issue17189

الرئيس التنفيذي جمانا راشد الراشد CEO Jomana Rashid Alrashid نائب رئيس التحرير Managing Editors Editorial Consultant in KSA Aidroos Abdulaziz Camille Tawil Saud Al Rayes Deputy Editor-in-Chief مديرا التحرير مستشار التحرير في السعودية محمد هاني Mohamed Hani الأمير أحمد بن سلمان بن عبد العزيز عيدروس عبد العزيز كميل الطويل سعود الريس 1987 أسسها سنة 1978 أسسها سنة هشام ومحمد علي حافظ رئيس التحرير غسان شربل Editor-in-Chief Ghassan Charbel فـي الــســادس مـن شهر ديسمبر (كــانــون الأول) ، ألـقَــى يـاسـر عـرفـات كلمة أمـــام الجمعية 1988 سنة العامة للأمم المتحدة، بمقر المنظمة في جنيف، بعد أن رفضت الولايات المتحدة منحه تأشيرة دخول إلى مقرها في مدينة نيويورك. تعاطف العالم بشعوبه وحكوماته مـع منظمة التحرير الفلسطينية، التي يقودها ياسر عرفات، وتم التفاهم بين أمانة منظمة الأمم المتحدة وأعضائها بأن يُعقد الاجتماع في مقر الأمم المتحدة الأوروبي بجنيف. دخــل أبــو عـمـار قـاعـة الاجـتـمـاع الأمــمــي، «واثــق الخطوة يمشي مـاكـا»، كمَا كــان يـكـرّر مـن حـن إلى آخر. الطبيب الشاعر إبراهيم ناجي، والمطربة كوكب الشرق أم كلثوم، وأمير الموسيقى رياض السنباطي هم حداته في رحلته الطويلة التي طوى فيها الأرض والــزمــان طـيّــا. الشاعر إبـراهـيـم ناجي عطَّر خطوات الحبيب الواثقة، برشَّة خيلاء ملكية، لكن الثائر أبو عـمـار عــاشــق قـضـيـتـه، ألـبـس خــطــواتِــه رفـــرفـــة المــاك (ولـــيـــس المـــلـــك). فــهــو واثـــــق الــخــطــوة يـمـشـي مــاكــا. نعم، للثورة خطواتها كما لها سلاحها وصوتها. كــان قــرار المنع الأميركي لياسر عـرفـات مـن الحديث مـــن أعــلــى مـنـبـر الأمــــم المـتـحـد بــنــيــويــورك عـقـوبـة له عـلـى إعــانــه قــيــام الـــدولـــة الفلسطينية فــي اجـتـمـاع قــــــادة مــنــظــمــة الـــتـــحـــريـــر الــفــلــســطــيــنــيــة بــالــعــاصــمــة الـــجـــزائـــريـــة، والانـــتـــفـــاضـــة الـفـلـسـطـيـنـيـة الـــتـــي هـــزَّت الكيان الإسرائيلي. دخـل عرفات قاعة الأمـم المتحدة بجنيف، بخطوات ملاك مقاتل، يقود معركة مضادة للعدوان الإسرائيلي. خاطب عرفات العالم بقصيدة نـثـريـة أبـدعـهـا الـشـاعـر الفلسطيني الكبير محمود درويش. في جنيف السويسرية ومنها رفرفت الثورة الفلسطينية على غصن الزيتون الفلسطيني بصوت ملائكي يعانق الـسـامَ، يزفُّه مسدس لا يفارق حزام صوفي الوجدان الثائر. كلمات مسبوكة بلغة سُكبت فيها شحنة من وهـــج الــطــمــوح إلـــى الـــســـام، وصـــابـــة إرادة الـكـفـاح المـسـلـح. قـــال يـاسـر عــرفــات مـوجـهـا خـطـابـه إلـــى أمـم الـــعـــالـــم: «لـــقـــد جــئــتُــكــم بــغــصــن الـــزيـــتـــون فــــي يــــدي، وبندقية الثائر في يدي، فلا تُسقطوا غصن الزيتون من يدي». الزيتونة شـجـرة مباركة زيتها يـضـيء ولــو لم تمسسه نار، نور على نور. رفع ياسر عرفات غصن الـــنـــور الــــهــــادي لــلــســام وهــــو يـــخـــوض مــعــركــة على جبهة عالمية الـتـأم فيها ممثلو الأمـــم؛ ردا على قـرار المنع الأميركي من دخوله إلى الولايات المتحدة. تلك الجملة البليغة، التي ملأتها حمولة إنسانية ناطقة للسلام، وإرادة صلبة للكفاح من أجل الحق والحرية حضرت فيها زيتونة النور الفلسطينية المقدسة. يـاسـر عـرفـات حمل على كـاهـل حياته الطويلة المناضلة رموز القيم الفلسطينية المُجسّدة لقضيته. مسدسه الذي لم يفارق حزامه، وكوفيته التي صارت لـوحـة إبـداعـيـة نـاطـقـة بـالـوجـود الفلسطيني أرضــا وشعبا ومعاناة. الزيتونة الفلسطينية سكنت ياسر عرفات وسكنها، حباتها تهب زيـت الحياة، أصلها ثابت في الأرض، وأغصانها تهب النور. في موسم جـــنـــي ثـــمـــرهـــا يــنــطــلــق مـــوســـم الاحـــتـــفـــال الــجــمــاعــي ويتحلّق الكبار والصغار حولها. تلك هي فلسطين التي حملها عرفات وشاركها مــــــع بــــنــــي وطـــــنـــــه فــــــي رحـــــلـــــة كـــــفـــــاح طــــــويــــــل. جــنــح الفلسطينيون إلى أمل السلام، وكانت أوسلو محطة أولى في منعطف حاد. بدأت معركة أخرى. جـــرت 1993 ســبــتــمــبــر (أيـــــلـــــول) ســـنـــة 13 فــــي فـــي الــبــيــت الأبـــيـــض مـــراســـم تــوقــيــع اتـــفـــاق أوســلــو لــلــســام، بـــن يـــاســـر عـــرفـــات وإســـحـــق رابـــــن رئـيـس وزراء إســـرائـــيـــل. أثـــنـــاء تـرتـيـب إجــــــراءات الاحـتـفـال أراد عـرفـات أن يحمل معه مسدسه الرفيق العزيز. لــكــن ذلــــك رُفــــض بـــشـــدة، اقـــتـــرح أن يـحـمـلـه مـــن دون رصـــــاص، لـكـنَّــه رُفــــض أيـــضـــا. قــبِــل عـــرفـــات وصـافـح رابين وبيريز من دون أن يكون معه رفيقه المسدس. غـاب السلاح وبقيت الكوفية، ولاح غصن الزيتون. فـي الخضم الطويل العنيف الــذي عاشته القضية، قُتل إسحق رابــن، العسكري السياسي الـذي شارك في المعارك الإسرائيلية ضد العرب والفلسطينيين. سقطت بقتله ورقات من غصن زيتون ياسر عرفات الـسـويـسـري الأمـــمـــي. بقيت الـكـوفـيـة شهيق وزفـيـر وطــــن فــــوق رأســــــه، والـــزيـــتـــونـــة تــكــويــن مـــتـــجـــذّر في الأرض، تهدي للناس زيت الحياة. تـــولـــى بـنـيـامـن نــتــنــيــاهــو، رئــاســة 1996 ســنــة مجلس الـــوزراء الإسرائيلي، ومعه فريق يعيش في غابة مـن الـوهـم المـــدرع. حواسهم مجنزرة وعقولهم حقول متفجرات. عيونهم لا ترى أرض فلسطين، ولا تسمع آذانهم صرخات شعبها. في غزة الإبادة للبشر والـــدمـــار لـلـحـجـر، والــضــفــة الـغـربـيـة تُــقـضـم أرضـهـا بسياسة قفزة الضفدعة. استيطان الأرض واقتلاع زيتونها. ســقــط غــصــن الـــزيـــتـــون يــابــســا ودُفــــــن مـــع قـبـور الآلاف من الضحايا. كـل زيتونة اقتلعتها آلـة الموت تناجي حزينة رمزها الذي رحل قبلها قتيلاً، وتقول لم تعد لنا أغصان نرفعها للسلام، أو حبات سوداء مـن زيتوننا نطعم بها بـطـون حياتنا. أخـــذوا منك بندقيتك ثم حياتك، وها هي أغصاننا تتكدَّس يابسة في قبور جماعية على امتداد مساحة الضفة الغربية. تهمس زيتونة أخرى، كوفيتنا خريطة مزرعة، بقعها السوداء أنفاس في كيان أرضنا، ونحن أرتال الحياة ترتوي من النور المقدس، والكوفية باقية؛ فهي رئة النفس المقدس، فهي الغصن الأسطوري الذي لا يمر، وهم العابرون في كلام عابر. ذلك هو غصن محمود درويش الذي لا يذبل. زيتونة فلسطينية تناجي ياسر عرفات انـعـقـدت خـلـوة بني يــاس فـي دورتــهــا السادسة عــشــرة خـــال الأســـبـــوع الــثــانــي مـــن ديـسـمـبـر (كــانــون الأول)، برعاية وزارة الخارجية الإماراتية، وفي مكان قصي وجميل في قلب الصحراء. ضم الجمع عددا من أهـل الممارسة وذوي الخبرة دوليا وعربياً، وكما في كـل دورة، لـم تكن الخلوة منتدى إعلاميا ولا منصة خطابية، بـل مساحة مغلقة لـلـحـوار الـصـريـح. تقوم الخلوة على قـاعـدة واضـحـة هـي عـدم نقل الآراء على ألـسـنـة المـتـحـدثـن أو ذكـــر أسـمـائـهـم، وعـــدم اسـتـخـدام المـــنـــبـــر لمـــخـــاطـــبـــة الــــــــرأي الـــــعـــــام. الــــهــــدف أن يــتــحــدث المـــشـــاركـــون بـعـضـهـم إلـــى بــعــض، وأن تُـــطـــرح الأفــكــار بـوضـوح وتـجـرد، بعيدا عـن الحسابات الإعـامـيـة أو الشعبوية. مـا يــرد فـي هــذا المـقـال هـو انـطـبـاع الـكـاتـب، ففي كثير من الأحيان يفسر المستمع الأفكار عبر «فلتره» المـعـرفـي، وخـبـرتـه الـسـابـقـة، ولـيـس بــالــضــرورة بدقة كاملة. ومع ذلـك، فإن فكرة اللقاء وطريقته العقلانية المتميزة، جعلتا الحوار مثمراً، حتى مع تباين وجهات النظر. تـــنـــاولـــت الـــخـــلـــوة هـــــذا الــــعــــام مــــحــــاور رئـيـسـيـة تعكس حجم الاضـطـراب في الإقليم وتشابك أزماته. مـــن بـيـنـهـا: الأهــــــداف الإقـلـيـمـيـة فـــي عـــالـــم مـضـطـرب، ومـسـتـقـبـل إيـــــران ودورهــــــا فـــي المــنــطــقــة، واحــتــمــالات المصالحة فـي الــســودان، ثـم سـوريـا والتحديات التي أمـامـهـا، ودور الــولايــات المتحدة فـي الـشـرق الأوســط. كما نوقش مستقبل حـركـات الإســـام السياسي أمـام فقر ذخيرتها التحريضية، والقضية الفلسطينية في سياقها الإقليمي والدولي، وصـولا إلى نظرة شاملة لــلــشــرق الأوســـــط بـــأبـــعـــاده الـسـيـاسـيـة والاقــتــصــاديــة والأمـــنـــيـــة. لـــم يــكــن مــتــوقــعــا، ولا مــطــلــوبــا، أن يتفق الجميع. فالاختلاف كان جزءا من ثراء النقاش. المنطقة تتحرك بسرعة الضوء، كما عبر أحدهم. فالاقتصاد يتغير، والتكنولوجيا تتقدم بوتيرة غير مسبوقة. المجتمعات تتحول إلـى طموحات جديدة، وكـــــان واضـــحـــا أن هــــذه المـــلـــفـــات لــيــســت ســهــلــة، ومــن الصعب التكهن بنتيجة تفاعلاتها. برز في النقاش أن القضية الفلسطينية ما زالت تمثل قاعدة انطلاق لكثير من أزمات المنطقة. ليس فقط مـن زاويـــة أخلاقية أو تاريخية، بـل لأنها استُخدمت مرارا كأداة تعبئة، ومدخلا لتدخلات إقليمية ودولية، وغطاء لتمرير أجـنـدات مختلفة، استمرار غياب حل عــادل يغذي التطرف، ويمنح القوى المتشددة، سواء في إسرائيل أو في الإقليم، ذريعة للاستمرار. تـوقـف الــحــوار عـنـد مشهد إقليمي تشتعل فيه الــحــرائــق مـــن أكــثــر مـــن اتـــجـــاه: الــــســــودان، الــصــومــال، إثــيــوبــيــا، فـلـسـطـن، لــبــنــان، ســـوريـــا، الــيــمــن، إيـــــران. والسؤال المركزي كان: كيف يمكن إطفاء هذه الحرائق، أو على الأقل احتواؤها، في زمن تقل فيه الموارد، وترفد الآيديولوجيا المتوحشة جموع الجهل، فيستفيد من الــصــراع أكـثـر الــتــيــارات تـطـرفـا، بينما يـدفـع المـواطـن العادي الثمن الأفدح. أحــد المـحـاور اللافتة كــان التحول الديموغرافي في الشرق الأوسط، يتجه نحو ستمائة مليون نسمة . هــــذا الــحــجــم الــســكــانــي لا يمكن 2050 بــحــلــول عــــام التعامل معه بسياسات فردية أو حلول قطرية ضيقة. التجربة الأوروبـيـة، رغـم اختلاف السياق، أظهرت أن الــتــكــامــل الاقـــتـــصـــادي كــــان شــرطــا أســاســيــا لتحسين نوعية الحياة للجميع. الآيديولوجيا لا تحل مشكلات الـكـهـربـاء، ولا تـوفـر وظـائـف، ولا تبني أنظمة صحة وتـعـلـيـم فــعــال، مــا يفعل ذلـــك هــو التفكير الـعـقـانـي، والتخطيط الطويل المدى، والتعاون الإقليمي. من هنا، عاد النقاش إلى نوعية القيادة، الفارق الحقيقي تصنعه القيادة القادرة على النظر أبعد من اللحظة الراهنة، والاهتمام بالقضايا الكبرى، القيادة الــتــي تـــــوازن بـــن الـــواقـــع والـــطـــمـــوح، وتـــقـــدم مصلحة المجتمع على الشعارات. التجارب الثورية في المنطقة أظهرت أننا خسرنا في كثير من الأحيان التناغم مع العالم، بسبب فقدنا للقيادة الـرشـيـدة، وفضلت (الأنــــا) على (الـنـحـن)، ما يجعل الـتـعـاون الإقليمي يضمر، والـتـعـاون ضــرورة لا خيار، وهو الذي يحمي المنطقة من تكرار الأزمات. فــــي المــــلــــف الإيــــــرانــــــي، طُــــرحــــت صـــــــورة مـــعـــقـــدة. هناك صــراع داخلي في القمة، وتـراجـع استراتيجي، . إيــران 2023 ) مقارنة بما قبل أكتوبر (تشرين الأول اليوم تعاني عزلة سياسية، وخسرت بعض أذرعها الإقليمية، وتواجه أزمة اقتصادية خانقة. تحتاج إلى مليارات لإصــاح الكهرباء والمـيـاه والبنية التحتية، وهــذه المـــوارد غير متوفرة. كما أن المـرونـة السياسية ما زالت محدودة، مع استمرار قراءة بعض الإخفاقات بوصفها انتصارات. التغيير المحتمل في إيران يرتبط بتطورات داخلية عميقة، وسيناريوهات التغيير كلها غير مشجعة. أمـــــا ســـــوريـــــا، فـــهـــي تـــعـــيـــش عــــامــــا دون الـــنـــظـــام الـسـابـق، هناك نجاحات أولـيـة، خاصة فـي العلاقات مــع الـــجـــوار، لـكـن الـتـحـديـات لا تـــزال تحمل مـفـاجـآت. ملف الأقليات، شكل الدولة القادمة، ضعف المؤسسات التشريعية، تـأخـر صـيـاغـة دســتــور، كلها عــوامــل قد تؤخر الاستقرار. ولا بد من اللاطائفية فتعود الأزمة بصيغة مختلفة، الـفـارق أن التغيير فـي سـوريـا كان داخلياً، بخلاف الـعـراق، مـا يمنح فرصة حقيقية إذا أحسن استثمارها. فـيـمـا يــخــص الـــولايـــات المــتــحــدة، تــعــددت الآراء. من يرى أنها لا تزال ضرورية للإقليم، ومن يرى أنها غـيـر قــــادرة عـلـى إحــــداث تغيير جــــذري، ومـــن يـــرى أن سياساتها متقلبة تبعا للظروف. العلاقة الأميركية مــع إســرائــيــل تبقى الـعـقـبـة الأبـــــرز، رغـــم أن شخصية الرئيس الأميركي الحالي قد تفتح نافذة ضغط نادرة. أمــا الخليج، فما زال بحاجة إلــى جهد منظم لإقناع واشنطن بالتعامل معه بمنطق أمني مؤسسي طويل الأمد. خلوة بني ياس ليست مكانا لإصـدار بيانات أو تبني مـواقـف نهائية. هـي مساحة للتفكير الـهـادئ، ولـاسـتـمـاع، ولمــراجــعــة الأفـــكـــار فــي زمـــن الاضـــطـــراب. وربَّــــمــــا فـــي عـــالـــم يــــــزداد ضــجــيــجــا، تـــكـــون مــثــل هــذه المساحات النادرة أكثر ما نحتاج إليه. آخــــر الــــكــــام: الــــــدول الـــرشـــيـــدة تــفــكــر بــعــيــدا عن الكاميرات، وقريبا من الغد. خلوة صير بني ياس... التفكير الهادئ في زمن الاضطراب OPINION الرأي 15 Issue 17189 - العدد Saturday - 2025/12/20 السبت عبد الرحمن شلقم محمد الرميحي

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky