issue17192

،2025 ) فــي الـتـاسـع عـشـر مــن ديسمبر (كــانــون الأول وقّــــع الـرئـيـس دونـــالـــد تــرمــب عـلـى قــانــون مـيـزانـيـة الــدفــاع الوطني المتضمن إلغاء «قانون قيصر» نهائياً. قبل نحو شهر من هذا الحدث، الذي حرَّر دمشق من عقوبات خانقة فرضت عليها إبان النظام البائد، كان أحمد الشرع قد زار البيت الأبـيـض، كــأول رئـيـس ســوري يفعل ذلــك فـي تاريخ الــبــلــديــن، بــعــد أن كــــان الــتــقــى الــرئــيــس دونـــالـــد تــرمــب في الـريـاض بـمـبـادرة مـن ولــي العهد السعودي الأمـيـر محمد بن سلمان. وأجـرى ممثلون عن الشرع محادثات مباشرة وغير مباشرة مع إسرائيل، وزار الشرع موسكو ويستعد لزيارة الصين، ومثّل بلاده في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. يتطوّر هذا الزخم الدبلوماسي ضمن معادلة معقدة تحيط بسوريا أخطر ما فيها أهداف ثقيلة لإسرائيل، هي التي تبدو أكثر اللاعبين سعيا للتدخل ضد دمشق. فــإلــى جــانــب سـعـيـهـا تـعـطـيـل إلـــغـــاء عــقــوبــات قيصر ديسمبر 8 وفشلها في ذلك، نفذ الجيش الإسرائيلي، منذ عملية داخـــل الأراضــــي الــســوريــة، أي 600 ، أكـثـر مــن 2024 بـمـعـدل عمليتين يـومـيـا، مختلقة حججا واهـــيـــةً. بـيـد أن حــســابــات تـــل أبـــيـــب حـــيـــال دمـــشـــق أوســـــع وأعـــقـــد، ويـمـكـن اختصارها بخمسة أركان. - تــؤكــد الـحـكـومـة الإســرائــيــلــيــة أن اعـــتـــراف سـوريـا 1 بـ«السيادة الإسرائيلية» على هضبة الجولان شرط أساسي لأي اتفاق سلام بين البلدين. وقد أعاد ترمب تأكيد اعترافه بالسيادة الإسرائيلية على الــجــولان، قبل أيـــام، متفاخرا بمنحه الهضبة لإسرائيل، على الرغم من تصويت الجمعية لصالح 2025 العامة للأمم المتحدة في الثاني من ديسمبر قرار قدمته مصر يطالب إسرائيل بالانسحاب من الجولان .1967 يونيو 4 المحتل إلى خط - تتمسَّك إسـرائـيـل بالسيطرة على منطقة الفصل 2 ، ودخلها جيشها بعد ساعات 1974 التي أنشأتها اتفاقية مـــن دخـــــول قـــــوات المـــعـــارضـــة دمـــشـــق، لـتـسـيـطـر عــلــى نحو كيلومتر مربع إضافية من الأراضــي السورية. يهدف 400 هذا التوغل الإسرائيلي إلى تثبيت منطقة عازلة منزوعة الــســاح الـثـقـيـل مــن جـنـوب دمـشـق بـاتـجـاه إســرائــيــل، بما فـي ذلــك جبل الـشـيـخ، و«منطقة حظر طــيــران». وفـقـا لهذا الـتـوجـه، يُــشـتـرط أن يقتصر وجـــود الـجـيـش الــســوري في هذه المنطقة على «قوات أمنية وشرطية»، مجهزة بأسلحة خفيفة فقط لغرض الحفاظ على النظام الداخلي. - فــــي حــــن تـــرفـــض إســـرائـــيـــل أن يـــتـــحـــوَّل الــجــنــوب 3 السوري إلى منطقة نفوذ لأنقرة، تؤمن المؤسسة السياسية فيها بإمكانية الوصول إلى صيغة تعايش عملي مع تركيا، تقوم على اعـتـراف متبادل بـ«المصالح الأمنية المشروعة» للطرفين في سوريا. تُقر تل أبيب بأن لتركيا أولويات أمنية وجودية في الشمال السوري تتعلق بالملف الكردي ومنع نـشـوء كـيـانـات انفصالية، مقابل اعــتــراف تـركـي مـــواز بأن الجنوب السوري (من دمشق إلى الجولان) هو منطقة أمنية حيوية لإسرائيل لا يُسمح فيها بتمدد الفصائل المسلحة. - تـصـر إســرائــيــل عـلـى حـريـة الـحـركـة أمـــام الـطـيـران 4 الحربي الإسرائيلي في الأجــواء السورية. فلم يعد الهدف مجرد ضرب شحنات الأسلحة المتجهة لـ«حزب الله». - تتمسك إسرائيل بـ«الأولوية الدرزية» حجر زاوية 5 فــي استراتيجيتها الــســوريــة، مــدفــوعــة بضغط مــن دروز الداخل الذين يشكلون جزءا حيويا من منظومتها الأمنية، وبطموح جيوسياسي يهدف إلى تحويل السويداء وجبل العرب إلى «منطقة عازلة اجتماعية» وعلمانيّة تحول دون تمدد الميليشيات أو التنظيمات الراديكالية نحو حدودها. فهي تسعى جاهدة لانتزاع اعتراف بوضع خاص للدروز يضمن لهم نوعا من الإدارة الذاتية، مستخدمة هذا الملف لـتـبـريـر الــتــدخــل الـعـسـكـري المــبــاشــر والاحـــتـــفـــاظ بمناطق استراتيجية مثل قمة جبل الشيخ. في المقابل، تتمحور استراتيجية الرئيس الشرع حول ثلاثة مرتكزات؛ أولها تقديم الاستقرار الاقتصادي ونبذ الخطاب الراديكالي والتركيز على إعـادة الإعمار وتكلفته مـلـيـاراً)، ثانيها، تثبيت شرعيته الدولية 216( الباهظة عبر شـراكـة أمنية مـع واشنطن تعيد تعريفه «شريكا في مكافحة الإرهاب». تمثل ذلك في الانضمام للتحالف الدولي ضـد «داعـــش» وتُــرجـم عبر عملية «عــن الصقر» المشتركة ضد التنظيم، ثالثها الحرص على عدم تفتيت سوريا إلى كيانات. أمـــام مشهد 2025 وعليه تقف سـوريـا فـي نهاية عــام ترسمه طموحات وطنية سورية عالية وتقاطعات مصالح إقليمية معقدة. فبينما تحاول تل أبيب فرض واقـع أمني متصلب، وتسعى تركيا لوراثة الدورين الإيراني والروسي، تـجـد دمـشـق فــي المـظـلـة الـعـربـيـة الـتـي تـقـودهـا الـسـعـوديـة ورغـــبـــة إدارة تـــرمـــب بــنــجــاح «الـــنـــمـــوذج الــــســــوري» عمقا استراتيجياً، لضمان أن يكون استقرار البلاد نابعا من قوة الدولة وتماسكها، وليس من ارتهانها لإملاءات الجغرافيا السياسية. تـنـتـهـج اسـتـراتـيـجـيـة الأمــــن الــوطــنــي الأمــيــركــيــة الـتـي صــــدرت الـشـهـر المــاضــي منحى جـــديـــداً، بـتـأكـيـدهـا عـلـى أن الخليج هو المنطقة التي تسعى الولايات المتحدة إلى تعظيم الـــشـــراكـــة مــعــهــا، اقــتــصــاديــا وســيــاســيــا وأمـــنـــيـــا، مــتــجــاوزة أوروبـا، الحليف التقليدي للولايات المتحدة. ولهذا تميّزت ردود أفعال أوروبـــا تجاه الاستراتيجية بالصدمة وخيبة الأمـل، بسبب ما تـراه تخليا عن الأمـن الأوروبــي، وتجريحا لقادتها ومؤسساتها. وبـالمـثـل انـتـقـدت دول أمـيـركـا الـجـنـوبـيـة مــا تضمنته الاسـتـراتـيـجـيـة مــن إحــيــاء لـلـسـيـاسـات الأمـيـركـيـة القديمة الــتــي تــفــرض الـهـيـمـنـة عـلـيـهـا، ولا تـسـمـح لأي قــــوة أخـــرى بـالـوجـود فيها، ومــا تـقـوم بـه إدارة الـرئـيـس تـرمـب تنفيذا لذلك من مهاجمة السفن التي يُشتبه في أنَّها تعمل بتهريب المخدرات، دون اعتبار لسيادة تلك الدول. أمَّا روسيا والصين فلا شك في أنَّهما تنفستا الصعداء لأن الاســـتـــراتـــيـــجـــيـــة الـــجـــديـــدة لا تُــشـيـطـنـهـمـا كـــمـــا فـعـلـت .2022 استراتيجية بايدن للأمن الوطني التي صدرت عام الجديد فـي الاستراتيجية أنَّــهـا عــدّت الـشـرق الأوســط المنطقة الوحيدة التي ترى فيها مجالا للتفاؤل، فعلى مدى خمسين عاماً، ركّزت واشنطن على هذه المنطقة؛ لأنها كانت «أهــــم مــــزود لـلـطـاقـة فــي الــعــالــم، ومــســرحــا لـتـنـافـس الـقـوى الـعـظـمـى، وصـــراعـــات تــهــدد الـعـالـم وتــصــل أحـيـانـا إلـيـنـا». أمَّــــا الـــيـــوم، فــقــد انــتــهــى اثـــنـــان مـــن تــلــك الـــعـــوامـــل، فــلــم تعد أميركا مستوردة للطاقة، بل أصبحت دولـة مُــصـدرة، وأما التنافس الدولي فقد حُسم لصالح واشنطن حسبما تقول الاستراتيجية، بعد «إحياء تحالفاتنا في الخليج والـدول العربية الأخرى وإسرائيل». ولهذا رأت أن الحقبة التي كان الشرق الأوسـط يهيمن خلالها على السياسة الخارجية الأميركية قد انتهت، ليس لأن المنطقة لم تعد مهمة لأميركا، بل لأنها لم تعد مصدرا دائما للقلاقل كما كانت من قبل، بل أصبحت «مكانا للشراكة والصداقة والاستثمار». تعترف الاستراتيجية الأميركية بــأن الـصـراع مـا زال هــو الديناميكية الـــبـــارزة فــي الــشــرق الأوســــط، ولـكـن إيـــران التي تصفها بأنها «القوة الأساسية المزعزعة للاستقرار» قـــد أضــعــفــت، ومـــع أن الـــصـــراع الإســرائــيــلــي - الفلسطيني يظل «شائكاً»، إلا أن ترمب نجح في إيقاف الحرب في غزة، وتحقيق تقدم نحو سلام مستدام، كما قيل. وهـكـذا فـــإن الأســبــاب التاريخية للتركيز على الشرق الأوســـط قـد تراجعت، وظـهـرت أسـبـاب أخــرى بــدلا مـن ذلـك، حـــيـــث أصـــبـــحـــت المــنــطــقــة «مــــصــــدرا ووجــــهــــة» لــاســتــثــمــار العالمي في قطاعات جـديـدة، مثل الطاقة النووية، والذكاء الاصطناعي، وتقنيات الدفاع. خلافا للمناطق الأخــرى من العالم، التي تبدو أميركا متخاصمة معها، تبدو متصالحة مع الشرق الأوسط، حيث العلاقة تعاونية وتشاركية، ولكن الاستراتيجية تحذّر من أن نجاح هـذا التعاون يتطلب التخلي عن «أسلوب التنمر الـــذي سلكته أمـيـركـا فـي الـسـابـق مـع دول الـشـرق الأوســـط، خصوصا دول مجلس التعاون، للتخلي عن تقاليدها ونظم حكمها الضاربة في التاريخ». بدلا من ذلك، فإن إدارة ترمب سوف ترحب بالإصلاحات التي تنبع من الداخل، ولن تحاول فرضها من الخارج، فمفتاح النجاح في علاقات واشنطن مع الشرق الأوسط يأتي من تقبل هذه المنطقة - قادتها ودولها - كما هم، والعمل معا لتحقيق المصالح المشتركة، مثل حماية مــوارد الطاقة، وإبقاء مضيق هرمز والبحر الأحمر آمنين، ومحاربة الإرهـــاب، والتخلي عن شن الـحـروب التي تسعى إلى تغيير الأنظمة وإعادة بناء الدول. ويـتَّــضـح مــن الاسـتـراتـيـجـيـة أن دول مجلس الـتـعـاون ســتــظــل مـــحـــل تـــركـــيـــز لــلــســيــاســة الأمـــيـــركـــيـــة، وإن تـغـيـرت الأسباب. فـهـي مــكــان لـتـاقـي المـصـالـح المـشـتـركـة، مـثـل الـطـاقـة، وحـمـايـة الـتـجـارة الـدولـيـة ومـحـاربـة الإرهـــــاب. وعـلـى وجـه الـخـصـوص، يُــعــوّل تـرمـب عـلـى هـــذه الــــدول، باقتصاداتها المـــتـــطـــورة وثــــرواتــــهــــا المـــالـــيـــة الـــطـــائـــلـــة، لــتــكــويــن شـــراكـــات اقتصادية فاعلة تفيد الولايات المتحدة في التنافس الدولي، كما تفيد دول الخليج نفسها، كما تقول الاستراتيجية. لا تتحدث الاستراتيجية كثيرا عن سياسة ترمب تجاه إسرائيل، ربَّما لتناقضها مع مبادئ الاستراتيجية نفسها، فـهـي تـصـف سـيـاسـتـه الـخـارجـيـة بـأنـهـا مـدفـوعـة بتحقيق مصالح الولايات المتحدة (أميركا أولاً)، حتى عندما ذكرت الاتـــفـــاقـــات الإبـــراهـــيـــمـــيـــة أشــــــارت إلــــى أن تــوســعــة نـطـاقـهـا مرهونة بتحقيق المصالح الأميركية. وتــنــتــقــد الاســتــراتــيــجــيــة أوروبـــــــا لـتـحـمـيـلـهـا أمــيــركــا تكاليف الدفاع عن أراضيها ورفضها التصالح مع روسيا. فلماذا لا تطبق هـذه المعايير على إسـرائـيـل؟ فهي طفيلية أكثر مـن أوروبـــا، لأن واشنطن تمول حــروب إسرائيل التي تتعارض مع السياسة الأميركية، مثلما يحدث في سوريا، وتَـــضـــر بـمـصـالـح الـــولايـــات المــتــحــدة فـــي المـنـطـقـة. ســــؤال لا تتطرق إليه استراتيجية الأمن الوطني الجديدة، لكن ربَّما في الطبعة الثانية، بعد أن يُحسم الجدل الدائر في أميركا عن صواب هذه السياسة وحكمتها. مـــا يــجــري فـــي حــضــرمــوت لا يمكن الـــنَّـــظـــر إلـــيـــه كــتــحــرك مـــيـــدانـــي عـــابـــرٍ، أو امـــــــتـــــــداد طـــبـــيـــعـــي لمـــظـــلـــومـــيـــة جــنــوبــيــة مــشــروعــة تــراكــمــت عــبــر هــــذه الــســنــوات، فــمــا يــحــدث أكــثــر تـعـقـيـدا وخــــطــــورة في دلالاته وتوقيته. نحن أمام اختبار ضخم لطريقة إدارة الـصّــراع في الملف اليمني، ولــــحــــدود ومـــــــآلات الـــعـــبـــث بـالـجـغـرافـيـا الاجتماعية والسياسية فـي بلد شديد الهشاشة والتعقيد. حضرموت، عبر تاريخِها الطَّويل، لم تكن ساحة اصطفاف حاد بل مساحة تـوازن، واستقرار وتماسك مجتمعي من الصعب أن يتم التعامل معها باعتبارها جــــائــــزة جــيــوســيــاســيــةً، أو أداة لإعـــــادة تــــعــــريــــف لـــلـــجـــنـــوب وتـــحـــويـــلـــه مـــشـــروع اســتــئــثــار بـمـنـطـق الــــقــــوة وفـــــرض الأمـــر الواقع. مــــــحــــــاولات فــــــرض الـــســـيـــطـــرة عـلـى حضرموت والمهرة، وإزاحـة قوى محلية وبنى اجتماعية راسخة، لا تفتح فصلا جديدا في الملف اليمني فحسب، بل تغيّر طبيعتَه حيث لم يَعد الخلاف محصورا بــــن شـــرعـــيـــة وانـــــقـــــاب، ولا بــــن وحــــدة وانفصال، بل يتحول تدريجيا إلى صراع على الجغرافيا نفسها، بوصفها مصدرا للشرعية السياسية بقوة السلاح، وأداة لاحتكار تمثيل الجنوب وتعريفه. تــــأتــــي هــــــذه الــــتــــحــــولات فـــــي لـحـظـة شديدة الحساسية. اليمن دولــة منهكةٌ، غــارقــة فــي أزمــــات إنـسـانـيـة واقـتـصـاديـة عميقة. وفـي مثل هـذه البيئات، لا ينتج توسيع دوائر الصراع إلا فرصا إضافية للميليشيات كــي تــتــمــدَّد وتـعـيـد إنـتـاج نفسِها. رســـم الـخـرائـط بالقوة فـي واقــع هــــش لا يَــبــنــي دولـــــة قــابــلــة لــلــحــيــاة، بل يـــراكـــم أســـبـــاب حــــرب أهــلــيــة أشــــد قـسـوة واستدامة. المــظــلــومــيــة الــجــنــوبــيــة تـسـتـنـد إلــى حـقـائـق لمـسـار تـاريـخـي طـويـل ولا يمكن التقليل مــن شـأنـهـا لكنَّها حتما ليست مــــحــــصــــورة بـــأقـــلـــيـــة ســـيـــاســـيـــة تـــحـــاول الـــتَّـــحـــكـــم فـــي كــــل الإقـــلـــيـــم والـــتـــمـــرد على الــشــرعــيــة، وتــحــويــل المــطــالــب المـشـروعـة إلـــى مـــشـــروع انـفـصـالـي بــالــقــوة، وجـعـل حــــضــــرمــــوت المـــنـــطـــقـــة الــــــوادعــــــة جــــائــــزة لمغامرة سياسية صِيغت خـارج سياقِها الاجتماعي والثقافي. تاريخياً، لم تكن حضرموت امتدادا عـضـويـا لـكـل المــنــاطــق خــارجــهــا، كـمـا لم تـــنـــخـــرط فــــي مـــشـــاريـــع آيـــديـــولـــوجـــيـــة أو عسكرية مؤدلجة، بـل ظلَّت كيانا تسود فـــيـــه الـــثـــقـــافـــة المــجــتــمــعــيــة وأنــــتــــج ذاكـــــرة جـمـعـيـة مــمــتــدة عــبــر قــــرون مـــن الــتــجــارة والهجرة والعلاقات المفتوحة على المحيط الإقليمي والـعـالمـي، وهــذا المـسـار الطويل أنـتـج مجتمعا شـديـد الـحـسـاسـيـة تجاه العسكرة وتغيير الواقع بقوة السلاح. المـــجـــتـــمـــع الــــحــــضــــرمــــي طـــــــــوّر عــبــر السّنين بشكل مدهش شبكة من الأعراف السياسية والتقاليد المجتمعية المحلية، القائمة على تحييد الجغرافيا «الأرض» عن الصّراعات الكبرى، مع الحفاظ على شبكة علاقات إقليمية تضمن الاستقرار، والأكــــيــــد أن أي مـــشـــروع يــتــجــاهــل هــذه الـبـنـيـة المـجـتـمـعـيـة والــثــقــافــة الــراســخــة، ويحاول فرض نموذج صدامي لن يكون مــــوضــــع قــــبــــول، بــــل ســـيـــراكـــم حــــالــــة مـن الرفض القابل للانفجار عند أول انسداد سياسي. مـــــن زاويــــــــــة نـــظـــريـــة الــــــصــــــراع، فـــــإن تحويل الخلافات السياسية إلى مسائل أمــنــيــة يـــــؤدي تـلـقـائـيـا إلــــى تــرجــيــح كـفَّــة الــــطــــرف الأكــــثــــر تــنــظــيــمــا وتـــســـلـــيـــحـــا، لا الـــطـــرف الأكـــثـــر تــمــثــيــاً، والاعـــتـــقـــاد بـــأن الانتصار الميداني المؤقت يمكن تحويله إلــــى شــرعــيــة ســيــاســيــة مــســتــدامــة خطأ اســتــراتــيــجــي، خــصــوصــا فـــي بـيـئـة مثل حــضــرمــوت، حـيـث لا تُــــدار الـسـلـطـة عبر السيطرة الأمنية وحدَها، بل عبر شبكة معقدة من القبول الاجتماعي والعلاقات الإقليمية المتداخلة. المـــــــوقـــــــف الــــــســــــعــــــودي يُـــــــــــــدرك هـــــذه الــحــســاســيــة لـــحـــضـــرمـــوت، وأن تـفـكـيـك الـجـغـرافـيـا اليمنية، أو إخــــراج الجنوب مـــن مــعــادلــة الـــتـــوازن الــوطــنــي، سـيـؤدي حـتـمـا إلــــى إضـــعـــاف الـجـبـهـة المـنـاهـضـة لـلـحـوثـيـن، وتــعــزيــز مـنـطـق المـيـلـيـشـيـا، وإعــــــــادة إنــــتــــاج الــــصــــراع بـــأشـــكـــال أكــثــر تعقيدا وشــراســةً، لـذلـك فهي تـؤكـد على ضرورة الحفاظ على حضرموت مساحة تــــوازن بـعـيـدة عــن الاسـتـقـطـاب المــؤدلــج، وعـــلـــى ضــــــرورة الاســـتـــمـــاع إلــــى المـطـالـب والمظالم المشروعة. الــــريــــاض بــحــكــمــة تــســعــى إلــــى منع الانـــــزلاق إلـــى حـــرب جـنـوبـيـة - جنوبية، وحماية المنشآت النفطية بوصفها موردا وطنيا لا ورقة صراع، وضبط الإيقاع بما يمنع شـرعـنـة منطق الــقــوة خـــارج إطــار الــدولــة. هــذه ليست سياسة احــتــواء، بل إدارة من يعرف دهاليز وتفاصيل الحالة اليمنية تهدف إلـى تجنيب اليمن إعـادة إنتاج نماذج إقليمية من الحرب الأهلية، بناء قوى مسلحة ذات طابع ميليشياوي ضـــد مــنــطــق الــــدولــــة ســـيـــؤدي عـــاجـــا أم آجلاً، إلى تفكك السلطة وتدويل الصراع. إن تــــحــــويــــل حــــضــــرمــــوت إلــــــى أداة ضغط تفاوضي، أو إلـى ورقــة تُستخدم لفرض أمر واقع قبل أي تسوية سياسية، يضرب فكرة اليمن المستقر من جذورها. الــــــتَّــــــجــــــارب المــــشــــابــــهــــة فــــــي الـــــنـــــزاعـــــات الأهـــلـــيـــة تـــؤكـــد عــلــى أن الـــكـــيـــانـــات الـتـي تـبـنـي مــواقــفــهــا عــلــى الــســيــطــرة، ولـيـس عــلــى الـــتـــوافـــق مــحــكــومــة بـــالاســـتـــنـــزاف، ومـعـرضـة لـانـقـسـام الــداخــلــي المستمر. فـي المـقـابـل فـــإن الـحـفـاظ على الـتـوازنـات المحلية، وربـط أي ترتيبات أمنية بإطار وطني جامع، هو المسار الوحيد القابل لـاسـتـدامـة، ومـــن هـنـا لا يمكن التعامل مع حضرموت بوصفها ساحة لتصفية حــــســــابــــات أو مــــــــادة لـــتـــأجـــيـــج الــــشــــارع واســـتـــثـــمـــار المــظــلــومــيــات. بــبــســاطــة حل النزاعات المعقّدة لا يكون بقلب الطاولة، بل بالجلوس حولها. OPINION الرأي 12 Issue 17192 - العدد Tuesday - 2025/12/23 الثلاثاء الخليج... النجم الساطع في استراتيجية ترمب الجديدة أهداف إسرائيل وحسابات سوريا الجديدة حضرموت... هدف أم طرف؟ وكيل التوزيع وكيل الاشتراكات الوكيل الإعلاني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] المركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 المركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى الإمارات: شركة الامارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 المدينة المنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب الأولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية الموجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها المسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة لمحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي بالمعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com يوسف الديني عبد العزيز حمد العويشق نديم قطيش

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky