ومفاجأة سعيدة غير محسوبة. واحـــتـــفـــلـــت مـــؤســـســـة «المــــــــورد الــثــقــافــي» بعيدها العشرين فـي سينما «متروبوليس» فـي أكتوبر (تشرين الأول) المـاضـي، الـتـي هي أشبه بـــــ«وزارة ثقافة عـربـيـة». هكذا وصفتها إحدى المشاركات في الملتقى الذي جمع شبكة واسعة من المبدعين في المنطقة العربية، وهم في غالبيتهم من الذين تعاونوا مع «المــورد»، ومنهم من أصبحوا نجوما بفضل تمويلاتها، ومشاريعها المختلفة. وبـــــعـــــض مــــــا جــــــــاء فــــــي المــــــــداخــــــــات عــن الــــتــــمــــويــــات الأجـــنـــبـــيـــة لـــلـــثـــقـــافـــة فـــــي لــبــنــان والمنطقة، ربما يجيب على جانب من أسئلتنا، حول سر انتعاش الأنشطة الثقافية، رغم الأزمة الاقتصادية. «ألف ليلة وليلة» من لبنان إلى موسكو بيروت: سوسن الأبطح معرض ضياء العزاوي في «غاليري صالح بركات» كثافة يختلط فيها الغث بالسمين، إن في الفن التشكيلي أو الأعمال السينمائية
RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky