الثقافة CULTURE 18 Issue 17192 - العدد Tuesday - 2025/12/23 الثلاثاء حينما تروي اللقالق سيرة حياة الكاتب يــواصــل الـكـاتـب المـسـرحـي والــروائــي مـــــاجـــــد الــــخــــطــــيــــب، فــــــي الــــــجــــــزء الــــثــــانــــي مــــن «مـــلـــصـــقـــات بـــــيـــــروت»، ســـــرد ســيــرتــه الشخصية في بـيـروت، المبتلية بالحرب، فـــــــي الـــــفـــــتـــــرة الــــــتــــــي ســــبــــقــــت الاجـــــتـــــيـــــاح .1982 الإسرائيلي سنة ويــــكــــرس الـــخـــطـــيـــب الــــجــــزء الـــثـــانـــي، المـعـنـون «رقـصــة الـلـقـلـق»، لـسـرد بـطـولات زهـيـر (فـهـد الــعــراقــي) وأخــيــه بـاسـم كمال الـديـن، نـاقـا مـن خــال ذلــك للقارئ لوحة مـفـصـلـة عـــن حـــيـــاة الــعــاصــمــة الـلـبـنـانـيـة وأهــلــهــا وأحـــوالـــهـــا وفـصـائـلـهـا والمـــعـــارك الـيـومـيـة «الــــعــــدوة» (ضـــد الإسـرائـيـلـيـن) والمـــــــعـــــــارك «الـــــصـــــديـــــقـــــة» بـــــن الـــفـــصـــائـــل الشقيقة والصديقة. وكما هـي الـحـال فـي الـجـزء الأول من ملصقات بـيـروت، يـسـرد الكاتب الوقائع الـيـومـيـة مـــن وجــهــة نـظـر ســــارد الأحــــداث الـصـحـافـي «مــالــك الــحــزيــن»، ومـــن وجهة نـــظـــر لـــقـــالـــق بــــيــــروت الـــتـــي تــعــشــعــش فـي كـل أحـيـاء المـديـنـة، وتـرصـد مـا يـجـري من عجائب وغرائب على الأرض. وكــــــان د. بـــاســـم كـــمـــال الــــديــــن داخــــل الـــعـــراق وهـــو يـتـصـدى لـــرجـــال الأمـــــن، في حــــن اغـــتـــيـــل فـــهـــد الـــعـــراقـــي (زهــــيــــر كــمــال الــديــن) بتكليف مــن المــخــابــرات الـعـراقـيـة، ومن برزان التكريتي بالذات. وفهد العراقي كان أحد رموز المقاومة الفلسطينية في النبعة وصبرا وشاتيلا، وأحد رموز المعارضة العراقية ضد النظام الــعــراقــي آنـــــذاك، الـتـي لـجـأت إلـــى بـيـروت. وحــــســــب الـــــكـــــتـــــاب، هـــــو الــــشــــخــــص الـــــذي 1968 طــارد صــدام حسين وجماعته سنة بـرشـاش ستيرلنغ، حينما حــاولــوا كسر إضراب الطلبة في جامعة بغداد. بغداد: «الشرق الأوسط» حين حذر العقاد من الأدب المصنوع 1889( يــركــز عــبــاس مـحـمـود الـعـقـاد ) فــي كـتـابـه «مـطـالـعـات فــي الكتب 1964 - والـحـيـاة»، الــذي أصـــدرت الهيئة المصرية لـقـصـور الـثـقـافـة طبعة جــديــدة مـنـه، على أهـــمـــيـــة الــــنــــظــــرة الـــجـــمـــاعـــيـــة لـــــــأدب بـن الــتــســلــيــة والـــعـــمـــق والـــــــــدلالات الــخــطــيــرة الـتـي تكمن وراء طبيعة نـظـرة شـعـب من الشعوب له، وفق هذا المنظور أو ذاك. ويــؤكــد الـعـقـاد أن اعـتـبـار الأدب أداة لهو وتسلية هو الذي يصرفه عن رسالته العظيمة في فهم النفس البشرية والتعبير الصادق عن الحياة، وغيرهما من عظائم الأمور، ويسقطه في هوة البطالة والفراغ، فـيـنـشـر حــالــة مــن الــامــبــالاة تــجــاه الـــذات والآخـــريـــن: «فــمــاذا يُــرجـى مـن الــفــراغ غير السخف والسطحية فـي النظر للأشياء، فـضـا عـن لهو الـحـديـث وافـتـقـاد المعنى؟ وبالتالي يصغي إليه الناس حين يصغون كأنما يستمعون إلى طفل ينطق الكلمات بخطأ مـضـحـك، ويـلـثـغ بـالألـفـاظ المحببة إلــى أهـلـه، فـا يحاسبونه على كـــذب، ولا يطالبونه بطائل في معانيه، ولا يعولون على شيء مما يقوله». ويذكر العقاد أنه إذا بالغ الأديب في مـــدح أو هــجــاء، أو جــــاوز الــحــد فــي صفة مــــن الـــصـــفـــات؛ فــمــســح الـــحـــقـــائـــق، ونــطــق بـالـهـراء، وهــذر فـي تصوير جلائل أسـرار الــحــيــاة، وخــلــط بــن الـــصـــواب والــخــطــأ... غفروا له خطأه وقالوا: لا عليه من بأس، أليس الرجل شاعراً؟ ولو أنصفوا لقالوا: أليس الرجل هــازلاً؟ وإنهم ليقولونها لو اقترحتها عليهم، ولا يـــرون بينها وبين الأولــــى فــرقــا؛ لأن الــهــزل والـشـعـر هـمـا في عرف هـؤلاء الناس شيئان بمعنى واحد، ما دام الأدب أداة لهو وتسلية! ومــن شــاء التحقق والتثبت مـن ذلك في تواريخ الآداب، بحسب العقاد، فليرجع إلـــــى تــــاريــــخ الأدب فــــي لــغــتــنــا الـــعـــربـــيـــة، ولـيـنـظـر فـــي أي عـهـد هـبـط بـــقـــوة. إنـــه لم يهبط ولا كثرت عيوبه في عهد الجاهلية، ولا فـي عهد الـدولـة الأمــويــة، ولكنه هبط وتطرق إليه كثير من عيوب اللفظ والمعنى فــــي أواســــــــط الـــــدولـــــة الـــعـــبـــاســـيـــة؛ أي فـي العهد الـــذي صــار فيه الأدب هـديـة تُحمل إلى الملوك والأمــراء لإرضائهم وتسليتهم ومنادمتهم في أوقــات فراغهم، وكـان أول ما ظهر من عيوبه الشطط والمبالغة والطي والنشر والتوشيع وسائر ما تجمعه كلمة «التصنّع». وهذه العيوب التي تجتمع في هـذه الكلمة هي في الإجـمـال الحد الفارق بين الأدب المصنوع والأدب المطبوع، وما نـشـأ شـــيء منها إلا حــن تـحـول إلـــى أداة تستهدف إرضاء فئة خاصة. ويــتــابــع الـــعـــقـــاد: «هـــكـــذا كــــان الــشــأن فـي اللغات كـافـة، فـإن انحطاط الآداب في جميع الـلـغـات إنـمـا كـــان يـبـدأ فــي عصور متشابهة هــي فــي الـغـالـب الـعـصـور التي يـعـتـمـد فـيـهـا الأدب عــلــى إرضــــــاء طـائـفـة مـــحـــدودة، يعكف عـلـى تملقها والـتـمـاس مواقع أهوائها العارضة وشهوات فراغها المـتـقـلـبـة، فتكثر فـيـه الـصـنـعـة والافــتــعــال وتـــقـــل المـــوهـــبـــة، فــيــضــعــف ويـــنـــحـــدر إلـــى حضيض الابتذال، ثم يجمد على الضعف والإسفاف حتى تبعثه يقظة قومية عامة، فتُخرجه من ذلك النطاق الضيق إلى أفق واســع منه وأعـلـى لاتصاله بشعور الأمـم على العموم»، لافتا إلى أن «هـذا ما حدث في الأدب الفرنسي في أعقاب عهد لويس الــــرابــــع عـــشـــر حــــن شـــاعـــت فـــيـــه الــحــذلــقــة وغـــلـــبـــت الــــتــــوريــــة والــــجــــنــــاس والـــكـــنـــايـــة وغيرها من عيوب الصنعة، ثم بقي على هـــذه الــحــال مــن الـضـعـف والــســقــوط حتى أدركته بوادر الثورة الفرنسية، فانتشلته مـــن ســقــوطــه بــعــد اتــصــالــه بــشــعــور الأمـــة مباشرة دون وساطة الطوائف المتطرفة. وبالتالي يجب أن يفهم أبناء هـذا الجيل والأجــــيــــال أن الأمــــم الــتــي تـصـلـح للحياة وللحرية لا يـجـوز أن يـكـون لها غير أدب واحــد، وهـو الأدب الــذي ينمي في النفس الشعور بالحرية والحياة». القاهرة: «الشرق الأوسط» إطلاق معجم الدوحة التاريخي للغة العربية تزامنا مع اليوم العالمي للغة العربية، أُقيم أمس في قاعة كتارا بمدينة لوسيل القطرية حفل اكتمال معجم الدوحة التاريخي للغة العربية، برعاية أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وتنظيم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. والمــعـــجـــم يـــوثـــق جـمـيـع ألـــفـــاظ الــلــغــة الـعـربـيـة توثيقا تاريخيًّا، ويرصد معانيها منذ أول استعمال لها فـي النصوص المكتوبة، أو النقوش المكتشفة، ويتتبع تطوّر هذه المعاني في سياقاتها التاريخية، مدخل 300 اللغوية، والمصطلحية. وشمل أكثر من معجمي، وعشرة آلاف جـذر لغوي، ومدونة نصية تتجاوز مليار كلمة. وانــقــســم الـعـمـل فـــي المـعـجـم إلـــى ثـــاث مـراحـل رئـيـسـة. فــي المـرحـلـة الأولــــى تــم تــنــاول ألــفــاظ اللغة 200 الـــعـــربـــيـــة مــــن أقــــــدم نــــص مــكــتــشــف إلـــــى الــــعــــام للهجرة، وقـد استغرق العمل فيها خمس سنوات، .2018 وحتى العام 2013 منذ انطلاق المشروع في وشملت المرحلة الثانية ألفاظ اللغة العربية من ، وقد بدأ العمل فيها منذ 500 للهجرة إلى العام 201 .2022 ، واستمر حتى العام 2019 العام 501 وتم في المرحلة الثالثة تناول الألفاظ من هجرية حتى آخر استعمال حديث لها. ، أعـلـن 2018 ) ديـسـمـبـر (كـــانـــون الأول 10 فـــي عـــن انــتــهــاء المــرحــلــة الأولـــــى مـــن المــــشــــروع، وإطــــاق البوابة الإلكترونية، وإتاحتها لكافة المستخدمين، وتــــضــــمــــنــــت مـــــعـــــلـــــومـــــات إضـــــافـــــيـــــة عـــــــن المــــعــــجــــم، وخــــصــــائــــصــــه، ومـــــــصـــــــادره، ومــــــادتــــــه، ومــنــهــجــيــة بنائه، والـتـجـارب، والمــحــاولات التي سبقت معجم الـــدوحـــة الــتــاريــخــي لـلـغـة الــعــربــيــة. بــالإضــافــة إلــى قـــرارات المجلس العلمي مرتبة ترتيبا موضوعياً، والـدلـيـل المـعـيـاري للمعالجة المعجمية، والتحرير الذي يتضمن الضوابط العلمية والمنهجية المرعيّة فـي بناء المعجم. كما تتضمن أسـمـاء جميع الذين شــــاركــــوا فــــي إنــــجــــاز المـــعـــجـــم مــــن أعــــضــــاء المـجـلـس الــعــلــمــي، وأعــــضــــاء الــهــيــئــة الــتــنــفــيــذيــة، ومـنـسـقـي الـفـرق المعجمية، والمـحـرريـن، والمـراجـعـن، وخـبـراء الــنــقــوش والــنــظـائــر الــسـامـيـة، والــتــأثــيــل، وأعــضــاء الـفـريـق الـتـقـنـي، والمـسـتـشـاريـن. وتتضمن الـبـوابـة دليلا مفصلا للاستعمال يحتوي على شرح مفصل مصور لكيفية التسجيل في البوابة، والاستفادة من الخدمات التي تقدمها. وتــتــيــح الـــبـــوابـــة الإلـــكـــتـــرونـــيـــة لـلـمـسـتـخـدمـن الـبـحـث داخــــل المـعـجـم إمـــا بــالــجــذر لـلـحـصـول على المـــــادة المـعـجـمـيـة بـأكـمـلـهـا، بـمـبـانـيـهـا، ومـعـانـيـهـا، ومــصــطــلــحــاتــهــا، مـــرتـــبـــة تـــاريـــخـــيـــا، مــــع ألــفــاظــهــا المستخلصة من النقوش، ونظائرها السامية، وإما بالبحث بالكلمة الواحدة. وكذلك البحث في مصادر العربية الممتدة من القرن الخامس قبل الهجرة إلى نهاية القرن الرابع لـلـهـجـرة، وتـــوفـــر خــيــار الـبـحـث الـبـسـيـط، والـبـحـث المتقدم. وتــــشــــكّــــل المـــجـــلـــس الـــعـــلـــمـــي لمـــعـــجـــم الـــــدّوحـــــة الـــتـــاريـــخـــي لــلــغــة الــعــربــيــة مـــن مــجــمــوعــة مـــن كـبـار المختصين اللغويين، والمعجميين من مختلف الدول العربية. لندن:» الشرق الأوسط» جبهة إسرائيلية «ثامنة» لاحتواء خوارزميات الغضب هل تعيد الثقافة الرقمية تشكيل الجغرافيا السياسية؟ شكل سـقـوط الحكومة البلغارية قبل أيــام، عقب استقالة رئيس الوزراء روزين جيليازكوف، نــقــطــة ارتــــكــــاز إضـــافـــيـــة فـــي فــهــم شــكــل مستجد مـــن الـــتـــحـــولات الاجــتــمــاعــيــة الـــعـــالمـــيـــة. فــالــحــدث فــي الــخــاصــرة الأوروبـــيّـــة جـــاء تـتـويـجـا لسلسلة مترابطة من الهزات السياسية التي ضربت خلال عامنا الحالي جنوب آسيا وعمق القارة الأفريقية ليصل تاليا إلى البر الأوروبـــي، مشكّلا ما يمكن الزعم بأنه ظاهرة عالمية موحدة يقودها «الجيل زد»، خــافــا لـلـنـظـريـات الاجــتــمــاعــيــة الـتـقـلـيـديـة )2012 - 1997 الـتـي وصـفـت هــذا الجيل (مـوالـيـد بالهشاشة النفسية وقصر مـدى الانتباه بسبب إدمـان «تيك توك» ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى. الــعــالــم عـلـى بــوابــة الــربــع الــثــانــي مــن الـقـرن الـحـادي والعشرين أمــام مشهد يُعيد فيه هؤلاء الشبان - الـذيـن نـشـأوا فـي ظـل أزمـــات اقتصادية طـاحـنـة وانـهـيـار للعقود الاجـتـمـاعـيـة، ولـــم يعد لــديــهــم وهــــم الإصــــــاح الــتــدريــجــي الـــــذي آمــــن به آبــــاؤهــــم - تــعــريــف مــفــاهــيــم الــســلــطــة والــشــرعــيــة والــعــدالــة، مستخدمين البنية التحتية الرقمية ســــاحــــة رئـــيـــســـيـــة لــلــفــعــل الـــــعـــــام، ونــــســــق تــحــرك سياسي وثـقـافـي جـديـد؛ مـا دفــع دولا قلقة مثل إسرائيل إلى تدشين ما أسمته «الجبهة الثامنة» لمحاولة هندسة عقول هـذا الجيل تقنيا بعد أن عجزت عن إقناعه سردياً. الــحــراك الشبابي فـي جـنـوب وجـنـوب شرق آســـيـــا جـــــاء لــيــمــأ الـــــفـــــراغ الــــــذي خــلــفــتــه الـــقـــوى التقليدية. فـي دول مثل بنغلاديش، سريلانكا، نـيـبـال وإنـدونـيـسـيـا، غــابــت الــتــيــارات الـيـسـاريـة والــتــقــدمــيــة المــنــظــمــة عـــن المـــشـــهـــد، ســـــواء بسبب التصفية التاريخية كما حــدث فـي إندونيسيا، أو الانـــغـــمـــاس فــــي الـــفـــســـاد كـــمـــا فــــي نـــيـــبـــال، أو الـتـآكـل بسبب الـنـزعـات الـقـومـيـة فــي سريلانكا. في ظل هـذا الغياب للقنوات السياسية المعتادة تحولت منصات التواصل الاجتماعي مثل «تيك تـــوك» و«إنـسـتـغـرام» فـي هــذه المجتمعات «نظام تــشــغــيــل» بــــديــــا لــلــحــيــاة الـــســـيـــاســـيـــة، وتـــجـــاوز الــشــبــان بـواسـطـتـهـا مــرحــلــة الـتـنـسـيـق المــيــدانــي إلـــى مـرحـلـة فـــرض ســرديــة بـصـريـة عـلـى الـحـدث. فـبـدلا مـن الـصـور الصحافية التقليدية، تناقلت وكــــالات الأنــبــاء لـقـطـات ومـقـاطـع فـيـديـو منقولة عـــن وســـائـــل الـــتـــواصـــل الاجـــتـــمـــاعـــي لمـتـظـاهـريـن يحتلون غــرف نــوم الــرؤســاء أو يقتحمون المقار الــحــكــومــيــة؛ مـــا أســــس لــقــواعــد اشــتــبــاك بـصـريـة جـــديـــدة. هـــذه المــشــاهــد قــرئــت بـوصـفـهـا تـحـذيـرا فـــي الـكـثـيـر مـــن الــعــواصــم عـــن ســقــوط آت لهيبة السلطات التقليدية أمام غضب الجوع والبطالة عند الأجيال الجديدة، وتهديدا وجوديا للأنظمة السياسية القائمة. فـي الـقـارة الأفريقية، بــدا أن هــذه التحولات اكــــتــــســــبــــت زخــــــمــــــا إضــــــافــــــيــــــا بــــفــــضــــل الــــعــــامــــل عاماً 19 الديموغرافي، حيث بمتوسط عمر يبلغ تمتلك الـــقـــارة كـتـلـة حــرجــة مــن الـشـبـاب الـجـاهـز للانفجار الـسـيـاسـي. وكشفت الأحــــداث الأخـيـرة فــي كـيـنـيـا، مـدغـشـقـر والمـــغـــرب عـــن ديـنـامـيـكـيـات جديدة للاقتصاد السياسي لغضب الجيل الطالع هناك. إذ يعمل أغلب هؤلاء الشباب في قطاعات غـــيـــر رســـمـــيـــة؛ مــــا يـــحـــررهـــم مــــن ســـطـــوة الـــدولـــة البيروقراطية وقـدرتـهـا على الابــتــزاز الوظيفي. وتميزت هذه التحركات بـلا مركزية مطلقة، حيث غياب الـقـيـادة الهرمية جعل مـن المستحيل على الأجـــهـــزة الأمــنــيــة إجـــهـــاض الـــحـــراك عـبـر اعـتـقـال الــــرؤوس؛ لأن الجميع قـــادة ميدانيون يمتلكون أدوات البث والتوثيق. وعززت هذه الحالة شعورا معولما بـالتضامن الرقمي، حيث يستلهم الشبان عبر الحدود تكتيكاتهم وشجاعتهم من نجاحات أقرانهم في الدول الأخرى. لـــم تـقـتـصـر الـــحـــراكـــات عــلــى دول الــجــنــوب فـي العالم الثالث، بـل قدمت بلغاريا - أفقر دول الاتـحـاد الأوروبـــي - دليلا آخـر على فاعلية نهج السياسة الشبكية. فـرغـم أن «الـجـيـل زد» يشكل نسبة محدودة من السكان، نجح الشباب البلغاري في كسر حالة مديدة من الجمود السياسي التي ســنــوات، وانـتـقـل عبر 4 انـتـخـابـات فـي 7 فـرضـت تحويل منصات الترفيه قنوات للتثقيف والتعبئة السياسية من خانة اللامبالاة إلـى خانة الفاعل المرجح. لقد أثبتت الحالة البلغارية بشكل حاسم أن الـــقـــدرة عـلـى الـحـشـد الـرقـمـي المـكـثـف يمكنها إسقاط حكومات حتى في قلب أوروبا، متجاوزة بذلك القنوات الحزبية والبرلمانية التقليدية التي أصابها التكلس والشلل. ثـــمـــة قـــــوى كـــثـــيـــرة اســـتـــشـــعـــرت الـــخـــطـــر مـن هــذا الـنـمـوذج الـجـديـد، وتـحـديـدا إسـرائـيـل، التي قــــررت، فــي مـواجـهـة انـهـيـار الـتـأيـيـد الـعـالمـي لها بسبب حرب الإبادة في غزة، الانتقال من نموذج الـــبـــروبـــاغـــانـــدا الــتــقــلــيــديــة إلـــــى هـــنـــدســـة الـبـنـيـة التحتية للمعلومات، وهو ما توّج بإعلان رئيس الـوزراء بنيامين نتنياهو فتح «الجبهة الثامنة» التي تركز كليا على الفضاء الرقمي. ولإســـرائـــيـــل أن تـقـلـق بــالــفــعــل، فــقــد كشفت الـبـيـانـات عــن أن المـحـتـوى المــؤيــد لفلسطين على 17( منصة «تيك توك» وحدها يتفوق بفارق هائل ضعفاً) عن المحتوى المؤيد لإسرائيل؛ ما انعكس تحولات جذرية في نظرة الجيل الجديد لمشروع الدولة العبرية مقارنة بجيل آبائهم. ولمواجهة هـذا «الطوفان الرقمي»، اعتمدت تـــل أبـــيـــب حـــزمـــة اســتــراتــيــجــيــات تـقـنـيـة ومـالـيـة مكثفة لاستعادة زمــام المـبـادرة الافتراضية، بما فــي ذلـــك الـتـعـاقـد مــع شــركــات متخصصة لضخ محتوى مصمم خصيصا لاختراق وعي «الجيل زد»، ودفع مبالغ طائلة للمؤثرين لتبني الرواية الرسمية الإسرائيلية، وإنشاء محتوى يهدف إلى التأثير على مخرجات نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي. ولـعـل الأخــطــر فــي هـــذا الـسـيـاق هــو التوجه نـحـو الـسـيـطـرة عـلـى المـنـصـة ذاتـــهـــا. يُـــعـــد الـدفـع بـاتـجـاه اسـتـحـواذ تـحـالـف يــقــوده لاري إليسون (مــؤســس عـمـاق التكنولوجيا «أوراكـــــل» المـــزود الرئيسي لـخـدمـات الـبـيـانـات والمـراقـبـة للأجهزة الأمنية وأحد كبار المانحين للجيش الإسرائيلي) على عمليات «تـيـك تـــوك» فـي الــولايــات المتحدة، خـطـوة استراتيجية تـهـدف إلــى امـتـاك مفاتيح الــخــوارزمــيــة. تمثل رؤيـــة إلـيـسـون الـقـائـمـة على المراقبة الشاملة وتحليل البيانات لضمان «حسن السلوك» تحولا نحو عسكرة الفضاء الرقمي على نحو يتيح تحويل المنصات من ساحات للتعبير الحر إلى أدوات للضبط والمراقبة، بما يكفل وأد الروايات المعارضة قبل انتشارها. هــــذه الـــتـــطـــورات تـضـعـنـا أمـــــام مــفــتــرق طــرق تاريخي. إذ ثبت أن «الجيل زد»، من آسيا إلى أوروبا مرورا بأفريقيا، يمتلك القدرة على تفكيك الأنظمة القديمة وتجاوز الحدود الجغرافية لبناء تضامن عالمي. في المقابل، تسعى التحالفات بين الحكومات وشركات التكنولوجيا الكبرى إلـى إعــادة هندسة الإنترنت ليصبح أداة للسيطرة والتحكم في تدفق المعلومات، وتفريغ وسـائـل الـتـواصـل الاجتماعي من إمكاناتها في دحـض السرديات الاستعمارية وتعرية «الحقائق» المصنعة. ولـــــذلـــــك؛ فــــــإن الــــتــــحــــدي الــــجــــوهــــري الــــقــــادم لــــلــــحــــراكــــات الـــشـــبـــابـــيـــة لـــــم يـــعـــد مـــقـــتـــصـــرا عـلـى قدرتها في تحويل «ثــورة الغضب» الرقمية إلى مـؤسـسـات سياسية مـسـتـدامـة تـمـأ الــفــراغ بعد سـقـوط الـحـكـومـات، وتـمـنـع انــــزلاق بــادهــا نحو الفوضى أو عودة الديكتاتوريات بأقنعة جديدة، بل تعداه إلى الفضاء السيبيري، حيث سيحتدم الصراع بين من يملك الحق في رواية القصة، ومن يملك القدرة على حجبها. إنها لحظة فاصلة: فإما أن ينجح شبان الجيل الجديد في ابتكار نظام سياسي جديد لا مــركــزي يـتـنـاسـب مــع ثقافتهم الـرقـمـيـة، أو تـنـجـح اســتــراتــيــجــيــة «الــجــبــهــة الــثــامــنــة» في تـحـويـل هـواتـفـهـم الــذكــيــة مـــن أدوات للتحرر والفعل السياسي إلى أجهزة تعقب وتوجيه، ليعيشوا فـي ديـكـتـاتـوريـة خـوارزمـيـة ناعمة، يــــخــــتــــارون فـــيـــهـــا مـــــا يـــــشـــــاهـــــدون، لـــكـــنـــهـــم لا يختارون ما يُعرض عليهم. ندى حطيط تسعى التحالفات بين الحكومات وشركات التكنولوجيا الكبرى إلى إعادة هندسة الإنترنت ليصبح أداة للسيطرة والتحكم في تدفق المعلومات
RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky