اقتصاد 17 Issue 17196 - العدد Saturday - 2025/12/27 السبت ECONOMY تسعى من خلال هذا التحقيق لتتبع خيوط ما يمكن تسميته «اقتصاد الظل الرقمي» من جمع البيانات ووسطاء بيعها، وتدريب النماذج إلى التزييف العميق رحلة داخل اقتصاد الخوارزميات من «أوافق» إلى «إمبراطوريات التكنولوجيا» من السنتات إلى التريليونات... هل سلبتنا «سوق الظل» بياناتنا؟ عاماً، حين أدّت النجمة 12 قبل نحو الأمـــيـــركـــيـــة ســكــارلــيــت جـــوهـــانـــســـون دور الـصـوت الأنــثــوي لنظام ذكـــاء اصطناعي ، لم يكن المشاهد يرى Her » في فيلم «هـي أكثر من حكاية رومانسية مستقبلية عن علاقة بـن إنـسـان وآلــة. لكن بعد أكثر من عقد، خرجت جوهانسون نفسها لتقول إن صوتا «يشبهها بشكل مخيف» استُخدم في منتج تجاري للذكاء الاصطناعي، وإن أقرب المقربين منها لم يتمكنوا من التمييز بين الصوت الحقيقي والمستنسخ. لـــم تــكــن الـــواقـــعـــة مـــجـــرد خــــاف فني أو جــدل حــول حـقـوق الأداء الـصـوتـي، بل علامة فارقة على واقـع جديد، فالأصوات والــوجــوه والمــامــح البشرية لـم تعد ملكا حــصــريــا لأصـــحـــابـــهـــا، بـــل تــحــولــت مــــادة قـابـلـة لـاسـتـخـاص والـــتـــداول والــتــكــرار، رغما عن إرادتهم. بعد أسابيع قليلة من هـذه الواقعة، وقّــــــع الـــرئـــيـــس الأمـــيـــركـــي دونــــالــــد تــرمــب قانونا جديدا يستهدف الصور الحميمية المـصـنـوعـة بــالــذكــاء الاصــطــنــاعــي، ويـلـزم المنصات بإزالتها ويشدد العقوبات على تداولها. ولم يكن القانون موجّها للقطاع الــتــقــنــي بـــقـــدر مـــا كــــان اعـــتـــرافـــا سـيـاسـيـا صـــريـــحـــا بــــــأن الـــــضـــــرر لـــــم يـــعـــد نـــظـــريـــا، وأن الــــذكــــاء الاصــطــنــاعــي تـــجـــاوز حـــدود المــخــتــبــرات إلـــى حــيــاة الـــنـــاس وسمعتهم وأمنهم الشخصي. مـــــن هــــــذه الـــنـــقـــطـــة، يـــتـــفـــرع الــــســــؤال الأكـــــــبـــــــر: إذا كــــــــان الــــــصــــــوت والــــــصــــــورة والــبــيــانــات الـسـلـوكـيـة قـــد أصـبـحـت مـــادة خــامــا لاقـتـصـاد ضــخــم، فـمـن يـمـلـك الحق في تقرير مصيرها؟ ومن يحصد قيمتها؟ ومن يدفع ثمنها حين يُساء استخدامها؟ سعت «الشرق الأوسط» من خلال هذا التحقيق لتتبع خيوط ما يمكن تسميته «اقتصاد الظل الرقمي»؛ من جمع البيانات ووسطاء بيعها، إلى تدريب النماذج، إلى الـتـزيـيـف الـعـمـيـق والابــــتــــزاز والاحــتــيــال، وصـــــولا إلــــى فــــراغ قــانــونــي عــالمــي يجعل «ملكية الوجه والصوت» سؤالا بلا إجابة. اقتصاد يتوحّش في الظل ويـرسـم تقرير مؤتمر الأمـــم المتحدة لــلــتــجــارة والــتــنــمــيــة (أونـــكـــتـــاد) الـخـلـفـيـة اقـتـصـادا 43 الـكـبـرى لــهــذا الــتــحــول. فـفـي في المائة من الناتج المحلي 75 تمثل نحو الإجــــمــــالــــي الــــعــــالمــــي، ارتــــفــــعــــت الـــتـــجـــارة تريليون 17 الإلكترونية بين الشركات من تريليون دولار عام 27 إلى 2016 دولار عام في المائة خلال ست 60 ، بنمو يناهز 2022 سنوات فقط. لـكـن مــا يــتــجــاوز الــتــجــارة هــو سيل الــــبــــيــــانــــات الــــنــــاتــــج مـــــن هـــــــذا الــــتــــوســــع. فالهواتف الذكية، والساعات، والسيارات، والكاميرات، والمنازل الذكية... وكل جهاز متصل بشبكة الإنـتـرنـت هـو نقطة جمع مــحــتــمــلــة لـــبـــيـــانـــات المـــــوقـــــع، والـــســـلـــوك، والـــــصـــــورة، والـــــصـــــوت. وبــيــنــمــا يُـــســـوَّق ذلــــــك بـــوصـــفـــه «تـــخـــصـــيـــصـــا» و«راحـــــــــة» للمستخدم، يظهر لاعــب أسـاسـي بعيدا عـــن الأضــــــــواء، وهـــــم: وســـطـــاء الــبــيــانــات )، وهــــم أفــــــراد وشـــركـــات Data Brokers( تـجـمـع مــعــلــومــات هــائــلــة عـــن الأفــــــراد ثم تـعـيـد بيعها فــي أســــواق مغلقة أو شبه مغلقة. تقديرات أبحاث السوق تشير إلى أن ما 2024 سوق وسطاء البيانات بلغ عام مليار دولار، مع توقعات 280 و 250 بين بتجاوزه نصف تريليون دولار خلال أقل 7 من عقد، وبمعدل نمو سنوي يتجاوز فــي المــائــة، وذلـــك حـسـب تـقـاريـر منصات ومؤسسات مثل «غـرانـد فيو ريسيرش» و«مــــاركــــت ريــســيــرش مــونــيــتــور» و«إس إن إس إنسايدر». لكن الأخطر هنا ليس حجم السوق... بل طريقة تسعير الإنسان داخلها. وفــــــي واحـــــــــدة مـــــن أكــــثــــر الإشـــــــــارات فـجـاجـة عـلـى رخـــص «الــهــويــة الـرقـمـيـة»، تــوثــق جـلـسـة اســتــمــاع رسـمـيـة مـنـشـورة عـــلـــى مـــوقـــع الـــكـــونـــغـــرس الأمــــيــــركــــي، أن صـنـاعـة وســطــاء الـبـيـانـات «قـــد تبيع أي مـعـلـومـات عــن أي شـخـص - مهما كانت ســـنـــتـــات لــاســم 7.9 حـــســـاســـة - مـــقـــابـــل الــــــواحــــــد»، مــــع مــــثــــال صـــــــادم عــــن قـــوائـــم لضحايا اعتداءات جنسية جرى الاتجار بها بالسعر نفسه. وفـــــــي جـــلـــســـة أخـــــــــرى حـــــــول مــلــكــيــة الــــبــــيــــانــــات، نُـــــشـــــرت كــــذلــــك عـــلـــى المـــوقـــع الـرسـمـي لـلـكـونـغـرس، جــرى الاستشهاد بتقديرات نقلتها صحيفة «فاينانشيال تايمز» تفيد بأن «القيمة المالية» لبعض قــوائــم الـبـيـانـات قــد تــكــون أقـــل مــن بنس واحد للفرد، مثل قوائم مشتري السيارات دولار لــــاســــم، وقـــوائـــم 0.0021 بــنــحــو دولار للاسم. 0.26 صحية بنحو هـــذه الـسـنـتـات القليلة، عـنـد تجميع مليارات السجلات وإعـــادة تدويرها عبر طــبــقــات مـــن الـــوســـطـــاء، تــتــحــول مــلــيــارات الـــــــــــــدولارات. وعــــنــــدمــــا تــنــتــقــل الـــبـــيـــانـــات مـــن «ســجــل تـسـويـقـي» إلـــى «هـــويـــة قابلة لـــــاســـــتـــــغـــــال» فــــــي الــــــســــــوق الإجـــــرامـــــيـــــة (انتحال، أو اخـتـراق، أو ابـتـزاز، أو تزوير صــــوت وفـــيـــديـــو) تــقــفــز قـيـمـتـهـا أضــعــافــا مضاعفة، حسب مصادر من «الإنتربول». «الخدمة المجانية»... الوهم الأكبر يــخــتــصــر عـــاصـــم جــــــال، اســـتـــشـــاري الـعـلـوم الإداريــــة وتكنولوجيا المعلومات )، التحول G&K( » في شركة «جي آند كيه الـــذي شهدته الـبـيـانـات الشخصية خلال الـــعـــقـــديـــن الأخـــيـــريـــن فــــي عــــبــــارة واحــــــدة: «المنصات لا تمنحك خدمة مجانية... بل تشتري منك معلوماتك». ويــشــرح جـــال، فــي حـديـث لــ«الـشـرق الأوســــــط»، أن انــتــهــاك وتـــجـــارة الـبـيـانـات لـــم تــعــد أثـــــرا جــانــبــيــا لـلـتـكـنـولـوجـيـا، بل أصــــبــــحــــت بــــــوابــــــة أســـــاســـــيـــــة لـــلـــتـــســـويـــق وصــنــاعــة الـــقـــرار الاقـــتـــصـــادي؛ إذ تسمح للشركات بفهم أنماط الشراء والاهتمامات والسلوكيات اليومية للمستخدمين، ومن ثم استهدافهم بدقة أو حتى إعادة تصميم المنتج نفسه ليتلاءم مع هذه الأنماط. وفي هذا النموذج، لا تكون القيمة في الاشتراك أو في عدد المستخدمين الظاهر فـقـط، بـل فـي قـدرتـهـم على توليد بيانات مــســتــمــرة. المــســتــخــدم يـتـصـفـح، يـضـغـط، يـــشـــاهـــد، يـــتـــوقـــف، يــعــيــد المـــحـــاولـــة، وكــل حركة تُسجل وتُحلل وتُعاد صياغتها في صـــورة ملف رقـمـي متكامل. وهـكـذا تقوم معادلة غير معلنة: خدمة تبدو مجانية، مقابل تبرع دائم بالمعلومات. هــــــــــذه المـــــــعـــــــادلـــــــة هــــــــي مــــــــا يـــســـمـــيـــه هـــــــشـــــــام الـــــــــنـــــــــاطـــــــــور، المـــــتـــــخـــــصـــــص فـــي الـتـطـويـر الـتـكـنـولـوجـي وتـقـنـيـات الــذكــاء الاصــطــنــاعــي، جــوهــر الاقـــتـــصـــاد الـرقـمـي الحديث. فـ«شركة بلا مستخدمين قيمتها صـفـر»، ليس لأن التكنولوجيا بـا قيمة، بل لأن البيانات هي الوقود الحقيقي. ويصف الناطور لـ«الشرق الأوســط» المــشــهــد بـــــ«حــــرب الــــخــــوارزمــــيــــات»، حيث تــتــنــافــس الـــشـــركـــات عــلــى امـــتـــاك نــمــاذج أذكى وأسرع وأكثر قدرة على فهم الإنسان والتنبؤ بسلوكه؛ لأن من يسبق في جمع الــبــيــانــات وتـحـلـيـلـهـا يـسـبـق فـــي الأربــــاح والهيمنة. كتلة عربية ضخمة تترقب قوة تشريعية ويُظهر هذا التحول مفارقة لافتة في المنطقة العربية. فحسب دراســـات نُشرت في وسائل دولية متخصصة، يقترب عدد مستخدمي الإنـتـرنـت ووســائــل التواصل الاجـتـمـاعـي فــي الــــدول الـعـربـيـة مــن حجم الاتحاد الأوروبـي، مع معدلات نمو أعلى. أي أن المنطقة تمثل كتلة رقمية ضخمة من حيث العدد والتفاعل. غـــيـــر أن عـــاصـــم جـــــال يـــــرى أن هـــذه الكتلة تفتقر إلى عنصر الحسم الحقيقي، وهو التشريع الموحد. فالشركات العملاقة لا تتأثر بعدد المستخدمين بقدر ما تتأثر بــالــقــوانــن والـــغـــرامـــات والـــقـــيـــود الـقـابـلـة للتنفيذ. ويشير إلى أن الاتحاد الأوروبي، رغم تفاوت لغاته وثقافاته، استطاع فرض قـواعـد صـارمـة لحماية الـبـيـانـات، جعلت الـــشـــركـــات تــــعــــدّل ســيــاســاتــهــا أو تـــواجـــه عقوبات بمئات الملايين من اليوروات. فـــــي المـــــقـــــابـــــل، تـــعـــمـــل مـــعـــظـــم الـــــــدول الــعــربــيــة بـتـشـريـعـات مـتـفـرقـة ومـــحـــدودة الـــتـــأثـــيـــر؛ مــــا يــجــعــل الـــــــوزن الاقـــتـــصـــادي للمستخدمين غير مترجم إلى نفوذ فعلي. ويـــؤكـــد جــــال أن الاســـتـــثـــمـــار فـــي الـــذكـــاء الاصـطـنـاعـي والـتـكـنـولـوجـيـا، كـمـا تفعل بعض دول الخليج، يظل مهما اقتصادياً، لـكـنـه غـيـر كــــاف لـحـمـايـة المستهلك إذا لم يواكبه إطار قانوني جماعي يضغط على مصالح الشركات. عقد إذعان عالمي في قلب هذه المعادلة يقبع زر صغير في كل موقع أو تطبيق نستخدمه مكتوب عليه: «أوافـــق»، وهـو ما يمثل بوابة الفخ الـعـمـاق. ويـــرى جــال أن مـا يـحـدث ليس موافقة حـرة بالمعنى القانوني، بـل «عقد إذعان» شبيه بالعقود المرتبطة بالخدمات الأساسية، حيث لا يملك المستخدم خيار الــتــفــاوض أو الــرفــض الـحـقـيـقـي. فــإمــا أن يـــوافـــق عــلــى شــــروط طــويــلــة ومــعـــقــدة، أو يُحرَم من الخدمة بالكامل. الـــــــدكـــــــتـــــــور مـــــحـــــمـــــد عــــــــــــــــزام، عـــضـــو مــجــلــس إدارة الـجـمـعـيـة الـــدولـــيـــة لإدارة التكنولوجيا، يذهب أبعد مـن ذلــك، عــادَّا أن التكنولوجيا فرضت «عقدا اجتماعيا رقميا جديداً» بين الأفراد من جهة، والدول والــــشــــركــــات مــــن جـــهـــة أخــــــــرى. عـــقـــد غـيـر متكافئ، يتبرع فيه المستخدم ببياناته مـقـابـل دخــــول عــالــم رقــمــي بـــات ضــروريــا للحياة والعمل والتعليم. ويذهب عزام في حديثه إلى «الشرق الأوســـــط» إلـــى تـوصـيـف أكــثــر حــــدة، عـــادَّا أن منصات التكنولوجيا الكبرى تحولت «إمــبــراطــوريــات الـعـصـر الــحــديــث»، حيث يــرى أن السيطرة لـم تعد بيد الحكومات التقليدية، بل بيد شركات تمتلك البيانات. اللاعب الخفي وإذا كــانــت المــنــصــات الــكــبــرى تجمع الـــبـــيـــانـــات عــلــنــا، فــــإن وســـطـــاء الــبــيــانــات يــــعــــمــــلــــون فــــــي الــــــظــــــل. ويــــــشــــــرح أشــــــرف العمايرة، خبير تكنولوجيا المعلومات، أن هـؤلاء الوسطاء يجمعون كميات ضخمة مــــن الـــبـــيـــانـــات مــــن مــــصــــادر مـــتـــعـــددة، ثـم يعيدون بيعها لمعلنين وشركات وجهات أخرى، غالبا دون علم المستخدم أو قدرته على الاعتراض. وتكمن الـخـطـورة، بحسب العمايرة فــي حـديـثـه مــع «الــشــرق الأوســـــط»، فــي أن المــســتــخــدم يـــعـــرف المــنــصــة الـــتـــي يـتـعـامـل مـــعـــهـــا، لـــكـــنـــه لا يــــعــــرف الــــوســــيــــط الـــــذي اشـــــتـــــرى بــــيــــانــــاتــــه لاحـــــقـــــا، ولا الــــغــــرض الــــــذي ســتُــســتــخــدم فـــيـــه. وفـــــي ظــــل غــيــاب رقابة فعالة، قد تنتقل هـذه البيانات من الاســـتـــخـــدام الـــتـــجـــاري إلــــى الــســيــاســي أو الأمني، أو حتى إلى الجريمة المنظمة. بينما يؤكد هشام الناطور من جهته أن المشكلة ليست في الأرقام الزهيدة مقابل البيانات الفردية، بل في الأثــر التراكمي. فالصورة أو الصوت أو الموقع الجغرافي الذي لا يساوي شيئا منفرداً، يصبح كنزا حـــن يُـــدمـــج مـــع آلاف الإشـــــــارات الأخــــرى، ويُـــســـتـــخـــدم لــتــوجــيــه إعـــــــان، أو تـــدريـــب نموذج، أو بناء ملف سلوكي شديد الدقة. الذكاء الاصطناعي يلتهم الماضي وتــــــقــــــدّر دراســـــــــــات دولـــــيـــــة أن حـجـم زيتابايت 150 الـبـيـانـات الـعـالمـيـة تـجـاوز (وحدة قياس رقمية هائلة تعادل تريليون ، وهــــي كمية 2024 غــيــغــابــايــت) فـــي عــــام هائلة تراكمت على مدار أكثر من عقدين. هـــذه الـبـيـانـات أصـبـحـت المــــادة الأسـاسـيـة لــــتــــدريــــب نــــمــــاذج الـــــذكـــــاء الاصـــطـــنـــاعـــي، الـــتـــي بـــاتـــت الــــيــــوم تـــقـــدم خــــدمــــات طـبـيـة وتعليمية وتحليلية عالية الدقة. ويؤكد الــخــبـــراء أن الـــذكـــاء الاصــطــنــاعــي لـــم يعد يكتفي بالنصوص، بل أصبحت الوجوه والأصوات المدخل الجديد للقيمة وللخطر معا ً. وفـــي طبقة أعـمـق مــن الـقـصـة، تشير فـــي المـــائـــة من 98 تـــقـــاريـــر دولـــيـــة إلــــى أن مـــحـــتـــوى «الـــتـــزيـــيـــف الـــعـــمـــيـــق» المــــتــــداول فـــي المـــائـــة مـــن الـضـحـايـا 99 إبـــاحـــي، وأن فـي المـائـة بين 550 نـسـاء، مـع نمو تـجـاوز ، وفــق دراســــات «ديـب 2023 و 2019 عـامـي تريس» و«هوم سيكيوريتي هيروز». ،2024 ) وفـــي يـنـايـر (كـــانـــون الــثــانــي تــحــولــت تــايــلــور ســويــفــت مـــثـــالا صــارخــا عــنــدمــا انـــتـــشـــرت صــــور مــزيــفــة لــهــا على نـطـاق واســـع؛ مـا دفــع منصة «إكـــس» إلى تقييد البحث مؤقتا عن اسمها. لـكـن الـدكـتـور محمد عـــزام يــحــذّر من أن السؤال الأخلاقي والقانوني لم يُحسم بعد: هل يملك الفرد حق الاعـتـراض على استخدام بياناته التاريخية؟ وهـل يحق لـلـمـنـصـات الاســتــفــادة مــن مـحـتـوى أُنـتـج في سياق اجتماعي أو إعلامي سابق دون مقابل؟ ويـشـيـر إلـــى أن الـــذكـــاء الاصـطـنـاعـي لم يخلق جرائم جديدة، بل منح الجرائم الـقـديـمـة أدوات أســــرع وأكــثــر تــأثــيــراً، من الانــتــحــال وســـرقـــة الــهــويــة، إلـــى الـتـزيـيـف العميق والابتزاز. البيانات والتنظيم؟ في هـذا المشهد المعقد، يتغير سلوك المـــســـتـــخـــدمـــن أنــــفــــســــهــــم. ويــــــــرى أشـــــرف الـــعـــمـــايـــرة أن كـــثـــيـــريـــن بــــاتــــوا يــفــضــلــون المنصات التي يشعرون بأنها أكثر أمانا أو أقــل تـدخـاً، حتى لـو كــان هــذا الشعور جزئيا أو غير مدعوم بضمانات حقيقية. ويـضـرب مـثـالا بتغير أنـمـاط الاسـتـخـدام في أوقات الأزمات السياسية، حيث يبتعد المستخدمون عـن منصات بعينها خوفا من التتبع أو المحاسبة. لــكــن هــــذا الــتــحــول الـــفـــردي لا يـكـفـي، مـا لـم يُــدعَــم بـإطـار قـانـونـي ورقــابــي قـادر عــــلــــى فـــــــرض قـــــواعـــــد واضــــــحــــــة. فـــالـــقـــوة الحقيقية، كما يــرى الـخـبـراء، لـم تعد في جمع البيانات وحــده، بل في الـقـدرة على تنظيمها وحمايتها ومحاسبة من يسيء استخدامها. من يملك وجوهنا؟ وفي نهاية المطاف، قد تُباع صورتك أو عـيـنـة مــن صــوتــك أو جـــزء مــن سلوكك الــــيــــومــــي بـــســـنـــتـــات مــــــعــــــدودة. لـــكـــن هـــذه السنتات، حين تُجمع من مليارات البشر، وحــــــن تُــــعــــاد مــعــالــجــتــهــا داخـــــــل نـــمـــاذج الــذكــاء الاصـطـنـاعـي، تتحول تريليونات الدولارات من القيمة الاقتصادية. لـكـن الـثـمـن الـحـقـيـقـي لـتـلـك الـتـجـارة لا يُــقـاس بـالمـال وحـــده؛ فقد يـكـون سمعة تُدمَّر، أو وظيفة تُفقد، أو قرارا يُتخذ عنك لأن خــوارزمــيــة تعلمت مــن بـيـانـاتـك دون علمك. وفــــي عــصــر يـمـكـن فــيــه نــســخ الــوجــه والــــصــــوت كـــمـــا تُـــنـــســـخ المـــلـــفـــات، لــــم يـعـد الــــســــؤال: كــيــف نـحـمـي الــخــصـوصــيــة؟ بل كيف نحمي الإنــســان ذاتـــه مـن أن يتحول بــنــدا صـغـيـرا فـــي مـيـزانـيـة اقــتــصــاد الـظـل الرقمي؟ القاهرة: لمياء نبيل أصبح «اقتصاد الظل الرقمي» أمرا واقعا من جمع البيانات ووسطاء بيعها إلى تدريب النماذج... إلى التزييف العميق والابتزاز والاحتيال (رويترز)
RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky