issue17195

الرئيس التنفيذي جمانا راشد الراشد CEO Jomana Rashid Alrashid نائب رئيس التحرير Managing Editors Editorial Consultant in KSA Aidroos Abdulaziz Camille Tawil Saud Al Rayes Deputy Editor-in-Chief مديرا التحرير مستشار التحرير في السعودية محمد هاني Mohamed Hani الأمير أحمد بن سلمان بن عبد العزيز عيدروس عبد العزيز كميل الطويل سعود الريس 1987 أسسها سنة 1978 أسسها سنة هشام ومحمد علي حافظ رئيس التحرير غسان شربل Editor-in-Chief Ghassan Charbel كلما نشبت أزمة سياسية أو معيشية أو مناخية، تـسـبـبـت فـــي تـــخـــريـــب أو تــهــجــيــر أو مــجــاعــة تـتـنـافـس المــفــوضــيــات الـــدولـــيـــة والمــنــظــمــات الإنــســانــيــة وهـيـئـات الإغاثة في الــدول المقتدرة لتلبية الاحتياجات. لكن في العقود الأخيرة صارت المفوضيات والوكالات والمنظمات تـجـأر بـالـشـكـوى، فـتـهـب الــــدول لـلـمـسـاعـدة، كـمـا حصل ويحصل فـي غــزة والـــســـودان والـكـونـغـو وجـهـات أخـرى عديدة. ولذلك كثرت التساؤلات عن أسباب حالات العجز المستشرية عـن العناية بالاحتياجات الإنسانية، وهل يـعـود ذلــك إلــى ازديــــاد الأزمــــات زيــــادة هائلة عما كانت معهودة من قبل، أم لأن التبرعات من جانب الدول المقتدرة لمؤسسات الأمـم المتحدة تراجعت بالتوازي مع تصاعد الأزمـات والاختناقات. البابا الراحل فرنسيس كان يرى في هـذه الظاهرة تراجعا أخلاقيا لا يُعالج إلا بالعودة لتقاليد الصداقة والجوار والضيافة والمسؤولية عامة، ولا تقع على عاتق الـدول وإدارتها وحسب. ولذلك فهو يـنـادي المؤمنين لمـراعـاة واجباتهم الأخـاقـيـة والقاعدة الذهبية: أحب لأخيك ما تحبه لنفسك! كثيرة هـي المؤسسات الوقفية والرهبانيات التي قامت في الأزمنة الوسيطة لتلبية الاحتياجات الدائمة والطارئة. وربما كانت منظمة الصليب الأحمر الناشئة بـعـد أواســــط الــقــرن الـتـاسـع عـشـر بــن أولــــى المـؤسـسـات المختلطة في دوافعها بين الدين والمدنيات للإغاثة في الـحـروب. وقـد كسبت وضعا دولـيـا إجماعيا منذ قرابة الـقـرن مـن الــزمــان وأكــثــر. بيد أن عـقـود الـقـرن العشرين غـلّــبـت جـانـب الـحـق والـــواجـــب عـلـى اعــتــبــارات التصدق والإحــســان. ومــا ذهــب إلـيـه البابا الـراحـل فرنسيس أنه لا داعــي للتفرقة بـن الديني والإنـسـانـي فـي أداء واجـب المساعدة. بيد أن الديني كثيرا ما كـان باعثا أكبر على الانـــدفـــاع فــي احـتـضـان الـضـعـف الإنــســانــي وخـصـوصـا في رعائيات الشيوخ والأطـفـال والنساء. ويختم البابا بـالـقـول: نحن لا نـعـرض تـفـاضـا وتفضيلا بـل نعرض شــــراكــــة وتـــكـــامـــا بـــن ذوي الـــخـــبـــرة والـــتـــجـــربـــة وذوي الاندفاع الروحي والتراحمي. عـنـدمـا عـــرض فـيـلـسـوف الــقــانــون الأمــيــركــي جـون ) لأعمال الدولة 1971( » راولـز في كتابه «نظرية العدالة الــلــيــبــرالــيــة، وقــــال إن الـــدولـــة لــيــس مـــن مـهـامـهـا الـعـمـل الخيري، وما كان مهتما بعزل الدين عن أعمال الدولة؛ بل كان همُّه التحدي الذي تمارسه أطروحة العدالة ذات الأبعاد الأخلاقية في الأنظمة الاشتراكية على الشباب الأمـيـركـي المستثار بسبب التفرقة العنصرية وبسبب الــحــرب الفيتنامية. وعـلـى ذلـــك رد عــديــدون مــن بينهم أماراتيا سَن وماكنتاير. فالعدالة فقدت سحرَها عندما غلب الجانب القانوني عليها في الدولة الليبرالية رغم أنـــه ضـــــروري. أمـــا جـانـبـهـا الأخـــاقـــي فـهـو الـــرابـــط الــذي يخترق القانون لكنه يبقى فوقه، وهكذا حسب ساندل أيــضــا لا تــكــون الـــعـــدالـــة كــامــلــة إلا إذا اشــتــغــل جانبها الأخلاقي في إدارة الدولة وخارجها. لـقـد تـعـقـدت المـشـكـلـة بـعـض الـــشـــيء عـنـدمـا لاحـظ اللاهوتي الكاثوليكي هانز كينغ، أنـه حتى لـو سلّمنا بـتـأثـيـر الــديــن الــقــوي فــي الأخـــــاق؛ فــالــواقــع أن الأديــــان الكبرى ليس بينها تـوافـق فـي الأخـاقـيـات. ولـذلـك قال إنه لا سلام في العالم إلا بالسلام بين الأديان، ولا سلام بـــن الأديــــــان إلا بـــالـــحـــوار الــــذي يُــفــضــي إلــــى إجــمــاعــات أخلاقية، من أولياتها «القاعدة الذهبية» عند الديانات الإبراهيمية: أحب لأخيك ما تحبه لنفسك. تقدمت إذن أخـاق الرحمة وأخــاق الإغاثة لتعمل أضـــــاع المــثــلــث مـــعـــا: المــفــوضــيــات والــــوكــــالات الــدولــيــة، والمـــنـــظـــمـــات الإنـــســـانـــيـــة، والـــتـــعـــاونـــيـــات ذات الـصـيـغـة الدينية. بيد أن الضلع الرابع صار ضلع الدول المقتدرة التي شكلت هيئات للإغاثة تعمل من خلال أضلاع المثلث تارة وبشكل مباشر تارة أخرى. فـــهـــل ازدادت الـــــقـــــدرات عـــلـــى مـــواجـــهـــة المــشــكــات الإنــســانــيــة الـــتـــي تـسـبـبـت بــهــا كــــــوارث الـبـيـئـة وكـــــوارث الـهـجـرة وكــــوارث الأزمــــات السياسية والاسـتـراتـيـجـيـة؟ يـــقـــول الــــخــــبــــراء إن الازديــــــــــاد فــــي ســـلـــوكـــيـــات الــتــطــوع والمـــــبـــــادرة حــصــل لـــكـــن أبـــــرز وجـــــوه الاخــــتــــال الــجــديــد تزايد التحديات نتيجة تراجع القدرات على الوقاية في التلوث البيئي، وتراجع قدرات الوساطة والمصالحة في الأزمات السياسية والاستراتيجية. وكلا الأمرين تسبّب ويـتـسـبّــب فـــي تـصـاعـد حــــدّة الــــكــــوارث. وهــــذا إلـــى بـلـوغ مشكلات الهجرة واللجوء أبعادا أسطورية. أمــامــنــا الآن مــشــكــات أو كــــــوارث غــــزة والـــســـودان وأوكـــرانـــيـــا والآثـــــار الإنـسـانـيـة المـفـجـعـة والــتــي يـتـشـارك في إحداثها وتفاقمها تراجع قــدرات المنظمات الدولية على الوقاية والتدخل، وتراجع قدراتها على الوساطة والمـصـالـحـة. وقـــد دفـــع ذلـــك الـبـابـا الـجـديـد لـيـون الـرابـع عشر إلى الحديث من جديد مثل البابا السابق عن الأزمة الأخـاقـيـة العالمية التي لا يستطيع الضمير الإنساني تحملها! فـي المـــدة الأخــيــرة تعاظمت جـهـود الـــدول المقتدرة في التدخل بالأزمات الطبيعية والإنسانية. بيد أن الذي يبقى مطلوبا عـــودة الـــوكـــالات الـدولـيـة للتدخل الأكـبـر والفعالية، وفي الوقت نفسه عودة الجهات القادرة على الــوســاطــة والمــصــالــحــة، ســــواء لـجـهـة الــوقــايــة، أو لجهة استعادة السلام بعد الكوارث أو النزاعات. بين القوانين والإعلانات والأخلاق في بعض الحضارات القديمة، كان يُمنح لكل عام اسم بدلا من رقم؛ فكان هناك مثلا «عام الجراد»، أو «عام الفيضان»، أو «عام الحصاد الذهبي». وعـــلـــى نــهــج ذلــــك الـتـقـلـيـد، فــمــا هـــو المــســمــى الـــذي ؟2025 تعتقد أنه يناسب عام أحــــد المـــقـــتـــرحـــات هـــو «عـــــام الانـــطـــبـــاعـــات». يمكن تـــبـــريـــر ذلـــــك الاســــــم بـــــالإشـــــارة إلـــــى عــــشــــرات المــــحــــاولات المـجـهـضـة لإحـــــال الـــســـام فـــي مـخـتـلـف أنـــحـــاء الــعــالــم، والتسويات الهشة بشأن الرسوم الجمركية والتجارة، وحالة الجمود التي تتخفى تحت رداء النشاط المفرط. ففي الـعـام الــذي يُلملم أوراقـــه، قضى الـقـادة وقتا أطـول فـــي الانـــتـــقـــال مـــن مـــكـــان إلــــى آخـــــر، وإلــــقــــاء الــخــطــابــات، وإجــراء المقابلات التلفزيونية، وقـص شرائط الافتتاح، ومـصـافـحـة الـجـمـاهـيـر، أكــثــر مـمـا قــضــوه فـــي مـواجـهـة القضايا الجوهرية القائمة. إن «الانطباعية» هي مدرسة فــي الــرســم لا تُــعــرض فيها الأشـــيـــاء الحقيقية بـصـورة فوتوغرافية أبــداً؛ فأنت تـرى شكلا يشبه الشجرة لكنه ليس شجرة، وتشاهد ظلا بشريا قد يوحي بأنه راقص «فـامـنـكـو» لـكـنـه فــي الحقيقة لـيـس كــذلــك. وهـــكـــذا، في «السياسة الانطباعية»، تجد أقـــوالا وأفـعـالا تُلمح إلى الحقائق من دون أن تضعها فعليا في إطار محدد. إلــيــكــم بــعــض الأمـــثـــلـــة: مـــن المـــفـــتـــرض أن «الــنــظــام العالمي القديم» يتداعى، لكن عند الفحص الدقيق فيه، نـــراه مستقرا فـي حـالـة ترنحه ذاتـهـا. ومــن المفترض أن الولايات المتحدة في طريقها لمغادرة حلف الناتو، لكنها في الواقع تزيد من وجودها العسكري في أوروبا. ويبدو أن هناك اتفاق سلام مغريا بات قاب قوسين أو أدنى في أوكرانيا، غير أنه ينزلق دائما من بين الأصابع مثل سمكة رشيقة. تكشف الستار عن خطة لامعة لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لكنها سرعان ما تتلاشى في ظلال بالغة العمق. أما الجمهورية الإسلامية في إيران، فتظهر تارة في مظهر المرتدع، لكنها سرعان ما تعاود الظهور بخطاب أكثر تحدياً. والصين التي تبدو على وشك غزو تايوان، تتقهقر بحذر في كل مـرة. كما كـان «الاستعراض الأخـاقـي» أو ؛2025 «التظاهر بالفضيلة» سمة رئيسية أخــرى لعام إذ انبرت بلدان مختلفة وعـشـرات الشخصيات العامة، ناهيكم عـن «كــل مـن هــب ودب»، فـي الإعــــراب عـن شديد آلامـهـم دفـاعـا عـن هــذه الضحية أو تـلـك، حقيقية كانت أم خيالية، مع أصــوات تطالب بوقف الإبـــادة الجماعية والتنديد بالجرائم ضد الإنسانية، مع دعـوات المقاطعة تُعزف كموسيقى تصويرية في خلفية الأحداث. بكلمات عاما من «الألاعيب السياسية» أو 2025 أخرى، كان عام ؟2026 المسرحيات الهزلية. ولكن ماذا عن عام إحدى الإجابات البديهية هي أن هذه المسرحية قد تستمر؛ فممارسة السياسة كفن للإيماءات والحركات الاستعراضية أسهل بكثير من ممارستها كحرفة رآها أرسطو ذروة البراعة البشرية. ومع ذلك، وعلى الرغم من مخاطرة الظهور بمظهر المحلل «المفرط في التفاؤل»، قد عاما لـ«الإيضاحات»، 2026 يأمل المرء في أن يصبح عام حيث تتجسد الصور الانطباعية المرسومة هنا وهناك وتتحول إلى حقائق ملموسة. ولكي يتحقق هذا الأمل، يجب أن تحدث أمور عدة؛ إذ ينبغي للرئيس دونالد ترمب أن يقضي وقتا أقل في رعاية حسابه على منصة «سوشيال تروث»، ويركز أكثر على استراتيجية رابحة لانتخابات التجديد النصفي المقبلة. فخصومه بــدأوا بالفعل في الاحتفال، وتأهبت أنفسهم توقعا لخسارته وتحوله إلى «بطة عرجاء»، أي رئيس بلا نفوذ. بيد أن العكس يبدو أكثر احتمالاً؛ مع تحقيق ترمب فوزا كبيراً، ومعاناة الحزب الديمقراطي - المشلول جراء جناحه اليساري ذي الرعونة - من هزيمة تاريخية مجددة. وكما أظهرت الانتخابات الأخيرة في أميركا اللاتينية، فإن «السياسة الترمبية» لا تزال الرياح تجري بما تشتهيه سفنها في جميع أنحاء العالم. إن الاتحاد الأوروبي، الذي قد يوصف الآن بـ«رجل أوروبـا المريض»، قد يجد نفسه مضطرا لإعادة التفكير في هيكله المعيب بكل وضــوح، وذلـك من أجـل استعادة دور عالمي يتلاءم مع قوته الاقتصادية ومكانته الثقافية. أمـــا الــرئــيــس الأوكــــرانــــي فـولـوديـمـيـر زيلينسكي، فـعـلـيـه الــتــوقــف عـــن مُــراكــمــة «أمـــيـــال الـــطـــيـــران» بالسفر المـتـواصـل والتركيز بـصـورة أكـبـر على تطهير صفوفه وترتيب بيته الداخلي والاستعداد للانتخابات. وأفضل ما يمكن فعله هو وقف النزيف. وحلف الناتو لا يسير على طريق الزوال، ولكن لكي يظل ذا صلة بالواقع، يجب عليه مقاومة إغـــراءات الظهور لاعبا مستقلاً. ففي هذا السياق، كان الخطاب الأخير للأمين العام للحلف مارك روته - الذي بدا فيه وكأنه يعتقد أن الناتو في حالة حرب بالفعل مع روسيا - بمثابة «زلــة» مفاجئة من سياسي مخضرم عُرف بحذره ودهائه الشديد. من جانبه، يجب على الرئيس الـروسـي فلاديمير بوتين أن يدرك أن الحرب في أوكرانيا لا يمكن أن تنتهي وفق شروطه الخاصة. وفــي الـصـن، بــدأ الرئيس شـي جينبينغ يـــدرك أن هناك أولـويـات أخـرى لديه أكثر أهمية من ضم تايوان. فبعيدا عن العناوين الرئيسية، بدأت نخبة أعمال جديدة صاعدة - محصنة داخل الحزب الشيوعي - تشعر بالقوة الكافية لتوجيه انتقادات ضمنية لجوانب معينة. أمــا الـيـابـان، فإنها تعيد تنظيم صفوفها للدخول إلى الساحة العالمية لاعبا سياسيا نشطاً، بينما تكشف عن برنامج طموح لمعالجة العجز الديموغرافي الكارثي الـذي تعاني منه. وفي الشرق الأوسـط، من شأن الحديث عن «حل الدولتين» أن يستمر، ريثما يُتوصل إلى صيغة تعايش مفترضة. بدأت عشرات الشركات العالمية بالفعل تـتـحـن الـــفـــرص طـمـعـا فـــي عـــقـــود مــغــريــة لإعــــــادة إعــمــار سوريا. بيد أن ذلك لن يكون ممكنا من دون استقرار لبنان أولا كدولة ذات سيادة، حتى يكون مقرا إقليميا للشركات المتأهبة لإعـادة إعمار سوريا، حينما - وإذا ما - نجحت حكومتها الجديدة في فرض سيادتها وقرارها على كامل ترابها الوطني. أما إيران، فتظل «لغزا مفعما بالغموض». ففي الحكايات الشعبية الفارسية، غالبا ما يصل الأبطال إلى مفترق طرق يُطرح فيه سؤال «ماذا أفعل الآن؟». وبـيـنـمـا لا تــــزال تـركـيـا تـــصـــارع أزمــــة هــويــة تحت قيادة الرئيس رجب طيب إردوغــان، فإنها تبدو نافورة لا تزال تندفع للأعلى أكثر فأكثر. لكننا نعلم أن النوافير تهوي عندما تصل إلى أقصى نقطة في اندفاعها. وفي الـنـهـايـة يـجـب الـتـعـامـل مــع مــا ورد أعـــاه كملحوظات، وليس توقعات، وعام سعيد لكم. ... عام التوضيحات؟ 2026 OPINION الرأي 13 Issue 17195 - العدد Friday - 2025/12/26 الجمعة رضوان السيد أمير طاهري

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky