عـلـى مـــدى خـمـسـة أيــــام، أقــمــت فــي أديــــس أبـابـا للمشاركة فـي فعاليات النسخة الأولـــى مـن «جوائز الإعلام الأفريقي». كان الحدث مناسبة لاجتماع أكثر صـحـافـي مــن مـشـاهـد إعـامـيـة مختلفة في 800 مــن القارة، إلى جانب حضور لافت لأبناء وأحفاد بعض القادة المؤسسين في دول شرق أفريقيا وغربها. رغم تـنـوع الـخـلـفـيـات، بـــدا واضــحــا أن المـنـاسـبـة تتجاوز مجرد تكريم مهني إلى محاولة تقديم صورة أوسع عن التفاعل بين الإعلام الأفريقي وشركائه الدوليين، وفــتــح نــقــاشــات عـلـى الــهــامــش حـــول عـــنـــوان الـحـفـل: «قـــارة واحـــدة لـهـدف واحـــد». الحفل يـأتـي فـي سياق تـتـطـلـع فــيــه الـــقـــارة الأفــريــقــيــة إلــــى كــتــابــة تـاريـخـهـا الخاص، وسعي واضح نحو الابتعاد عن السرديات المـسـتـوردة، مـن خــال طـمـوح كبير نحو قـــارة تسرد قصصها بنفسها، من دون انتظار من يتكلم بالنيابة عنها. هكذا تحلم الـقـارة، ولكن مــاذا يـقـول الـواقـع؟! اللافت هو أن رعاية الحفل وتنظيمه من قناة «روسيا الـــيـــوم»، الــتــي وفّـــــرت إمــكــانــات تـقـنـيـة ولوجيستية كبيرة، وأضفت على الحدث طابعا احترافيا من حيث البث وإدارة المنصة. أمــــا مـــديـــرتـــهـــا، المـــعـــروفـــة بــقــربــهــا مـــن الــرئــيــس الـــروســـي فـاديـمـيـر بـــوتـــن، فـحـافـظـت عـلـى حـضـور هادئ في الكواليس، تاركة الواجهة لضيوف القارة ومسؤوليها، وهـو مـا منح المناسبة طابعا أفريقيا رغـم أن الإمكانات الأساسية جـاءت من الـخـارج. من المشاهد التي أثـــارت الانتباه حضور عـدد مـن أبناء وأحفاد قادة أفارقة سابقين. وبدا أن دورهم أقرب إلى تمثيل رمـــزي لحقبة سابقة فـي السياسة والإعـــام، أكثر منه مشاركة مهنية في المجال. فقد ارتبطت تلك الحقبة، في عدد من البلدان، بإعلام يعمل في خدمة السلطة أكـثـر مـمـا يعمل فــي خـدمـة المـجـتـمـع. ورغــم احـــتـــرام هـــذه الــرمــزيــة لـــدى كـثـيـريـن، فـــإن حـضـورهـا المكثف في مناسبة إعلامية معاصرة يعكس استمرار تأثير التاريخ السياسي في تشكيل الفضاء الإعلامي حــتــى الــــيــــوم. ورغـــــم هــــذه المـــاحـــظـــات، حــمــل الـحـفـل جانبا إيجابيا واضـحـا، تمثل في الـقـدرة على جمع مؤسسات وأفراد من دول متعددة حول اهتمام مهني واحد، وفي منح المنصة لعدد من الوجوه الشابة، من بينها صحافي سنغالي لفت الأنــظــار بتحقيق عن المـخـاطـر البيئية المـحـدقـة بـجـزيـرة سنغالية اشتهر ســكــانــهــا بــــزراعــــة الــبــطــاطــا، ولــكــنــهــا الـــيـــوم منسية ومـهـددة بالضياع. حمل الحفل أيضا تكريما مهما لمؤسسات إعلامية في جنوب الـقـارة، لا تـزال تمتلك بنية إعلامية أكثر نضجا مقارنة بمناطق أخرى. إلا أن المشهد الأوســـع الــذي رافــق الـحـدث يطرح سـؤالا مهما حول مدى استقلال الإعـام في أفريقيا. فإقامة حفل كبير يحتاج إلى إمكانات ضخمة، تقنية ومالية وتنظيمية، وهو ما جعل الاعتماد على طرف خارجي أمرا محورياً. قد يبدو ذلك طبيعيا في إطار التعاون أو الشراكات، لكنه يعكس في الوقت نفسه فجوة لا تزال تفصل بين الطموح الإعلامي في القارة والـــقـــدرات المـتـاحـة لــهــا. فـالمـؤسـسـات الأفــريــقــيــة، في أغلبها، تواجه تحديات كبيرة: محدودية التمويل، وضـعـف الاسـتـثـمـار فــي المـحـتـوى، وغــيــاب الـتـدريـب المتخصص، وضغوط السياقات السياسية. هــــــذه المـــعـــطـــيـــات تـــجـــعـــل مـــــن الـــصـــعـــب تـنـظـيـم فعاليات كبرى أو إنتاج منصات إعلامية قادرة على المنافسة إقليميا ودوليا من دون دعم خارج الحدود. ومع ذلك، لا ينبغي عد هذا الاعتماد حتميا أو دائماً، بـل خـطـوة انتقالية على طـريـق بـنـاء قـــدرات داخلية أقــــــوى. مـــا يـحـسـب لـلـمـنـظـمـن الــــــروس أنـــهـــم تــركــوا مساحة واسـعـة للأفارقة ليكونوا فـي الـواجـهـة. فقد تناوب ثلاثة من وزراء الإعـام من دول مختلفة على التقديم وإلقاء الكلمات وتوزيع الجوائز، بينما بقي الجانب الروسي في الخلفية، ملتزما بدور الداعم لا المتصدر. هـذا الـتـوازن، وإن كـان يحمل رسائل سياسية، فإنه سمح للحدث بأن يحافظ على طابعه الإقليمي، وأن يعكس شيئا من روح التعاون التي باتت تميز الـعـاقـات بـن روسـيـا وعــدد مـن الـــدول الأفريقية في السنوات الأخـيـرة. فـي السياق الـعـام، يشهد المشهد الإعلامي في أفريقيا تحولات متسارعة. فالاهتمام الـدولـي المتزايد بالقارة، ســواء من القوى التقليدية أو مـــن شـــركـــاء جــــدد، جـعـل الإعـــــام جــــزءا مـــن أدوات بناء العلاقات والنفوذ. والمؤسسات الأجنبية التي تستثمر في الإعــام الأفريقي تُــدرك أن القارة تمتلك ســوقــا شـــابـــة، واســـعـــة، ومـتـعـطـشـة لمـحـتـوى نـوعـي. ومــن هــذا المنطلق، تُــقــدَّم مــبــادرات الـتـدريـب والـدعـم والتجهيز على أنها شراكات، لكنها تظل في جانب منها وسيلة لبناء حضور وتأثير. غـيـر أن هـــذا الـــواقـــع، عـلـى تـعـقـيـداتـه، لا يلغي الــجــهــود الـــجـــاريـــة داخــــل الـــقـــارة لـتـعـزيـز الاســتــقــال المهني. فهناك مؤسسات أفريقية تعمل الـيـوم على تطوير تجارب رائـــدة، وبعضها بـدأ ينجح في بناء محتوى يحظى بمتابعة إقليمية واسعة. ومع تزايد الاهتمام بالتحول الرقمي وتنامي المنصات المحلية، قــد تــكــون الــســنــوات المـقـبـلـة مـرشـحـة لـظـهـور نـمـاذج جــديــدة أكـثـر قـــدرة عـلـى المـنـافـسـة. خــرجــت بانطباع مـــزدوج: مـن جهة، قــدرة الـقـارة على تنظيم مناسبة ذات طابع دولــي، تجمع بين رمـوز الحاضر وأسماء من التاريخ السياسي؛ ومن جهة أخرى، إدراك حجم التحدي الــذي يواجه الإعــام الأفريقي ليصبح أكثر استقلالا واستدامة. فالتجارب التي تعتمد على دعم خــارجــي قــد تـمـنـح زخــمــا لـحـظـيـا، لكنها لا تـؤسّــس لنهضة إعلامية متجذرة ما لم تُقابل ببناء مؤسسات قوية تملك قـرارهـا وتـمـوّل نفسها وتـــدرّب كـوادرهـا. وفي النهاية، يبقى الأمل قائما في أن تكون مثل هذه الفعاليات خطوة على الطريق، لا غاية في حد ذاتها. فـالاسـتـقـال الإعــامــي لا يتحقق فــي يـــوم واحــــد، بل عبر تراكم طويل من العمل المهني، وتطوير المهارات، واستثمار حقيقي في المؤسسات. ما تحتاج إليه القارة اليوم ليس احتفالا باذخا بقدر مـا تحتاج إلـى بيئة تسمح لـإعـام بـأن يكون صوتا حرا ومسؤولاً، قادرا على التعبير عن واقعها وطموحاتها، بعيدا عـن تـأثـيـرات المـاضـي وضغوط الحاضر. Issue 17192 - العدد Tuesday - 2025/12/23 الثلاثاء سبق للسيد نجيب ميقاتي أن وصـف الانهيار المالي بأنه «مشكلة داخلية بحتة بسبب عدم وجود رؤيــة مـع استمرار الاسـتـدانـة لتغطية العجز وتراكم فـوائـد على ديــن غير مُــجــدٍ... تُــضـاف إلـيـه توظيفات سياسية عشوائية وغياب رقابة البرلمان». ويضيف أن ذلـك أوصـل لبنان إلـى «عجزَين: الأول في الموازنة والآخر في ميزان المدفوعات». ويكشف عن أن الأخير ليبدأ السطو على الــودائــع لتغطيته، 2011 بــدأ عــام ، وقــد 2018 مــلــيــار دولار عــــام 25 وقــــد بــلــغ تــراكــمــيــا بــدأ ذلــك مـع تشكيل «حـــزب الـلـه» حكومة «القمصان السود» التي ترأسها ميقاتي! كـــان الـسـطـو عـلـى الـــودائـــع قــــرارا اتــخــذه تحالف مافياوي ميليشياوي بنكرجي متسلط، منح المصارف 20 لمقامرتها بجني الأعمار فوائد لا شرعية تجاوزت مليار دولار نُقلت إلى «ملاذات آمنة». وأدَّت التسوية إلى خروج أموال عربية، 2016 الرئاسية الشائنة عام سارع بعدها رياض سلامة إلى هندسات مالية مبددا المـــلـــيـــارات لــحــمــايــة مـــصـــارف مــفــلــســة. لــكــن أصــحــاب الـــقـــرار، فــي حـكـومـات «الـــوحـــدة الـوطـنـيـة»: «مــــوالاة» نــظــام المـحـاصـصـة كـمـا «مــعــارضــتــه»، روّجـــــوا شعار «الـــلـــيـــرة بــخــيــر» والـــفـــوائـــد المــجــزيــة لاجـــتـــذاب أمــــوال اللبنانيين فـي الــخــارج، فيما عـمـدوا بشكل جماعي إلى نقل ملياراتهم للخارج. آنذاك أخفت «المالية» كما المــصــرف المــركــزي تـحـذيـر الـبـنـك الــدولــي مــن الـكـارثـة، أزمـات 3 التي عـاد ووصفها بأنها «واحــدة من أسـوأ سنة»! 150 شهدها العالم منذ لــــم يـــكـــن الانـــهـــيـــار «فــــجــــوة» بــمــعــنــى انــخــســاف مليار دولار، بل نتيجة سطو 100 الأرض وابتلاعها . لكن حكومة 2019 » تشرين 17« مشغول أدَّى إلى ثورة حسان دياب تراجعت عن خطة «لازارد» التي حددت مسؤولية المصارف عن الكارثة بصفته طرفاً، وكانت ألــــف دولار لــكــل حـــســـاب، وأمـــعـــنـــت في 500 تــضــمــن سياسة «الدعم»، فراكم المحظوظون الأربـاح، وموّلت «حزب الله» وميليشيات آل الأسد. واستكملت حكومة ميقاتي هذا المنحى، ثم كانت «منصة صيرفة» التي راكـــمـــت مـــلـــيـــارات لــلــنــافــذيــن. وكـــشـــف ســـامـــة عـــن أن 20 الحرب على الشعب السوري استنفدت عبر الدعم مليارا (...)، لتبدأ جريمة تدفيع الأضـعـف: المـواطـن والمــودع ثمن المنهبة عبر «هيركات» لا قانوني ذوّب عـــشـــرات ألــــوف الــحــســابــات، نـتـيـجـة بــدعــة «الـــلـــولار» ألف 15 و 8 وتعاميم مستمرة اعتمدت سعر صرف بين ألفاً، فخسرت تلك الحسابات 90 ليرة للدولار فيما هو في المائة من قيمتها! 80 تـــشـــاركـــت مــنــظــومــة الـــفـــســـاد المـــافـــيـــاويـــة إذلال اللبنانيين، وهو أمر يعرفه القاضي نواف سلام الآتي مــن رئــاســة محكمة الــعــدل الــدولــيــة، ووعــــد بحماية الـــحـــقـــوق وبـــــالإصـــــاح والإنـــــقـــــاذ. فـــكـــانـــت المـحـصـلـة مشروع قانون «الفجوة»، الذي سبق إعلانه نصيحة متلفزة قدمها رياض سلامة الملاحق من «الإنتربول»، يحث فيها على إعادة الودائع «بقيمتها الأصلية أي ليرة للدولار»! فتبنّى مشروع 1500 على سعر صرف «الـــفـــجـــوة» عـلـى طـريـقـة الـنـصـيـحـة، وهــــذا سيضيع الثقة. لقد شُطبت تعسفا المليارات من أرقام الودائع ألــف دولار لصغار المـودعـن 100 وأعـلـن عـن ضـمـان سـنـوات تُضاف 4 ألـــف) مقسطة على 800 (أكـثـر مـن ســـنـــوات عــلــى الانـــهـــيـــار، واقـــتـــصـــر الــحــســاب 6 إلــــى عــلــى الأرصـــــــدة المـتـبـقـيـة بــتــجــاهــل خــســائــر رتـبـتـهـا سحوبات قسرية ورســوم وتخفيض سعر الصرف، في المائة من أصل الوديعة. أما 85 أي أن التآكل ناهز 100 أصحاب الحسابات المتوسطة والكبيرة (فوق الـ ألـف دولار) فسينالون سندات قابلة للتداول بقيمة سنة، فتتآكل قيمتها بمرور 20 وديعتهم، تمتد حتى الزمن! الـخـطـيـر أن ســـام الـــذي وصـــف مــشــروع قـانـون «الـفـجـوة» بأنه «مرحلة جـديـدة أساسها الشفافية، وهـــدفـــهـــا الـــعـــدالـــة، وأداتــــهــــا قـــانـــون مــنــصــف وقــابــل لـلـتـنـفـيـذ»، ربــــط بـــه هــــذه الـــســـنـــدات بـــأصـــول الـــدولـــة ومصرف لبنان، رغم ما يحمله ذلك من أخطار تمهد لنهب الذهب وبيع أصـول الدولة (مرافئ ومطارات، ومـــشـــاعـــات وأمـــــاك بــحــريــة، وكـــازيـــنـــو، وهــــاتــــف...) في المائة من اللبنانيين. فتعمّق الحكومة 2 لصالح الــكــارثــة بـربـطـهـا الــســنــدات بـإمـكـانـيـة تـحـويـل ثــروة البلد إلـى عناصر تغطية منهبة ارتكبتها منظومة مـافـيـاويـة مـسـتـبـدة، فــي حــن أن أصــــول الـــدولـــة هي للمجتمع، وهناك أكثرية لبنانية لا تمتلك حسابات مصرفية فكيف يتم سلبها الحق بثروات البلد؟ يـبـقـى الأخـــطـــر اثـــنـــان: الأول أن مــصــرف لبنان فــي المــائــة مــن التكلفة لـصـغـار المـودعـن 60 سـيـمـول 80 في المائة، ويكفل المصرف المركزي 40 والمـصـارف في المائة. 20 في المائة من قيمة السندات والمصارف وكــــون الـــدولـــة سـتـمـول «المــــركــــزي» فـالمـتـوقـع ابــتــداع ضـــرائـــب جـــديـــدة يـــســـددهـــا المــــواطــــن، فــيــمــا يـتـوسـل فــي المــائــة مــن الأربـــاح 30 مــشــروع الـقـانـون اســـتـــرداد اللاشرعية و«المكافآت المفرطة»! والآخـــــــر؛ هـــو الـــكـــارثـــة الـــكـــبـــرى، تــجــاهــل تعهد الــبــيــان الـــــــوزاري لـلـحـكـومـة بـــ«الــتــدقــيــق الـجـنـائـي» بـ«قضايا الـفـسـاد المـالـي والمـصـرفـي»، لمعرفة كيفية تـكـوّن الحسابات وشرعيتها مـن انعدامها، وإغفال المحاسبة فيتم تغييب القضاء، وهـو الجهة المعنية لمــحــاســبــة المـــرتـــكـــبـــن، فــتــكــون الـحـصـيـلـة إفـــاتـــا من العقاب وتحميل الفريق الأضعف وزر المنهبة. يبدو مـــشـــروع الـــقـــانـــون كـــأنـــه عــفــو عـــن مــرتــكــبــي الــجــرائــم المالية، متجاهلا معالجة الأسـبـاب، ولا يُعيد الثقة إلـــى المــــودع ولا المـسـتـثـمـر. دون المـحـاسـبـة الإصـــاح وهـــم، ولا عــدالــة ولا ثـقـة بـاسـتـعـادة الاســتــقــرار على قـاعـدة حجب الحقوق، فيما شطب الـودائـع كما هو مخطط جريمة موصوفة! تــــشــــرفــــت بــــحــــضــــور مــــؤتــــمــــر إدارة المـــخـــاطـــر والطوارئ واستمرارية الأعمال في نسخته الرابعة الـذي عقد في الرياض في نوفمبر (تشرين الثاني) المـــاضـــي، وتـقـيـمـه الأمـــانـــة الــعــامــة لمـجـلـس المـخـاطـر الوطنية. وهو مؤتمر سنوي يُعد من أبرز الفعاليات المتخصصة فـي إدارة المـخـاطـر الـتـي تسلط الضوء على كيفية تعزيز جاهزية المؤسسات في مواجهة الانقطاعات والمخاطر المتزايدة، وضمان استمرارية الأعـــمـــال وصــمــود ســاســل الإمـــــداد فــي بـيـئـة عالمية تتغير بوتيرة غير مسبوقة. وقد تميَّزت النسخة الرابعة بمستوى عال من التنظيم، ونـوعـيـة رفـيـعـة مــن الـخـبـراء والمتحدثين وصُنّاع القرار وقيادات الأجهزة والمؤسسات الوطنية والإقــلــيــمــيــة والـــعـــالمـــيـــة، الـــذيـــن اســتــعــرضــوا أفـضـل المـنـهـجـيـات والمـــمـــارســـات والــتــجــارب الــتــي أسهمت في تعزيز الجاهزية للتعامل مع تعطل الأعمال أو انـقـطـاعـهـا، واخـتـبـار خـطـط الاسـتـجـابـة والـتـعـافـي. وقد كان من بين المتحدثين البارزين الدكتور ريدان السقاف، نائب المدير الإقليمي لمكتب الأمـم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث، الذي أعجبني طرحه حول أهمية الانتقال من إدارة الكوارث إلى تقليل المخاطر وبــنــاء الـجـاهـزيـة الاسـتـبـاقـيـة، فــي إطـــار يتسق مع المعايير الدولية وإطار سنداي. وقد تشرفت بفرصة الحديث الجانبي معه، والاستفادة من رؤيته حول أهمية دمج تقليل المخاطر في السياسات التنموية، وربــــط الــجــاهــزيــة بـالـحـوكـمـة والــبــيــانــات وصـنـاعـة الـــقـــرار. كـمـا بــــرزت مـسـاهـمـات الــخــبــراء الـيـابـانـيـن الــذيــن نـقـلـوا تـجـربـة الـيـابـان فــي بـنـاء مجتمع مـرن وقـــــــادر عـــلـــى الـــصـــمـــود، إلـــــى جـــانـــب مــتــحــدثــن مـن منظمات دولية وجهات وطنية؛ ما منح المؤتمر ثراء معرفيا ورسّـــخ مكانته كمنصة فكرية متقدمة في مجال إدارة المخاطر واستمرارية الأعمال. هــذا الـزخـم الـتـراكـمـي الـــذي حققه المـؤتـمـر عبر ،2022 نـسـخـه الأربـــــــع، مــنــذ انــطــاقــتــه الأولــــــى عــــام لا يــعــكــس مـــجـــرد نـــجـــاح تـنـظـيـمـي أو تـــوســـعـــا فـي الحضور، بـل يكشف عـن تحول عميق فـي الطريقة الـــتـــي أصـــبـــحـــت تــنــظــر بـــهـــا الـــســـعـــوديـــة إلـــــى إدارة المخاطر، بوصفها قضية دولـة وأمـن وطني لا ملفا إقـطـاعـيـا. فـفـكـرة إنــشــاء مـجـلـس المــخــاطــر الوطنية نـفـسـه جــــاءت نـقـلـة نـوعـيـة فـــي الـتـفـكـيـر المـؤسـسـي، نـقـلـت الــتــعــامــل مـــع المـــخـــاطـــر مـــن نـــمـــوذج «مـجـلـس الـــدفـــاع المـــدنـــي» الــقــائــم عـلـى الاســتــجــابــة لـلـحـوادث المـــيـــدانـــيـــة، إلـــــى نــــمــــوذج اســـتـــبـــاقـــي يـــعـــالـــج الـخـطـر بمنطق الأمـــن الـوطـنـي الــشــامــل. وبـالـتـالـي، أصبح الــــهــــدف بـــنـــاء مـــنـــظـــومـــة وطـــنـــيـــة مـــســـتـــدامـــة لــرصــد المخاطر الناشئة، وتحليلها، وتنسيق الجهود بين الأجـــهـــزة الـحـكـومـيـة، وضــمــان اســتــمــراريــة الأعــمــال حتى في أصعب الظروف. ومن هنا بدأ ملف المخاطر يتخذ طابعا جامعا يضم البنية التحتية الحيوية، والـــصـــحـــة، والــــطــــاقــــة، والاقــــتــــصــــاد، والــســيــبــرانــيــة وســاســل الإمـــــداد، فــي اتــســاق واضـــح مــع تعقيدات »، ومـع حقيقة أن المخاطر في 2030 مشاريع «رؤيــة الاقتصاد العالمي المترابط لم تعد تُدار بمنطق قطاع واحــد، بل بمنطق دولــة كاملة تبني الجاهزية قبل الصدمة لا بعدها. ويمكن القول إن سؤال الجاهزية المؤسسية لم يعد ترفا إداريـا أو ملفا ثانويا يستدعى عند وقوع الأزمات، بل تحول سؤالا جوهريا وحقيقيا وملحاً، يـتـصـدر الـــيـــوم أجـــنـــدة الـــــدول والمــنــظــمــات الــدولــيــة. فتكلفة غياب الجاهزية لم تعد افتراضا نظرياً، بل أصـبـحـت بـاهـظـة الـثـمـن اقـتـصـاديـا وأمـنـيـا، وقابلة كــذلــك لـلـقـيـاس بــــالأرقــــام. فـجـائـحـة كـــورونـــا كشفت بوضوح عن أن ضعف الجاهزية الصحية وهشاشة سلاسل الإمــداد، قــادران على شل الاقتصاد العالمي خـــــال أســـابـــيـــع وبــتــكــلــفــة تـــريـــلـــيـــونـــات الـــــــــدولارات. وأتـذكـر هنا تصريحا لوزير المالية الكندي حينها بيل مورنو، الـذي قال بأن حكومته لم تتخيل يوما أن تضطر إلـى ضخ تريليونات الـــدولارات في وقت قــيــاســي لمــنــع انـــهـــيـــار الاقـــتـــصـــاد، مـــؤكـــدا أن غـيـاب الـجـاهـزيـة كــلّــف أكــثــر بكثير مــن تكلفة الاسـتـعـداد المــســبــق، وهــــي خــاصــة تـنـطـبـق عــلــى تـــجـــارب دول عدّة. ثم جاءت الحرب الأوكرانية لتؤكد هذا المفهوم، وأن نـــزاعـــا إقـلـيـمـيـا واحـــــدا بـــن دولـــتـــن قـــــادر على إحـــداث تبعات كارثية على الأمــن الغذائي والطاقة عـــالمـــيـــا، خـــصـــوصـــا إذا كـــــان الـــبـــلـــدان يـــشـــكـــان مـعـا نحو ربـع صـــادرات الحبوب في العالم. لخص أحد الدبلوماسيين الأفــارقــة هــذا التأثير المـتـرابـط حين قال، إن الحرب كانت في أوروبــا، لكن الخبز اختفى في عاصمتنا. فثلثا ما يستهلكه الأفارقة من القمح، يستورَد من الأسواق الخارجية وخاصة من روسيا وأوكـرانـيـا. كما كشف اعتماد أوروبـــا الطويل على الـغـاز الــروســي عـن أن الـشـتـاء لـم يعد مسألة طقس كما ذكـر أحـد المسؤولين الأوروبـيـن، بل قضية أمن قومي من الدرجة الأولـى. وعلى المسار نفسه، شكّل زلـزالاً 2018 التوتر الصيني - الأميركي الممتد منذ اقتصاديا أعـاد تشكيل النظام التجاري العالمي؛ إذ فـي المـائـة مـن الاقتصاد 43 يمثل الـبـلـدان معا نحو الـعـالمـي وفــق تـقـديـرات صـنـدوق النقد الــدولــي، ولم تعد سلاسل الإمــداد والتكنولوجيا المتقدمة أدوات تـجـاريـة فـحـسـب، بــل عـنـاصـر قـــوة سـيـاديـة. وتمثل تــايــوان قـلـب الـتـوتـر، بوصفها مـركـز الـثـقـل العالمي في صناعة أشباه الموصلات، حيث تنتج عبر شركة فـــي المـــائـــة مـــن أشــبــاه 60 وحـــدهـــا أكـــثـــر مـــن TSMC فـي المـائـة من 90 المــوصــات المتقدمة عـالمـيـا، ونـحـو الرقائق الأكثر تقدماً، وهي رقائق تدخل في الذكاء الاصــطــنــاعــي والــصــنــاعــات الـعـسـكـريـة والــســيــارات والاتـصـالات والأنظمة المصرفية ومـراكـز البيانات؛ ما يجعل السيطرة على تايوان أو تعطيل إنتاجها قـــادرة على شـل الاقـتـصـاد الـعـالمـي. وهــو مـا لخصه 2022 أحد الجنرالات داخل الإدارة الأميركية في عام حــن كـــان يـنـاقـش قــانــون الــرقــائــق، حـيـث قــــال: «إذا توقفت تايوان عن إنتاج الرقائق ليوم واحد، يتوقف الــعــالــم قـبـل أن تـتـوقـف الـــحـــرب». وعــلــى المستويين الأمـــنـــي والــبــنــيــوي، أثــبــتــت الــهــجــمــات الـسـيـبـرانـيـة الكبرى خـال العقد الأخير أن ضربة رقمية واحـدة قـــادرة على تعطيل بنى تحتية حيوية كالكهرباء والمياه والنقل والأنظمة المصرفية، وأن غياب خطط استمرارية الأعمال والنسخ الاحتياطية الفعالة قد يطيل زمن التعافي لأسابيع ويكبّد الدول والشركات خـسـائـر بـمـلـيـارات الـــــــدولارات، ويــظــل هــجــوم مايو على شركة «كولونيال بايبلاين» مثالا 2021 ) (أيـار صــــارخــــا؛ إذ اســـتـــغـــرق الـــهـــجـــوم دقــــائــــق، لــكــنــه شل إمدادات الوقود في الساحل الشرقي الأميركي، وأدى إلـــى طـوابـيـر الـبـنـزيـن وإعــــان الـــطـــوارئ فــي ولايـــات عدة؛ وهو ما دفع الرئيس جو بايدن حينها للقول إن الــهــجــوم لـــم تــنــفــذه دولـــــة، لـكـنـه هــــز أمــــن الـطـاقـة الأمـيـركـي، فـي إشـــارة واضـحـة إلــى أن الجاهزية لم تعد مسألة عسكرية تقليدية، بل قضية شاملة تمس الاقتصاد والأمن والحياة اليومية معاً. وعليه، هذه التحديات والأزمات المتراكمة خلال الـعـقـد المـــاضـــي دفــعــت كـثـيـرا مـــن الـــــدول والمـنـظـمـات الــــدولــــيــــة، كــــالأمــــم المـــتـــحـــدة، والاتـــــحـــــاد الأوروبــــــــي، والولايات المتحدة ودولا آسيوية متقدمة إلى إعادة تعريف الجاهزية بوصفها قدرة الدولة على ضمان اســتــمــراريــة الــخــدمــات الـحـيـويـة، وصــمــود سلاسل الإمـــداد وحماية البنية التحتية والاقـتـصـاد فـي آن واحـــــد، وهـــو مـــا تـجـسَّــد فـــي إطــــار ســـنـــداي الأمــمــي، ومـــفـــهـــوم المـــــرونـــــة الـــجـــمـــاعـــيـــة الأوروبـــــــــــي، وإعــــــادة الـــجـــاهـــزيـــة الأمـــيـــركـــيـــة بـــعـــد كـــــورونـــــا، والـــنـــمـــوذج الياباني للمجتمع المقاوم للكوارث. أمــــا دول المــجــلــس وعـــلـــى رأســـهـــا الــســعــوديــة، فـقـد أدركـــــت مـنـذ وقـــت مـبـكـر أهـمـيـة الــجــاهــزيــة؛ ما اســتــدعــى بــنــاء مـنـظـومـة خـلـيـجـيـة مـشـتـركـة قــــادرة على التنسيق الـسـريـع وتــبــادل المـعـلـومـات واتـخـاذ الــقــرار الجماعي عند الـــطـــوارئ. وفــي هــذا السياق، جـاء قــرار قــادة المجلس فـي ديسمبر (كـانـون الأول) بـإنـشـاء مـركـز مجلس الـتـعـاون لإدارة حـالات 2011 الطوارئ واتخاذ دولة الكويت مقرا له، ليكون منصة إقليمية جامعة تعزز الجاهزية الخليجية من خلال الإشــــــراف عـلـى خـطـط الـــطـــوارئ المـشـتـركـة وتنظيم التمارين والورش المتخصصة، وبناء قواعد بيانات للمخاطر، وترجمة مفهوم الاستجابة الجماعية من إطـار سياسي إلى برامج عملية قابلة للتنفيذ عند الأزمــات العابرة للحدود. وخـال السنوات الماضية تــرجــم المـــركـــز هــــذا الــتــوجــه إلــــى بـــرامـــج عـمـلـيـة عبر الإشراف على الخطة الإقليمية للطوارئ الإشعاعية والــــنــــوويــــة وتـــنـــظـــيـــم تـــمـــاريـــن خــلــيــجــيــة مــشــتــركــة بـالـتـعـاون مـع الـوكـالـة الـدولـيـة للطاقة الــذريــة، إلى جانب إعـــداد أول سجل خليجي للمخاطر مصنف حسب الأولـويـة ليكون مرجعا استراتيجيا لخطط التأهب، بالتوازي مع تطوير غرفة عمليات إقليمية تربط أنظمة الإنذار المبكر وتعزيز الشراكات الدولية والأكاديمية في إطـار بناء نموذج خليجي متكامل للجاهزية والاستجابة. وأخـــيـــراً، يمكن الــقــول إن الـتـحـول الـــذي تـقـوده الــســعــوديــة عــبــر مــأســســة إدارة المـــخـــاطـــر، والـــزخـــم الــذي يجسده مؤتمر الـريـاض فـي نسخته الرابعة، والتكامل الذي تبنيه دول مجلس التعاون عبر مركز الـطـوارئ، كلها ملامح لمرحلة جـديـدة: مرحلة يُعاد فيها تـعـريـف الأمـــن بـوصـفـه قـــدرة عـلـى الاسـتـمـرار، وتُـــعـــاد فيها صـيـاغـة التنمية بـوصـفـهـا قـــدرة على الصمود. حنا صالح إبراهيم العثيمين عبد الله ولد محمدي OPINION الرأي 14 عن مستقبل إدارة المخاطر في الخليج قانون «الفجوة» ومرتكبو الجرائم المالية! من سيحكي قصة أفريقيا «إعلامياً»؟
RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky