Issue 17191 - العدد Monday - 2025/12/22 الاثنين الإعلام 17 MEDIA د. ياسر عبد العزيز بينما تتسارع التطورات الرقمية في عصر الذكاء الاصطناعي يبرز السؤال حول مدى تأثير ذلك على القواعد المهنية ترند القائد الذي لا يتوقف عن الكلام! كــان العقيد الـقـذافـي صـاحـب مـدرسـة خطابية شهيرة وفـــريـــدة فـــي آن، بـــل إنــــه أيــضــا أضــــاف مـسـحـة «كــومــيــديــة» ومقاربة هزلية إلـى أحاديثه السياسية، جعلت لخطاباته نكهة مختلفة، وســاعــدت مستمعيها على احتمالها، رغم طولها وبؤسها الشديدين. لكن الزعيم الكوبي فيديل كاسترو فاق الرؤساء جميعا فـي تعلّقه بــ«المـيـكـرفـون»، ورغبته فـي مخاطبة الجماهير، وقدرته على استمرار التحدث لساعات طويلة دون كلل أو ملل، وبصرف النظر طبعا عن حالة المستمعين، الذين كانت توقعهم الظروف تحت رحمته. أما الزعيمان التاريخيان هتلر وموسوليني فقد كانا من مدرسة مختلفة، تعتبر الخطابة جــزءا حيويا ورئيسا من قدرات الزعيم على الحشد والإلهام والتعبئة، بل والفعل السياسي. وبقدر ما أقام هذان الزعيمان للجماهير قصورا مـن كـام رنــان فـي الـهـواء، بقدر مـا قــادا هـذه الجماهير إلى الانكسار والهزيمة المُذلة. يُــعــرّف أرســطــو الـخـطـابـة بـأنـهـا «قــــدرة تتكلف الإقـنـاع الممكن في كل واحد من الأمـور»، فهي تشرح الحال، وتخلق التفهم والقبول، وتستنهض الهمم، لكنها لا تصطنع أحوالا جديدة، ولا تغير الأوضاع بسحر الكلمات. فـالـخـطـابـة، أو الـحـديـث إلـــى الـجـمـهـور، مـجـرد وسيلة إقناع يستخدمها القائد من أجل توصيل أفكاره، وتوضيح مقاصده، وشــرح مواقفه، وتعزيز شعبيته، وتـأمـن الدعم اللازم لإنجاز السياسات. لـذلـك، يجب أن يـكـون كــام الـقـائـد مستندا إلــى أفـعـال، مثبتا أو قـابـا للإثبات، ويجب أن يكون مُقتصداً، وبليغا موجزاً، ومحتشما ومحسوبا بعناية. والــــيــــوم، أصــبــح لــديــنــا خـطـيـب جــديــد مـــن طــــراز فـريـد ونــــادر، هـو رجــل يتحدث فيسمع الـعـالـم، ثـم تـرسـم كلماته مانشيتات الصحف، وتحتل الشاشات الرائجة فـي أفضل الأوقــات، وتُــدار بسببها حفلات من التعليقات والانتقادات والمشاحنات بين مستخدمي وسائل «التواصل الاجتماعي»، وهــي حـفـات تـبـدأ بمجرد نطقه بالكلمات، ولا تنتهي إلا عندما يطلق تصريحات جديدة. في وقت سابق من الشهر الحالي، كشف البيت الأبيض أن الـرئـيـس الأمـيـركـي دونــالــد تـرمـب نـطـق مـنـذ عــودتــه إلـى مـلـيـون كـلـمـة فـــي أحــاديــثــه مع 2.4 الـسـلـطـة بـمـا مـجـمـوعـه الصحافيين أو في حضورهم، أي ما يزيد على أربعة أضعاف الحجم النصي لرواية «الحرب والسلام» لتولستوي. الرقم، في ظاهره، طريف وصادم، لكنه في عمقه يكشف عن سلوك سياسي له جذور تاريخية ودلالات نفسية وثقافية تتجاوز حدود المفارقة الظاهرة. لـقـد أعــطــى تــرمــب لــاتــصــال الــرئــاســي أبـــعـــادا جــديــدة؛ فــإفــراطــه فــي الــكــام لا يقتصر عـلـى الـخـطـب أو المـنـاسـبـات الكبرى، بل يمتد إلى الحياة اليومية للسلطة. هو يتحدث بـا انـقـطـاع، وفــي كـل اتـجـاه، ومــن دون وسـطـاء. المؤتمرات الـصـحـافـيـة، الـــلـــقـــاءات الـــعـــابـــرة، الـتـجـمـعـات الـجـمـاهـيـريـة، وحـتـى اللحظات الـبـروتـوكـولـيـة، تتحول فـي حـضـوره إلى مـنـاسـبـات لـلـكـام المـــطـــوّل، الارتــجــالــي، المـتـشـعـب. لا يكتفي تـرمـب بــأن يـكـون صـوتـه مسموعاً، بـل يصر على أن يكون الـصـوت الأعـلـى، والأكـثـر تــكــراراً، والأشـــد حـضـورا فـي دورة الأخبار. تفسيرات هذه الظاهرة لا تنفصل عن البنية النفسية لـــلـــرجـــل. فـــتـــرمـــب، حـــســـب تـــوصـــيـــفـــات عـــــديـــــدة، شـخـصـيـة انـدفـاعـيـة، عـالـيـة الانــبــســاط، تستمد طاقتها مــن التفاعل المـــبـــاشـــر ومــــن ردود الــفــعــل الـــفـــوريـــة. الــصــمــت لـــديـــه ليس حيادا بل هزيمة، والاختفاء عن الشاشات نوع من التراجع الــــوجــــودي. الـــكـــام، فـــي هــــذا الـــســـيـــاق، لــيــس وســيــلــة لنقل موقف سياسي فحسب، بل فعل تأكيد للذات، وتجديد دائم للإحساس بالأهمية. إنه يتحدث ليضمن حضوره المستمر، لا ليخبر أو يشرح فقط. تتداخل هذه السمة مع نزعة واضحة إلى التمحور حول الذات. فترمب لا يرى الاتصال السياسي عملية تبادليةً، بل عرض أحادي الاتجاه، تكون فيه الجماهير متلقية، ووسائل الإعـام مجرد ناقل. لا يهم كثيرا اتساق الرسالة أو دقتها، بقدر ما يهم أن يكون هو مركزها. لذلك لا يتردد في الكلام من دون إعــداد أو مراجعة، ولا يـرى في الارتـجـال مخاطرةً، بل فضيلة تمنحه شعورا بالتحكم والسيادة على اللحظة. نقاد ومفكرون قرأوا هذه الحالة بوصفها إعادة صياغة جـذريـة لمنطق الاتـصـال السياسي. فـبـدل أن تـكـون الرسالة الـــســـيـــاســـيـــة نـــتـــاج مـــؤســـســـات، ومـــســـتـــشـــاريـــن، ونـــصـــوص مـدروسـة، أعــاد ترمب تمركزها حـول شخصه، محولا ذاته إلى وسيلة الاتصال الأساسية. هو لا يختصر الرسالة، بل يطيلها عـمـداً، لأنـه يــدرك أن الـطـول ذاتــه يصبح حـدثـا، وأن التكرار يخلق اعتياداً، ثم تطبيعاً، ثم هيمنة. مـــن هــــذا المــنــطــلــق، لا يـــبـــدو تـــرمـــب مـــجـــرد زعـــيـــم يحب الكلام، بل أنموذج لسياسي أعاد تعريف العلاقة بين السلطة وخطابها. لقد جعل من الثرثرة استراتيجية، ومن الإفراط أسلوب حكم، ومن الحضور الدائم ضرورة وجودية. وبــيــنــمــا عـــــرف الـــتـــاريـــخ زعــــمــــاء أكـــثـــر بـــاغـــة أو قــــدرة خطابية، فإن قلة فقط جعلت الكلام ذاته محور السلطة، كما فعل ترمب. إنـه لا يتحدث لأنـه قائد، بل يبدو قائدا لأنـه لا يتوقف عن الكلام. تعويض «غوغل» لناشرين... هل يحد من أزمة تراجع الزيارات؟ أبـــرمـــت «غــــوغــــل» سـلـسـلـة مـــن «الــصــفــقــات الـــنـــقـــديـــة» مــــع مـــؤســـســـات نـــشـــر بــــــــارزة، وقـــالـــت إنها «تستهدف الدفع للناشرين مقابل حقوق العرض الموسّع وطـرق إيصال المحتوى». ورأى خــبــراء أن هـــذه الـخـطـوة «تـخـتـلـف عــن صفقات الــذكــاء الاصطناعي الـتـي عقدتها شـركـات مثل (أوبــــن إيـــه آي) و(مــايــكــروســوفــت) مــع نـاشـريـن في وقت مبكر، لأنها لم تُقدم بوصفها اتفاقات لترخيص المحتوى، بل بعدّها امتدادا لشراكات تجارية قائمة بالفعل». وأكـــــــــــدت «غـــــــوغـــــــل»، فــــــي بـــــيـــــان صـــحـــافـــي خــال ديسمبر (كــانــون الأول) الـحـالـي، أن هذه «الصفقات تأتي ضمن برنامج تجريبي جديد لاستكشاف كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في جذب جمهور أكثر تفاعلاً». في المقابل، يربط مراقبون هذه التحركات بمحاولة «تهدئة غضب الناشرين الذين يشكون مــــن تــــراجــــع الـــــزيـــــارات (لمـــواقـــعـــهـــم)، خـصـوصـا مـع تصاعد أزمـــة البحث دون نقر أو مـا يُعرف بـاسـم (الـــزيـــرو كـلـيـك)، الـــذي تـرتـب عـلـى إطــاق المـلـخـصـات المـــعـــززة بــالــذكــاء الاصـطـنـاعـي التي تقدم للمستخدم إجابات مباشرة دون الحاجة إلى زيارة الموقع الأصلي». يقول المـشـرف على تحرير الإعـــام الرقمي فـــي قـــنـــاة «الــــشــــرق لـــأخـــبـــار»، حـــاتـــم الــشــولــي، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الخطوة بشكل أساسي، هي شراكة تجارية مدفوعة، خاصة أنها عبارة عن تجربة مع كبار الناشرين مثل (الغارديان) و(واشــــنــــطــــن بــــوســــت) وغـــيـــرهـــمـــا، وهــــــذا دلــيــل على أن التجربة مبنية على استهداف جمهور أكبر ومخصص، وفـي حـال نجاحها ستتحول تدريجيا بكل تأكيد لمشاركة الإيــــرادات، وقتها ســـتـــوضـــع قــــواعــــد جــــديــــدة قــــد تـــغـــيّـــر مــــن شـكـل العملية السارية حالياً». وتـوقّــع الشولي أن «نتائج هـذه الصفقات ســتــظــهــر فــــي مــــقــــالات مـــخـــتـــارة ضـــمـــن (غـــوغـــل نـــيـــوز)»، كـمـا أنــهــا سـتـظـهـر مـــن خـــال «تـحـسّــن فــي ظـهـور هـــذه المـــقـــالات مــن قـبـل أنـظـمـة الـذكـاء الاصطناعي، التي فعليا بدأت في بعض المناطق والأســواق تظهر على شكل ملخصات، لكن هذا منفصل عن مسار التجربة القائمة حالياً؛ ولكنه الأساس الذي انطلقت منه التجربة». وحــــــــول مــــــدى جــــــــدوى خـــــطـــــوات «غــــوغــــل» التعويضية، قـال الشولي، المشرف على تحرير الإعــــــام الـــرقـــمـــي، إنــــه «مــــن المـسـتـحـيـل أن تـقـدم (غـــوغـــل) أي ضـــمـــان فـــي مـــعـــدل الـــخـــوارزمـــيـــات، لكونها متغيّرة بشكل دائم ويستحيل أن تحافظ على ثباتها. وعليه، لا يكون هناك أي التزام من طرف (غوغل) بضمان هذه العملية». لكنه تابع أن من «المرجّح أن تتجه الشركة نحو الضمانات المالية والتعويضات المتوقعة بناء على نجاح الــتــجــربــة، وهــــذا سـيـكـمـن فـــي تـفـاصـيـل الـعـقـود المبرمة بين (غـوغـل) وصُــنّــاع الأخـبـار، وهـو أمر نادرا ما يتم الإفصاح عنه». مـــن جــانــبــهــا، ذكـــــرت «غـــوغـــل» أنــهـــا ضمن هــذا البرنامج التجريبي «تعمل مـع الناشرين على اختبار مزايا جديدة داخـل أخبار المنصة، من بينها ملخصات للمقالات مدعومة بالذكاء الاصــطــنــاعــي تـظـهـر عـلـى صـفـحـات المــنــشــورات المشاركة لتقديم سياق إضـافـي قبل النقر، إلى جانب موجزات صوتية لمن يفضلون الاستماع». وأكدت أن «هذه المزايا ستتضمن إسنادا واضحا للمصدر وروابط مباشرة للمقالات». وبـــيـــنـــمـــا عــــــد بـــعـــضـــهـــم خــــطــــوة «غــــوغــــل» محاولة لـ«تعويض» الناشرين، رأى مدير «إدارة المـحـتـوى الـرقـمـي فــي ســي إن إن الاقـتـصـاديـة»، محمود تعلب، أن «النجاح الحقيقي في زيـادة الــــزيــــارات يــجــب أن يــقــاس بـــمـــؤشـــرات أكــثــر من مجرد عدد الـزوار». وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أنه «يجب أن تكون هناك ضمانات على ارتفاع نسبة الزيارات التي تؤدي إلى مشاهدة الصفحة الكاملة بـدلا من الزيارات القصيرة. كما ينتظر الناشرون وجود إعلانات أو اشتراكات بدلا من الزيارات السريعة، وكذلك وجود نسبة أعلى من الزيارات من نتائج البحث التقليدي، وليس فقط من الملخصات أو إجابات الذكاء الاصطناعي». ورغــم أن تعلب عـد خطوة «غـوغـل» رسالة «حُــســن نــيــة»؛ لكنه قـــال إن لــم تتبعها خـطـوات تنظيمية تضمن حقوق المالك الأصيل للمحتوى «فلن تحقق المستهدف الحقيقي». وشــدد على أن الــضــمــانــات يـجـب أن تـشـمـل «الـــتـــزامـــا بـعـدم تقليل الـزيـارات بشكل مفاجئ نتيجة تغييرات خوارزمية دون إشعار مسبق»، كما من «المنتظر أن تضم آلـيـة تقييم شفافة تـربـط التعويضات بحصص الـزيـارات الفعلية، كذلك شـرط تعديل الدفع وفقا لأثر التغييرات التقنية على الزيارات والإحــــــــالات». وأضــــــاف: «يــجــب أن تــكــون عـقـود الــنــاشــريــن مـرتـبـطـة بــــــالأداء الـحـقـيـقـي، ولـيـس بنتائج ظاهرية أو مزاعم تحسين قد لا تتحقق». وعـــن الـتـأثـيـر المـتـوقـع مــن هـــذه الـصـفـقـات، يـرى تعلب أن «مـن المرجح أن يكون التأثير في عملية البحث أولاً، وثانيا في (غوغل نيوز)، لأن هــذه الأمــاكــن هـي الـتـي ترتبط مـبـاشـرة بسلوك الـبـحـث الـتـقـلـيـدي، وإحـــــالات الـــــزوار إلـــى مـوقـع الـنـاشـريـن. أمــا (ديـسـكـوفـر) فتظل خـوارزمـيـات التخصيص فيها أقــل اعـتـمـادا على النصوص المـلـخـصـة، وتـظـهـر بـشـكـل أكــبــر المــحــتــوى الـــذي يتناسب مع اهتمامات المستخدم، لكن لا يمكن الاعتماد عليها بوصفها قناة رئيسية لتعويض الانخفاض». وبـــحـــســـب مـــحـــمـــود تـــعـــلـــب، مــــديــــر «إدارة المحتوى الرقمي»، فإن «الخطوة التي تعلن عنها (غوغل) الآن ليست حلاً، بل تجربة أولى باتجاه تـــوزيـــع الــقــيــمــة وعــــاقــــات الــــشــــراكــــة»، مـوضـحـا أن «نجاحها يعتمد على مــدى الــتــزام (غـوغـل) بـالـتـوزيـع الـــعـــادل لــلــزيــارات، وإدراج ضمانات أداء حقيقية فــي الــعــقــود، وإعـــــادة الـــتـــوازن بين التكنولوجيا ومصالح الناشرين الذين ينتجون المـحـتـوى الـــذي تعتمد عليه تـلـك التكنولوجيا نفسها لتحقيق أرباحها». القاهرة: إيمان مبروك هل تعيد التطورات الرقمية تشكيل أخلاقيات الإعلام؟ بينما تتسارع التطورات الرقمية في عصر الذكاء الاصطناعي، وتلقي بظلالها على عملية إنـــتـــاج المــحــتــوى الإعـــامـــي، يــبــرز الـــســـؤال حـول مـــدى تـأثـيـر ذلـــك عـلـى الـقـواعـد المـهـنـيـة، ومـــا إذا كــان التحول الرقمي سيعيد تشكيل أخلاقيات الإعلام؟ وبــيــنــمــا اتـــفـــق خـــبـــراء عــلــى أن الــتــحــولات الــرقــمــيــة ألـــقـــت بـظـالـهـا بـالـفـعـل عــلــى الــقــواعــد المهنية، شـــددوا على ضـــرورة إعـــادة هيكلة تلك الإرشادات لإعطائها قدرا من المرونة يمكّنها من التعاطي مع التطورات التكنولوجية المتسارعة. دورية «كولومبيا جورناليزم ريفيو» التي تصدرها كلية الصحافة فـي جامعة كولومبيا بــنــيــويــورك، قــالــت فــي تـقـريـر نـشـرتـه أخـــيـــراً، إن «الــــوقــــت يــتــغــيــر وكــــذلــــك الـــقـــواعـــد الأخـــاقـــيـــة»، مـــشـــيـــرة إلـــــى أن «الـــصـــحـــافـــة تـــحـــتـــاج إلـــــى أدلــــة اســــتــــرشــــاديــــة أخـــاقـــيـــة جــــديــــدة لــلــتــعــاطــي مـع التحديات التكنولوجية المتسارعة»، حيث تثير الـتـطـورات الرقمية «مـعـضـات أخـاقـيـة لـم تكن موجودة من قبل». الـــــبـــــاحـــــث الإعـــــــامـــــــي الأمــــــيــــــركــــــي، رئـــيـــس ومؤسس «مركز الإعــام ومـبـادرات الـسـام» في نيويورك، يوشنا إكو، أكد أن «التحولات الرقمية والـذكـاء الاصطناعي يعيدان تشكيل أخلاقيات الإعــــــــام بــــطــــرق عـــمـــيـــقـــة». وأوضــــــــح لـــــ«الــــشــــرق الأوســـط» أن «أخـاقـيـات الإعـــام التقليدية مثل الـــدقـــة والإنــــصــــاف والمــــســــاءلــــة، صُـــمِّـــمـــت لبيئة إخبارية بطيئة تعتمد على العامل البشري، في حين أدخـل التحول الرقمي ديناميكيات جديدة في ظل زيادة حدة التنافس الإعلامي في السعي وراء الـسـبـق والـخـبـر الـعـاجـل، مــا يجعل النشر السريع يفوق الدقة والتحقق». وأشــــار إلـــى أن «ظــهــور (الـقـبـائـل الـرقـمـيـة) أو (غــــــــــرف الـــــــصـــــــدى) بــــــــات نـــتـــيـــجـــة مــــبــــاشــــرة لطبيعة استهداف المستخدم بناء على بياناته وتخصيص محتوى لفئات معينة دون غيرها، مـــا يــضــع تــحــديــات أمــــام مــبــدأ خــدمــة المصلحة الـــعـــامـــة». ويـــقـــول إن «الـتـقـنـيـات الـرقـمـيـة بـاتـت تحجب الخط الفاصل بين الحقيقة والخيال ما يتطلب معايير أخلاقية مهنية جديدة»، موضحا أنــــــه «فــــــي ظــــل تـــحـــكـــم الــــخــــوارزمــــيــــات فــــي نـشـر المحتوى فإن المسؤولية الأخلاقية تمتد لتشمل شركات التكنولوجيا إلى جانب الصحافيين». حقاً، كان الاعتقاد السائد أن «تغيّر الزمن لا يستدعي تـغـيّــر الأخــاقــيــات، فـقـواعـد الإعــام مثل الصدق والشفافية والاستقلال ثابتة مهما تــغــيّــرت صـنـاعـة الإعــــــام». بـحـسـب «كـولـومـبـيـا جورناليزم ريفيو»، لكنها تشير إلى «تغير هذا الاعـتـقـاد الـسـائـد، فـالـقـواعـد الأخـاقـيـة القديمة تتطلب إعـادة تقييم لمواجهة المعضلات الرقمية الجديدة». وفـــي رأي الـصـحـافـي الـلـبـنـانـي المـــــدرّب في مــجــال الـتـحـقـق مــن المــعــلــومــات، مـحـمـود غـزيـل، فإن «التطورات التي حدثت في الإعلام وتقنيات النشر تركت أثرا واسعا على الرسالة الإعلامية وطـــرق استهلاكها، والأهــــداف الـتـي تـرنـو إليها الـجـهـات الإعــامــيــة». وقـــال لـــ«الــشــرق الأوســـط» إن «ما شهده العالم في الأعوام الثلاثة الأخيرة، منذ توسع مفهوم الذكاء الاصطناعي التوليدي مع الإطـاق الرسمي لمنصة (تشات جي بي تي) وانـضـمـام الـعـديـد مـن حــول الـعـالـم، ومــن بينهم الـــصـــحـــافـــيـــون، إلـــيـــهـــا، واخـــتـــبـــار مـــزايـــا الـــذكـــاء الاصطناعي التوليدي بمختلف أطيافه، جعلت العالم يقف للحظة لمراجعة قرارته وخطواته بما يتعلق بكيفية وشروط النشر». وأضـــــــاف أنـــــه «إلــــــى جـــانـــب مــشــكــلــة تـولـيـد الــنــصــوص والمــــــواد المــكــتــوبــة عـــن طــريــق الــذكــاء الاصـــطـــنـــاعـــي، ومــــا قـــد يـعـتـريـهـا مـــن (هــلــوســة) معلومات ومصادر، هناك أيضا تحديات أخلاقية مــخــتــلــفــة، مــــن بــيــنــهــا اســـتـــخـــدام الــفــيــديــوهــات والصور المولدة بالذكاء الاصطناعي»، موضحا أنه «إن كان بعض أهل الصحافة والإعلام يقعون في فخ عـدم التمييز بين الحقيقي والمـــزور، فمن الطبيعي على القارئ والمتابع أن يرتكب الخطأ نفسه، ما يجعل هناك أزمة معرفة». وأكـــــد أنــــه «يـــتـــوجـــب عــلــى وســـائـــل الإعــــام التي تلجأ إلى التقنيات الحديثة من أجل توليد المــشــاهــد الـبـصـريـة بـسـيـاق رمــــزي أو أرشـيـفـي، توضيح ذلك للقارئ». وقال إن «الشفافية يجب أن تكون موجودة، مع العودة لمبادئ الصحافة المطبوعة في وصف الصورة ومصدرها». وأشــــــار غـــزيـــل إلــــى قـــــرار وكـــالـــة «رويــــتــــرز» لــــــأنــــــبــــــاء، «مـــــنـــــع اســــــتــــــخــــــدام أدوات الـــــذكـــــاء الاصطناعي، لأن المسؤولية النهائية تظل على كاهل الصحافيين المحترفين، فلا يُعد أي محتوى إخباريا ما لم يخضع لتدقيق وتحرير بشري، أي أن الفكرة تبدأ بالصحافي وتنتهي معه». نقطة أخرى تطرق لها الصحافي اللبناني في حديثه تتعلق بمبدأ «الخصوصية»، حيث أثّـــرت الـتـطـورات التكنولوجية على خصوصية الـبـيـانـات و«أصــبــح الصحافي قـــادرا على جمع المعلومات عبر منصات التواصل دون الحصول على إذن صاحبها ما قد يؤدي في بعض الأحيان إلـى ضـرر معنوي ونفسي قـد لا تكون القوانين المحلية حاليا قادرة على معالجته»، وشدد على «ضـــــرورة الـــتـــزام الـصـحـافـيـن بـمـواثـيـق الـشـرف والــــقــــواعــــد الأخـــاقـــيـــة مــهــمــا بــلــغــت الـــتـــطـــورات التكنولوجية». وتثير مسألة خصوصية الـبـيـانـات كثيرا مـــن الـــجـــدل فـــي ظـــل مــــحــــاولات دول عــــدة وضــع قــواعــد وقـــوانـــن لـحـمـايـة بـيـانـات المستخدمين، في وقت ترى فيه منصات التواصل الاجتماعي وشركات التكنولوجيا في ذلك «تقييدا لعملها». وفــي هــذا الإطــــار، أكــد نـائـب رئـيـس جامعة «شـــرق لـنـدن» بالعاصمة البريطانية، الدكتور حسن عبد الله، لـ«الشرق الأوسط»، أن «التطورات الـتـكـنـولـوجـيـة الـرقـمـيـة أعــــادت بـالـفـعـل تشكيل أخـــاقـــيـــات الإعـــــــام»، مــشــيــرا إلــــى أن «مـنـصـات الـــتـــواصـــل الاجـــتـــمـــاعـــي والــــذكــــاء الاصــطــنــاعــي، وتــقــنــيــات الــتــزيــيــف الـعـمـيـق وغــيــرهــا أدت إلــى تسريع وتيرة إنتاج وتوزيع المعلومات، تزامنا مــع طـمـس الـــحـــدود التقليدية بــن الصحافيين والمنصات والجمهور». وقــــــــال إن «الـــــتـــــحـــــولات الــــرقــــمــــيــــة فـــاقـــمـــت الـــــتـــــحـــــديـــــات الأخــــــاقــــــيــــــة المــــرتــــبــــطــــة بــــالــــدقــــة، والـخـصـوصـيـة، والمــســاءلــة، والـتـحـيـز، لا سيما ما يتعلق بانتشار (المعلومات المضللة) و(غرف الصدى)، والتلاعب بالرأي العام»، مشددا على أن «هذه التطورات المتسارعة تتطلب إعادة صياغة لأخلاقيات الإعلام، حيث لم تعد الأطر التقليدية كافية في منظومة تهيمن عليها الخوارزميات وصنّاع المحتوى»، مشيرا إلى امتداد المسؤولية الأخـاقـيـة إلـــى «شــركــات التكنولوجيا وعلماء البيانات ومصممي المنصات». ويضرب نائب رئيس جامعة «شرق لندن» عــــددا مـــن الأمــثــلــة عـلـى «عــــدم قــــدرة الأخــاقــيــات المـهـنـيـة عــلــى الــتــعــاطــي الــســريــع مـــع الــتــطــورات الــتــكــنــولــوجــيــة، مـــن بـيـنـهـا انـــتـــشـــار المــعــلــومــات المضللة خلال حرب غزة التي لم تتمكن المنصات مـــن احــتــوائــهــا ومـعـالـجـتـهـا بـالـسـرعـة الـكـافـيـة، وقضية الإعـانـات السياسية الموجهة وقدرتها على التلاعب وتوجيه الرأي العام معتمدة على بيانات المستخدمين». وفي رأي عبد الله، فإنه «لمواكبة التطورات الرقمية، يجب أن تتطور أخلاقيات الإعـــام في ثلاثة اتجاهات رئيسية»، الاتجاه الأول يتعلق بـــــ«دمــــج الأطــــــر الأخـــاقـــيـــة فــــي مــــبــــادئ حـوكـمـة التكنولوجيا، ما يعني إلزام المنصات بالشفافية بشأن الخوارزميات واستخدام البيانات». أمـــــا الاتــــجــــاه الـــثـــانـــي، بــحــســب عـــبـــد الـــلـــه، فيتعلق بـ«تعزيز التعاون المتعدد التخصصات بـن الصحافيين، وخــبــراء الأخــــاق، والتقنيين، وصــنــاع الـسـيـاسـات». وثـالـثـا، يـقـتـرح عـبـد الله «المراجعة الأخلاقية المستمرة داخــل المؤسسات الإعلامية، ودمجها بقدر من التنظيم القانوني، والمـــعـــايـــيـــر المـــهـــنـــيـــة، ومــــــبــــــادرات مـــحـــو الأمـــيـــة الإعـــامـــيـــة لــلــجــمــهــور، بـحـيـث تـصـبـح الــقــواعــد الأخـــاقـــيـــة الـــجـــامـــدة مـــرنـــة بـــدرجـــة تــســمــح لها بالاستجابة للتطورات المتسارعة». خـتـامـا، فـإنـه وفــق «كولومبيا جورناليزم ريفيو»، فإن «القواعد المهنية الأساسية للإعلام لــم تـتـغـيـر، فـالـصـحـافـة لا تــــزال تــؤمــن بــضــرورة خـــدمـــة المــصــلــحــة الـــعـــامـــة بـــعـــدالـــة واســتــقــالــيــة وشفافية ودقة، لكن طبيعة العمل في عالم سريع الـتـطـور يـفـرض مـعـضـات أخـاقـيـة، قــد يساعد وضــع قـواعـد مهنية جـديـدة فـي التعامل معها، وهي قواعد ستتغير مع الوقت». القاهرة: فتحية الدخاخني التطورات الرقمية تثير معضلات أخلاقية لم تكن موجودة من قبل (رويترز)
RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky