issue17196

الرئيس التنفيذي جمانا راشد الراشد CEO Jomana Rashid Alrashid نائب رئيس التحرير Managing Editors Editorial Consultant in KSA Aidroos Abdulaziz Camille Tawil Saud Al Rayes Deputy Editor-in-Chief مديرا التحرير مستشار التحرير في السعودية محمد هاني Mohamed Hani الأمير أحمد بن سلمان بن عبد العزيز عيدروس عبد العزيز كميل الطويل سعود الريس 1987 أسسها سنة 1978 أسسها سنة هشام ومحمد علي حافظ رئيس التحرير غسان شربل Editor-in-Chief Ghassan Charbel زارنَا رئيس جمهورية أوغندا يوري موسيفيني. استقبلَه العقيد معمر القذافي أمام الخيمة بمعسكر بــاب العزيزية، وأخـــذَه بـالأحـضـان، ثـم بـــادرَه بالقول بـصـوت عـــالٍ: كيف تـــزور فلسطين المحتلة، وتجتمع بالصهاينة المجرمين؟ رد موسيفيني: أنتم من دفعني إلـى زيــارة إسرائيل. حسن الترابي الــذي يقود نظام الـخـرطـوم، يـقـدّم الـسّــاح والمـــال لـ«جيش الـــرَّب» الـذي يحاربُنا. حسن الترابي ينشط فيمَا يسميه المشروع الحضاري الكبير، والهادف إلى أسلمة قارة أفريقيا. وأضـــــاف موسيفيني: نـحـن فــي حــاجــة إلـــى مناظير ليلية، وأسلحة دقيقة نواجه بها قوات «جيش الرَّب»، الـــذي يـشـن علينَا هـجـومـاتِــه لــيــاً. إســرائــيــل هــي من زوّدتنا بتلك الأسلحة التي واجهنَا بها «جيش الرَّب»، الـــذي يـحـركُــه ســــودان الــتــرابــي، ولـــولاهَـــا لــكــان حسن الترابي يخطب اليوم في كمبالا. شخص أمامي ذلك المنظرُ، الذي كان في أمسية خريفية باردة، واستعدت ما قالَه الرئيس الأوغندي، وأنا أتابع المأساة الرَّهيبةَ، التي تطحن شعب السودان الطَّيب، وتمزقُه بين قتيل وجـــريـــح وفــقــيــر ومـــريـــض ونــــــازح ولاجـــــئ. الـــســـودان أرض الــنَّــعــيــم، وشـــعـــب الـــهـــدوء والأمــــانــــة والـثـقـافـة، تــبــادل عليه مـتـسـلّــطـونَ، يلبسون الـكـاكِــي، وآخـــرون امتلأت أفواهُهم بِتُرّهات ينسبونَها للدين... منذ أن قـــام الـفـريـق إبـراهـيـم عـبـود بـالانـقـاب عـلَــى التَّجربة الديمقراطية الوليدة بقيادة إسماعيل الأزهـري، بعد انفصال السودان عن مصرَ، إلى سر الختم خليفة، ثم قفز جعفر النميري بانقلابه العسكري إلـى السلطة. ركــب فـي البداية المـوجـة الناصرية، ومعه خليط من الـضـبـاط جـلّــهـم كـانـت طـريـدتـهـم الـسـلـطـة والغنيمة، دخل في مشروع وحدوي عربي كبير مع مصر وليبيا وسوريا. بعد محاولة انقلاب قـام بها ضباط متحالفون مــــع تــــيــــار مــــاركــــســــي، وتـــمـــكـــن جـــعـــفـــر الـــنـــمـــيـــري مـن إفشالها وإعـــدام قادتها، بمساعدة مصرية وليبية، قـــفـــز الــنــمــيــري إلــــى رحـــبـــة الـــديـــن، وفــــــرض الــشَّــريــعــة الإسلامية، وفيه كثير من المسيحيين والوثنيين. قطع الأيـدي وجلدَ، وصـادر الأمــاكَ، ومنع الموسيقى وكل أنــــواع الـفـن، وأعــــدم المـفـكـر محمود محمد طـه رئيس الحزب الجمهوري بتهمة الرّدة. أسقطَه رئيس أركان جيشِه عبد الرحمن سـوار الذهب، وسلَّم السلطة في انتخابات أعادت محاولة ديمقراطية أخرى. لكن لعنة الانقلابات العسكرية في السودان صارت المرض الذي لا يُرجى شفاؤه. شيخ اسمُه حسن الترابي يهندس انقلاباً، ثم ينقلب عليه. عمر البشير ضابط مغمور رتَّــب له الترابي رقصة انقلابية جديدة، لكن البشير تـخـلَّــص مـنـه. الإنـــجـــاز الأعــظــم للبشير كـــان انـفـصـال جــنــوب الـــســـودان، وزراعـــــة مـتـفـجـرات الـعـنـف القبلي والعرقي في كل البلاد. الـــوحـــدة المــصــريــة - الــســوريــة الــتــي قــامــت سنة ، بعنوان «الجمهورية العربية المتحدة»، صفَّق 1958 لـهـا الـــعـــرب وغـــنّـــوا لـهـا: «وحــــدة مــا يغلبها غــــاَّب». العقيد السوري عبد الكريم النحلاوي، مدير مكتب المشير عبد الحكيم عامر، الذي عيَّنه الرئيس جمال عبد الناصر حاكما للإقليم الشمالي؛ سـوريـا، قـاد الانـــفـــصـــال فـــي حـــركـــة الــنــكــســة الأولــــــى الـــتـــي سـاقـت إلــى نـكـسـات. صـــارت الانــقــابــات العسكرية وجـبـات دورية في سوريا. حزب «البعث العربي الاشتراكي» حكم سـوريـا والــعــراق المـتـجـاوريـن. اشـتـركـا معا في شعار «الوحدة والحرية والاشتراكية»، لكن ما نبت بــن ســوريــا والـــعـــراق كـــان الـــعـــداء المـــزمـــن. المـــؤامـــرات والتصفيات الجسدية للرفاق الحزبيين على السواء، حلَّت محل الشعار الثلاثي. الحزب في سوريا حكم على مؤسسه ميشيل عفلق بالإعدام، وقـام بتصفية شــريــكــه فـــي الــتــأســيــس صــــاح الــبــيــطــار فـــي مـنـفـاه بـبـاريـس، ووضـــع بعض كـبـار قـادتـه فـي سجن المــزَّة إلى أن رحلوا إلى القبور. في بغداد دشَّن قائد الحزب عــهــدَه بمهرجان 1979 الــجــديــد صــــدام حـسـن سـنـة الــــدّم الـرهـيـب فــي قـاعـة الـخـلـد، بــإعــدام الـعـشـرات من قــــــادة الــــحــــزب، وأدخـــــــل الــــبــــاد فــــي حــــــروب داخــلــيــة وخـارجـيـة، قُتل وشُـــرّد فيها المـايـن، وأورثـــت البلد الفقر والاحتلال، والصراع الطائفيَّ، والارتهان لقوى أجنبية. دُفـنـت الـوحـدة العربية والـوحـدة الوطنية، وعـــم التشظّي الطائفي والاجـتـمـاعـي. اليمن طالته أنهى 1962 مــوجــة الانــقــابــات الـعـسـكـريـة، فــي سـنـة الجيش نظام الإمامة، لتدخل البلاد بعده في دوامة بلا نهاية. انقلاب يلد آخر، وحرب تلد أخرى، ورؤساء يُــقـتـلـون... بلد تمكَّن منه الـعـنـف القبلي والتشظي الاجــتــمــاعــي، وصـــــار قـــــراره فـــي يـــد خــارجــيــة، ودخـــل في مواجهات بتعليمات من خـارج حـدوده. من حلم الــوحــدة بـن شـمـال اليمن وجـنـوبـه، إلــى أمـــل يبتعد في رؤية دولة تتحقق فيها نعمة السلم الاجتماعي. فــي ليبيا طـــاف شــعــار الــوحــدة الـعـربـيـة ســنــنَ، بين المشرق العربي ومغربه، مع مصر والسودان وسوريا وتـونـس والمــغــرب، ولـكـن الــحــادي لكل تلك المـسـارات كان الخصامَ، وحتى الصدام. رحل النّظام الذي هتف لــلــوحــدة الـعـربـيـة ســنــن، واسـتـيـقـظ الـلـيـبـيـون على أن اللحمة الوطنية التي تجمعهم توهنها هشاشة كامنة. ظهرت حساسيات قبلية وجهوية، وخلافات تحركها رواسب دفنَها الماضي. الشعوب تهتدي بنور العقل والتعليم والحرية، لا بظلام الآيديولوجيا، ومتاهة الانقلابات العسكرية. أوروبــــا الـتـي خـاضـت حــروبــا طـويـلـة، بــدوافــع دينية وديـــكـــتـــاتـــوريـــات مــتــســلّــطــة، فـــي المــــاضــــي، يجمعها اليوم اتحاد كونفدرالي متفوّق في جميع المجالات. الرابط الـذي جمع دول أوروبــا هو تماثل نظمِها في الديمقراطية والحرية السياسية، والـتـداول السلمي على السلطة، وسيادة القانون. لم يعد هناك صوت في دولة أوروبية يدعو للانفصال، أو الاصطفاف العرقي أو الـديـنـي. الاتـحـاد الأوروبــــي يجمع بلدانا بعضها يـتـبـنَّــى المـــذهـــب المـسـيـحـي الأرثــــوذكــــســــي، ومــنــهــا ما يتبع المذهب الكاثوليكي، أو المذهب البروتستانتي. الحرية تـوحّــد، والديمقراطية تحمي، والعلم يبني. الديكتاتورية معول الهدم والتفرقة والتشظي. من الوحدة الشاملة إلى براكين الدَّم والتَّشظّي مــــا تـــحـــت الـــســـطـــح فــــي الـــــصـــــراع الــفــلــســطــيــنــي - الإسرائيلي لا يفسَّر بتوازن السلاح وحده، بل بتوازن السرديات. فإسرائيل، رغم تفوقها العسكري والتقني والتنظيمي، لا تكتفي بالقوة الصلبة، بل تستند إلى قوة ناعمة، تجعل أفعالها، مهما بلغت من قسوة، قابلة للتبرير داخل المجتمعات الغربية. هنا تتولد الحيرة: كيف يمكن لمنظومة تدّعي الدفاع عن العقل والأخلاق وحقوق الإنسان أن تدعم دولة ترتكب انتهاكات موثقة دون مساءلة؟ الـــــجـــــواب يـــبـــدأ مــــن الــــتــــاريــــخ، لا مــــن الـــســـيـــاســـة. فإسرائيل لم تُبن في الوعي الغربي دولـة طبيعيةً، بل مـشـروع أخـاقـي مرتبط بعقدة الـذنـب الأوروبــيــة بعد المحرقة. هـذا الإرث لم يُعالَج بوصفه مأساة إنسانية عــــامــــة، بــــل جـــــرى تــحــويــلــه إلـــــى الــــتــــزام دائــــــم بـحـمـايـة إســـرائـــيـــل. وهـــكـــذا انــتــقــل الــشــعــور بــالــذنــب مـــن كـونـه درسـا أخلاقيا إلى حصانة سياسية، جعلت إسرائيل فــوق النقد، وفـــوق الـقـانـون. فـي هــذا الـسـيـاق، تشكلت سردية تعتبر أي مساءلة لإسرائيل تهديدا أخلاقياً. مصطلح «معاداة السامية» خرج من معناه التاريخي بوصفه توصيفا للعنصرية، ليتحوَّل إلــى أداة ردع فكرية. المفارقة أن العرب هم ساميون أيضاً، لكن هذا الواقع يُستبعد من الخطاب. النتيجة أن الفلسطيني يُجرَّد من صفة الضحيَّة، بينما تُحتكر صفة الضحية لصالح طرف واحد، مهما امتلك من قوة. الطبقة الثانية تحت السطح هي هيمنة الصورة. إسرائيل نجحت، عبر الإعـــام والسينما والجامعات ومراكز الأبحاث، في ترسيخ صورة «الدولة المحاصرة» الـــتـــي تـــدافـــع عـــن نــفــســهــا، بـيـنـمـا يُــــقــــدَّم الـفـلـسـطـيـنـي باعتباره تهديدا أمنياً. بهذه الطريقة تُمحى السياقات التاريخية للاحتلال والاستيطان، تلعب الولايات المتحدة دورا محوريا في تثبيت هذه المعادلة. إسرائيل ليست مجرد حليف، بل امتداد وظيفي في منطقة حساسة. الدفاع عنها يعني الدفاع عــــن الـــنـــفـــوذ الأمـــيـــركـــي نـــفــســه. لـــذلـــك لا يُــســتــغــرب أن تُواجَه قرارات محكمة العدل الدولية، حين تدين أفعال إسرائيل، بردود فعل عقابية من واشنطن. لــكــن الـــســـؤال الـــجـــوهـــري هــــو: هـــل هــــذه الــســرديــة ثابتة؟ الواقع يشير إلى أنها قوية، لكنها ليست أبدية. فالسرديات، مهما بـدت محصنة، تتآكل حـن يتراكم التناقض بـن الــروايــة والـــواقـــع. مـا نشهده الـيـوم هو بداية تصدع بطيء داخل المجتمعات الغربية، لا داخل الحكومات بالضرورة. الجامعات، وحركات الشباب، ومـنـظـمـات حــقــوق الإنـــســـان، وحــتــى أصــــوات يـهـوديـة ناقدة، بدأت تطرح أسئلة لم تكن مطروحة سابقاً. تـغـيـيـر الـــســـرديـــة لا يــتــم بـــالـــصـــراخ، بـــل بـــــأدوات دقــيــقــة. أولـــــى هــــذه الأدوات الــلــغــة. الــخــطــاب الـعـربـي غالبا يخاطب ذاتـه، لا الجمهور الغربي. المطلوب لغة القانون الـدولـي، وحـقـوق الإنـسـان، والـتـاريـخ المـقـارن؛ أي اللغة التي يحاكم بها الغرب نفسه. الأداة الثانية هي الاستثمار الطويل في المعرفة: مراكز بحث، وإعلام محترف، وسينما، وأدب، وصحافة استقصائية قادرة على منافسة الرواية السائدة. الأداة الـثـالـثـة هــي فـصـل الـيـهـوديـة ديـنـا وثـقـافـة عن الصهيونية مشروعا سياسياً. هـذا الفصل يحرر النقاش من الابتزاز الأخلاقي، ويمنع احتكار الحديث باسم اليهود. وجود أعداد كبيرة من اليهود في مواقع التأثير لا يعني تجانس مواقفهم، بل إن كثيرا منهم باتوا في طليعة النقد الأخلاقي لإسرائيل. أمـــا الأداة الــرابــعــة، فـهـي الـعـمـل داخـــل الـــغـــرب، لا ضده، ببناء تحالفات مع قوى مدنية وحقوقية، ومع إعلاميين وأكاديميين مستقلين، أكثر فاعلية من خطاب المواجهة الشاملة. فالسرديات لا تسقط بالخصومة، بل بالاختراق الهادئ والمراكمة. ويــظــل الـبـعـد الـديـنـي عــامــا حـاسـمـا فــي تثبيت هـــذا الــدعــم، خـصـوصـا داخـــل الــتــيــارات الإنـجـيـلـيـة في الولايات المتحدة، حيث تُقدَّم إسرائيل جزءا من نبوءة لاهوتية، لا دولـة تخضع للمساءلة. هذا التداخل بين الـــديـــن والــســيــاســة يـمـنـح الــســرديــة الإسـرائـيـلـيـة بـعـدا عاطفيا يصعب اختراقه، لأنه يحوّل الموقف السياسي إلـــى واجـــب إيـمـانـي. فــي مـواجـهـة ذلـــك، لا يكفي النقد الـسـيـاسـي، بــل يتطلب الأمــــر خـطـابـا مـعـرفـيـا يوضح كيف جرى توظيف النصوص الدينية لخدمة مشروع قـومـي حـديـث، وكـيـف تـم تـديـن السياسة لإسـكـات أي اعــتــراض عـقـانـي. إلـــى جـانـب ذلـــك، ينبغي الاعــتــراف بـــأن الـعـالـم الـعـربـي نفسه أســهــم، أحـيـانـا دون قصد، في إضعاف روايته، عبر غياب العمل المؤسسي طويل المدى، والاعتماد على ردود الفعل. فالسرديات لا تُدار بـالأزمـات، بل بالنَّفَس الطويل. إعـادة التوازن تتطلب صبراً، واستثمارا في الإنسان، والتعليم، والقدرة على مخاطبة الآخر بلغته ومنطقه. بهذا المعنى، فإن تغيير السردية ليس معركة عاجلة تُحسم في موسم سياسي واحـد، بل مسار تراكمي. قد لا تظهر نتائجه سريعاً، لكنه وحده القادر على تحويل التعاطف الأخلاقي إلى موقف سياسي مستدام. ولـــهـــذا فــــإن جـــوهـــر المــــــأزق لا يــكــمــن فـــي اخــتــال موازين القوة وحدها، بل في عجزنا عن تحويل الفهم إلـى سياسة، والـرؤيـة إلـى فعل منظم، فـالـصـراع، كما يُــدار الـيـوم، يُختزل في ردود أفعال آنية، بينما تُترك معركة الـــرأي الـعـام بـا إدارة حقيقية. إن إعـــادة بناء الفهم تقتضي الانتقال من الانفعال إلى التحليل، ومن الشكوى إلى إنتاج معرفة قابلة للتداول، ومن الخطاب المحلي إلى خطاب عالمي، وحين يصبح الفهم مشتركاً، تتغير الــلــغــة، وتــتــراجــع الأســاطــيــر، ويـضـيـق هامش التبرير الأخلاقي للعنف. عندها فقط، يمكن للصراع أن يُرى على حقيقته، لا كما تريد له السرديات المهيمنة، بل كما هـو: قضية شعب حُــرم من حقه، ونظام دولي أخفق في حماية مبادئه، ولا تُمحى بتفوق القوة، ولا بـتـراكـم الأعــــــذار، ولا بـصـمـت المـتـفـرجـن، ولا بـتـواطـؤ المؤسسات، فالفهم الدقيق هو البداية الوحيدة الممكنة لأي مسار عقلاني مستقبلي جاد. آخـر الـكـام: في عالم تحكمه الـسـرديـات، لا يهزم ًمن يخطئ، بل من يعجز عن الشرح. المعنى الغائب في أكثر صراعات العالم حضورا OPINION الرأي 15 Issue 17196 - العدد Saturday - 2025/12/27 السبت عبد الرحمن شلقم محمد الرميحي

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky