ثمة ظـاهـرة تـبـدو عصية على الفهم فـي ســوريــا، وهي أن مـؤشـرات الفقر لا تعكس حقيقة واقـعـه. وإذا كانت أرقــام المنظمات الدولية تجمع على تجاوز عـدد الفقراء ما نسبته التسعون في المائة من إجمالي السكان، فإن المؤشرات الظاهرة لا توحي بأن النسبة تتجاوز الثلاثين في المائة، أو الأربعين فــي المــائــة فــي الــحــد الأقـــصـــى، مـمـا يـعـنـي أن نـسـبـة الـفـقـر في البلاد هي أقل من خمسين في المائة، وهو تقدير غير حقيقي، تختفي في خلفيته ممارسات وسياسات تجعل الفقر يخبئ مؤشراته، أو يخفف الظاهر منها. أول عوامل التخفيف من مـــؤشـــرات الــفــقــر ســيــاســة الــســتــرة الـــحـــاضـــرة والمــســتــمــرة في الحياة السورية، التي تعتبر الفقر عيبا أو ما يشبه العيب؛ فـتـعـمـل الأســـــر، كـمـا يـعـمـل الأفــــــراد، عـلـى تـخـبـئـة الـفـقـر بعفة النفس، وإظـهـار الاكـتـفـاء فـي تلبية الاحتياجات الأساسية، خصوصا في الطعام والشراب واللباس، وهي بوابات الصرف الأســاســيــة، وهـــذه الـسـيـاسـة حــاضــرة فــي المـــدن والــقــرى على السواء، بل إنها في الأخيرة وفي بعض المناطق تبدو ظاهرة عامة لحماية المجتمع. ثـانـي الـعـوامـل يستند إلـــى الـتـضـامـن الاجـتـمـاعـي، الــذي ظـهـر فــي ســنــوات الـــثـــورة وحـــرب نـظـام الأســـد عـلـى الـسـوريـن بـمـسـتـويـن: الأول تــضــامــن الأفــــــراد والـــعـــائـــات بـــن الأصــــول والـفـروع والـجـوار فـي الاتـجـاهـن، والثاني مستوى التضامن الــعــام، وقــد غـطَّــت تـبـرعـات ومـدفـوعـات الـسـوريـن فـي الـخـارج من أفـراد وجماعات مدنية وأهلية قسما كبيرا من احتياجات السوريين فـي مـدن وقــرى الـداخـل، وسـاعـدت بعض السوريين المهجَّرين في بلدان، بينها لبنان وتركيا، وقد حملت التبرعات قــــرى ومـــدنـــا كــامــلــة لـــســـنـــوات طـــويـــلـــة، وســــاعــــدت إلــــى جـانـب الـتـبـرعـات الـدولـيـة فــي حـمـايـة الـسـوريـن مــن الــجــوع وانـهـيـار بنياتهم الاجتماعية بصورة شاملة، وإن كانت أضعفتها. لقد ساهمت ممارسات وسياسات السوريين في سنوات ) فـي التخفيف مـن مظاهر وآثــار 2018 - 2011( الـثـورة الأولـــى الفقر الذي سبَّبه الدمار والبطالة والتهجير، غير أن إطالة أمد الحرب، وتزايد وحشية نظام الأسد في نهب السوريين، ووقف المــســاعــدات الــدولــيــة وتــداعــيــات الأزمــــة الاقــتــصــاديــة الـعـالمـيـة، فـاقـمـت أوضــــاع الــســوريــن، وأخـــذ الـفـقـر ينشب أظــفــاره فيهم، ومظاهره تزداد حضورا في حياتهم، إضافة إلى تعميم الفقر أيضا وتجاوزه نسبة التسعين في المائة. وبعد إسقاط نظام الأسد وولادة نظام جديد في سوريا، ، كـان الاتجاه إلـى تأمين أوضـاع 2024 ) ديسمبر (كانون الأول السوريين ومراعاة ظروفهم المعاشية الصعبة، لا سيما لجهة مواجهة متطلبات الحياة الأساسية، وفيها تأمين الغذاء والماء، والسكن والصحة والعمل والتعليم، مما ولَّد حراكا سوريا عامّا في ثلاثة مستويات. المـسـتـوى الأول قـامـت بــه الإدارة الــجــديــدة، الـتـي نشطت في إعـادة بناء أجهزة ومؤسسات الدولة، وفق أسس جديدة، تـقـوم على خــاف مـا كـانـت عليه المـؤسـسـات السابقة، وإعـــادة تشغيلها، ورغم أنه كلف وقتا وجهدا كبيرين، ونتائجه كانت أقل من المطلوب، بفعل عوامل داخلية وخارجية الأهم فيها تركة الدمار الثقيلة التي خلفها نظام الأسد في الداخل، والعقوبات الدولية المفروضة على سوريا، فقد تحققت خطوات مهمة في المستويين الداخلي والخارجي فتحت الأبــواب، عبر سياسات وإجراءات تنظيمية وإدارية، تقود نحو تحسن الوضع. المـــســـتـــوى الـــثـــانـــي مـــســـتـــوى مــــن شــــراكــــة بــــن مــؤســســات الحكومة والفعاليات الاقتصادية والاجتماعية، وقد ولدت في حاضنة هذا المستوى حملات تبرع في أغلب المحافظات، وفي مـدن وقــرى فيها، تــؤدي إلـى إقـامـة مشروعات هدفها إنهاض الوضع الاقتصادي والاجتماعي. والمـسـتـوى الـثـالـث، وهـــو الأهـــم بحكم قـاعـدتـه الشعبية، التي خلقت نشاطات في مجموعتين: الأولــى فيها مكونة من منظمات عمل مدني وأهـلـي، بعضها قديم نقل نشاطاته من الــخــارج إلــى ســوريــا، والـبـعـض الآخـــر جــرى تشكيل جماعاته ومنظماته فـي الـعـام المـاضـي بعد سقوط الـنـظـام، والمجموعة الــثــانــيــة مـــن حــلــقــات ومــجــمــوعــات ومــــبــــادرات «غـــيـــر مـنـظـمـة» يقف خلفها ناشطون وفـاعـلـون فـي المجتمع مـن رجــال أعمال ومثقفين وطلبة جامعات وغيرهم، وتتشارك المجموعتان في تقديم الـدعـم والمـسـانـدة للسكان فـي البيئات المحلية، ويمتد طيف المساعدات والدعم في مجالات كثيرة، منها تقديم الدعم الإغاثي على نحو ما جرى في السنوات الماضية، لكن فيه أشياء جديدة ومحدثة، مثل التعليم والتدريب ودعم مشاريع العمل والتشغيل وخلق المبادرات في قطاعات الإنتاج والخدمات. إن التقييم الأولـــي لمـا يـجـري مـن مــبــادرات نحو تحسين أوضــاع الفئات الضعيفة في المجتمع السوري في المستويات الـــثـــاثـــة لــيــس كــافــيــا ولا يـلـبـي المـــطـــلـــوب، لـكـنـه يـعـكـس رغـبـة إيجابية في تصد عملي ومشترك لما يمثل حاجات ملحَّة من جــهــة، ويـعـكـس إحــســاســا بـــأن تـلـك الأعـــمـــال تتطلب تشاركية سورية واسعة بين الدولة والمجتمع. لـقـد قـــارب الــســوريــون تـحـدي ظـروفـهـم الصعبة بـصـورة تكاد تكون عفوية، ومـن خـال مـبـادرات متعددة، وكثير منها عفوي أو تقليدي، مما يفرض ضـرورة تقدم مؤسسات الدولة ومـؤسـسـات وأصــحــاب الـخـبـرة الـسـوريـة لـدعـم تـلـك المــبــادرات وتــطــويــرهــا وتـثـمـيـرهـا إلــــى الـــحـــدود الــقــصــوى بـحـيـث تـكـون الجموع السورية قـوى فـي إنـهـاض سـوريـا مـن دمـارهـا، وقـوة تشارك بنشاط في إعادة إعمار سوريا المقبلة. عـمـلـيـة ســيــدنــي الـــتـــي اســتــهــدفــت مـــواطـــنـــن أســتــرالــيــن يهودا أدانها الجميع، عرب وعجم، شرق وغرب، ورفضها أشد المـؤيـديـن للقضية الفلسطينية، لأنـهـا اعــتــدت عـلـى مواطنين مدنيين بسبب ديانتهم اليهودية، بعد أن وقع الأب وابنه في براثن الأفكار المتطرفة وقاما بعمل إرهابي مدان. يقينا الفكر الداعشي الذي استدعي بسببه للتحقيق أحد منفذي الجريمة وأطلق سراحه لعدم ثبوت الأدلـة، يمثل عبئا ليس فقط على القضية الفلسطينية إنـمـا أيـضـا على العرب والمسلمين، وأعـطـى مـبـررات لقوى اليمين المتطرف فـي الغرب وإســرائــيــل لـكـي تــحــاول أن تلصق بالمسلمين صـفـة الإرهــــاب، وعـدّتـه يـرجـع لمشكلة بنيوية فـي عقيدتهم وتفكيرهم وليس حالة انـحـراف شـاذة رفضها عموم العرب والمسلمين واكتووا بنارها أكثر من غيرهم. والحقيقة أن رد فعل دولة الاحتلال على هذه العملية كان جاهزا ومتناقضا في الوقت نفسه، فمن ناحية تتبنى الحكومة الإسرائيلية موقفا استئصاليا ليس فقط من حركة «حماس»، إنما أيضا من أهل غزة لأسباب دينية وعرقية، فهي تعاديهم لأنهم فلسطينيون وليس لكون بعضهم يحمل السلاح. إن تصريحات بعض قـادة إسرائيل عن إبـادة سكان غزة أو إلقاء قنبلة نووية عليهم عكست موقفا «وجـوديـا» يرفض وجودهم على أرضهم لكونهم عربا وفلسطينيين، وهي تقريبا «النظرة الداعشية» نفسها لخصومها الذين تعاقبهم بالقتل حتى لو كانوا مسلمين. عملية سيدني كانت فرصة لإسرائيل لاستدعاء المظلومية والعداء للسامية، وكيف أن اليهود مستهدفون من قبل العرب والمسلمين لأنهم يهود، وأن إسرائيل مستهدفة من قبل «الإرهاب الإســـامـــي» (كــمــا يـصـفـه قــــادة إســرائــيــل) لأنَّــهــا دولــــة يـهـوديـة وليس لأنَّها آخر دولة احتلال استيطاني في العالم. والحقيقة أن هذا التدخل الشجاع والإنساني للشاب الأسترالي من أصول سـوريـة، أحمد الأحـمـد، ضـرب فـي مقتل السردية الإسرائيلية الـتـي تنتظر الـفـرصـة لـكـي تنشر خـطـاب الـريـبـة والـــعـــداء ضد العرب والمسلمين في كل العالم، وتعدّهم «إرهابيين محتملين»، وأن اليهود في كل مكان ضحايا لهذا الإرهاب. والــحــقــيــقــة أن الـــســـرديـــة الإســرائــيــلــيــة الـــتـــي تـنـطـلـق من «الوصمة الثقافية» للعرب، وفي قلبهم الفلسطينيون، والتي تقول إن بنيتهم الفكرية والدينية تشجع على الإرهاب، ذهبت أيضا في اتجاه التفسير الاجتماعي/ السياسي لهذه العملية بـالـقـول إنـهـا جـــاءت أيـضـا بسبب اعـــتـــراف أسـتـرالـيـا بـالـدولـة الفلسطينية وقبولها بالمظاهرات الداعمة للقضية الفلسطينية وإدانتها للجرائم الإسرائيلية في غزة التي شجَّعت على نشر أجواء العداء للسامية. وفي العلم والخيارات السياسية، حقل التفسير الثقافي والأحكام القيمية له أنصاره ورجاله في أقصى اليمين، كما أن التفسير السياسي/الاجتماعي له أيضا أنـصـاره ورجـالـه من قوى مستنيرة وليبرالية، ترفض أي حكم قيمي على الشعوب والأديــان والحضارات المختلفة سـواء كانوا يهودا أو مسلمين أو مسيحيين. إن إدخـــال الاعـتـبـارات السياسية والاجتماعية في فهم ظواهر العنف والإرهــاب هو من أجل تفسيرها وليس تــبــريــرهــا، فـمـثـا مـــن الـصـعـب الـــقـــول إن الـتـنـظـيـمـات العنيفة والمسلحة فـي الأراضــــي الفلسطينية يـرجـع وجــودهــا فقط أو أساسا إلـى أسباب عقائدية، نتيجة غـوص بعض الأشخاص فـي تفسيرات دينية مـتـشـددة تـبـرر العنف بمعزل عـن الـواقـع السياسي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والذي يدفعهم إلى حمل السلاح واختيار المقاومة العنيفة. صحيح أن الحكومة الإسـرائـيـلـيـة المتطرفة مستعدة أن تمارس تلفيقا في مجال الأفكار والمـواقـف السياسية من أجل تكريس سرديتها المضللة. فهي دائما تختار السردية الثقافية الــتــي تــقــول إن الفلسطينيين (ولــيــس فـقـط «حـــمـــاس») بحكم الفطرة «إرهابيون»، وهي تحارب الإرهاب، وتنسى أو تتناسى أنها قوة احتلال. إن ظــهــور المـــواطـــن الأســـتـــرالـــي الـبـطـل أحــمــد الأحـــمـــد ذي الأصــــول الـعـربـيـة الــســوريــة، نـسـف بـالـكـامـل ســرديــة إسـرائـيـل و«حبايبها» مـن قــوي اليمين المـتـطـرف، الـتـي تـحـاول تكريس أن العرب والمسلمين غير قابلين لأن يندمجوا في المجتمعات الــديــمــقــراطــيــة المـــتـــقـــدمـــة، نـتـيـجـة إرثـــهـــم الـــحـــضـــاري وديــنــهــم الإسلامي، وأنهم جميعا «إرهابيون محتملون»، فظهر أحمد الأحــمــد، لـيـس فـقـط فــي صـــورة الـبـطـل الـــذي واجـــه بـصـدر عــار الإرهــــاب، إنَّــمـا أيـضـا تعامل مـع المـهـاجـم بإنسانية لا تعرفها الحكومة الإسرائيلية وأخذ منه السلاح ولم يقتله، وترك مهمة التعامل معه لقوات إنفاذ القانون. تحرك أحمد بفطرته السلمية بوصفه إنسانا ومواطنا أســـتـــرالـــيـــا يـــرفـــض أن يـــتـــفـــرَّج عــلــى أذى الــــنــــاس مــهــمــا كــانــت ديانتهم، وتحركت في عروقه النخوة والشجاعة الراسخة في الثقافة والقيم العربية. تصرف أحمد الأحـمـد الفطري نسف ســـرديـــة الـتـعـمـيـم والأحـــكـــام الـقـيـمـيـة عـلـى الـــعـــرب والمـسـلـمـن، وكـونـه الـوحـيـد الـــذي تـحـرك ليس صـدفـة فهو يعني أيـضـا أن الغرب في حاجة إلى هذا الرافد الجديد من المواطنين الغربيين ذوي الأصول العربية، لأنهم أحيوا قيما ومبادئ تراجعت في المجتمعات الغربية من شجاعة ومساعدة الغير، وأنهم أيضا أصــحــاب فــطــرة سـلـيـمـة، فـهـم يــحــاربــون الإرهـــــاب مـثـل غيرهم ويدحضون الـروايـة الإسرائيلية التي تضع العرب والمسلمين في قفص الاتهام الحضاري والديني. مــــــا اســـتـــخـــلـــصـــه بـــنـــيـــامـــن نـــتـــنـــيـــاهـــو واليمينان الديني والقومي الإسرائيليّان من أكتوبر أن القوّة هي الشيء الوحيد 7 عمليّة «الـذي يفهمه العرب»، وأن العمليّة المذكورة فرصة وفّرتها «حركة حماس» لتطبيق هذا المــــبــــدأ. وهـــــذا الاســـتـــخـــاص لــيــس اكـتـشـافـا مــن صـفـر بـقـدر مــا هــو تـوكـيـد لـــ«صــحّــة» ما آمن به دائما ذاك اليمين حول مركزيّة القوّة وأولويّتها. ومؤخّراً، وفي محاولات لتأصيل نظرة نتنياهو، شـــاع الـتـذكـيـر بمقالة كتبها، في ، فلاديمير (زئـيـف) جابوتنسكي «عن 1923 الـــجـــدار الـــحـــديـــديّ»، هــو الــــذي، بـعـد عـامـن، أسّـــس «الـحـركـة التصحيحيّة» المـنـشـقّــة عن التيّار الصهيوني العريض لحاييم وايزمن وديفيد بن غوريون. فـالـتـصـحـيـحـيّــون عـــبّـــروا عـــن مـنـاخـات راجت في شرق أوروبا وجنوبها، أكثر قوميّة وعـــنـــصـــريّـــة فــــي الــــشــــرق وأكــــثــــر كــاثــولــيــكــيّــة فــي الــجــنــوب. وهـــذه لــم تُــعــدم الاســتــنــاد إلـى أفـكـار ســـادت هـنـاك ودارت حــول مـبـدأ الـقـوّة «المـــقــدّســة». وبـــدورهـــا بـــدت صهيونيّة المـن العريض أشد تعدّدا واختلاطا في مصادرها حيث كانت الـدعـوات العمّاليّة والاشتراكيّة واحدا منها. وأهم من ذلك أن قضيّة دريفوس كانت الحدث المؤسّس لتلك الصهيونيّة، حين اتّهمت القوى اللاساميّة الفرنسيّة، القوميّة والدينيّة، ضابطا يهوديّا بريئا بالتجسّس لـــألمـــان، فــكــان لـلـتـزويـر هـــذا أن شـــق فرنسا جبهتين إيديولوجيّتين. ومـــقـــالـــة جـــابـــوتـــنـــســـكـــي، وقـــــد ســمّــاهــا الــبــعــض «مــانــيــفــســتــو الاســـتـــيـــطـــان»، تنفي كـــل وهـــم حـــول نـــمـــوذج الـسـيـطـرة والــتــوسّــع المــــرجــــوّيــــن. ذاك أن «الــــســــكّــــان المـــحـــلـــيّـــن»، متمدّنين كانوا أم غير متمدّنين، يعتبرون أن أرضهم وطنُهم ويقاتلون لذلك، ما يصح في العرب صحّته في سواهم. فـجـابـوتـنـسـكـي الـــــروســـــيّ، عــلــى عكس البريطاني إسرائيل زنغويل صاحب نظريّة «شـــعـــب بــــا أرض لأرض بــــا شــــعــــب»، يــقــر بــــوجــــود ســــكّــــان فــــي فــلــســطــن لـــكـــنّـــه يـحـيـل حسمه إلـــى الــقــوّة الـتـي تـجـتـث كـــل أمـــل عند الخصم: فــ»كـل الشعوب الأصليّة فـي العالم تقاوم المستعمرين طالما أن لديها أدنـى أمل في التخلّص من خطر الاستعمار». هـــــكـــــذا أخـــــــذ الــــكــــاتــــب عــــلــــى المــــؤسّــــســــة الــصــهــيــونــيّــة تـجـاهـلـهـا الأغـــلـــبـــيّـــة الــعــربــيّــة فـي فلسطين وتطلّعاتها، وانتقد اعتقادها «الــــخــــاطــــئ» بــــــأن الـــتـــقـــدّم الـــتـــقـــنـــي وتــحــسّــن الأوضـــــــــاع الاقــــتــــصــــاديّــــة الـــتـــي يُـــفـــتـــرض أن يـــأتـــي بـــهـــا الـــيـــهـــود إلـــــى فــلــســطــن يـجـعـان السكّان العرب يحبّونهم. فهؤلاء الصهاينة «يـــــحـــــاولـــــون إقـــنـــاعـــنـــا أن الـــــعـــــرب هـــــم إمّـــــا بــلــهــاء نـسـتـطـيـع خــداعــهــم بـتـقـنـيـع أهــدافــنــا الحقيقيّة، أو أنّهم فـاسـدون يمكن رشوتهم كــــي يـــتـــخـــلّـــوا عــــن مــطــلــبــهــم بـــــأن تـــكـــون لـهـم الأولويّة في فلسطين، مقابل امتيازات ثقافيّة واقتصاديّة». لـــقـــد آمـــــن جــابــوتــنــســكــي بــــــأن الــحــركــة الصهيونيّة ينبغي ألا تُــهـدر مــواردهــا على أحلام طوباويّة، بل يجب أن ينصب تركيزها الـحـصـري عـلـى بـنـاء قـــوّة عـسـكـريّــة يـهـوديّــة متفوّقة، أي على جدار حديدي مجازيّ، يُجبر العرب على قبول دولة يهوديّة فوق أرضهم. ولمّـــــا كــــان «مــــن المــســتــحــيــل تـهـجـيـر الــســكّــان الفلسطينيّين»، فـإنّــه «بمجرّد التخلّص من قيادتهم ومـن مقاومتهم المسلّحة والقضاء عــلــى كــــل أمــــل لــــدى الـــســـكّـــان، يـصـيـر ممكنا التحدّث عن إعطاء مَن تبقّى منهم حقوقاً». وكـــــــانـــــــت آراء جــــابــــوتــــنــــســــكــــي تــــقــــوم عــلــى فــرضــيّــة ســـاهـــم فـــي بــلــورتــهــا بـنـزيـون نــتــانــيــاهــو، والـــــد بــنــيــامــن ومـــــــؤرّخ تـجـربـة اليهود فـي أسبانيا، والمناضل الصهيوني الــذي عمل مساعدا لسكرتير جابوتنسكي. وتقول الفرضيّة الذعريّة تلك أن اللاساميّة ســـتـــســـتـــهـــدف الــــيــــهــــود بــــغــــض الـــنـــظـــر عـــمّـــا يـفـعـلـون، وهـــي ســـوف تستهدفهم حــتّــى لو تــحــوّلــوا إلـــى مـسـيـحـيّــن. أمّـــا الــقــول بنهاية الـاسـامـيّــة فــي أوروبــــا فـفـكـرة حـمـقـاء ووهــم لا ينتج عنهما سوى تعريض حياة اليهود للخطر. والـــــراهـــــن أنّــــنــــا هـــنـــا أمــــــام واقـــعـــيّـــة مـن صـــنـــف الــــوعــــي الــكــئــيــب الــــــذي دفـــعـــتـــه كــآبــة الـــتـــاريـــخ الــــيــــهــــودي إلـــــى الـــتـــشـــاؤم الـعـمـيـق بالبشر والعداء للتنوير في تفاؤله بالانسان وبــالــتــاريــخ كــتــقــدّم يـحـدثـه الـعـلـم والـتـقـنـيّــة ومـعـهـمـا تـعـاظـم حــقــوق الأفـــــراد الـطـبـيـعـيّــة. ففي قـامـوس جابوتنسكي قـلّــة ثقة بالبشر وبالسياسة والدبلوماسيّة والتفاوض ممّا لا فائدة منها إلا بعد إلحاق الهزيمة الماحقة بـــالـــعـــدو وفـــــرض أمــــر واقـــــع عــلــيــه. أمّـــــا بـنـاء المــواقــف عـلـى اشــتــراك الـجـمـاعـات فــي نشاط علمي أو ثـقـافـيّ، أو فـي مصالح اقتصاديّة جامعة، فلا يستحق إلا الإزدراء. ظـــلّـــت إيــطــالــيــا الـفـاشـيّــة 1938 وحـــتّـــى الـحـلـيـف الأكـــبـــر لــــ«الـــحـــركـــة الـتـصـحـيـحـيّــة» التي تبنّت حركتُها الشبابيّة «بيتار» رموز الـــفـــاشـــيّـــة الإيـــطـــالـــيّـــة وأزيـــــاءهـــــا وتـحـيّــتـهـا وبُـــنـــيـــتـــهـــا شـــبـــه الــــعــــســــكــــريّــــة. وقــــــد تـــبـــادل مـوسـولـيـنـي وجـابـوتـنـسـكـي الــرســائــل التي تؤكّد على الـتـوازي والـتـازم بين الحركتين، توكيدها على إعجاب واحدهما بالثاني. ذاك أن وجود صهيونيّة فاشيّة في فلسطين هو، كما رأى الـدوتـشـي، وجــود لحليف يناهض النفوذ البريطاني في المتوسّط. وكان من ثمار علاقتهما إنشاء إيطاليا لـ«بيتار» أكاديميّة بحريّة حيث تولّى ضبّاط إيطاليّون تدريب كوادرها. لكن هذا التعاون حـيـنـمـا ســـن مـوسـولـيـنـي، 1938 انـتـهـى فـــي المــتــحــالـف مـــع هـتــلـر، الــقــوانــن الــعــرقــيّــة في بلده، نزولا عند رغبة الحليف الأكبر بعدما غدا صاحب اليد الطولى في تحالفهما. هكذا طُرد من الحزب الفاشي كل الأعضاء اليهود وعُـــطّـــلـــت المــــؤسّــــســــات الـــيـــهـــوديّـــة بـــمـــا فـيـهـا الأكاديميّة البحريّة. ولـــــــن يــــكــــون صـــعـــبـــا اكــــتــــشــــاف الـــتـــركـــة الجابوتنسكيّة فـي نتنياهو المتمسّك بمبدأ السيطرة العسكريّة الدائمة وكراهية التفاوض ورفـــض الإقــــرار بـــأي حــق للفلسطينيّين. لكن إذا صح أن التمييز بين الصهيونيّتين خسر اليوم الكثير من معناه، وهذا لأسباب لا تتّسع لها هذه العجالة، فالمؤكّد أن التذكير به يبقى مفيدا في عالم الهويّات المطلقة الراهن والذي يُصوّر كشيء خالد. OPINION الرأي 12 Issue 17190 - العدد Sunday - 2025/12/21 الأحد السردية الإسرائيلية التي دحضها أحمد الأحمد إنهاض سوريا من دمارها صهيونيّتان وإسرائيلان؟! وكيل التوزيع وكيل الاشتراكات الوكيل الإعلاني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] المركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 المركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى الإمارات: شركة الامارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 المدينة المنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب الأولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية الموجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها المسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة لمحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي بالمعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com حازم صاغيّة عمرو الشوبكي فايز سارة
RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky