issue17193

فـي يــوم اسـتـقـال ليبيا نـتـسـاءل: مـــاذا تحقَّق عامًا؟ البلد في أسوأ حاالتها، والصراع 75 خلل على السلطة على أَشُـــدِّه... أمَّــا املستقبل فل تفكير فيه. بـاد أصابها الوهن، واألمـم من حولها تنمو وتزدهر، والسلطوين يتناطحون في ما بينهم. الــســؤال فـي الـعـنـوان أعـــاه يـفـرض نفسه على النخب السياسية وعلى غيرها في ليبيا؛ ذلـك أن الـتـجـربـة الـسـيـاسـيـة الليبية املــؤملــة مـنـذ سبتمبر حتى يـوم الناس هـذا، تُعد نموذجًا 1969 ) (أيـلـول مــأســاويــ لـــلـــدول الــتــي «تـمـتـلـك املــــــوارد» و«تـفـتـقـد الـــــرؤيـــــة»؛ حــيــث تـــحـــوّلـــت الــــثــــروة الــنــفــطــيــة، الـتـي حـبـاهـا الـــلـــه بــهــا، مـــن أداة لــبــنــاء غـــد مـــشـــرق، إلـى وســـيـــلـــة لـتـحـقـيـق طـــمـــوحـــات شــخــصــيــة وخـــــوض غمار مغامرات وحـروب خاسرة، ثم تحولت الحقًا وقودًا يغذي االنقسام والتمزق االجتماعي، ويعمّق الفوضى والفساد. وفي ذلك الخضم لم يعد التفكير في حقوق األجـيـال املقبلة واجبًا وطنيًا وأخلقيًا وإنسانيًا. بالتالي، فإن استعادة البوصلة الوطنية املفقودة ليست مجرد ترف سياسي، بل هي مطلب أساسي وضرورة وجودية للخروج من النفق املعتم الحالي نحو أفق املستقبل وبناء الدولة الحديثة. في معمعة األزمات اليومية املتوالية دون نهاية ، تختلط األمور وتشتبك 2011 ) منذ فبراير (شباط عـلـى نـحـو مـحـزن عـلـى الـصُّــعـد كــافــة، وتـضـيـع في فوضاها، لألسف، أولويات املستقبل، وتَغيب كلية عن حسابات النخب التي تتولى مقاليد األمور في البلد أسمى واجباتها: الحرص على صناعة غد أفضل لألجيال املقبلة. اإلمـــعـــان فـــي نـهـب مـــــوارد الـــدولـــة، واســتــشــراء الفساد وتَحوّله إلـى ثقافة، وانهيار بنى التعليم والصحة وغيرِهما من القطاعات الخدمية، وتردي قيمة الدينار الليبي، وتحويل املال العام آلة للربح الفوري لفئة انتهازية... كل ذلك، دون شك، خيانة للمستقبل. السؤال الجوهري الذي يجب أن يؤرق الجميع: أي وطن سنورّثه ألبنائنا وأحفادنا؟ هل هو وطن املؤسسات والعدالة والعلم واملـسـاواة في الفرص، أم خرائب وأنقاض مهشّمة تركتها صراعات عقيمة على أموال «مَوْرِدٍ» تؤكد كل الحسابات العلمية أنه ناضب ال محالة؟ الــخــروج مــن الـحـالـة الـراهـنـة ضــــرورة وطنية، وهـو يتطلَّب ويشترط، أوال وقبل كـل شــيء، توفر «إرادة سياسية» و«رؤية وطنية شاملة»، تحرصان معًا على تحويل مفهوم الدولة من ساحة مفتوحة لــلــصــراع عـلـى الـغـنـائـم، إلـــى مـنـصـة تـرتـكـز عليها وتنطلق منها النهضة. الغد املأمول يبدأ من اليوم. بـنـاء الــدولــة الليبية املـنـشـودة يسير باتجاه معاكس؛ في الطريق التي دُفعت إليها ليبيا قسرًا . وهو يتطلب أوال نُخبًا وطنية ذات 2011 منذ فبراير كفاءة تتوفر لديها «اإلرادة السياسية» و«الـرؤيـة الوطنية»، وتؤمن بأن االستقرار وتوطيدَه يرتكزان على أسس وأعمدة واضحة؛ أبرزها: الكفاءةُ، وحكم القانون لضمان أال تظل الثروة حكرًا على من يملك الـــســـاح، والـــتـــوجـــه نـحـو االســتــثــمــار فـــي اإلنــســان وليس في شراء وتكديس األسلحة... وهذا يستلزم مــواكــبــة الــتــحــوّالت الـتـقـنـيـة الـعـاملـيـة، وعــلــى رأس القائمة يأتي السعي الـجـاد إلـى تنويع االقتصاد للتحرر من سطوة الريع النفطي. يــتــجــلَّــى حـــجـــم الــــفــــرص الـــضـــائـــعـــة فــــي لـيـبـيـا بوضوح لـدى مقارنة وضعنا بالنماذج الناجحة فـــي كـثـيـر مـــن الـــبـــلـــدان الــنــفــطــيــة، الـــتـــي اسـتـثـمـرت مــــــواردَهــــــا فــــي بـــنـــاء مـــــدن ذكـــيـــة وتـــنـــمـــيـــة بــشــريــة مستدامة؛ مما يثبت أن النفط ليس نقمة فـي حد ذاتــــه، بــل «الـعـجـز اإلداري» و«غـــيـــاب الـــرؤيـــة» هما اللذان يُحيلنه نقمة. تــــجــــاوُز الـــفـــوضـــى الـــحـــالـــيـــة فــــي الــــبــــاد لـيـس مستحيل إذا خلصت النيّات وَصَفَت النفوس. وهو يبدأ من االتفاق على مشروع وطني يضع مصلحة الــوطــن فـــوق املـصـالـح الـضـيـقـة. ليبيا تـحـتـاج إلـى هندسة مستقبل يضمن العدالة بني األجيال. هذا الــتــحــوّل لــن يُــصـنَــع فــي قــاعــات الـتـفـاوض الـدولـيـة وحدها، أو خلف كواليس تَقاسُم الغنائم ومناطق الـنـفـوذ، إنـمـا يُــبـنـى فــي الـصـفـوف الــدراســيــة حيث تُغذَّى العقول باملعرفة، وفي املختبرات حيث تُخلق القيمة. الــــرهــــان الــحــقــيــقــي الــــيــــوم هــــو عـــلـــى اإلنـــســـان الليبي الـــذي تـحـمّــل صــامــدًا طــويــاً، ويستحق أن يُمنح فرصة للبناء. والـــدرب نحو دولــة املستقبل ال يَــخـفـى، ويــبــدأ بـخـطـوة شـجـاعـة: االعـــتـــراف بـأن الــثــروة الحقيقية ليست فــي عـمـق األرض، بــل في بناء اإلنسان، وفي ترسيخ اإلرادة الجماعية لجعل جـودة الحياة معيار الغنى الحقيقي. عندها فقط ستتحول ليبيا من حالة استثنائية في الفشل إلى قصة استثنائية بالنهوض. يثير الحديث عن نقد املــوروث الديني عاصفة مـــن ردود الــفــعــل املــتــنــاقــضــة، تــكــشــف عـــن فـوضـى منهجية تسيطر على سـاحـات النقاش، خصوصًا في الفضاء الرقمي. تكمن جذور هذه اإلشكالية في الخلط املفاهيمي األولـــي بـ الـديـن واملــــوروث الـديـنـي. فـالـديـن يمثل الثوابت العقدية والنصوص األصلية التي يُعرّف املرء نفسه باالنتماء إليها، بينما املـوروث هو ذلك املنتج البشري املتراكم عبر التاريخ، شامل الفقه، والتاريخ، وعلم الكلم، وهو بطبيعته نتاج بشري، قابل لألخذ والرد، ومرتبط بظروفه. إن إخــــضــــاع هـــــذا املـــنـــتـــج الـــبـــشـــري لــلــمــســاءلــة الــنــقــديــة لــيــس تـــرفـــ فـــكـــريـــ ، بـــل هـــو ضــــــرورة لفهم الــحــاضــر. ولــعــل الـسـجـال الـــدائـــر حـــول تصريحات الشيخ الـدكـتـور محمد العيسى بـشـأن تهنئة غير املـــســـلـــمـــ ، يـــقـــدم مــــثــــاال راهــــنــــ وعــمــلــيــ عـــلـــى هـــذا الـــتـــداخـــل؛ فـحـ يـشـيـر الـعـيـسـى إلـــى غــيــاب الـنـص القطعي بالتحريم، فهو يعيد رسم املساحة الفاصلة بـــ الـحـكـم الــشــرعــي املـــؤســـس عـلـى نـــص (الـــديـــن)، وبـ املوقف الفقهي الـذي شكله سياق تاريخي أو اجتماعي معني (املوروث). وهــنــا تـحـضـرنـي تـجـربـتـي الـشـخـصـيـة بحكم إقامتي في الواليات املتحدة؛ إذ أملس بوضوح كيف يبادرنا اآلخرون بالتهنئة في أعيادنا ومناسباتنا، في سلوك حضاري يندرج ضمن اللطف االجتماعي والتعايش، دون أن يعني ذلك بحال من األحوال إقرارًا منهم بصحة معتقدنا أو تخليًا عن معتقداتهم. هذا الـفـصـل الـدقـيـق بــ املـجـامـلـة االجـتـمـاعـيـة والـــوالء العقدي هو ما يحتاج العقل الفقهي التقليدي إلى استيعابه ضمن متغيرات العصر. فـسـواء تعلق األمــر بـقـراءات تاريخية كأحداث الفتنة الكبرى، أو بأحكام فقهية تفصيلية، فإننا نتعامل مـع اجـتـهـادات بشرية تستدعي املـراجـعـة. إال أن الــفــارق الـجـوهـري بــ اإلصــــاح فــي سياقنا اإلســــامــــي وســـيـــاقـــات أخـــــرى كــاملــســيــحــيــة، هـــو أن اإلســام ديانة تشريعية، مما يجعل نقد موروثها الفقهي أكثر تعقيدًا وحساسية. وهـــنـــا تــكــمــن جــــــدوى الـــنـــقـــد؛ فـــهـــو ال يـتـعـامـل مـــع املـــاضـــي بـوصـفـه تــاريــخــ مـنـتـهـيـ ، بـــل بوصفه حاضرًا ممتدًا. فـاملـوروث ليس مجرد نصوص في بطون الكتب، بل هو بنى ثقافية واجتماعية ال تزال تشكّل وعينا الجمعي، وتتدخل في تنظيم حياتنا املعاصرة، من منظومات القيم إلى قوانني األحـوال الشخصية. وعليه، فـإن مراجعة هـذا املـــوروث ليست هدمًا لـلـمـاضـي، بـــل هـــي ضـــــرورة لـتـحـريـر الــحــاضــر. فل يـمـكـن بـــنـــاء مـــشـــروع نــهــضــوي حـقـيـقـي يستجيب لتحديات العصر، بينما ال نزال أسرى التأويلت. لـكـن، ال تكمن اإلشـكـالـيـة فــي مـشـروعـيـة النقد ذاتها، بل في غياب املنهجية الواضحة التي تحكمه. لقد تحول النقاش إلـى سجال سطحي تضيع فيه األصـــول وتُستهلك الـطـاقـات فـي الـفـرعـيـات. فكثيرًا ما يُبنى النقد على أرضية هشة، كاالنطباع الذاتي والــرفــض العقلي املــجــرد، أو يُــواجــه بسلطة مغلقة تكتفي بالتحريم واإلجماع. يغيب عن هذا املشهد التفريق بني املعلومة التي يـجـب أن تــكــون صحيحة ومــوثّــقــة، وبـــ التحليل الـــذي يكتسب صفة وجـهـة النظر فقط حـ يمتلك أرضية منطقية ومنهجًا يستند إليه. فــي ظــل هـــذه الـفـوضـى، يـتـم حـــرف الـنـقـاش عن مساره املوضوعي إلى الشخصي. فسؤال «من أنت لــتــقــول؟» هـــو ســــؤال خــاطــئ فـــي بـنـيـتـه وتـفـصـيـلـه؛ ألنـه يهرب من مواجهة الـسـؤال نفسه إلـى مهاجمة الــســائــل. الـــصـــواب هـــو الـتـركـيـز عـلـى بـنـيـة الــســؤال ومــــقــــدمــــاتــــه، فـــمـــشـــروعـــيـــة الــــنــــقــــد، حـــتـــى مـــــن غـيـر املتخصص، تكمن في قدرته على كشف التناقضات وطرح األسئلة املشروعة. إن نقد املوروث، لكيل يكون مجرد موضة عابرة أو صـراعـ بـ العقلنية والـنـص، يجب أن يتحول إلى مشروع إصلحي نهضوي. هذا املشروع ال يبدأ بالرفض العاطفي، بل يتطلب أوال تأسيسًا معرفيًا يـسـلّــح الـنـاقـد والـــقـــارئ بـــــاألدوات الـــازمـــة، وثـانـيـ ، وهــو األهـــم، بـلـورة منهجية تفكير واضـحـة، تفسر مرجعية التساؤل وتضبط بوصلة النقد. في عشق السالح... رفـــض «حــــزب الـــلـــه»، ولــلــمــرّة األلـــف، تــســلــيــم ســــاحــــه، ومـــثـــلـــه فـــعـــل تـنـظـيـمـا «كــتــائــب حـــزب الـــلـــه» و«حـــركـــة الـنـجـبـاء» العراقيّان، و«حركة حماس» الفلسطينيّة. وســـهــلٌ، بطبيعة الـــحـــال، أن نبرهن دور الرغبة اإليرانيّة في ذلك، وحاجة إيران إلى إبقاء السلح في أيدي مسلّحينا. لكن قبل أن ينشأ هذا الدور الخارجيّ، طوّرت الحركات الراديكاليّة فـي العالم العربي عشقًا ندر مثيله للسلح. فالقصائد التي قيلت فـيـه، واألغـــانـــي والـهـتـافـات املـقـفّــاة الـــتـــي امـــتـــدحـــتـــه، ال يــعــادلــهــا إال الــكــام املـنـتـفـخ الــــذي وُصــفــت بــه صـــواريـــخ عبد الناصر وصـدّام حسني، قبل أن تلوح في األفق الصواريخ الخمينيّة. ومـــــا بــــ «خــــلّــــي الــــســــاح صـــاحـــي» و«املـــــعـــــارك مـــســـتـــمـــرّة» و«أصــــبــــح عــنــدي اآلن بـنـدقـيّــة» طـــوّرت تلك الـحـركـات غـزال بالسلح بعضه عـــذري وبعضه إبـاحـيّ. ومنّا من ال يزال يذكر التكريم الذي حظي بـه رشّـــاش الكلشنيكوف الـروسـي الـذي تسلّحت به املقاومة الفلسطينيّة، والذي سـمّــيـنـاه «كـاشـيـنـكـوف» قـبـل أن نـدلّــعـه بالـ«كلشن». وكـــــان وال يـــــزال الــتــغــنّــي بــالــســاح، ومعه الحجج التي تبرّره، خطابًا مكتفيًا بـــذاتـــه. فـعـشّــاق الــســاح إنّــمــا أرادوه كي يقاوموا، أو كي يحرّروا. وكانت الوظائف هـــذه، وال تــــزال، تعفي أصـحـابـهـا مــن كـل حديث عمّا سيفعله املسلّحون بعد هذين التحرير واملقاومة. وهكذا، وعمل بمبدأ «السلح للسلح»، ازدادت السياسة فقرًا بفقدانها كل معنى مستقل يتعدّى كونها إعجازًا سلحيًّا. أمّــــــا الـــــدولـــــة، الـــتـــي يُـــفـــتـــرض حـصـر السلح بها، فرُسمت كائنًا بغيضًا نشأ بـفـعـل الـتـجـزئـة االسـتـعـمـاريّــة ثـــم امتهن الــعــمــالــة لــاســتــعــمــار. وهــــذا إنّـــمـــا يمنح امليليشيات تفوّقًا ملحوظًا عليها، ليس فقط ألنّــهـا نتاج «الـشـعـب» و«األمّــــة»، بل أيضًا ألنّــهـا، وبالتعريف، حركات سلح وتـــســـلّـــح مــطــلــقــ ال يـــحـــدّهـــمـــا حـــــد وال يضبطهما معيار. ومــشــكــلــة املـــشـــاكـــل هــنــا إنّـــمـــا تكمن فــــي أن انـــتـــصـــار «الـــــعـــــدوّ» الــــغــــربــــيّ، ثـــم اإلســــرائــــيــــلــــيّ، والــــــــذي تـــعـــاظـــم تــقــديــس الــســاح فــي مـواجـهـتـه، إنّــمــا تـــم بــــأدوات كـثـيـرة قـبـل أن يـتـم بــالــســاح. فـهـو حقّق الــــتــــفــــوّق الـــــــذي حـــقّـــقـــه بــنــتــيــجــة ثــــــورات ضخمة، علميّة ودينيّة وصناعيّة وفكريّة وتـنـظـيـمـيّــة، لـــم يــكــن الـــتـــفـــوّق الـعـسـكـري سـوى نتيجة من نتائجها الفرعيّة. بيد أن الوعي العربي انجرف بأصحابه إلى حـيـث قــلّــصــوا تـلـك الـــتـــحـــوّالت كـلّــهـا إلـى مـــجـــرّد ســـــاح، مـسـتـنـتـجـ أن املـطـلـوب تطوير سلح يلحق الهزيمة بسلحه. والـــبـــائـــس أن الـنـظـريّــة االخـتـزالـيّــة هــذه ال تجد فـي تـاريـخ املنطقة الحديث أي مصداق عليها، بل تجد ما ال يُحصى من براهني مضادّة تدحضها. فقد كانت الــهــزيــمــة املـــذلّـــة الــتــي حــصــدهــا املـمـالـيـك والـــعـــثـــمـــانـــيّـــون فــــي مـــعـــركـــة أمـــبـــابـــة عـــام ، أمـــــام الــجــنــود الــفــرنــســيّــ الــذيــن 1798 قادهم بونابرت، فاتحة هذه الوجهة التي راحت تشق طريقها معركة معركة وحربًا مـــثـــا كـــانـــت الـهـزيـمـة 1882 حـــربـــ . فــفــي املـطـنـطـنـة ألحـــمـــد عـــرابـــي فـــي مـواجـهـتـه مـع األسـطـول البريطانيّ. وقبيل الحرب العامليّة األولى انهزمت الدولة العثمانيّة أمام اإليطاليّني، ثم انهزمت، إبّان الحرب، أمـــــام الـــبـــريـــطـــانـــيّـــ ، فـــي الـــقـــدس ثــــم في دمـشـق. أمّــا الحـقـ ، فلم يكن حــظ يوسف الـــعـــظـــمـــة ومـــقـــاتـــلـــيـــه فــــي مـــيـــســـلـــون، فـي مواجهة الفرنسيّني، أفضل حاال من حظ «ثــــورة الـعـشـريـن» الـعـراقـيّــة فــي مواجهة الــبــريــطــانــيّــ . وهـــي هـــزائـــم مـــا لـبـثـت أن تــلــتــهــا هـــزيـــمـــة ســـلـــطـــان بـــاشـــا األطـــــرش .1925 و«الـــثـــورة الــســوريّــة الـكـبـرى» عـــام وعلى النحو هذا خيضت حرب فلسطني فانهزمت سبعة جيوش عربيّة 1948 في أمام «عصابات صهيونيّة» حملت معها خبرتها وتكوينها الغربيّني. وتــــلــــك كــــانــــت أقــــــــرب إلــــــى مـــقـــدّمـــات مهّدت لهزائم الحقبة التالية التي نزلت بــاألنــظــمــة والـــحـــركـــات الـــراديـــكـــالـــيّـــة، من الناصريّة املصريّة والبعثيّة السوريّة في ،1982 ، إلى املقاومة الفلسطينيّة في 1967 قـبـل إطـاحـة 1991 فــالــعــراق الـبـعـثـي فـــي ، انـتـهـاء 2003 زعـيـمـه صــــدّام حـسـ فــي بــمــا آلــــت إلـــيـــه حـــربـــا «طـــوفـــان األقـــصـــى» و«اإلسناد» باألمس القريب. وهـــــــــذه كــــلّــــهــــا مـــــن صــــنــــف الــــهــــزائــــم الـتـأسـيـسـيّــة الـــكـــبـــرى. فـهـزيـمـة املـمـالـيـك أفضت إلى الحملة الفرنسيّة، ومن بعدها دولة محمّد علي، تمامًا كما أفضت هزائم الـــدولـــة الـعـثـمـانـيّــة واملـــقـــاومـــات املـحـلّــيّــة الــتــي تـلـتـهـا إلـــى ارتـــســـام الـــدولـــة – األمّـــة فـي املنطقة، وبــدورهــا آلــت الـهـزائـم أمـام إسرائيل ثم اندحار عبد الناصر وصدّام حـــســـ إلـــــى مـــعـــظـــم مــــا تـــعـــيـــش املــنــطــقــة الـعـربـيّــة وطــأتــه الــيــوم. هـكـذا جـــاز الـقـول إن تـــاريـــخ الـــشـــرق األوســـــط الــحــديــث هو تـــاريـــخ الـــهـــزائـــم الـــتـــي كــــان يُــفــتــرض بها أن تــؤسّــس وعـيـ يـكـره الــســاح ويـحـض عـلـى بــنــاء أعــــرض حــركــات الــســلــم، وهــذا إن لـــم يـكـن ألســـبـــاب إنــســانــيّــة وأخــاقــيّــة فــ ســبــاب مـحـض مـصـلـحـيّــة، خصوصًا وأن االســــتــــخــــدام الــــراهــــن لـــهـــذا الـــســـاح بــات تسعة أعـشـاره يُــصـرف فـي الحروب األهــلــيّــة. لـكـن مــا حـصـل هــو نقيض ذلـك تــمــامــ ، إذ أعــيــد مــــرّة بـعـد مــــرّة تأسيس عشق السلح. وتــحــت وطــــأة الــهــزائــم الــتــي أمعنت فـي هزيمة العقل ازداد العشق اشتعاالً، فجعل يقترن بلغة تهديديّة تثير الضحك إذ تــؤكّــد أن األعــــداء «ال يفهمون إال لغة القوّة». ولقائل أن يقول إن هـذا االستحواذ الــــذي يــمــارســه الــســاح علينا مــــردّه إلـى أنّنا ال نملك إال السلح. وهذا واقع محزن وبائس بما فيه الكفاية، غير أنّه ال يبرّر إضـــافـــة بــــؤس الــعــقــل إلــــى بــــؤس الـــواقـــع. فكيف وأن الكثير من السلح هذا مصدرُه «العدوّ» الغربي نفسه؟ OPINION الرأي 14 Issue 17193 - العدد Wednesday - 2025/12/24 األربعاء وكيل التوزيع وكيل االشتراكات الوكيل اإلعالني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] املركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 املركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى اإلمارات: شركة االمارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 املدينة املنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب األولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية املوجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها املسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة ملحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي باملعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com حازم صاغيّة عبد هللا فيصل آل ربح جمعة بوكليب إشكالية نقد الموروث في ذكرى استقالل ليبيا... ماذا أبقيتم لألجيال المقبلة؟

RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==