issue17196

OPINION الرأي 14 Issue 17196 - العدد Saturday - 2025/12/27 السبت وكيل التوزيع وكيل الاشتراكات الوكيل الإعلاني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] المركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 المركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى الإمارات: شركة الامارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 المدينة المنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب الأولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية الموجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها المسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة لمحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي بالمعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com المسيحية الصهيونية... من الهرطقة إلى تبرير الإبادة «ماغا»... رأب الصدع أم نهاية الائتلاف؟ حين قرأ كسينجر لحسن البنا تــبــدو مـقـولـة «المـسـيـحـيـة الـصـهـيـونـيـة» وكـأنـهـا مـفـارقـة ثيولوجية غريبة. فاللاهوت المسيحي، كما أسّس له بولس في القرن الأول المـيـادي، قـام على الانتقال بالمسيحية من حركة إصلاحية يهودية إلــى ديـانـة كونية، وذلـــك مـن خــال فتحها لـغـيـر الــيــهــود (الـجـنـتـيـلـيـن)، وتــركــيــزه عـلـى صـلـب الـيـسـوع وقـيـامـتـه بوصفهما طـريـقـا لـلـخـاص ــــ وهـــو مــا نــفــاه الــقــرآن الـكـريـم بـعـد ذلــك — وعـلـى مفاهيم النعمة والإيــمــان والعهد الجديد. وقد شكّل هذا التحول قطيعة جذرية وتجاوزا حاسما لليهودية. في المقابل، ظل التيار الربّاني اليهودي، الذي تبلور بعد وفاة يسوع، متمسّكا برفض مسيحانية هذا الأخير، ورافضا فــكــرة «الــعــهــد الـــجـــديـــد»، ومـــؤكـــدا ســمــو قـــانـــون الـــتـــوراة على الإيمان، ومناهضا بذلك محاولة التوفيق التي قام بها بولس وغيره بين الشريعة والإيمان. من هذا المنظور، فإن المسيحية في جوهرها تمثل نقضا وتجاوزا وقطيعة تفسيرية ولاهوتية مع اليهودية التلمودية ومــــع أي تــوظــيــف لاحــــق لـلـنـصـوص الــعــبــرانــيــة فـــي مـشـاريـع آيديولوجية حديثة، وعلى رأسـهـا الصهيونية. وعليه، فإن أي حديث عن «مسيحية صهيونية» لا ينطوي على تناقض فلسفي وثيولوجي عميق فقط، بـل يكشف كذلك عـن مفارقة تاريخية صارخة. ولـكـن مـا هـي هــذه «المسيحية الصهيونية» الـتـي يؤمن بها الكثير، خصوصا في أميركا؟ إنها، في جوهرها، اعتقاد لاهوتي يقوم على الإيمان بأن المجيء الثاني للمسيح سيتم عـلـى أرض إســـرائـــيـــل. ومــــن المـــبـــادئ الأســاســيــة للصهيونية المسيحية القول بأن قيام دولة إسرائيل الحديثة وعودة اليهود إلى ما يُسمّى «أرض الميعاد» يشكّلان تحقيقا مباشرا لنبوءات كـتـابـيـة، وأن هـــذا الـــواقـــع سـيُــمـهّــد المــســرح الــاهــوتــي للعودة الثانية للسيد المسيح. بــنــاء عـلـى ذلـــك، تصبح مـسـانـدة إسـرائـيـل واجــبــا دينيا يُنظر إليه بوصفه التزاما إلهياً. غير أن جوهر هذه المساندة لا يـرتـبـط بـإسـرائـيـل فــي حــد ذاتــهــا، بـقـدر مــا يـرتـبـط بـدورهـا الرمزي بوصفها شرطا مسبقا لعودة المسيح في تصور ألفي أخروي. ولهذا فإن هذا الدعم يظل ثابتا وغير مشروط، بغض النظر عمّا ترتكبه إسرائيل من جرائم إبادة أو سياسات تمييز ممنهجة بحق الفلسطينيين. تـــــرفـــــض الــــكــــنــــائــــس الــــكــــاثــــولــــيــــكــــيــــة والأرثـــــوذكـــــســـــيـــــة «الصهيونية المسيحية» مـن منظور لاهــوتــي، وإن بـدرجـات متفاوتة. فالكنيسة الكاثوليكية لا تُصنّفها رسميا بوصفها هرطقة، لكنها ترفضها رفضا صريحاً، لأنها تقوم على لاهوت «العهدين» بدل العهد الواحد المكتمل في المسيح عليه السلام، ولأنـهـا تـربـط الـنـبـوءات الكتابية بكيانات سياسية حديثة. وتؤكد الكنيسة الكاثوليكية، استنادا إلى وثائقها العقائدية –1962( الأساسية، ولا سيما مقررات المجمع الفاتيكاني الثاني )، أنه لا وجـود لكيانات سياسية مقدّسة، بل إن المسيح 1965 هو كمال العهد وملؤه، والكنيسة هي جماعة العهد الجديد، لا دولة بديلة ولا كيانا جغرافيا مُقدّساً. أمــــا الــكــنــائــس الأرثـــوذكـــســـيـــة، فـتـنـظـر إلــــى الـصـهـيـونـيـة المسيحية بوصفها فــي الـغـالـب خـطـأ لاهـوتـيـا جسيماً، وقـد يــرقــى أحــيــانــا إلـــى مـسـتـوى الــهــرطــقــة، لأنــهــا (الأرثــوذكــســيــة) تــرفــض الـــقـــراءة الـحـرفـيـة لــلــنــبــوءات، وتــرفــض أي عــــودة إلـى مفهوم «الاختيار» العرقي أو الجغرافي بعد المسيح، أي بعد تحقق رسالته ذات البعد الكوني الشامل، كما يفهمها اللاهوت المسيحي التقليدي. وتُعد الصهيونية المسيحية في الـولايـات المتحدة تيارا دينيا - سياسيا واســـع الانـتـشـار، خصوصا داخـــل الأوســـاط الإنجيلية البروتستانتية. ويـقـوم هــذا الـتـيـار على الاعتقاد بأن قيام دولة إسرائيل يندرج ضمن «مخطط إلهي» يقتضي تعزيز قوة إسرائيل تمهيدا لعودة المسيح. ووفق هذا المنظور الأخروي، تُهمَّش الاعتبارات الأخلاقية والسياسية؛ إذ لا يُعد الاســتــيــطــان، ولا نــظــام الأبــارتــهــايــد فــي الـضـفـة الـغـربـيـة، ولا الإبـــادة الجارية فـي غــزة، قضايا ذات وزن أخـاقـي يُــذكـر، لأن معاناة الفلسطينيين تُختزل بوصفها تفاصيل ثانوية أمام «المخطط الأكبر»، أي ضمان قوة إسرائيل وأمنها بوصفهما شرطا مسبقا لعودة المسيح. وبـالـطـبـع، يــــدرك كــثــيــرون فــي إســرائــيــل هـــذه الخلفيات اللاهوتية التي تتجاوز في جوهرها مجرد «أمـن إسرائيل». فبحسب هـذا التصور، تصبح إسرائيل ذاتـهـا كيانا مرحليا يفقد أهميته بعد تحقق عودة المسيح. ومع ذلك، يقوم تحالف براغماتي بين الطرفين، إذ يدعم اليمين الاستيطاني هذا التيار ويستثمره سياسيا لأنه يخدم أهدافه التوسعية والعنصرية على الأرض. في الختام، لا تُعْتَبَر «المسيحية الصهيونية» تعبيرا عن الإيمان المسيحي بقدر ما تكشف عن انحراف أخـروي خطير، تُختزل فيه الرسالة الروحية في وظيفة سياسية، ويُعاد فيه إنتاج المقدّس بوصفه أداة لتبرير القوة والعنف والقتل. فحين يُستبدل منطق الخلاص بمنطق الجغرافيا، وتُستبدل الكونية الأخلاقية بانتظار نهاية زمنية مشروطة بالقهر والتهجير، يتحوّل اللاهوت من أفق للتحرر إلى جهاز لإلغاء الإنسان. إن أخطر ما في هذا التيار ليس تناقضه اللاهوتي فقط، بل قدرته على تعطيل الضمير الأخلاقي باسم النبوءة، وعلى شرعنة الإبــــادة بـاسـم الــخــاص. وعـنـد هــذه النقطة، لا يعود الصمت موقفا محايداً، بل يصبح تواطؤاً؛ ولا يعود النقاش مجرد خلاف عقائدي، بل امتحانا أخلاقيا للإنسانية ذاتها: إمّا إيمان يُنقذ الإنسان، أو لاهوت يُبرّر التقتيل والإبادة. اختتمت الأحد الماضي في مدينة فينيكس بولاية أريزونا الأمـيـركـيـة، فـعـالـيـات مـؤتـمـر «أمـيـركـا فـيـسـت» وهـــي أول قمة لمنظمة «نقطة تحول للولايات المتحدة» التي أسسها تشارلي ، قبل أن يلقى مصرعه هذا العام. 2012 كيرك عام تــبــدو مـنـظـمـة «نــقــطــة تـــحـــول» كـتـلـة وازنـــــة عــلـى صعيد ديالكتيك السياسة الأميركية الداخلية، وقوة مؤثرة بالنسبة للتيار اليميني، ذلك أنها تمتلك شبكة واسعة من المتطوعين على مستوى البلاد، ما يتيح لها تقديم دعم كبير في الولايات التي تجري فيها الانتخابات التمهيدية مبكراً، حيث يعتمد المرشحون على طاقات القاعدة الشعبية لحشد التأييد. هـل جـاء المؤتمر الأخـيـر للمنظمة محاولة لــرأب الصدع الـــذي حــدث فـي جـــدار «مــاغــا»، بعد أن انتقد أنـصـار «لنجعل أميركا عظيمة مرة أخـرى» السابقون، مثل عضو الكونغرس الــســيــدة مــــارغــــوري تــايــلــور غـــريـــن، الــرئــيــس تـــرمـــب لإعـطـائـه الأولوية للشؤون الخارجية؟ ربما يكون هذا صحيحا إلى مدى بعيد، غير أنَّه لا ينفي أن الــحــدث ومـــن بـــاب خـفـي، كـــان مناسبة مـبـكـرة جـــدا لتقديم نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، وجها مختارا ومرشحا جمهوريا للرئاسة الأميركية القادمة، من جهة، وفرصة لإظهار وجه أميركا الدوغمائي، بصورة فجَّة من جانب آخر. بدت الخلافات والصراعات الداخلية بين نجوم «ماغا»، غـالـبـة عـلـى حـضـور كـبـار رمــوزهــم الــذيــن شــاركــوا بخطابات سـاخـنـة، لا سيما تـاكـر كــارلــســون، وسـتـيـف بــانــون، وميغان كيلي، ودونـالـد ترمب جونيور، عطفا على إريكا كيرك أرملة تشارلي، التي بدت كحجر زاوية بحضورها وقوة شخصيتها، وقد وصف الحدث بأنَّه احتفال قوي بالإيمان والحرية والإرث المشترك لتشارلي كيرك. ملامح الانقسام بدت واضحة بين صفوف «ماغا»، وبرزت بـن المحافظين الشباب بنوع خــاص، والمثير وربَّــمـا الخطير أن انـعـدام الثقة في إسرائيل بعينها، كـان نقطة جوهرية في المشهد، حيث بــدا تـاكـر كـارلـسـون، وميغان كيلي، وكالديس أوينز، يمثلون جبهة مضادة، إن لم نقل معادية لتل أبيب، في مواجهة بن شابيرو السياسي المحافظ الرافض لفكر المؤامرة في أعمال السياسة الأميركية الداخلية. بدا اليمين الأميركي في أعمال قمة «نقطة تحول» متشظيا بصورة واضحة، عبر ثلاث مصفوفات إن جاز التعبير، يمين متشدد إلى حد التطرف، ويمين محافظ يمكن بصورة نسبية عدّه معتدلاً، ويمين تراثي. أخـطـر جـزئـيـة تـبـدو صـخـرة تتفتت عليها الــيــوم أحــام اليمين الأمـيـركـي الـداخـلـي، بقيادة «مــاغــا»، هـي فـكـرة اليمين التراثي، التي تصدى لها في كلمته المرشح الرئاسي السابق، الهندي الأصل، فيفيك راماسوامي، المرشح حاليا لمنصب حاكم ولاية أوهايو. الفكرة جد خطيرة، وتنتشر كالهشيم عبر جيوب اليمين، لا سيما من خلال شبكة الإنترنت، ومفادها، أن الأميركي من أصــل غير أنغلوساكسوني، يـكـاد يـكـون أميركيا مغشوشاً، وهي محاصصة عرقية خطيرة، وتعد عامل انقسام رئيسا بين الأميركيين، وتصنفهم بصورة حتما سوف تستدعي مواجهة أهلية عما قريب، وهو ما حاول تاكر كارلسون تفنيده وعدّه أوهاماً، لكن الكثيرين يؤمنون بأنه أمر تجري به المقادير على الأرض. نــجــح نــائــب الــرئــيــس جـــي دي فـــانـــس، فـــي تــقــديــم نفسه كبوتقة انصهار معاصرة لأميركا الـيـوم، لا سيما مـن خلال تصريحاته التي أشار فيها إلى أن هناك مكانا في «ماغا» لكل من يحب أميركا، ولا يهم إن كان أبيض أو أسود، غنيا أو فقيراً، شابا أو مسناً، ريفيا أو حضرياً، مثيرا للجدل أو مملا بعض الشيء. عدّت إريكا كيرك أن جي دي فانس هو وجه أميركا القادر على أن يكمل مسيرة ترمب نحو أميركا أولاً، لكن من الواضح أن فـــانـــس يـــواجـــه مـــعـــارضـــن مـــن داخـــــل الـــحـــزب الــجــمــهــوري الـذيـن يــعــدّون نهجه الـتـرمـبـي، تـحـولا عـن المــبــادئ التقليدية لفكرة الحكومة المـحـدودة، والتجارة المـؤيـدة لها، والضرائب المنخفضة التي ميزت الحزب الجمهوري لأجيال. هــــل مــــن جـــزئـــيـــة مــــا طـــفـــت فــــي الـــقـــمـــة تـــثـــيـــر الـــقـــلـــق بـن الأميركيين، وتعمق الجدل غير المحسوم حول هوية الولايات المتحدة، بصفتها دولة علمانية أو مدنية؟ جي دي فانس قدم نفسه عبر خطاب «الراعي الدوغمائي» وحـاسـم المشهد بــأن أميركا دولـــة مسيحية، وهــي نـبـرة لاقت زخـمـا كبيرا مـن الـحـضـور، لا سيما بـن الـشـبـاب، أمــا ستيف بانون، مستشار ترمب السابق، فقال إنه علينا إعـادة تعميد أميركا مـن جـديـد، بينما قدمت تولسي غـابـارد مدير مجمع الاستخبارات الوطنية، خطابا بنكهة هنتنغتونية عن خطر الإسلام بوصفه آيديولوجية سياسية في الداخل الأميركي. هـــل ســـتـــؤدي الانـــقـــســـامـــات الـــتـــي كــشــف عـنـهـا المــهــرجــان إلى نقاش يقوي حركة «ماغا» أو ستشعل حربا أهلية تمزق ائتلافها الحاكم، وتفتح الطريق لانتصار الديمقراطيين في انـتـخـابـات الـتـجـديـد الـنـصـفـي الــقــادمــة، والـــعـــودة إلـــى البيت الأبيض لاحقاً؟ مـــن الـــافـــت أن يـــخـــوض سـيـاسـي مـخـضـرم بـمـجـال الـبـحـث عــن الإســـام السياسي، خاصة بما يتعلّق بجماعة «الإخــــــــوان المـــســـلـــمـــن». عـــــرَض هـنـري كسينجر تقييمه لهذه الحركة وآثارها على الإقليم في عدد من كتبه، ومنها: «سنوات التجديد» و«النظام العالمي». ومــا كــان هــذا التعليق إلا نتيجة خـبـرتـنْ: سياسية وعـلـمـيّــة. لـقـد قيّم هذه الحركة ووصفها بشكل دقيق. ثمة سببان لذلك برأيي؛ الأول: أن كسينجر يـــعـــرف المــنــطــقــة وتــشــعــبــاتِــهــا وحـقـب الـــتـــحـــوّل فــيــهــا وصـــــراعـــــات الــتــشــكّــل، ولـــذلـــك اعــتــبــر هــــذه الــجــمــاعــة المـــارقـــة جزءا من تاريخ الأحداث والنكبات في الإقــلــيــم. الــثــانــي: أن مــوضــوع جماعة الإخوان رافعتها السياسية الأساسية ذات طابع ديني واجتماعي، وبالتالي من السهل النفوذ إلى الناس عن طريق الـــشـــعـــارات الــديــنــيــة الآيـــديـــولـــوجـــيـــة. وعـــــلـــــيـــــه، فـــــــإن درْســـــــهـــــــا شـــــــرط لــفــهــم التحوّلات في الإقليم. يمكن تلخيص نـظـريـة كسينجر عن الإسلام السياسي بالآتي: أولاً: يــــصــــف كـــســـيـــنـــجـــر ظـــهـــور ،1947 الـــحـــركـــة بـــقـــولـــه: «وفــــــي ربـــيـــع أقـــدم حسن الـبـنـا، وهــو نـاشـط ديني، سـاعـاتـي، معلم مـدرسـة، على توجيه رســالــة انـتـقـاد لـلـمـؤسـسـات المـصـريـة، إلى الملك المصري فاروق، بعنوان (نحو النور)، قدمت الرسالة بديلا إسلاميا عن الدولة الوطنية العلمانية». ثانيًا: يتطرّق للتأسيس ويقول: «مـــنـــذ أيـــامـــهـــا الأولـــــــى، بـــــدأت بتجمع غير رسمي لمسلمين متدينين معادين للهيمنة البريطانية على قناة السويس المصرية، كانت جماعة إخوان البنا قد نـمـت وبـــاتـــت شـبـكـة نــشــاط اجـتـمـاعـي وسياسي تغطي البلاد، ذات عضوية بلغت عــشــرات الآلاف، ذات خـايـا في كل مدينة مصرية، وذات شبكة دعائية مــــؤثــــرة تـــتـــولـــى نـــشـــر تــعــلــيــقــاتــه عـلـى الأحداث الراهنة». ثـــــــالـــــــثـــــــا: يـــــــتـــــــحـــــــدّث عـــــــــن الــــبــــنــــا والــــغــــرب، حــيــث يـــقـــول: «بـــاتـــت الــقــوى الــغــربــيــة فـــاقـــدة الـتـحـكـم فـــي نـظـامـهـا الـعـالمـي الــخــاص: مـؤتـمـراتـهـا خائبة، معاهداتها منتهكة، ومواثيقها ممزقة نتفاً». لم تكن عصبة الأمــم التي أريد لــهــا أن تـحـفـظ الـــســـام، إلا «ســـرابـــا». وعــــلــــى الـــــرغـــــم مـــــن أنــــــه لـــــم يــســتــخــدم العبارات، فـإن البنا كـان يجادل قائلا إن نظام «وستفاليا» العالمي بات فاقدا لكل من الشرعية والسلطة. وكان يعلن صـراحـة أن فـرصـة إيـجـاد نـظـام عالمي جـــديـــد قـــائـــم عــلــى أســـــاس الإســـــام قد حَلّت. وقـــــد جــــــادل يـــقـــول إن «الـــطـــريـــقـــة الإســـــامـــــيـــــة قـــــد اخـــــتُـــــبـــــرت مـــــن قـــبـــل، والـــتـــاريـــخ شـــاهـــد عــلــى صـــوابـــهـــا، إذا كـــــان أي مــجــتــمــع مــســتــعــدا لـتـكـريـس نـفـسـه لمـسـيـرة كـامـلـة وشــامــلــة هـادفـة إلى استعادة مبادئ الإسلام الأصلية، وبناء صـرح النظام الاجتماعي الذي يأمر به القرآن». رابــــعــــا: يـــتـــطـــرّق هـــنـــري كسينجر إلى حلم البنا، حيث يقول: «ومن شأن الـنـتـيـجـة - بـحـسـب الــبــنــا - أن تـكـون متمثلة بــ(الـوحـدة الـعـربـيـة)، ومــن ثم (الوحدة الإسلامية) آخر المطاف. وما شكل انـتـمـاء أي نـظـام عـالمـي إسلامي مستعاد إلـى النظام الدولي الحديث، المبني حـول الـــدول؟ جــادل البنا يقول إن ولاء أي مـسـلـم حقيقي لـفـضـاءات مـــتـــعـــددة، مـــتـــداخـــلـــة، يــتــوّجــهــا نـظـام إسلامي موحد من شأن مداه الشرعي أن يحتضن العالم في النهاية. يتمثل وطنه أولا بـ(بلد معين)، ثم يمتد إلى البلدان الإسلامية الأخرى؛ لأنها كلها وطن وموئل للمسلم، وبعد ذلك يتطور ليصبح (إمـبـراطـوريـة إسـامـيـة) على النمط الذي سبق للأجداد الورعين أن أقاموا صرحه». خـامـسـا: يــرى كسينجر أن «آيــات الغموض هـذه ظلت مـتـرددة فـي نص البنا، إلا أن سجل العديد من المفكرين الإســامــويــن والــحــركــات الإسـامـويـة مــنــذ ذلــــك الـــوقـــت قـــد حـــلّـــهـــا، مــرجِّــحــا كـــفـــة الــــرفــــض الأصـــــولـــــي والأســــاســــي للتعددية والنظام الـدولـي العلماني. فــالــبــاحــث الـــديـــنـــي وأســــتــــاذ الـعـقـيـدة (الآيديولوجيا) في الإخوان المسلمين، سيد قطب، ربما قام بمفصلة الطبعة الأعــمــق والأكـــثـــر نــفــوذا لــهــذه الـنـظـرة. ألَّـــــف قـــطـــب، وهــــو فـــي الــســجــن بتهمة الاشـــتـــراك فــي مـــؤامـــرة لاغـتـيـال جمال عــبــد الـــنـــاصـــر، (مــعــالــم فـــي الــطــريــق)، وهــو بـيـان حــرب على الـنـظـام العالمي القائم، ما لبث أن غدا نصا تأسيسيا للحركة الإسلاموية الحديثة. الإسلام، بنظر قـطـب، نـظـام كـونـي شـامـل يوفر الصيغة الصحيحة الوحيدة للحرية». الــــــــخــــــــاصــــــــة، أن درْس هـــــنـــــري كــســيــنــجــر لــــهــــذه الـــجـــمـــاعـــة، وإن كـــان عـــابـــراً، غـيـر أنـــه ضــــروري بـاعـتـبـار هـذا الفصيل الأصولي المزعج أثّــر كثيرا في السياسات والمجتمعات في الإقليم. إن نشوء هـذا التنظيم المـــارق عطّل الكثير من أفكار السلم والتفاعل والـحـوار بين الـــشـــعـــوب، وإذا أردنـــــــا الـــبـــحـــث فــــي أي مـجـتـمـع فـعـلـيـنـا الـتـنـقـيـب عـــن الأفـــكـــار المتداولة فيه، ومربط الفرس أن جماعة الإخـــوان هي جـزء من كل النكبات التي تُعاش الآن ويعاني منها الناس... أفكار شمولية آيديولوجية معادية للإنسان ومضادة للنظريات الدنيوية، ومحاربة للمجتمعات والحياة. فهد سليمان الشقيران لحسن حداد إميل أمين

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky