issue17191

علوم SCIENCES 16 Issue 17191 - العدد Monday - 2025/12/22 الاثنين مذنبات سماوية متألقة وأبحاث متقدمة حول «إنسان دينيسوفان» 2025 نظرة إلى الذكاء الاصطناعي... وصحة الدماغ في إليكم مـا يقوله أربـعـة مـن الاختصاصيين فـي حول .2025 الجوانب العلمية التي أثارت اهتمامهم في عام الذكاء الاصطناعي: محتوى منمق وغير منطقي نحن نغرق في بحر من المحتوى المُنمّق وغير المنطقي الذي يُنتجه الذكاء الاصطناعي، كما تتحدث الكاتبة أنالي نيويتز، صاحبة عمود «هـذا يُغيّر كل شــيء»، عن كيفية انتشار المحتوى المُــولّــد بـالـذكـاء الاصطناعي على نطاق .2025 واسع في عام سيُذكَر بوصفه عام المحتوى المُنمّق. 2025 لا شك أن وهذا المصطلح الشائع يُطلق على المحتوى غير الصحيح والغريب، بل والقبيح في كثير من الأحيان، الذي يُنتجه الـــذكـــاء الاصــطــنــاعــي، وقـــد أفــســد تـقـريـبـا كــل مـنـصـة على الإنترنت... إنه يُفسد عقولنا أيضاً. لقد تراكمت كميات هائلة مـن هــذا المحتوى المُنمّق خـال السنوات القليلة الماضية، لدرجة أن العلماء باتوا قادرين على قياس آثاره على الناس بمرور الوقت. • نشاط دماغي أقل لدى المستخدمين. وجد باحثون فـي معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن الأشـخـاص )، مثل LLMs( الـذيـن يستخدمون نـمـاذج لغوية ضخمة تلك التي تقف وراء برنامج «تشات جي بي تـي»، لكتابة المـــقـــالات، يُــظــهــرون نـشـاطـا دمـاغـيـا أقـــل بكثير مــن أولـئـك الذين لا يستخدمونها. • آثـار سلبية على الصحة النفسية. ثم هناك الآثـار الـسـلـبـيـة المـحـتـمـلـة عـلـى صـحـتـنـا الـنـفـسـيـة، حـيـث تشير التقارير إلى أن بعض برامج الدردشة الآلية تُشجع الناس على تصديق الأوهـام أو نظريات المؤامرة، بالإضافة إلى حثّهم على إيذاء أنفسهم، وأنها قد تُسبب أو تُفاقم الذهان. • تقنية التزييف العميق. أصبحت تقنية التزييف الــعــمــيــق شـــائـــعـــة؛ مـــا يـجـعـل الــتــحــقــق مـــن الـحـقـيـقـة على الإنــــتــــرنــــت أمــــــــرا مـــســـتـــحـــيـــاً. ووفـــــقـــــا لــــــدراســــــة أجـــرتـــهـــا «مايكروسوفت»، لا يستطيع الناس التعرف على مقاطع في 62 الفيديو التي يُنشئها الـذكـاء الاصطناعي إلا فـي المائة من الحالات. وأحــدث تطبيقات شركة «اوبــن ايـه آي» هو «سـورا» ، وهــي منصة لمـشـاركـة الـفـيـديـوهـات تُنشأ بالكامل Sora بــواســطــة الـــذكـــاء الاصــطــنــاعــي - بـاسـتـثـنـاء واحـــــد. يـقـوم التطبيق بمسح وجهك وإدراجك أنت وأشخاص حقيقيين آخرين في المشاهد المزيفة التي يُنشئها. وقد سخر سام ألتمان، مؤسس الشركة، من تبعات ذلك بالسماح للناس بــإنــشــاء فــيــديــوهــات يـظـهـر فـيـهـا المـسـتـخـدم وهـــو يـسـرق وحدات معالجة الرسومات ويغني في الحمام. • تــقــلــيــل الإنـــتـــاجـــيـــة. لـــكـــن مــــــاذا عــــن قــــــدرة الـــذكـــاء الاصــطــنــاعــي المــزعــومــة عـلـى جـعـلـنـا نـعـمـل بـشـكـل أســـرع وأكثر ذكـاءً؟ وفقا لإحدى الدراسات، عندما يُدخل الذكاء الاصطناعي إلى مكان العمل، فإنه يُقلل الإنتاجية، حيث فـي المـائـة مـن المؤسسات التي تستخدم الذكاء 95 أفـــادت الاصطناعي بأنها لا تحصل على أي عائد ملحوظ على استثماراتها. تدمير الأرواح والوظائف إن الفساد يُدمر الأرواح والوظائف، ويُدمر تاريخنا أيـضـا. أنــا أكـتـب كتبا عـن عـلـم الآثــــار، ويقلقني أن ينظر المـؤرخـون إلـى وسائل الإعــام من تلك الحقبة ويكتشفوا زيف محتوانا، المليء بالخداع والتضليل. إن أحــــد أهــــم أســـبـــاب تــدويــنــنــا الأمـــــور أو توثيقها بـالـفـيـديـو هــو تـــرك سـجـل لمــا كـنـا نفعله فــي فــتــرة زمنية مـحـددة. وعندما أكـتـب، آمـل أن أسهم فـي إنـشـاء سجلات للمستقبل؛ حتى يتمكن الناس اللاحقون من إلقاء نظرة على حقيقتنا، بكل ما فيها من فوضى. إن بــــرامــــج الـــــدردشـــــة الآلــــيــــة الــــتــــي تــعــمــل بـــالـــذكـــاء الاصطناعي تُــردد كلمات بلا معنى؛ فهي تُنتج محتوًى لا ذكـــريـــات. ومـــن مـنـظـور تــاريــخــي، يُــعــد هـــذا، مــن بعض الــنــواحــي، أســـوأ مــن الــدعــايــة. عـلـى الأقــــل، إن الـدعـايـة من صنع البشر، ولها هـدف محدد، وهـي تكشف عن الكثير من سياساتنا ومشاكلنا. أما الزيف فيمحونا من سجلنا التاريخي؛ إذ يصعب استشفاف الغاية منه. مــــــاذا يــخــبــئ لـــنـــا المــســتــقــبــل؟ مــــــاذا ســيــفــعــل الـــذكـــاء الاصـطـنـاعـي بـالـفـن؟ كـيـف سنتعامل مــع عــالــم تـنـدر فيه الوظائف، ويتصاعد فيه العنف، ويتم فيه تجاهل علوم المناخ بشكل ممنهج؟ الحفاظ على صحة الدماغ كيف تعلمت الـحـفـاظ على صحة دمــاغــي؟ تتحدث هـيـلـن تـــومـــســـون، كــاتــبــة عـــمـــود فـــي عــلــم الأعــــصــــاب، عن تغييرات بسيطة أحدثت فرقا كبيرا في صحتها هذا العام. • غــــذاء صــحــي: لـقـد تـعـلـمـت أن أعــيــش بـنـمـط حـيـاة صـــحـــي. كـــل صـــبـــاح، أضـــيـــف مـلـعـقـة مـــن الـــكـــريـــاتـــن إلــى المـاء، وأشربه مع الفيتامينات المتعددة، ثم أتناول بعض الـــزبـــادي الـــعـــادي الـغـنـي بـالـبـكـتـيـريـا. ويــتــنــاول أطـفـالـي حـبـوب الإفـــطـــار المـنـزلـيـة، ويــشــربــون الـكـفـيـر، ويـحـاولـون الــتــحــدث بــالإســبــانــيــة بــاســتــخــدام تـطـبـيـق «دولــيــنــغــو». وبعد توصيلهم إلى المدرسة، أغطس في بركة ماء باردة، ثم أستريح في الساونا قبل العمل. لاحقاً، أضيف دائما ملعقة مــن مـخـلـل المـلـفـوف إلـــى غـــدائـــي، ولا أفــــوّت فرصة للمشي قليلا في الحديقة. حياتي الجديدة المفعمة بالرضا هي نتيجة مباشرة لقضاء عام كامل في البحث عن طرق مثبتة علميا للحفاظ على صحة الــدمــاغ - مـن تعزيز الاحـتـيـاطـي المـعـرفـي إلى تنمية ميكروبيوم صحي. الآن، وأنا أُقيّم الوضع، أرى أن تغييرات بسيطة أحدثت فرقا كبيراً. • تـــجـــربـــة طـــبـــيـــة. جــــــاء أحــــــد أبــــســــط الــــــــــدروس مـن جـــو آن مـــانـــســـون فـــي مـسـتـشـفـى بــريــغــهــام والـــنـــســـاء في ماساتشوستس، التي أرسلت إلي تفاصيل تجربة واسعة الــنــطــاق عـلـى كــبــار الــســن تُــظـهـر أن تـــنـــاول الفيتامينات في 50 المتعددة يوميا يُبطئ التدهور المعرفي بأكثر من المائة. وعندما سألت خبراء آخرين عن المكملات الغذائية، إن وُجدت، التي قد تُعزّز صحة الدماغ، برز الكرياتين في ذهني - فهو يُــزود الدماغ بمصدر طاقة عندما يكون في أمس الحاجة إليه. لكن التغيير حدث في سلة مشترياتنا الأسبوعية؛ إذ أقنعتني محادثاتي مـع علماء الأعصاب وخـبـراء التغذية بأهمية العناية المستمرة بميكروبيوم الأمـــعـــاء. لــــذا؛ بــــدأت عـائـلـتـي بتطبيق ذلــــك: تــنــاول ثلاثة أنواع من الأطعمة المخمرة يوميا بناء على نصيحة عالم الأوبئة تيم سبيكتور، والامتناع عن تناول الأطعمة فائقة المعالجة في وجبة الإفـطـار، والـحـرص على إدخــال مزيج متنوع من الأطعمة الكاملة في نظامنا الغذائي. • التواصل مع البيئة. كما أن التعرّض للبرد والحرارة يُمكن أن يُقلل مـن الالتهابات والـتـوتـر، ويُــعـزز التواصل بين الشبكات الدماغية المسؤولة عن التحكم في العواطف واتخاذ القرارات والانتباه؛ ما قد يُفسر ارتباطها بتحسين الصحة النفسية. كما أصبح الخروج إلى الطبيعة أولوية عـائـلـيـة. فـقـد تـعـلـمـت أن الـبـسـتـنـة تُـــعـــزز تــنــوع بكتيريا الأمعاء المفيدة، بينما قد يُفيد المشي في الغابات الذاكرة والإدراك، ويُساعد على الوقاية من الاكتئاب. والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو سرعة ظهور النتائج. فبينما تُـــعـــد بـعـض الـــعـــادات اســتــثــمـارا طــويــل الأمــــد في الصحة الإدراكية، إلا أنني مقتنعة بأن عـادات أخرى كان لها تأثير فوري: أطفال أكثر هدوءاً، وتحسن في التركيز، وطاقة أكبر. ربما يكون تأثيرا وهمياً، لكن هناك ما يُجدي نفعا ً. مذنبات كونية متألقة أمـا شـانـدا بريسكود - وينشتاين، كاتبة عمود في مجلة «سبيس - تايم»، فقد قدمت ملاحظات ميدانية حول .2025 كيفية تصدّر المذنبات عناوين الأخبار في عام حافلا بالمذنبات. 2025 • المذنب «ليمون» لقد كان عام فــي يـنـايـر (كـانـون Lemmon فـقـد اكـتُــشـف المــذنــب لـيـمـون الـثـانـي) المـاضـي، وظـــل حـديـث الـسـاعـة لمــدة تسعة أشهر. كــانــت صـــور ذيـــل لـيـمـون الــطــويــل والــجــمــيــل، الــنــاتــج من تسخين الشمس للمذنب، تخطف أنفاسي في كل مرة. • المـــذنـــب «ســـــــوان». ثـــم كــــان هـــنـــاك اكــتــشــاف المــذنــب (ســــوان) فــي سبتمبر (أيـــلـــول)، وهـــو مذنب R2 2025/C شديد السطوع لدرجة أنه حتى عندما كان قريبا من القمر في عيد «الهالوين»، كان لا يزال مرئيا بوضوح للمراقبين. /أطـلـس، الـذي اشتهر بعد أن 3I وكـان هناك أيضا المذنب أعـلـن عـالـم فلك فـي جامعة هــارفــارد، متخصص فـي علم الكونيات، أنه مسبار فضائي. إن رحلتنا مع المذنبات هذا العام ليست سوى أحدث حلقة في سلسلة طويلة من ردود فعل البشر تجاه الأجرام الــســمــاويــة الــغــامــضــة الـــتـــي تـظـهـر فـــي الـــســـمـــاء. وبـيـنـمـا نـسـتـذكـر الـــعـــام المـــاضـــي، شــهــدنــا أحـــداثـــا كــثــيــرة مخيفة ومُحبطة؛ ما قد يدفعنا للاعتقاد بأن هذه المذنبات ربما نذرت بنهاية العالم كما نعرفه. «إنسان دينيسوفان» «إنــســان ديـنـيـسـوفـان» قـلـب مفاهيمنا عــن الإنـسـان القديم رأسـا على عقب. وهنا يستعرض مايكل مارشال، كــاتــب عــمــود «قــصــة الإنــــســــان»، أهــــم اكــتــشــافــات «إنــســان دينيسوفان» لهذا العام. عــامــا عـلـى اكتشافنا 15 يــصــادف هـــذا الــعــام مــــرور «إنسان دينيسوفان»، وهي إنسان من مجموعة من البشر الــقــدمــاء الــذيــن عــاشــوا فــي مــا يُــعــرف الــيــوم بــشــرق آسيا قبل عشرات آلاف السنين. وقد أثـار هذا الإنسان فضولي منذ ذلــك الـحـن؛ لــذا ســـررت هــذا الـعـام بـرؤيـة سلسلة من الاكــتــشــافــات المــثــيــرة الــتــي وسّـــعـــت فـهـمـنـا لمــكــان عيشهم وهويتهم. • أدلة من جزيئات إصبع. كان «إنسان دينيسوفان» أول أشباه البشر الذين تم اكتشافهم بشكل أساسي من خلال الأدلة الجزيئية. وكانت أول أحفورة معروفة عبارة عن عظمة إصبع من كهف دينيسوفا في سيبيريا، التي كــانــت صــغــيــرة جــــدا بـحـيـث لا يـمـكـن الــتــعــرف عـلـيـهـا من خلال شكلها، ولكنها أسفرت عن تحليل الحمض النووي . وأشـــارت النتائج الجينية إلـى أن «إنسان 2010 في عـام دينيسوفان» كان مجموعة شقيقة لـ«إنسان نياندرتال»، الـذي عاش في أوروبــا وآسيا. كما أظهرت النتائج أيضا أنهم تزاوجوا مع الإنسان الحديث. والــيــوم، يمتلك سكان بعض مناطق جنوب شرقي آســيــا، مـثـل بــابــوا غينيا الـجـديـدة والـفـلـبـن، أعـلـى نسب الحمض النووي لـ«إنسان دينيسوفان» في جينوماتهم. ومنذ ذلك الحين، سعى الباحثون جاهدين للعثور على المزيد من الأمثلة على «إنسان دينيسوفان»، لكن هذه :2019 الجهود كانت بطيئة. ولم يظهر مثال ثان إلا في عام عظم فك من كهف بايشيا كارست في شياخه على هضبة التبت. وتـدفـقـت 2025 • اكــتــشــافــات جـــديـــدة. ثـــم جــــاء عــــام الاكتشافات الجديدة. ففي أبريل (نيسان) الماضي، تأكد وجـود «إنسان دينيسوفان» في تـايـوان. وأكـد الباحثون هذا الاكتشاف الآن باستخدام البروتينات المحفوظة داخل الأحـفـورة. ثم في يونيو (حـزيـران) الماضي عُثر على أول وجـــه لإنــســان، حـيـث وُصــفــت جمجمة مــن مـديـنـة هـاربـن ، وسُميت نوعا جديداً. 2021 شمال الصين عام حتى الآن، تبدو هـذه النتائج منطقية للغاية. كما أنـــهـــا رســـمـــت صـــــورة مـتـكـامـلـة لــــ«إنـــســـان ديــنــيــســوفــان» كإنسان ضخم البنية. مفاجأتين 2025 وكــان الاكتشافان الآخـــران فـي عـام كبيرتين. ففي سبتمبر، أُعـيـد بناء جمجمة مهشمة من 2 يـونـشـيـان فـــي الـــصـــن. ويـــبـــدو أن جـمـجـمـة يـونـشـيـان تــعــود إلـــى «إنـــســـان ديـنـيـسـوفـان» مـبـكـر، وهـــو اكـتـشـاف مثير للاهتمام؛ نظرا لقدمها التي تبلغ نحو مليون عام. ويشير هــذا إلــى أن «إنــســان ديـنـيـسـوفـان» كــان مـوجـودا مـجـمـوعـة منفصلة مـنـذ مـلـيـون عـــام عـلـى الأقــــل، أي قبل مئات آلاف السنين مما كـان يُعتقد سابقاً. كما يـدل هذا على أن السلف المشترك بيننا وبين «إنسان نياندرتال»، والمــعــروف بـاسـم السلف الـعـاشـر، قـد عــاش قبل أكـثـر من مليون عام. • اســتــخــاص جـيـنـوم مـــن ســـن وحـــيـــدة. بـعـد شهر واحـــد فـقـط، أعـلـن علماء الــوراثــة عـن ثـانـي جينوم عالي الجودة لـ«إنسان دينيسوفان»، والـذي استُخرج من سن ألف عام في كهف دينيسوفا. الأهم من ذلك، أن 200 عمرها هذا الجينوم كان مختلفا تماما عن الجينوم الأول المُبلغ عـنـه، والــــذي كـــان أحـــدث عــهــداً، كـمـا أنـــه كـــان مختلفا عن الحمض النووي للـ«دينيسوفان» لدى البشر المعاصرين. ويُشير هـذا إلـى وجــود ثـاث مجموعات على الأقل من الـ«دينيسوفان»: مجموعة مبكرة، ومجموعة لاحقة، ومجموعة تزاوجت مع جنسنا البشري. هـذه المجموعة الثالثة، من الناحية الأثرية، تظل لغزا محيراً. * مجلة «نيو ساينتست» - خدمات «تريبيون ميديا» *لندن: «الشرق الأوسط» الإنسان ضائع في عصر الذكاء الاصطناعي وهلوساته حين يرى الذكاء الاصطناعي المريض بكامله... لا بقايا صور متفرّقة لــــم يـــعـــرف الــــطــــبّ، فــــي أغـــلـــب تـــاريـــخـــه، كيف يرى الإنسان كاملاً، إذ كان يرى أجزاء متناثرة من الحكاية: صورة أشعة معزولة، تحليل دم بــا ســيــاق، تـقـريـرا سـريـريـا يُــقـرأ ســـريـــعـــا ثــــم يُــــطــــوى. وهــــكــــذا تــــفــــرّق الـجـسـد إلــــى مــلــفــات، وتـــحـــوّل المـــريـــض إلــــى أرشــيــف بيانات، وغابت الصورة الكاملة خلف زحمة التفاصيل. كـان ابـن رشـد سيصف هـذا المشهد بلا تـردّد: حيثما غاب الربط، تكسّرت الحقيقة. فالعِلّة لا تُفهم دون معلولها، والمرض لا يُقرأ دون سياقه، والإنـسـان لا يُختزل في رقـم أو صورة. الذكاء الاصطناعي التعددي الــيــوم، ومــع صـعـود مـا يُــعـرف بالذكاء )، يقف Multimodal AI( الاصطناعي التعدّدي الطب أمـام لحظة استثنائية تُعيد للإنسان وحدته المفقودة. لم تعد الخوارزمية تكتفي بقراءة صـورة أو تحليل أو نص منفرد، بل بـاتـت قــــادرة عـلـى دمـــج الإشـــــارات الحيوية، والـصـور الشعاعية، والـسـجـات السريرية، وحتى اللغة التي يصف بها المريض ألمـه... لتصوغ فهما أقرب إلى ما كان يفعله الطبيب الحكيم بالفطرة: رؤية المريض ككائن واحد، لا كمجموعة بيانات مبعثرة. ولا يـنـتـمـي هــــذا الـــتـــحـــوّل إلــــى الـخـيـال العلمي، بل إلـى مختبرات البحث المتقدّمة. فـــفـــي دراســــــــة حـــديـــثـــة صــــــــادرة عــــن جــامــعــة 2025 ) بنسلفانيا، نُشرت في فبراير (شباط » (الــطــب npj Digital Medicine« فــي مـجـلـة الرقمي – إحـدى مجلات مجموعة «نيتشر» العلمية)، قدّم الباحثون إطارا جديدا يسمح بدمج الصور الطبية، والسجلات السريرية، والـبـيـانـات الـحـيـويـة، والــنــصــوص الطبية، لــــقــــراءة المــــريــــض بـــوصـــفـــه وحــــــدة مـتـكـامـلـة لا مـــلـــفـــات مــنــفــصــلــة مـــحـــفـــوظـــة فــــي ذاكــــــرة الحاسوب. هنا يبدأ التحوّل الحقيقي: من طب يقرأ البيانات... إلى طب يفهم الإنسان. • العلم الذي جمّع ما فرّقته السجلات. تــســتــقــبــل الـــخـــوارزمـــيـــة الـــحـــديـــثـــة، فـي الــلــحــظــة نــفــســهــا، صـــــور الأشــــعــــة، ونــتــائــج الـتـحـالـيـل المـخـبـريـة، والإشــــــارات الـحـيـويـة، والنصوص الطبية، وحتى البيانات القادمة مــــن الــــســــاعــــات الـــذكـــيـــة والأجـــــهـــــزة الــقــابــلــة لـــارتـــداء. ثــم لا تكتفي بـقـراءتـهـا، بــل تُعيد نسجها فــي صـــورة واحــــدة متكاملة، أشبه بخريطة حيّة للجسد والزمن معاً. لـــم يــعــد الــتــشــخــيــص تــفــســيــرا لــصــورة ثابتة، بل هو فهم لمسار حياة كاملة. وهـنـا تكمن الــقــفــزة: فـالـنـظـام الصحي الـتـقـلـيـدي اعـــتـــاد الـعـمـل بـمـنـطـق «الـوسـيـط الــــــواحــــــد»؛ طــبــيــب الأشــــعــــة يـــــرى الــــصــــورة، طبيب القلب يقرأ التخطيط، وطبيب المختبر يـاحـق المــؤشــرات. غير أن المـــرض لا يحترم هذه الحدود، إذ لا يولد في عضو واحد، ولا يتقدّم في مسار منفصل، بل يعلن عن نفسه من خلال تفاعل خفي بين الإشارات. بـــــــهـــــــذا المــــــعــــــنــــــى، لا يـــــجـــــمـــــع الـــــــذكـــــــاء الاصطناعي التعدّدي البيانات فحسب، بل يعيد للطب لغته الأصلية: لغة الترابط. • من رؤية اللحظة إلى رؤية الزمن. في إحدى التجارب السريرية المتقدّمة، استطاع نـــمـــوذج ذكـــــاء اصــطــنــاعــي تـــوقّـــع احـتـمـالـيـة ظهور مرض قلبي قبل نحو ثماني سنوات مـن تشخيصه الـسـريـري. ولـم يلتقط علامة واحـدة حاسمة فقط، بل التقط شبكة دقيقة مــن الــتــغــيّــرات الـصـغـيـرة الــتــي تــبــدو — كـل على حدة — بلا معنى، لكنها حين تُقرأ معا ترسم بداية الخلل الصامت. هــــنــــا يـــتـــغـــيّـــر جـــــوهـــــر الــــــذكــــــاء نـــفـــســـه. فالخوارزمية لا تقرأ صورة آنية، ولا تحاكم رقــمــا مـــعـــزولاً، بـــل تُــنـصـت إلـــى الـــزمـــن وهـو يعمل داخل الجسد. إنها ترى المرض بوصفه مسارا لا حادثة، وتفهم العلّة بعدّها عملية تـــراكـــم لا لــحــظــة انـــفـــجـــار. وبـــهـــذا الـــتـــحـــوّل، يتبدّل دور الطبيب: من «باحث عن المرض» إلى «قارئ للزمن». تغير عيادة المستقبل • إنقاذ المريض وإنقاذ الطبيب. Harvard« تــشــيــر تـــقـــاريـــر صــــــادرة عـــن » في ديسمبر ( كانون الأول) Medical School إلـى أن الطبيب يقضي أكثر من ثلاث 2025 ساعات يوميا في كتابة الملاحظات وتوثيق السجلات، وقتا يفوق أحيانا زمن الإصغاء لــلــمــريــض نـــفـــســـه. وهـــنـــا لا يـــكـــون الإرهــــــاق مهنيا فــقــط، بــل يــكــون إنـسـانـيـا أيــضــا. أمـا حـن تُــدمـج البيانات تلقائيا داخـــل نموذج ذكي واحد، فسوف يتحرّر الطبيب من عبء الــــورق والــتــكــرار، ويستعيد جـوهـر مهنته: الـــلـــقـــاء، الإصــــغــــاء، والـــفـــهـــم. فــالــخــوارزمــيــة تحسب وتربط، لكنها لا تعرف القلق في عين المـريـض، ولا الــتــردّد فـي صـوتـه. الآلــة تُحلّل والإنسان يُنصت. • كيف ستتغيّر العيادة؟ لم تعد العيادة الــحــديــثــة مـــجـــرّد مــكــان لـلـفـحـص، بـــل نقطة التقاء لأنواع متعددة من الذكاء؛ حيث يعمل الـــذكـــاء الاصـطـنـاعـي الــتــعــدّدي فــي الخلفية على دمـج الـصـور، والتحاليل، والسجلات، والسلوك الصحي اليومي في نموذج واحد، يرافق المريض والطبيب معاً، ويُعيد تشكيل القرار الطبي من جذوره. وهكذا نلاحظ: - اختفاء «المريض المُجزّأ». - التشخيص يصبح تفسيرا للعلاقات. - الـــــعـــــاج يـــصـــبـــح شـــخـــصـــيـــا بـــأعـــلـــى درجاته. - انخفاضا كبيرا في الأخطاء الطبية. • من ورق العيادة إلى خريطة الإنسان لا يــقــدّم الـــذكـــاء الاصـطـنـاعـي الـتـعـدّدي تقنية جــديــدة فـحـسـب، بــل فلسفة مختلفة فــي فـهـم الإنـــســـان. فــالمــرض لا يـظـهـر فـجـأة، بل يُكتب ببطء في الـنـوم، وفـي القلب، وفي القلق، وفـي تفاصيل لا يلتفت إليها أحـد... قـبـل أن يـتـجـسّــد يــومــا فـــي صــــورة أشــعــة أو نتيجة تحليل. هنا يتحوّل سـجـل العيادة مــــن أوراق تُـــمـــأ بـــعـــد وقــــــوع الــــحــــدث، إلـــى خريطة حيّة تُقرأ قبل اكتمال القصة. فرصة عربية يجب ألا نفوّتها هـــــذا الـــتـــحـــوّل لـــيـــس تـــرفـــا غـــربـــيـــا، بـل فرصة عربية حقيقية، تتزامن مـع تسارع الـتـحـوّل الـرقـمـي فـي الـسـعـوديـة والإمــــارات وقطر، وظهور السجلات الطبية الموحّدة، ورؤى واضــــحــــة لــلــصــحــة الـــرقـــمـــيـــة ضـمـن .»2030 «رؤية السعودية إذا نـجـحـنـا فـــي بـــنـــاء نـــمـــوذج عـربـي للذكاء الاصطناعي التعدّدي، يمكن للطب أن يقفز من التشخيص المتأخّر إلى الوقاية الاسـتـبـاقـيـة، ومـــن عـــاج المـــرض إلـــى منعه قــبــل أن يـــولـــد. وكـــمـــا كــتــب ابــــن سـيـنـا قبل ألــف عـــام: (أفـضـل الـطـب مـا منع العلّة قبل حدوثها). إن الــــــعــــــنــــــوان «حـــــــــن يـــــــــرى الــــــذكــــــاء الاصــطــنــاعــي المـــريـــض بـــكـــامـــلـــه... لا بـقـايـا صــــور مــتــفــرّقــة» — لــيــس تــوصــيــفــا تقنيا لابتكار جـديـد، بـل إعــان تـحـوّل عميق في معنى الـطـب نفسه. تـحـوّل يعيد للإنسان وحدته بعد أن بعثرتها السجلات، ويعيد لـلـجـسـد مـنـطـقـه بــعــد أن اخـــتُـــزل فـــي أرقــــام وصـــور. فـالمـرض لا يـولـد فـي عضو واحــد، بــل يتشكّل داخـــل شبكة مـعـقّــدة مــن الـزمـن والــحــيــاة والـــســـلـــوك. وحــــن يـتـعـلّــم الــذكــاء الاصطناعي قراءة هذه الشبكة — لا ليحل محل الطبيب بل ليحرّره — يصبح القرار الطبي أكثر دقة... وأكثر رحمة في آن واحد. هـنـا، يستعيد الــطــب تــوازنــه المـفـقـود: آلـــة تُــحـلّــل بـا إرهــــاق، وطـبـيـب يُنصت بلا استعجال. وعند هذا الحد الفاصل بين الحساب والحكمة، يـعـود الـطـب إلــى جـوهـره الأول: معرفة الإنسان قبل معالجة المرض، ورؤية الــحــيــاة كـــامـــلـــة... قــبــل مـــطـــاردة أعــراضــهــا المتفرّقة. نيويورك: د. عميد خالد عبد الحميد فحص شامل بالذكاء الاصطناعي للجينات والميكروبيوم والدم والأشعة في مشهد تشخيصي واحد سيُذكَر بوصفه عام 2025 لا شك أن المحتوى المُنمّق وغير المنطقي الذي يُنتجه الذكاء الاصطناعي المفسد للعقول

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky