فجأة وبــدون مقدمات أعلن رئيس الـــوزراء الإسرائيلي نتنياهو الاعـــتـــراف بجمهورية أرض الـصـومـال (صـومـالـي لانـــد) دولـــة مستقلة ذات ســيــادة، حيث وقَّـــع رئـيـس الـــوزراء الإسرائيلي ورئيس الجمهورية المعلنة عبد الرحمن محمد عبد الله الإعلان المشترك بشأن اعتراف إسرائيل بـ«صومالي لاند» دولة مستقلة. وعلى الفور أعلنت مصر والصومال وتركيا وجيبوتي رفضها القاطع لاعتماد إسرائيل لإقليم صومالي لاند، وشدَّد وزراء الخارجية الأربعة على الدَّعم الكامل لوحدة الأراضـي الصومالية وسلامتها، والرفض الكامل لأي إجراءات أحادية من شأنها المساس بسيادة الدولة. عـلـى الــجــانــب الآخـــــر، جـــاء إعــــان الأمــــن الـــعـــام لمجلس التعاون الخليجي عن إدانة المجلس لقرار إسرائيل الاعتراف بما يسمى إقليم أرض الصومال (صومالي لاند)، لأن ذلك يعد تجاوزا للقانون الدولي ويهدّد الأمن الأفريقي. كذلك أعلنت منظمة التعاون الإسلامي رفضَها لهذا الإجـراء الإسرائيلي، وأيضا أكَّد الاتحاد الأفريقي على وحدة الصومال. كما أعلن الأمين العام لجامعة الدول العربية رفضَه لاعتراف إسرائيل بـإقـلـيـم صـومـالـي لانـــد، فيما جـــاء تعليق وزارة الـخـارجـيـة السعودية بأن المملكة تؤيّد دعمَها الكامل لسيادة جمهورية الصومال ووحدتها. أمَّـــا الـــولايـــات المــتــحــدة، فـقـد صـــرَّح رئـيـسـهـا تـرمـب بــأن الولايات المتحدة لن تعترف بأرض الصومال (صومالي لاند) دولة مستقلة، بحسب ما ذكرته صحيفة «نيويورك بوست». وكـــــانـــــت «صــــومــــالــــي لانــــــــد» قـــــد صـــــرَّحـــــت فـــــي الـــفـــتـــرة الـسـابـقـة بـإمـكـانـيـة مـنـح الـــولايـــات المـتـحـدة قــاعــدة عسكرية داخــــل أراضـــيـــهـــا، بــالإضــافــة إلـــى صــفــقــات تـتـعـلـق بـالمـعـادن الاستراتيجية، مقابل الاعتراف بها دولة مستقلة ذات سيادة. وللتعرف أكـثـر على إقليم «صـومـالـي لانـــد»، فهو يقع فـي منطقة الـقـرن الأفـريـقـي، وقديما كــان الـصـومـال قـد أعلن ، وقــد اعـتـرف بـه أكـثـر من 1960 استقلالَه عـن بريطانيا عــام دولـة، وهو الآن عضو في الأمـم المتحدة. إلا أن الصومال 34 ألف مدني، 250 تعرَّض لحرب أهلية قتل فيها ما يقرب من ) على إقليم صومالي SNM( حيث استولت الحركة الوطنية 169 . وهذا الإقليم مساحته 1990 لاند وأعلنت استقلاله عام مليون نسمة، 6.2 ألــف كيلومتر مـربـع، وعـــدد سكانه نحو وعاصمته وأكـبـر مـدنـه هـي هرجيسا، يـضـم صـومـالـي أهم المواني (بربرة)، وأصبح رئيسه عبد الرحمن محمد عبد الله. يقع إقليم صومالي لاند في منطقة القرن الأفريقي على خليج عدن، تحده إثيوبيا من الغرب وجيبوتي من الشمال. وهنا يطرح الـتـسـاؤل: لمــاذا أراد نتنياهو تنفيذ ذلـك القرار في هذا التوقيت؟ والإجابة عن ذلك أن إسرائيل لم تنس يوم ، عندما اقتحمت 1973 ) الـسـادس مـن أكتوبر (تشرين الأول الـــقـــوات المـصـريـة قــنــاة الـسـويـس ومــانــع خــط بــارلــيــف. وفـي الساعة الثانية والربع ظهرا أعلنت مصر إغلاق مضيق باب المـنـدب أمــام المـاحـة الإسرائيلية، مـا أثّــر على واردات النفط الـقـادمـة مـن إيـــران إلــى إسـرائـيـل فـي ذلــك الـوقـت، حيث كانت كيلومتر، 2000 المسافة من إسرائيل إلى باب المندب أكثر من مـا منع إسـرائـيـل مـن التدخل عسكريا ضـد الـقـوات البحرية المصرية التي أغلقت باب المندب. ولــقــد عــانــت إســرائــيــل كـثـيـرا خـــال فــتــرة حـــرب أكـتـوبـر بسبب هـذا التحدي البحري، وحـن حدثت مؤخرا مواجهة «حـــمـــاس» وإســرائــيــل لمـــدة عــامــن، خـالـهـا لـعـب الـحـوثـيـون في اليمن دورا في التأثير على الملاحة الإسرائيلية في باب المـنـدب. مـن هنا رأت إسرائيل ضـــرورة أن يكون لها حضور فــي منطقة بـــاب المــنــدب (الــقــرن الأفــريــقــي)، وجــــاءت الفرصة بالاعتراف بصومالي لاند، لتبدأ بعدها إسرائيل بتدعيمها بـــالمـــســـاعـــدات الاقـــتـــصـــاديـــة والــعــســكــريــة، ثـــم تـطـلـب وجــــودا عسكريا في ميناء بربرة المطل على خليج عدن وباب المندب، لتكون قـــادرة على التعامل مـع الحوثيين فـي أي اشتباكات محتملة والسيطرة على مدخل قناة السويس من الجنوب. وتأتي الفكرة الأخرى لدى إسرائيل على أساس تهجير جـــزء مــن الفلسطينيين إلـــى «صــومــالــي لانــــد»، الـــذي يمكنه استيعاب نحو مليون ونصف شخص من سكان قطاع غزة. أمــــا عـــن تــوقــيــت اخـــتـــيـــار هــــذا الــــقــــرار الآن، فـبـسـبـب أن نتنياهو سيدخل الانـتـخـابـات بعد أشـهـر قليلة، ويـريـد أن يثبت للشارع الإسرائيلي أنه يفكر في أمن إسرائيل وأمانها عــبــر وجـــودهـــا الــعــســكــري فـــي الـــقـــرن الأفـــريـــقـــي، كــمــا يسعى لإشغال الرأي العام العالمي عن تأجيل تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق السلام الذي تم توقيعه في شرم الشيخ، خصوصا رهينة وباقي الجثامين، عدا جثمانا 20 » بعد تسليم «حماس واحدا ً. ويعد هذا الإجراء الإسرائيلي في منطقة القرن الأفريقي تهديدا مباشرا لـأمـن القومي المـصـري، خـاصـة إذا تـم بناء أي قواعد عسكرية في صومالي لاند، مع العلم أن جيبوتي، جارته، لديها بالفعل خمس قواعد عسكرية للولايات المتحدة والـصـن والـيـابـان وإيطاليا وفـرنـسـا. وهـــذه الـقـواعـد كافية لتأمين منطقة باب المندب ومنطقة القرن الأفريقي، أحد أهم الممرات الاقتصادية في العالم. ومن المتوقع أن تقوم مصر، بالتعاون مع دول المنطقة، الــصــومــال وجـيـبـوتـي والمـمـلـكـة الـعـربـيـة الـسـعـوديـة وتركيا ودول الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، بحملة سياسية لإيـقـاف هـذا التصرف الإسرائيلي الأحـــادي، تمهيدا لعرض المـــوضـــوع عـلـى مـجـلـس الأمــــن لاتــخــاذ قــــرار يـمـنـع تنفيذ أي إجـــراء يـهـدد الأمـــن الـقـومـي فـي الـقـرن الأفـريـقـي، خـاصـة أمن وسلامة الطرق البحرية الحيوية مثل قناة السويس في إطار حماية مصالح دول المنطقة والعالم، والحفاظ على استقرار ممرات التجارة الدولية. الـعـادة غالبةٌ، وفـي العالم العربي تـعـوَّدت الشعوب على تــجــرُّع الـهـزيـمـة وتـــعـــوَّدت أن تُــجـبـر جــبــرا بـعـدهـا عـلـى تـجـرُّع التبريرات اللئيمة، فـكـان يقال لها فـي لحظة الهزيمة النكراء حـن حـلَّــت الهزيمة 1967 إنَّــهـا انـتـصـرت، كما جــرى فـي حــرب النكراء، ولكن عقول بعض السياسيين والصحافيين حينذاك تجلّت عـن مصطلح جـديـد لتعريف «الـهـزيـمـة»، فكتب محمد حسنين هيكل عن «النكسة» في محاولة منه لتضليل الجماهير وخداع الملايين في العالم العربي. واستمر هيكل في نهجه القديم، وحين تم اغتيال السادات على يد الجماعات الإرهابية، خرج من السجن، وألَّف كتابه عن أنجح الرؤساء المصريين «خريف الغضب»، زعم فيه أن السادات كان مأزوما من لونه، وأنـه (أي هيكل) قد تعلم في السجن من «الإخوان المسلمين» والإرهابيين كيف يتوضأ بكأس من الماء. ضـــد الــكــويــت 1990 زعــــم صـــــدام حــســن أنــــه انــتــصــر فـــي والسعودية والتحالف الدولي، واستسلم لشروط إنهاء الحرب، أنـــه انـتـصـر مــجــددا عـلـى الـتـحـالـف الــدولــي، 2003 ثــم زعـــم فــي وبرَّر له محمد الصحّاف كل تلك الحماقات بما يشبه تبريرات أحمد سعيد في إذاعة «صوت العرب» لعبد الناصر، ولا يشبه تنظيرات هيكل. أخبار اليوم تنقل مرارا وتكرارا عن إيران بأنَّها تسعى جاهدة للتبرؤ من كل «ميليشياتها» في العراق واليمن وفلسطين ولبنان، وأنَّها غيَّرت استراتيجيتها السابقة في الزعم بأنَّها تسيطر على عواصم عربية إلى استراتيجية البراءة، وأن تلك الميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية تتخذ قراراتها بنفسها، وليست لها أي علاقة بإيران وبمشروعها التوسعي لفرض الهيمنة وبسط النفوذ في المنطقة. تـنـقـل وســـائـــل الإعـــــام والــصــحــافــة عـــن وزيـــــر الـخـارجـيـة الإيـرانـي عباس عراقجي أن «الميليشيات» في العراق لها قـرار مستقل لا عـاقـة لــه بـــإيـــران، ولا يـصـدق هـــذه الـتـصـريـحـات إلا من صــدّق من قبل أن «ميليشيا الحوثي» لا تتبع إيـــران، ومن صدّق أن إيران لا علاقة لها بـ«حزب الله» اللبناني ولا بـ«حركة حماس» الفلسطينية. مـن لا يعرف التاريخ لا يحسن التعامل مـع الـواقـع، ومع كـل الاضـطـرابـات الحالية والتناقضات السياسية الطبيعية، والاضـطـرابـات التحليلية المتقافزة ذات اليمين وذات الشمال، فـــإن المـشـهـد الـحـالـي لا يـوحـي بـشـيء ســـوى أن «إيـــــران» الـيـوم تتبع نهج «عبد الناصر» و«صدام» في لحظة الهزيمة المنكرة، وتسعى لتغيير مفاهيم النصر والـهـزيـمـة، وتعتمد المكابرة عالية الـصـوت للحفاظ على مـا تبقى مـن إرث أوهـــام التوسع الإمبراطوري والهيمنة الآيديولوجية. لـــو جــــاء هــيــكــل جـــديـــد لـتـضـلـيـل الــــــرأي الـــعـــام لــكــانــت له مقولتان رئيسيتان لتعمية المشهد وخـداع الشعوب: أولاهما، «نهاية الإسلام السياسي»، وأن جماعات ومفاهيم وتنظيمات بـنـيـت فــي عــقــود مــن الــزمــن «انــتــهــت» و«تـــاشـــت» فــي ســنــوات مــعــدودةٍ، وأن المـحـور الأصـولـي تنازلت عنه الـــدول التي كانت تدعمه في المنطقة، والثانية: أن كل ما مضى من استراتيجيات إيران وخططها وميليشياتها التي دعمتها قد «اختفت» نهائيا ودون رجـعـةٍ، وأن محورها قـد انتهى وتـاشـى، وكــأن الأحـام والأماني يمكن أن تغير الواقع وتتحكم في مسار التاريخ. أسـئـلـة سـهـلـة تـسـاعـد عـلـى مـحـاكـمـة مـثـل هـــذه المــقــولات، هـل انتهت «الـصـحـوة» مثلما انتهت «الــنــازيــة» و«الـفـاشـيـة»؟ وهــل هُـــزِم المــحــوران الأصـولـي والطائفي فـي المنطقة سياسيا وعسكريا مثلما انتهى صــدام حسين ونـظـامـه؟ هــذان ســؤالان صــغــيــران، ولكنهما يـحـمـان دلالات كـبـيـرة فــي قــــراءة المشهد المعاصر ومحاكمة أفكاره ومفاهيمه، فإن كانت «الصحوة» قد انتهت فعلياً، فما كل هذه التجليات الصحوية في كل المجالات، وإن كـانـت بـعـبـاءات جــديــدة وأشــكــال غير مـريـبـة لا تخبئ إلا الأفـكـار القديمة ذاتـهـا والمفاهيم العتيدة؟ وإن كـانـت المـحـاور المعادية للعرب في المنطقة قد هزمت، فلماذا لم تعلن الاستسلام ولماذا بقيت دولها القائدة لها قائمة وتتقوى؟ وهـنـاك أسـئـلـة أخـــرى وأوضــــاع معقدة تثير أسـئـلـة أكثر وأكــبـر تـجـاه الأحــــداث الـكـبـرى فـي المنطقة والـتـغـيـرات الهائلة الـتـي تـجـري فـيـهـا، ويـمـكـن للمتابع طـرحـهـا بسهولة بمجرد استعراض الأخـبـار اليومية. بعض هـذه الأسئلة مهمة كذلك، ففي لـبـنـان، لمـــاذا يصر «حـــزب الـلـه» اللبناني على رفــض نزع سـاحـه وتسليمه لـلـدولـة؟ ولمــــاذا مــا زالـــت إيــــران تـدعـمـه علنا وتسعى لوضع العصي فـي الـدوالـيـب أمــام بناء دولــة لبنانية مستقلة تحتكر حـق الـعـنـف؟ وفــي فلسطين لمـــاذا تـصـر حركة «حـمـاس» على الاحـتـفـاظ بسلاحها لآخــر لحظة وهــو السلاح الذي لم يتضرر منه سوى الشعب الفلسطيني في غزة؟ وقل مثل هذا في اليمن، حيث تعيث «ميليشيا الحوثي» فسادا في عـرض البلاد وطولها، فلماذا يترك لها الحبل على الغارب؟ وفي العراق ما زالـت «الميليشيات المسلحة» من شتى الفصائل والأحزاب تتسلح وتتقوى لتكون بديلا عن «الجيش» وتمتلك من الأسلحة ما لا يمتلكه الجيش؟ أخـيـراً، فالهزيمة هزيمة مهما انتحلت النصر، والمحلل الذي تخدعه المظاهر دون الغوص في الأعماق يحتاج إلى مزيد من الدراسة والبحث والتعلّم. حتى السبعينات ظلّت الوجهة المسيطرة على الفكر السياسي العربيّ، والمشرقي منه خصوصاً، تقترح علاجا واحـدا أوحـد لهموم تـــلـــك المـــنـــطـــقـــة. فــــبـــــ«الــــوحــــدة» و«الـــتـــحـــريـــر»، تضاف إليهما أحيانا الاشتراكيّة التي يبدأ تقسيطها بـ«نظام وطني ديمقراطيّ»، تُحقّق عـشـرات المـايـن آمالها المـنـشـودة، لا تردعها عن ذلـك «حــدود مصطنعة» أو تفاوت يفصل بين دولة ودولة ومجتمع ومجتمع. وفي هذه الغضون كانت قضايا الأقلّيات تُثار أو تحتقن، بالإثني منها كقضيّة الكرد فــــي الـــــعـــــراق، أو بـــالـــديـــنـــي كــقــضــايــا الــيــهــود والمسيحيّين الـعـرب. بيد أن أصـحـاب العلاج الأوحــــــد ظـــلّـــوا يــــصــــرّون عــلــى عــاجــهــم إيّـــــاه، مــكــتــفــن بـــوصـــف المـــســـائـــل «الــــطــــرفــــيّــــة» تـلـك بــالمــؤســفــة، أو بـــردّهـــا إلــــى أصـــابـــع أجـنـبـيّــة، واعـديـن بأنّها سـوف تُعالَج بالعلاج الأوحـد نـفـسـه الـــــذي يــســتــأصــل كــــل أشـــكـــال الــتــفــاوت ويجعلنا مثل أسنان المشط. حـتّــى الـــحـــروب الأهــلــيّــة، ابـــتـــداء باليمن فــي مـطـالـع الـسـتـيـنـات، ثـــم لـبـنـان فــي أواســـط السبعينات، بولغ في تسييسها هـذا حفاظا على نقاء التحليل. هكذا نُسّبت إلـى «يمين» و«يـــــــســـــــار» وإلـــــــــى «تــــــحــــــرّر وطــــــنــــــيّ» يــــقــــاوم «الاستعمار». وكــــان أصــحــاب الــعــاج الأوحــــد يـجـدون ما يستمدّون منه المــدد في أحــداث وظاهرات مــتــفــرّقــة كـــثـــورة الـــجـــزائـــر والــــعــــدوان الــثــاثــي عـلـى مـصـر ووحــــدة مـصـر وســـوريّـــة، وأخــيــرا الـثـورة الفلسطينيّة. لكن فضلا عـن تناقص تـلـك الأحــــداث والــظــاهــرات، آثــر المـعــتــدّون بها تجاهل تناقضاتها الذاتيّة أو تصغير حجم الــتــنــاقــضــات تـــلـــك. فـــا انـــفـــصـــال ســــوريّــــة عن «الـجـمـهـوريّــة العربيّة المـتّــحـدة» استقطب ما يستحقّه من اهتمام، ولا الاحتراب الناصري – الـــبـــعـــثـــي الـــعـــاصـــف بــالمــعــســكــر «الـــوطـــنـــي والتقدّميّ»، أو حقيقة أن الثورة الفلسطينيّة ذاتها إنّما كانت انشقاقا عن القوميّة العربيّة الناصريّة. أمّا المـرّة الأولـى التي انكشف فيها، على نحو مُدو لا يقبل التستّر والتمويه، أن نظريّة العلاج الأوحد لا تعالج شيئاً، فكانت مع أنور الـــســـادات. فـمـن خـــال «المـــبـــادرة» ثـــم معاهدة كامب ديفيد، تبي أن الأولويّة المصريّة، وهي ،1967 استعادة الأراضي الوطنيّة المحتلّة في تخالف الأولويّة التي تفرضها نظريّة العلاج إنّما كانت من صنف 1973 الأوحد، وأن حرب اللقاءات العابرة التي تمهّد لافتراق طويل. ومــــــن مــــوقــــع مـــخـــتـــلـــف، ضــــربــــت إيــــــــران الخمينيّة النظريّة المذكورة من زاويتين: فهي، من جهة، أقحمت الإسلام السياسي في أجندة كـانـت تـؤكّــد على القوميّة والـتـقـدّمـيّــة. وهـي، مــن جـهـة أخــــرى، وهـــو الـتـأثـيـر الأهـــــمّ، طيّفت المنطقة بما يتعارض كلّيّا مع مزاعم النظريّة إيّـــــاهـــــا. وقـــــد جــــــاءت الــــحــــرب الـــتـــي افـتـتـحـهـا عـــــراق صـــــدّام لــتــدفــع الـتـطـيـيـف إلــــى ذروة لم تَفُقْها إلا ذروة الـحـرب اللاحقة التي شنّتها الميليشيات الخمينيّة، اللبنانيّة والعراقيّة، على السوريّين. لـكـن مــا كـــادت تـتـوقّــف الــحــرب الـعـراقـيّــة – الإيرانيّة حتّى كـان الغزو العراقي للكويت الــذي شطر العالم الـعـربـي شطرين، واضـطُــر البلد الصغير المغزو إلى الاستنجاد بالأجنبي للمساعدة على دحر «الشقيق» الغازي. وكــانــت أوراق الــتــوت حـيـنـذاك تتساقط بغزارة، فترتسم «الأنظمة الوطنيّة التقدّميّة»، وهـــــي الأكــــثــــر اســـتـــثـــمـــارا فــــي نـــظـــريّـــة الـــعـــاج الأوحد، أنظمة قمع وفساد عاريين مصحوبين بــالــفــشــل الإنـــــجـــــازي والـــتـــوريـــث الــجــمــهــوري والسطو على البلدان المجاورة الأضعف. وفـي السياق هـذا انــدرج انهيار الاتّحاد الـسـوفـيـاتـي بـوصـفـه الــطــرف الأبــــوي المـشـرف على اشـتـغـال الـعـاج الأوحـــد وقـــواه المحلّيّة، يهندس جبهاته ويسلّح جيوشه وتنظيماته ويـــدرّب جواسيسه ثـم يدافع عنه في مجلس الأمن. وبدوره فإن موضوع فلسطين، «القضيّة ،1946 المركزيّة» منذ قمّة أنشاص العربيّة في بــــات أقـــــل مـــركـــزيّـــة بـكـثـيـر. فــاتّــفــاقــيّــة أوســلــو توقّف إقلاعها بعد بناء سلطة تقل كثيرا عن التوقّعات. وإذ عصفت انشقاقات كان أبرزها وأخــــطــــرهــــا انــــقــــاب «حــــمــــاس» واســتــقــالــهــا بغزّة، ساد شعور عام بالضجر حيال قضيّة بدا أنّها لا تُحَلّ، فيما توزّعت الـدول العربيّة بين تلك المُنكبّة على شؤونها الداخليّة وتلك المـنـسـحـبـة تـبـعـا لأكــــاف بـاهـظـة لا تستطيع تحمّلها مـــرّة أخــــرى. وهـــذا قـبـل أن تستولي على «القضيّة» قـوى الممانعة وتدرجها بندا مُــتــصــدّرا فــي الـــحـــروب الأهــلــيّــة الـعـربـيّــة كما تُلحقها بمشاريع النفوذ الإيراني وتوسّعه. ،2003 وفـي مـــوازاة ذلـك كلّه نشأت، بعد مـسـألـة عـراقـيّــة هـــي، إلـــى حـــد بـعـيـد، مستقلّة بـذاتـهـا، ثـــم كـانـت الـــثـــورات الـتـي طــرحــت، في بداياتها، أجـنـدات لبلدانها يصعب وصلها بــ«الـهـم الـقـومـي الـجـامـع»، بينما راح يصعد مــا عُــــرف بـــ«الــنــمــوذج الـخـلـيـجـيّ» مصحوبا بــجــاذبــيّــة لا يـربـطـهـا رابـــــط بــنــظــريّــة الــعــاج الأوحـــــد. فـحـن نـشـبـت الــحــرب الأخـــيـــرة التي أكــتــوبــر، تـــبـــدّى افــتــراق 7 اسـتـدعـتـهـا عـمـلـيّــة هائل بـن التوقّعات الفلسطينيّة والـسـوريّــة واللبنانيّة. لـقـد طـــوّر الـنـاقـد الــويــلــزي والـبـريـطـانـي رايموند وليمز تصوّرا مفاده توزّع أيّة جماعة ثـقـافـيّــة إلـــى ثــاثــة أجـــــزاء: واحـــــد «مـسـيـطـر»، وآخر «ناشئ»، وثالث «مترسّب». وقد يجوز لـنـا إدراج نـظـريّــة الــعــاج الأوحــــد فــي الـوعـي المترسّب الـذي يعادل تأثيرات، واعية أو غير واعـيـة، تخلّفها المـمـارسـات الثقافيّة القديمة عـلـى المـجـتـمـعـات الـحـديـثـة. والمــتــرسّــب ليس بـــالـــضـــرورة قــديــمــا مـــهـــجـــوراً، إذ هـــو نـاشـط وقـــــوي وفــــعّــــال، يـــزيـــده قـــــوّة ضــعــف الـوعـيـن المسيطر والناشىء. وهـذا ما يصف، إلى حد بعيد، أحوالنا مع العلاج الأوحد، حيث لا تزال تــتــردّد تعابير «الــوطــن الــعــربــيّ» و«الـقـضـيّــة المركزيّة»، وقـد تـدوم طويلا على هـذا النحو، بينما نمعن في التفرّق أيدي سبأ. OPINION الرأي 12 Issue 17197 - العدد Sunday - 2025/12/28 الأحد الهزيمة حين تنتحل النصر التَّوتر يتصاعد في القرن الأفريقي القضايا العربيّة ونهاية العلاج الأوحد المزعوم وكيل التوزيع وكيل الاشتراكات الوكيل الإعلاني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] المركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 المركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى الإمارات: شركة الامارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 المدينة المنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب الأولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية الموجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها المسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة لمحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي بالمعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com حازم صاغيّة عبد الله بن بجاد العتيبي سمير فرج
RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky