OPINION الرأي 14 Issue 17189 - العدد Saturday - 2025/12/20 السبت وكيل التوزيع وكيل الاشتراكات الوكيل الإعلاني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] المركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 المركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى الإمارات: شركة الامارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 المدينة المنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب الأولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية الموجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها المسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة لمحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي بالمعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com نظرية ماكس فيبر... وأسباب تفوّق الملَكية «موجز القوة» ومستقبل العسكرية الأميركية بغداد ــ أربيل... أزمة إدارة وإرادة يسود الحديث الآن عن سبب تماسك الـدول الملَكيّة مقارنة بسواها من الدول التي تنامَى خطابُها منذ قرن ضمن لغة الانتخابات والبرلمانات وتقديس الديمقراطية. والـــواقـــع أنَّــنــا لــو عـدنـا لنظرية الفيلسوف ماكس فيبر لعثرنا على نظرية متماسكة وقويّة أساسها تمييز التجربة الغربية عـن أي نمط ديمقراطي آخــر؛ إن فيبر وبحكمة وعقلانية يـرى أن تجربة الـــدول الأوروبــيــة من الصعب تكرارها في مناطق أخرى. لقد خصّص مساحة مــن كـتـابـاتـه ومــحــاضــراتــه لتقييم نــمــوذج «الـــصـــن» إذ قـدّر استحالة نجاح الصين في احتذاء وتقليد التجربة الأوروبية. مـاكـس فيبر فــي كـتـابـه «مــقــالات فـي عـلـم الاجـتـمـاع السياسي» الـــذي حـــرَّره ريـتـشـارد سـويـدبـرغ، وترجمتْه ابــتــســام خـــضـــرا، كــتــب مـجـمـوعـة مـــن الــنــقــاط حــــول هــذا الموضع يمكن اختصارها في الآتي: أولاً- «أن الـــدولـــة، مــن حـيـث كـونـهـا دولـــة عقلانية، لم توجد إلا في العالم الغربي. ففي نظام الحكم القديم في الصين كانت هناك شريحة صغيرة تسمى الماندرين (كــــبــــار المــــوظــــفــــن)، وكــــانــــت تـــتـــربـــع فـــــوق ســلــطــة كـامـلـة للعشائر والطوائف الحرفية التجارية والصناعية. وكان المـانـدريـن أسـاسـا مثقفين بالعلوم الإنسانية وأصحاب إقطاعات حكومية، لكنَّهم لم يكونوا مدربين على الإدارة ولو بدرجة قليلة؛ لم يكن للواحد منهم معرفة جيدة بعلم القانون، لكنَّه كاتب جيد، ويمكنه قرض الشعر، ويعرف الآداب الصينية القديمة ويمكنه شرحها». ثانياً- «أن المـوظـف وفــي السلك السياسي لا أهمية له. ولا يباشر هذا الموظف أي عمل إداري بنفسه؛ فالإدارة تقع بـالأحـرى على عاتق موظفي المجلس. وكـان الواحد مـن المـانـدريـن يُنقل بشكل دائـــم مـن مـكـان إلــى آخــر لمنعه من الاحتفاظ بموطئ قـدم في ولايته الإداريـــة، ولا يمكن أبدا تعيينه في الولاية التي يتحدَّر منها، إذ لأنه لا يفهم لهجة الولاية، فليس بإمكانه التواصل مع العامة». ثالثاً- «أن الـدولـة التي فيها أمـثـال أولـئـك الموظفين دولــة تختلف عـن الـدولـة الغربية. الحقيقة أن كـل شيء يعتمد على النظرية السحرية بأن استقامة الإمبراطور وشـمـائـل المـوظـفـن، أي كمالهم فـي الثقافة الأدبــيــة، من شأنها أن تُبقي الأمـــور منظمة فـي الأيـــام الـعـاديـة. فـإذا حدث قحط أو أي حدث سيئ، يصدُر مرسوم يشدد على تكثيف اخـتـبـارات قــرض الـشـعـر، أو تسريع المحاكمات القانونية لتهدئة الأرواح. ولأن الإمبراطورية الصينية دولـة زراعية فقد استمرت سلطة عشائر الفلاحين فيها مـــن دون انـــقـــطـــاع، وهــــم يـمـثـلـون تـسـعـة أعـــشـــار الـحـيـاة الاقتصادية؛ أما العُشر الأخير فيخص منظمات الطوائف الحرفية التجارية. وكانت الأمور بصورة أساسية تُترك لتهتم بنفسها؛ فالموظفون لا يحكمون، لكنهم يتدخلون فقط عند حصول القلاقل أو الحوادث المشؤومة». رابــــعــــا- يــــرى فـيـبـر أن «الــــدولــــة الــعــقــانــيــة تختلف اختلافا كبيراً، ففيها وحدها يمكن أن تزدهر الرأسمالية الــحــديــثــة، حــيــث يـتـمـثـل قـــوامـــهـــا فـــي طـبـقـة خــبــيــرة من المـــوظـــفـــن والـــقـــوانـــن الــعــقــانــيــة. وقــــد تــحــولــت الـــدولـــة الصينية إلى أسلوب الإدارة بالموظفين المدرَّبين، بدلا من المثقفين بالعلوم الإنسانية، في القرنين السابع والحادي عــشــر المـــيـــاديـــن، لــكــن هــــذا الــتــحــول لـــم يــــدم طـــويـــاً؛ إذ وقــع خـسـوف القمر المـعـتـاد، واتـخـذت التغيرات اتجاها معاكسا ً». خامساً- يقول فيبر، وأختصر فكرته هنا: «إنه ليس بوسعنا أن نؤكد بصورة جازمة أن روح الشعب الصيني لــم تستطع احـتـمـال إدارة الاخـتـصـاصـيـن. مــع ذلــــك، لا يمكن الجزم بجدية أن روح الشعب الصيني لم تتمكن من تحمُّل إدارة من المتخصصين. فتطورها، وتطور الدولة العقلانية، كان مُلْجَما بدوام الاعتماد على السحر». الـخـاصـة أن هـــذه الـنـظـريّــة تــؤكّــد مـعـنـى مـهـمـا؛ أن النموذج الغربي في الحكم لا يمكن تعميمه بالقوّة. إن الحالة الأوروبية لها تاريخها الخاص، كما أن للنموذج الصيني تاريخه ومعاناته المعروفة، وعليه فإن تقديس الديمقراطية الذي ساد في الإقليم وفي العالم الإسلامي عبر التثوير والخطابة والشعارات، آل بمجتمعات تلك الــــدول إلـــى مــا نــــراه مــن مــــآس وكــــــوارث. الأســــاس بـرأيـي أن المـــلَـــكـــيّـــات هـــي نـــتـــاج طـبـيـعـي لــلــتــجــربــة الــتــاريــخــيــة والمجتمعيّة وتثبيت للأصل السياسي. لقد أثبتت الملكيات نجاحها وثباتها. مر زمن طويل من الاستهتار بهذا المفهوم للحكم عبر خطب الانقلابيين والأصوليين، ولكن التاريخ لا يرحم. كان هيغل يؤكد أثر حركة التاريخ في تشكيل الواقع، ولكن في الوقت نفسه يحذّر من «مكر التاريخ». إن الدول التي قدّست الديمقراطية لم تستطع بناء دولـة تنموية حيوية متماسكة، وهـذا هو الـذي تعبنا ونحن نشرحه لبعض المثقفين العرب الغارقين في الشعارات والأوهام، وهذا هو ما لم يفهمه مقدّسو الديمقراطية الشعبويون. هل يمكن أن يتعرض الجيش الأميركي لهزيمة عسكرية على يد الصين؟ قـبـل أيــــام أمــاطــت صحيفة «نــيــويــورك تـايـمـز» الـلـثـام عن تـقـريـر حـمـل عــنــوان «مــوجــز الـــقـــوة»، صـــادر عــن مـركـز الأبـحـاث الداخلي التابع لـوزارة الدفاع الأميركية، الذي يطلق عليه اسم مكتب التقييم الشبكي. الـوثـيـقـة مـثـيـرة وخـطـيـرة، ذلـــك أنـهـا تقلب مــوازيــن الـقـوة المـتـعـارف عليها، وتخلص إلــى أن محاولة واشنطن التصدي للقوات الصينية التي تخطط لإعادة تايوان للحاضنة الصينية الأم، على حد وصـف الزعيم الصيني شي جينبينغ، لن تكون في صالح أميركا بالمرة، وحتى لو قُدِّر لواشنطن تحقيق نصر مؤقت، فإن أكلافه ستكون عالية وغالية. محتوى الوثيقة يقطع بأن الفكر الصيني العسكري لا يزال يمضي فـي سياقات إرث الخبير العسكري وفيلسوف الحرب الصيني الأشهر «صن تزو»... ما معنى ذلك؟ يقول راوي الوثيقة إن الصين في العقد الأخير قد طورت قدراتها العسكرية، بما يسمح لها بتحييد الأصـول الأميركية الحيوية عند اشتعال أي شرارة صدام عسكري، وبما يجعل من القوة التقليدية الأميركية مثار ربما للسخرية. تــبــدو الــصــن ذات دلالــــة عـلـى الـــتـــاريـــخ، عـلـى الـعـكـس من الـولايـات المتحدة، التي وصفها وزيـر خارجية ألمانيا، يوشكا فيشر، ذات مرة بأنها تعيد أخطاء الماضي بشكل مأساوي. مــن دروس الــتــاريــخ تـعـلّــمـت الــصــن مــا جـــرى فــي سباق التسلح بين السوفيات والأميركيين خلال عقود الحرب الباردة، حـن نجحت واشنطن فـي استنزاف مـــوارد موسكو فـي سباق تسلح، قاد في نهاية الأمـر لتفكيك أوصـال كيان استمر سبعة عقود. بــكــن الـــيـــوم تـتـجـلـى عـسـكـريـا عــبــر الــكــيــف ولــيــس الــكــم، والدليل على ذلك، القليل الذي ظهر من أسلحة حديثة ومتقدمة في العرض العسكري الصيني نهار الثالث من سبتمبر (أيلول) المــاضــي، بمناسبة الــذكــرى الـثـمـانـن لانـتـهـاء الــحــرب العالمية الـثـانـيـة، لا سيما أسـلـحـة الـلـيـزر المـتـقـدمـة لـلـغـايـة، والمصممة خصيصا لإسقاط الأقمار الاصطناعية، ناهيك من الكثير الذي يسمع عنه سماع الأذن ولم تره الأعين. تـقـريـر «مـــوجـــز الـــقـــوة» يــؤكــد أن الــصــن تـسـتـبـق الخطط العسكرية الأميركية، وتتخذ تدابير مضادة لكل ابتكار أميركي. خــذ إلـيـك عـلـى سبيل المــثــال لا الـحـصـر، حـامـلـة الـطـائـرات الأمـــيـــركـــيـــة الأحــــــدث «هـــنـــري فـــــــورد»، الــكــائــنــة الـــيـــوم فـــي مـيـاه «الكاريبي» منتظرة التدخل في فنزويلا. مليار 13 «هنري فورد» التي كلفت الخزانة الأميركية قرابة دولار، يمكن للصينيين إغــراقــهــا بـسـهـولـة عـبـر صــــاروخ فـرط ألف دولار. 99 ألف يوان أي نحو 700 صوتي لا يتجاوز ثمنه ســـــاح فـــــرط صـــوتـــي، 600 تــمــتــلــك الـــصـــن الــــيــــوم قــــرابــــة كفيلة بـإحـداث خسائر فـادحـة فـي الـقـوات الأميركية، مـا يضع «البنتاغون» أمــام خـيـار «ديـفـكـون»، أي الاسـتـعـداد لاستخدام الأســلــحــة الـــنـــوويـــة، وهـــو مـــا لا يـمـكـن أن تــقــدم عـلـيـه أي إدارة أميركية حالية أو مستقبلية، لإدراكها أن الرد الصيني سيكون بالمثل. نجحت الـصـن فــي الـبـحـر مــن خـــال أسـطـولـهـا المتنامي، وسفنها السطحية، وفـــي الـفـضـاء الـخـارجـي مــن خـــال بـرامـج باتت تسابق ما تبتكره وكالة «داربـا» الأميركية، ضمن صراع القرون المقبلة بعد أن امتلأت الكرة الأرضية بالأضداد. تـقـودنـا وثيقة «مـوجـز الــقــوة» للتساؤل عـن الابـتـكـار في صفوف الجيش الأميركي، وهل استُهلك وقتا طويلا في معارك عـــدة عـلـى جـبـهـات شـتـى، مــا أضـعـف مــن حــضــوره، عطفا على الصراعات الآيديولوجية، بين جماعة ترمب وجـنـرالات الأربـع نجوم، وأركان المجمع الصناعي العسكري الضاربة جذوره في الحياة السياسية. غالب الظن هناك أخطاء عديدة ارتكبت من قِبَل الجانب الأمـيـركـي، منها، على سبيل المـثـال، أنها استخدمت فـي حرب الاثــــنــــي عـــشـــر يـــومـــا بــــن إســـرائـــيـــل وإيــــــــران ربـــــع صــواريــخــهــا الاعتراضية عالية الارتفاع. أكـثـر مـن ذلـــك، لـم تعد واشنطن تمتلك الـقـدرة الصناعية عـلـى إنــتــاج الأسـلـحـة والــذخــائــر بـالـسـرعـة والـنـطـاق المطلوبين لخوض صراع طويل الأمد مع قوة عظمى. ومن جهة ثانية، تبدو واشنطن متخلفة عن ركب تطوير الأسلحة المتقدمة بسرعة، مقارنة ببكين وموسكو، انطلاقا من اعتمادها بشكل مفرط على أسلحة باهظة الثمن، ثقيلة الحركة، تـتـجـاوزهـا أزمــنــة حـــروب الــذكــاء الاصـطـنـاعـي، وثــــورة أسلحة النانو تكنولوجي. والشاهد أنه قبل أن تظهر وثيقة «موجز القوة» على سطح الأحداث، كانت هناك معضلة تاريخية تبدو حاضرة أمام قادة الأفـــرع العسكرية الأمـيـركـيـة، معضلة الـقـوة الاستاتيكية غير الديناميكية. كان تمترس فرنسا وراء خط ماجينو العسكري التقليدي كـــارثـــة انــتــهــت بــســقــوط مــــدو أمــــام جــحــافــل الــنــازيــة 1940 عــــام وأسلحتهم المتطورة، والأمر نفسه جرت به المقادير حين دمرت طـائـرات مسيّرة أوكرانية قـاذفـات روسيا الثقيلة في مطارتها على الأرض. العسكرية المتفوقة هي العمود الفقري للازدهار والهيمنة الأميركيتين. أهــو مـوعـد الأفـــول الإمـبـراطـوري أم زمــن الابتكار والتجديد؟ لـم يعد ازدهـــار إقليم كردستان يُقرأ بوصفه «استثناءً» داخل العراق، بقدر ما يُــقـرأ بوصفه اخـتـبـارا لمعنى الإدارة حين تتحول من خطاب إلى أثر يومي ملموس، لـذلـك تـبـدو مقولة - إن أغلبية العراقيين مــع ازدهـــــار الإقـلـيـم - تـوصـيـفـا سـيـاسـيّــااجتماعيّاً؛ فالعراقي الــذي أنهكته أزمـات الــخــدمــات والـبـطـالـة والــفــســاد لا يـــرى في تـجـربـة كــردســتــان خـصـمـا، بــل يـــرى فيها جـــزءا حـيّــا مـن حـلـم مـؤجـل بـوطـن محترم تُـــقـــاس فـيـه هـيـبـة الـــدولـــة بـمـا تـقـدمـه إلـى الناس، لا بما ترفعه من شعارات. 2003 دخــــل الإقــلــيــم مــرحــلــة مـــا بــعــد وهو يحمل إرثا ثقيلا من سنوات الحصار وضعف البنى التحتية، غير أن العقدَين الماضيَين أفـرزا، بدرجات متفاوتة، مسارا إداريا يقوم على الاستثمار في الاستقرار والـــخـــدمـــة، وتـــوســـيـــع الــتــعــلــيــم والــصــحــة والإســـكـــان والـــطـــرق، وربـــط الأمـــن بمنطق المــــؤســــســــة، وتـــظـــهـــر الـــــفـــــوارق حــــن تُـــقـــرأ بـــــالأرقـــــام لا بـــالانـــطـــبـــاعـــات، فـــفـــي نـتـائـج ) تَبي 2024-2023( المسح الأســري الأخير فـــي المــائــة، 8.6 أن الـفـقـر فـــي الإقــلــيــم عـنـد في 21.5 فـي المـائـة بـبـغـداد، و 13.5 مقابل المــائــة ببقية المـحـافـظـات الاتــحــاديــة، هـذه المـــقـــارنـــة لا تــلــغــي الاخـــتـــافـــات داخـــــل كل منطقة، لكنها تُظهر اتجاها عاماً: الإدارة تصنع فــارقــا حــن تُــــدار المــــوارد بوصفها خدمة لا غنيمة. وفــي المـقـابـل، تبدو أزمـة محافظات خارج الإقليم أزمة إدارة قبل أن تكون أزمة موارد، فعلى الرغم من الإنفاق الـــعـــام الـكـبـيـر، تـعـانـي أجـــــزاء واســـعـــة من الـــبـــاد تــراجــعــا فـــي الـــخـــدمـــات الأســاســيــة وتــــدهــــورا فـــي الــصــحــة والـتـعـلـيـم وتـــآكـــا في الأمن الاجتماعي، وفي بيئة مثل هذه يتصدر الفساد المشهد بوصفه «اقتصادا مـوازيـا» يلتهم فـرص الـدولـة، وفـي مؤشر 26 ، جاءت نتيجة العراق 2024 دولي لعام ، وفي مرتبة متأخرة عالمياً، وهو 100 من ما يفسّر كيف تتحول المـوازنـات في كثير من الأحيان إلى شبكات مصالح أكثر من كونها برامج لخدمة المواطن. ويتجلَّى الاختلال في الأمن المجتمعي أعلنت الجهات المعنية 2024 أيـضـا، ففي مــتــهــمــا بــجــرائـــم 438 ألــــفــــا و 14 اعـــتـــقـــال أطنان 6 مــخــدرات، مـع مــصــادرة أكـثـر مـن من المواد المخدرة، وتضخم هذه الأرقام لا يعكس أزمـة جنائية فحسب، بل هشاشة رقابية وحـدوديـة فـي بيئات تتعدد فيها مـراكــز الـقـوة وتـضـعـف فيها قـــدرة الـدولـة على الوقاية والمعالجة، فيصبح المواطن بين اقتصاد رسمي عاجز واقتصاد مواز يتغذّى من الفوضى. غـــــيـــــر أن الـــــــــفـــــــــارق بـــــــن «الــــــبــــــنــــــاء» و«الـــــتَّـــــخـــــريـــــب» لا يـــظـــهـــر فـــــي المـــــؤشـــــرات الاجتماعية وحدها، بل في طبيعة الصّراع السياسي على نموذج الدولة، فكلما تقدّم الإقليم في مشروعات الطاقة والخدمات، تعرّضت منشآت النفط والغاز لاعتداءات بـــالـــطـــائـــرات المـــســـيّـــرة والــــصــــواريــــخ، وقــد تـــكـــررت الــهــجــمــات عــلــى مـــواقـــع حــيــويــة، بينها حقل «خـــور مـــور» لـلـغـاز، مما أدى فـــي بــعــض المــــــرات إلــــى إيـــقـــاف الإمـــــــدادات وحـــــــدوث انـــقـــطـــاعـــات واســــعــــة لــلــكــهــربــاء وسقوط ضحايا، وفي تقديرات متداولة، تجاوز عدد الاعتداءات على الموقع وحده . ومهما تكن هوية 2022 هجمات منذ 10 المــنــفــذيــن، فــــإن الـــرســـالـــة واحــــــدة: تعطيل الطاقة سلاح سياسي يضرب حياة الناس قبل أن يضغط على الخصوم. ولا تـقـف أدوات الـضـغـط عـنـد حـدود الـــــســـــاح، فـــمـــنـــذ ســــنــــوات تـــتـــكـــرر أزمــــــات الـــرواتـــب والــتــحــويــات المـالـيـة بــن بـغـداد وأربــــيــــل، عــبــر قـــــــرارات تـعـلـيـق أو تـأخـيـر الـــتـــمـــويـــل الاتــــــحــــــادي، ومـــــا يـــرافـــقـــهـــا مـن ســجــال حـــول الـحـصـص والاسـتـحـقـاقـات، وفــي قلب هــذا السجال يبرز الـجـدل حول في المائة) 12.67( حصة الإقليم في الموازنة وآلـــيـــات تـسـويـة مـلـف الـنـفـط والإيــــــرادات، وحــن تتحول الــرواتــب إلــى ورقـــة ضغط، فــــــإن المــــتــــضــــرر الأول هـــــو المــــــواطــــــن، لأن الـسـيـاسـة تُــحـمِّــل الــنــاس تكلفة نزاعاتها بــــدل أن تــحــلّــهــا داخـــــل المـــؤســـســـات، وفــي موازاة ذلك، تُثار إشكاليات تتعلّق بتقييد حركة بعض منتجات الإقليم نحو أسواق وسـط الـعـراق وجنوبه عبر نقاط تفتيش وإجــــــراءات تنظيمية، بـمـا يــربــك سلاسل الـتـوريـد ويــؤثــر عـلـى المـــزارعـــن والـتـجـار، فعندما تصبح التجارة الداخلية رهينة «نقاط القوة» بدل أن تكون جزءا من سوق وطــنــيــة واحــــــدة، فـــهـــذا يـعـنـي أن الـــصـــراع لـم يعد على النفط فـقـط، بـل على شـروط الـــحـــيـــاة الــيــومــيــة نــفــســهــا، وهـــنـــا تكتمل الــــصــــورة حـــن يُــســتــدعــى الـــســـاح خـــارج الـدولـة إلـى مشهد السياسة، عبر تكثيف حــــضــــور فـــصـــائـــل مــســلــحــة قـــــرب خــطــوط تماس حساسة أو على تخوم الإقليم، بما يعمّق شـعـورا عاما بــأن الأمــن قـد يتحول إلـــــى أداة ضـــغـــط بـــــدل أن يـــكـــون ضـمـانـة للمواطنة، هنا تصبح المـقـارنـة سياسية بـامـتـيـاز: نــمــوذج يــحــاول تنظيم العلاقة بين الأمن والخدمة والاستثمار، ونموذج آخر تُثقله ازدواجية السلطة فينعكس ذلك على حياة الناس ومعايير معيشتهم. لا يدّعي هذا الطرح أن تجربة الإقليم مثالية أو بلا أخطاء، لكنه يؤكد أن معيار الحكم لا ينبغي أن يبقى ساحة مزايدات، حــــن تُـــقـــصـــف مـــنـــشـــآت الـــطـــاقـــة وتُـــعـــطّـــل الرواتب وتُقيَّد التجارة ويُلوَّح بالسلاح، فإن الصراع لا يكون على خلاف سياسي عـــابـــر، بـــل عـلـى اتـــجـــاه الـــدولـــة: هـــل تُبنى بــالإنــجــاز والمــؤســســة والـــقـــانـــون، أم تُـــدار بمنطق التعطيل والابتزاز؟ والــــســــؤال الـــــذي يـــفـــرض نــفــســه على بـــغـــداد ومـــحـــافـــظـــات الــــعــــراق لـــيـــس: كيف نضعف نموذجا ناجحا نسبياً؟ بل: كيف نعيد تعريف الحكم بحيث يصبح النجاح قاعدة لا استثناء؟ كفاح محمود فهد سليمان الشقيران إميل أمين
RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky