issue17199.1

يشهد لبنان منذ سنوات انكماشا اقتصادياً، لكن تصريح وزيــر الاقـتـصـاد، عامر البساط، بأن حمل 2011 هو الأفضل اقتصاديا منذ 2025 عـام الكثير من الإيجابية، وأشار إلى أن لبنان في طريق التعافي وعلى السكّة الصحيحة. هذا من جهة، أما مـن جهة أخـــرى فـإنـه مـن المـتـوقّــع أن ينمو الناتج المــحــلــي الإجـــمـــالـــي بـشـكـل مــلــحــوظ فـــي الــســنــوات 4.7 المقبلة، مع توقعات تشير إلى نمو حقيقي بين في المائة (البنك الـدولـي) وربما أعلى من ذلـك مع ، للوصول بناتج محلي إلى نحو 2025 نهاية عام مليار دولار (بنك عـــودة)، وتوقعات للوصول 43 2026 في المائة خلال عام 6 إلى ذروة النمو بنسبة )، ليكون أول نمو إيـجـابـي منذ عام JP Morgan( )Moody’s( في المائة 0.8 ، ونمو فعلي بنحو 2017 مع استمرار الإصلاحات. فبعد سنوات من التخبّط والتراجع والانهيار الاقتصادي، هل يمكن القول إن لبنان يعيش عاما من الأفضل اقتصادياً؟! حقّاً، بدأ لبنان يشهد معدّلات نمو حقيقيّة، أضف إلى ذلك أن ميزان المدفوعات يُعطي مؤشرات إيجابية، وهو ما يزيد من الأموال والرساميل التي تُــضـخ فـي الاقـتـصـاد، ويحقّق فائضاً، كـذلـك فإنه مـن المـتـوقّــع أن تشهد المــوازنــة فائضا أيـضـا. لكن من المستحيل أن ينمو الاقتصاد من دون إصلاح مالي واستقرار نقدي بالتزامن مع حل لملف أموال المـــودعـــن وإعـــــادة الـثـقـة إلـــى الــقــطــاع المــصــرفــي... فهل سيسلك لبنان مسار التطوّر والإصــاح عمّا قريب؟! يجد لبنان نفسه مجدّدا أمام حركة سياحية مـــزدهـــرة وأجــــــواء احــتــفــالــيــة تـــعـــم ســـائـــر المـنـاطـق والقرى اللبنانية، مما يـدل على الإنماء المتوازن، فــــي مـــقـــابـــل تـــــطـــــوّرات ســيــاســيــة وأمـــنـــيـــة ووضــــع ميداني مقلق خاصة في القرى الـحـدوديـة. ورغم ذلـك، تشهد البلاد حركة وافدين لافتة مع اقتراب موعد موسم الأعـيـاد، وحركة أســواق تجارية في نــشــاط دائــــم وعـجـلـة اقــتــصــاديــة تـتـحـرك بـسـرعـة، وتبث أجواء إيجابية في الشارع اللبناني. وهكذا، فإن لبنان في موسم الأعياد يشهد زخما سياحيا رغم التهديدات الأمنية الإسرائيلية. لا شـــك أن الآفـــــاق المستقبلية تـفـتـح أبـوابـهـا مجددا أمـام حركة سياحية واقتصادية وتجارية ملحوظة، وأضــــواء ومـظـاهـر احتفالية تـعـم المـدن والـــقـــرى والـــبـــلـــدات، وزيــــــادة فـــي الإنـــمـــاء المـــتـــوازن بـمـعـظـم المــنــاطــق الـلـبـنـانـيـة، فـــي مـقـابـل تـــطـــوّرات سياسية ووضـــع مـيـدانـي حـــدودي مقلق وخطير للغاية. لكن ما يثير العجب هو أن عدد الوافدين يزداد يـومـا بـعـد يـــوم، ويستعيد مـطـار رفـيـق الـحـريـري ألفاً 15 الدولي نشاطه المعهود، وقد استقبل ما بين 22 ألف وافـد يومياً، على أن تبدأ الــذروة بين 18 و يناير (كانون الثاني)، 3 ديسمبر (كانون الأول) و وقد تمتد إلى أبعد من ذلـك، مع توقعات لوصول ألف وافد خلال هذه الفترة، ووصول نحو 20 نحو رحلة يومياً، بحيث يشهد اليوم إقبالا 100 إلى 80 مذهلا لا سيّما من الاغتراب اللبناني المنتشر في أمـيـركـا وكـنـدا وأوروبــــا وأفـريـقـيـا والـخـلـيـج. وفي الـــســـيـــاق، فــــإن كـــل هــــذا مـــن شــأنــه أن يُـــحـــرّك كـامـل الــــــدورة الاقــتــصــاديــة مـــن فـــنـــادق ومــطــاعــم ومــقــاه وخدمات واستئجار سيارات، وعلى المدى الطويل، 15.41 من المتوقع أن يتّجه الناتج المحلي إلى نحو مليار 19.88 ، و 2026 مليار دولار أميركي في عام .2027 دولار أميركي في عام ويبقى السؤال: هل سيعود لبنان إلى سابق عــهــده وبـالـثـقـة فـــي مــصــارفــه و«عـــصـــره الـذهـبـي» ليصبح «سويسرا الشرق» مجدّداً؟! Issue 17199 - العدد Tuesday - 2025/12/30 الثلاثاء يمكن القول بثقة إن العام الذي نُودعه كان عام خريف السلاح اللاشرعي، وعام افتضاح «المقاومة» الــصــوتــيــة لـــــ«حــــزب الــــلــــه»، بـــتـــكـــرار مــــحــــاولات بيع الأوهــــام والتضليل وتـسـويـق الأكـــاذيـــب. فالسلاح خـارج الدولة رسّــخ حقيقة بأنه لا يـردع ولا يحمي حتى حامليه ولا يصون الأرض ولا يحفظ كرامة. تـــهـــاوت ســــرديــــات مـــا سُـــمـــي «مــجــتــمــع المـــقـــاومـــة»، والانتصارات المزعومة، أمام وقائع صلبة قالت إن بقاء الـسـاح الفئوي، دون الـقـدرة على الفعل أمـام الاستباحة الصهيونية اليومية، بـات المبرر لبقاء الاحتلال وتمدده، ومفاقمة التهجير، واتساع رقعة البلدات التي تحولت إلى أنقاض. تعامى أهل «المقاومة» الصوتية عن الحقائق، وتـجـاهـلـوا مـعـانـاة طـالـت «الـبـيـئـة»، تـكـوي بنارها الناس المتروكة لمصيرها، وأطلت لعبة خطرة، بوهم الــقــدرة عـلـى بـقـاء لـبـنـان ورقـــة فــي أجــنــدة المـشـروع الإيـرانـي، فبدأ «حـزب الله» الرافض تسليم السلاح يـعـمـم أقـــاويـــل مــفــادهــا أن مـــا يـــســـري عــلــى جـنـوب الــلــيــطــانــي لــجــهــة حـــصـــر الــــســــاح، لا يـــســـري عـلـى شـمـالـه. إنـــه المـنـحـى الأخــطــر عـلـى الـبـلـد لـيـس فقط لأنـه يخرق قـــرارات مجلس الـــوزراء بحصر السلاح بـيـد الــقــوى الـشـرعـيـة فــي كــل لـبـنـان، بــل لأنـــه يهدد بتضييع فرصة جدية لاستعادة الدولة، ويمعن في نهج الإنكار رغم الأثمان التي رتبتها جريمة حرب «الإسناد». اســتــفــاد أصـــحـــاب هــــذه الـــطـــروحـــات مـــن تــــراخ سياسي خطير نتيجة تباينات تجاهلت التحذير مــن أبــعــاد التنكر لــقــرار «وقـــف الأعــمــال الـعـدائـيـة»، وأظهرت كسلا مريبا في التعامل مع طروحات يمكن لها أن تنقذ البلد من هزيمة مروعة آتية. وبدا مرات وكأنه فات جهات رسمية أن اتفاق وقف النار حدّد مصير السلاح بإقرار نزعه كاملا ونهائياً، واستغل العدو ما وصفه بتلكؤ في التنفيذ، لتوسيع نطاق شهرا في 13 الـعـدوان وأدرج اعـتـداءاتـه الآثمة منذ سياق منع «الحزب» من ترميم قدراته. في هذا التوقيت كشف نواف سلام أن الانتهاء من حصر السلاح جنوب الليطاني مسألة أيام، ولا أغسطس (آب) بنزعه على كامل 5 تراجع عن قرارات الأراضــــي اللبنانية، وأن الجيش بــات عشية بدئه المرحلة الثانية التي تشمل نـزع السلاح بين نهري الليطاني والأولـــي (شمال مدينة صـيـدا)، أي جعل كل الجنوب منطقة عمليات للجيش، معطوف على ذلــك حظر حمل الـسـاح أو نقله فـي بقية المناطق. وأعــــاد ســـام الـتـأكـيـد عـلـى أن قـــرار الــحــرب والسلم بيد السلطة، ووحده الجيش مسؤول عن الدفاع عن لبنان واللبنانيين، بما فيهم عناصر «حــزب الله» الـذيــن يـتـعـرَّضـون لتصفية يـومـيـة، نتيجة رعـونـة قرارات لا تقيم وزنا لحياة المواطنين، وبذلك أسقط موقف سلام ترهات دأب «حزب الله» على إطلاقها، قــالــت بـحـصـر الاتـــفـــاق بـجـنـوب الـلـيـطـانـي، وأنــــه لا تـــراجـــع عـــن الاحـــتـــفـــاظ بـــالـــســـاح وتـــالـــيـــا الـوظـيـفـة والدور التي أُنشئ من أجلهما. 13 شـــهـــرا عــلــى اتـــفـــاق وقــــف الــــنــــار، و 13 بــعــد شهرا من الاستباحة والقتل يقابلهما عجز «حزب الـلـه» المطلق عـن أي رد رغـم ارتـسـام معالم المنطقة الأمـنـيـة المحتلة، بــات مسيئا للبلد ولمـصـالـح أهله تكرار دعـوات «المقاومة» الصوتية عن «الجهوزية» واعتبار السلاح «خطا أحـمـرَ». والتنكر لنتائج ما آل إليه مسار المقاومة من فشل رغـم السلاح والمـال أصبح قاتلاً، ولا يجوز التعامي عن تحولات المنطقة المــتــســارعــة، وأهــمــهــا أن ســوريــا الــجــديــدة أخـرجـت النفوذ الإيراني بعد تحطيم أذرعه، وبات الزمن غير قابل للتكرار، ومتعذر العودة إلى ميلشة الدولة! ولأن لـبـنـان لا يـمـلـك تـــرف الــوقــت وأســـاســـا لم يختر المواجهة المفروضة التي قد تخرق كل السقوف وتـــهـــدد بـــقـــاء الـــكـــيـــان الــلــبــنــانــي، فــهــنــاك إجــــــراءات وقرارات لا تقبل التأجيل: أولها، أن يتضمن جدول الأعمال تفكيك البنى العسكرية الميليشياوية، التي تتستر بلباس كشفي. فهذه الخطوة لم تعد خيارا بل ضـرورة لإلغاء الأسـاس الـذي شلّع الدولة، وهو بالضبط ما وافق عليه المفاوض باسم لبنان السيد نبيه بــري وأيـــده نعيم قـاسـم بـالـصـورة والـصـوت، وتضمنه البند السابع من الاتفاق، وتتمته تفكيك الـبـنـى المـــوازيـــة لـلـبـنـى الـعـسـكـريـة وشـكـلـت أســـاس ظاهرة الدويلة كـ«الاقتصاد الموازي» ومن تجلياته «القرض الحسن». وثــانــيــهــا أنــــه مـــع تـسـفـيـه ســـرديـــة زعـــمـــت أن نــــزع الـــســـاح يـــعـــادل نــــزع قــــوة لـــبـــنـــان، لا بـــد بعد تضمين الـبـيـان الــــوزاري للحكومة اعـتـنـاق الخيار الـدبـلـومـاسـي لتحرير الأرض واسـتـعـادة الأســـرى، مـن إيـجـاد صيغة لا لبس فيها تؤكد نهاية العمل العسكري من لبنان ضد الكيان الإسرائيلي، فتُفتح نــافــذة جـديـة لإمـكـانـيـة تفعيل اتــفــاق الـهـدنـة ورقــة القوة اللبنانية لاستعادة كل الأرض. ولأن التشديد عــلــى المـــواجـــهـــة الــســيــاســيــة يــنــهــي ربــــط الــبــلــد مع الاستراتيجية الإيرانية، فبدء المرحلة الثانية لنزع السلاح من شمال الليطاني يسقط جُل ذرائع العدو ويـدعـم أداء المـفـاوض اللبناني، فـي حـن أن التقدم الملموس في تفكيك البنى العسكرية الميليشياوية مــــن لــبــنــانــيــة وفــلــســطــيــنــيــة مـــمـــر إجـــــبـــــاري لـبـسـط السيادة وحصر المواجهة بيد الدولة، ليكون ممكنا بــدء زمــن إعـــادة إعـمـار مـا دمـــره الـعـدو الإسرائيلي خلال حرب «الإسناد» التي بدأها «حزب الله» وبدء العودة المستدامة. مخيف ومقلق الوضع، البلد أنقاض، والإنكار والإصرار على المناورة استخفاف قد يجدد الكارثة. الــــخــــوف حــقــيــقــي وكـــبـــيـــر مــــن أن يــــخــــدم بـعـض مــا يـجـري الـتـوحـش الـصـهـيـونـي. لـقـد صـــدَع الــزلــزال السوري الميليشيات، فسارعت «لضبضبة» وضعها في العراق، ووفق مستشار رئيس الحكومة العراقية الـــســـودانـــي فـإنـهـا بـــن الــحــل الــطــوعــي لتركيبتها أو القسري، لأن الأســاس عـدم تعريض الـعـراق لضربات مـــن الـــعـــدو الإســـرائـــيـــلـــي، عــلــى غـــــرار مـــا تــعــرضــت له ميليشيات الـحـوثـي وكــفــى: دبـــابـــات الــعــدو فــي قلب وادي الــحــجــيــر وتـــقـــدمـــت إلـــــى عــدشــيــت والــقــنــطــرة، والأهالي الذين عادوا هربوا إلى دير سريان والقصير قبل أن يـنـزح أهـالـي البلدتين مـجـددا خـوفـا مـن تقدم قوات الاحتلال! من الخطأ الفادح اختزال ما يجري اليوم في شرق اليمن في خرائط السيطرة أو تـبـدّل خطوط النفوذ. فالقضية، فـي جوهرها، أقــدم وأعمق: جــنــوب يـمـنـي ظـــل لـعـقـود رهـيـنـة مــشــاريــع مـغـلـقـة، يُــسـتـدعـى اســمــه كلما احـتـاجـت قــوة مـا إلــى شـرعـيـة، ثـم يُقصى مـجـددا حـن يحين وقــت الـقـرار. ، لـم يُــتـح للجنوب أن يـصـوغ مستقبله عبر عقد 1990 منذ مـا قبل وحـــدة سياسي جامع، بل جرى تدويره بين نخب آيديولوجية وعسكرية تعاملت معه كَمِلكية سياسية لا كمجتمع مـتـنـوّع لـه مصالح وهــويــات متعددة. وما يحدث اليوم ليس استثناء عن هذا المسار، بل امتداد له، مع اختلاف الشعارات فقط. بـــهـــذا المـــعـــنـــى، فـــــإن حـــضـــرمـــوت لــيــســت مـــوضـــوع الأزمـــــــة، بـــل إحـــدى سـاحـاتـهـا. فـالانـدفــاع الـسَّــريـع للمجلس الانـتـقـالـي الـجـنـوبـي نـحـو فـرض سيطرة عسكرية على محافظات ذات خصوصية تاريخية واجتماعية معقدة لا يعكس قوة مشروع، بقدر ما يكشف هشاشته. المشاريع الواثقة لا تستعجل فرض الوقائع، ولا تخشى الحوار، ولا ترى في الشرعية عبئا يجب القفز فوقه. أمَّــا المشاريع التي تتحرَّك تحت ضغط الـوقـت، فتسعى دائما إلى خلق أمر واقع قبل أن تعود السياسة إلى طاولة التفاوض. هنا تتقاطع الأزمـــة مباشرة مـع المـوقـف الـسـعـودي. فالمملكة العربية السعودية، التي خاضت حـرب اليمن دفاعا عن أمنها القومي وعـن فكرة الـــدولـــة، لا تنظر إلـــى الـجـنـوب بـوصـفـه سـاحـة نــفــوذ، ولا إلـــى حضرموت كجائزة نفطية، بل كجزء من معادلة استقرار إقليمي لا يحتمل المغامرات. من هذا المنطلق، لم يكن الرفض السعودي لما جرى رفضا سياسيا مجرداً، بل كان اعتراضا بنيويا على منطق الاستئثار ذاته، أيّا كان صاحبه. الرهان على فرض السيطرة بالقوة، ثم تسويقها لاحقا كأمر واقع، يعيد إنتاج النموذج الـذي دمّــر اليمن شمالاً: سلطة بلا عقد اجتماعي، وسلاح بلا أفـق سياسي. والمفارقة أن هـذا الـرهـان يُــقـدَّم اليوم باسم «الاستقرار» و«مكافحة الإرهاب»، وكأن اليمنيين لم يختبروا من قبل كيف تُستخدم هذه العناوين لتبرير الإقصاء، ثم تنتهي إلى فوضى أوسع. فمكافحة التطرف لا تُــدار عبر إلغاء الشركاء، ولا عبر مـصـادرة الـقـرار المحلي، بل عبر بناء مؤسسات جامعة، وهو ما يتناقض جوهريا مع سلوك الفرض الأحادي. الأكثر خطورة أن هذا المسار يضرب قلب المعسكر المناهض للحوثي. فكل تصدع داخلي، وكل صراع بين حلفاء الأمـس، يمنح الحوثيين فرصة اسـتـراتـيـجـيـة مـجـانـيـة. وحـــن تُــسـتـنـزف الــقــوى الـحـكـومـيـة فــي صــراعــات جانبية، يصبح الحديث عن ردع الحوثي أو احتوائه أقرب إلى الوهم. هذا ما تدركه الرياض جيداً، ولهذا تبدو أكثر تمسكا بخيار التهدئة المنضبطة، وبمنع انزلاق الجنوب إلى نسخة أخرى من صراع الميليشيات المتنازعة. ثمّة وهم آخر يتغذَّى عليه هذا الاستعجال، وهو الاعتقاد بأن المجتمع الدولي سيتعامل مع الوقائع الجديدة بوصفها حلاً. التجربة تقول العكس. الكيانات التي تولد خارج الشرعية، أو على أنقاضها، لا تحظَى باعتراف مستقر، بل تُترك معلّقة في منطقة رمادية، تُستخدم عند الحاجة ويُضغط عليها عند أول اختبار. ومـن يظن أن إعـان الأمـر الواقع يمكن أن يتحول سريعا إلى دولة، يتجاهل دروس اليمن نفسه، شماله وجنوبه. السعودية كـانـت دائـمـا هـي الـطـرف الأكـثـر اتـسـاقـا مـع منطق الـدولـة. فهي لا تبحث عن نصر سريع، ولا عن خرائط مؤقتة، بل عن تسوية قابلة لـلـحـيـاة. ولــهــذا تـصـر عـلـى أن أي تـرتـيـب فــي الـجـنـوب يـجـب أن يـمـر عبر الشراكة، لا عبر الإقصاء، وعبر الشرعية، لا عبر القفز فوقها. هذا الموقف قد يبدو أقل صخباً، لكنَّه أكثر صلابة على المدى الطويل. في المحصلة، ما يجري اليوم ليس صراعا بين جنوب وشمال، ولا بين استقلال ووحدة، بل بين منطقين: منطق الدولة ومنطق الغلبة. الأول بطيء، معقّد، ومليء بالتنازلات، لكنَّه وحـدَه القادر على إنتاج استقرار. الثاني ســريــعٌ، مـغـرٍ، وصـاخــب، لكنَّه لا ينتج ســوى جـــولات جـديـدة مـن الـصـراع. الـرهـان السعودي واضــح في هـذا السياق، وهـو رهــان على أن اليمن، بكل مكوناته، لا يمكن إنقاذُه إلا بالخروج من عقلية الاستئثار، مهما تغيّرت الوجوه والشعارات. في المحصلة النهائية، قد تختلف الـقـراءات وتتعدد التأويلات، لكن الثابت الذي لا يقبل الالتفاف هو أن السعودية كانت وستبقى الضَّامن الأول والأهم لمصلحة اليمن واليمنيين، لا بوصفها طرفا في نزاع، بل باعتبارها آخر من يتمسَّك بفكرة الدولة في ساحة تتآكل فيها هذه الفكرة يوما بعد يـوم. غير أن ما يجري اليوم يتجاوز معضلة اليمن وحـدهـا، ويشير إلى مشروع أوسع وأخطر، يسعى إلى تطويق الجزيرة العربية بحزام من بؤر التوتر، تُزرع على تخومِها وتُدار من ذهنيات تفكر بغريزة الغنيمة، تحت يافطات مظالم جهوية وشعارات حقوقية براقة ترتدي أقنعة المظلومية، وتخفي تحتَها مشروع ميليشيا مكتمل مستعد للتحول من تمثيل «قضايا محلية»، إلــى أداة ابـتـزاز إقليمي دائـــم. فـي مواجهة هــذا المـسـار، لا يبدو منظور السعودية دفاعا عن حـدود أو نفوذ، بل هو دفـاع عن آخر خطوط الـعـقـل الـسـيـاسـي فــي المـنـطـقـة: الاســتــقــرار لا يُــبـنـى بـالـفـوضـى، ولا تُــصـان الأوطان بمنطق الغلبة، وأن اليمن، كما الإقليم ومنطقة الشرق الأوسط، لا يحتمل مشروعا جديدا لتدوير الخراب باسم المظلومية، حيث الطريق إلى تفتيت الأوطان والحروب الأهلية مفروش بتجار القضايا العادلة! حنا صالح يوسف الديني سعاد كريم OPINION الرأي 14 قراءة في لحظة جنوب اليمن لبنان... إصرار الحزب والتربص الصهيوني لبنان في موسم الأعياد هل سيعود لبنان إلى سابق عهده بالثقة في مصارفه وعصره الذهبي؟

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky