13 حــصــاد الأســبـوع ANALYSIS Issue 17189 - العدد Saturday - 2025/12/20 السبت واشنطن تُخاطر بالتحوّل من حليف للاتحاد الأوروبي إلى خصم لـــــم يـــقـــتـــصـــر الــــتــــحــــول فـــــي الــــعــــاقــــات الأمــــيــــركــــيــــة الأوروبـــــــيـــــــة عــــلــــى تــــعــــديــــل فــي الأولويات الاستراتيجية، بل امتد ليلامس جــوهــر الــعــاقــة، حـتـى أصـبـحـت المـجـمـوعـة الأوروبية تبدو وكأنها العدو الجديد الذي حّل محل العدو الروسي القديم. هذا ما يظهر مــن خـــال الـلـهـجـة الـعـدائـيـة الــجــديــدة التي تبنتها واشـنـطـن تـجـاه بـروكـسـل. الصدمة كانت شديدة حين صدر تقرير الأمن قومي ،2025 ) الأميركي في ديسمبر (كانون الأول وعُد الأكثر هجوما تجاه أوروبا منذ نهاية الـحـرب الـــبـــاردة. لـم تكتف الوثيقة بتقديم القارة العجوز على أنها فضاء هش يهدده «الانهيار الحضاري» بفعل أزمــات الهجرة وتآكل السيادة الوطنية، بل ذهبت إلى حد اتهام منظومة الاتحاد الأوروبــي بتقويض الــــدولــــة الــوطــنــيــة، والــتــضــيــيــق عــلــى حـريـة التعبير. وبهذا، انتقل الخلاف من مستوى الــســيــاســات إلــــى مــســتــوى تـــصـــوّر مختلف لـطـبـيـعـة الـــنـــظـــام الــســيــاســي والاجــتــمــاعــي المرغوب في الغرب. تجلى العداء أيضا في لغة غير مسبوقة استخدمها ترمب في المقابلات التلفزيونية والــصــحــافــيــة، ولا ســيــمــا فـــي مـقـابـلـتـه مع الموقع الأميركي «بوليتيكو» التي أُذيعت في ، إذ استخدم فيها 2025 الثامن من ديسمبر عــبــارات قـاسـيـة وغـيـر دبـلـومـاسـيـة لوصف الاتـــحـــاد الأوروبـــــــي والــــــدول الأعـــضـــاء فـيـه. وأضـاف أن أوروبـا تتجه في «اتجاه سيئ» وأن سياساتها الحالية في مجالات الهجرة والأمن تضعف القارة بدلا من تعزيزها. كــمــا اتـــهـــم الـــرئـــيـــس الأمـــيـــركـــي الـــقـــادة الأوروبـــــيـــــن بــأنــهــم «يــتــحــدثــون كــثــيــرا ولا يقدمون حلولا فعلية»، في إشــارة واضحة إلى ما يعدّه ضعفا في الاستجابة للأزمات الأمــنــيــة والاقـــتـــصـــاديـــة. هــــدد تـــرمـــب أيـضـا بـالانـسـحـاب مـن الـتـزامـات الـدعـم الأوروبـــي في حالات الطوارئ، مشيرا إلى أن بلاده لن تكون ملزمة بالوقوف إلى جانب أوروبا إذا واجهت تهديدا أمنياً، وهو تصريح وصفه الــكــثــيــرون بــأنــه تـصـعـيـد غــيــر مــســبــوق في تاريخ العلاقات عبر الأطلسي، خاصة بين حلفاء تاريخيين. لكنها ليست المـرة الأولى التي تهاجَم فيه المجموعة الأوروبـيـة بهذه الـــحـــدّة، فـقـد سـبـق أن تـبـنّــى نــائــب الـرئـيـس الأمــيــركــي، جـــي. دي. فــانــس، نـبـرة سـاخـرة وقــاســيــة تــجــاه الأوروبــــيــــن خـــال «مـؤتـمـر ،2025 ) ميونيخ للأمن» في فبراير (شـبـاط داعـيـا أوروبـــا إلــى تحمل المـزيـد مـن الأعـبـاء الـــعـــســـكـــريـــة فـــــي أوكـــــرانـــــيـــــا والــــتــــوقــــف عـن «العيش على نفقة» حلف «الناتو»، ومن ثم على نفقة الولايات المتحدة. ردود فعل رسمية غاضبة تـــــــصـــــــاعـــــــدت نــــــــبــــــــرة الــــــغــــــضــــــب عـــنـــد المــــــســــــؤولــــــن الأوروبــــــــــيــــــــــن، بــــعــــد مــــواقــــف الإدارة الأميركية الأخــيــرة، وقــد تجلّى هذا الرفض في مواقف رسمية وشعبية. حيث انــتــقــد أنــطــونــيــو كــوســتــا (رئـــيـــس المـجـلـس الأوروبـي) الاستراتيجية الأمنية الأميركية الــجــديــدة بشكل مـبـاشـر، مُـــنـــددا بـاتـهـامـات «آيـــديـــولـــوجـــيـــة» حــــول الـــرقـــابـــة و«الامّــــحــــاء الحضاري» لأوروبــا. وحـذّر من أي محاولة لـ«واشنطن للتدخل فـي الحياة السياسية الأوروبـــــــــيـــــــــة» أو الــــتــــأثــــيــــر عــــلــــى اخـــتـــيـــار الـحـكـومـات، مــشــددا عـلـى أن الـعـاقـات عبر الأطلسي قد «تـغـيّــرت». أمـا جوزيب بوريل (المــمــثــل الأعـــلـــى لــلــشــؤون الـــخـــارجـــيـــة) فقد وصــف كــام تـرمـب عـن أوروبــــا «الضعيفة» و«المـــنـــحـــلـــة» بـــأنـــه قـــريـــب مـــن «إعــــــان حــرب سياسية». كما أدان بيدرو سانشيز، رئيس الــوزراء الإسباني، تصريحات ترمب، قائلا إن صـــعـــود «الـــتـــرمـــبـــيـــة» فـــي جــمــيــع أنــحــاء الـــعـــالـــم يــمــثــل تـــهـــديـــدا لــلــديــمــقــراطــيــة، وإن أوروبــــا يجب أن تظل مـوحـدة فـي مواجهة هذه الهجمات. كما رفض المستشار الألماني فــريــدريــش مـيـرتـس الانـــتـــقـــادات الأمـيـركـيـة لضعف القادة الأوروبيين، مؤكدا أن ألمانيا لا تزال ملتزمة بحرية التعبير وأن النصائح الــخــارجــيــة بــشــأن الـقـيـم الـديـمـقـراطـيـة غير مرحب بها. وشـدد على ضـرورة أن تتحمل أوروبـا مسؤولية أكبر عن الأمـن. أما وزيرة خارجية بريطانيا، إيفيت كوبر، فأكدت أنه رغــم خـــروج بـادهـا مـن الاتــحــاد الأوروبــــي، فإن أوروبا تظهر «كقوة» وليس «كضعف»، مستشهدة بزيادة ميزانيات الدفاع والدعم الكبير لأوكرانيا. وأشـــار مـسـؤولـون آخـــرون فـي الاتحاد إلــى أن الـخـطـاب الأمـيـركـي أصـبـح «يتوافق مـع روايـــة الكرملين» ويسعى للتشكيك في صـمـود الاتـــحـــاد. مــن جـانـب الــقــوى الكبرى عــــدّت كـــل مـــن بـــاريـــس وبـــرلـــن هـــذا الـتـحـول الأمــــيــــركــــي تـــأكـــيـــدا لـــــضـــــرورة «الاســـتـــقـــال الاسـتـراتـيـجـي الأوروبـــــي» الـــذي طـالمـا دافــع عنه الـرئـيـس الفرنسي إيـمـانـويـل مـاكـرون. وأكــــــــــدت الــــحــــكــــومــــة الألمـــــانـــــيـــــة أن الـــعـــديـــد مـــــن الانـــــتـــــقـــــادات الأمــــيــــركــــيــــة تـــســـتـــنـــد إلـــى «آيديولوجيا» لا تحليل استراتيجي. الرأي العام الأوروبي مستاء أمـــــــا عــــلــــى المــــســــتــــوى الــــشــــعــــبــــي؛ فــقــد أظـــهـــرت بــعــض الاســـتـــطـــاعـــات الأخـــيـــرة أن شـريـحـة مـتـزايـدة مــن الأوروبـــيـــن أصبحت تـنـظـر إلـــى الـــولايـــات المــتــحــدة، تــحــديــدا في ظـــل إدارة تـــرمـــب، بــوصــفــهــا «خـــصـــمـــا» أو «عـــــدوا مــحــتــمــاً»، أكـــثـــر مـــن كــونــهــا حليفا مـــوثـــوقـــا. حــيــث تُــظــهــر اســتــطــاعــات الــــرأي الأوروبـــــيـــــة الــحــديــثــة تــــحــــوّلا مــلــحــوظــا في المـــــزاج الـــعـــام تــجــاه الــــولايــــات المـــتـــحـــدة، في ظــــل الانـــــتـــــقـــــادات المــــتــــزايــــدة الــــــصــــــادرة عـن إدارة تـرمـب بحق أوروبــــا. فبحسب دراســة للمجلس الأوروبـي للعلاقات الخارجية، لم يعد نصف الأوروبــيــن ينظر إلـى الـولايـات المتحدة بعدّها حليفا تقليديا كما كان الأمر فـــي الـــســـابـــق، بـــل هـــي الآن شــريــك ضــــروري تـحـكـمـه المــصــالــح أكــثــر مـمـا تـجـمـعـه الـثـقـة. وتؤكد استطلاعات «يورو نيوز» ومؤسسة «بـيـرتـلـسـمـان» هـــذا الاتـــجـــاه، إذ يـــرى نحو في المائة من مواطني الاتحاد الأوروبـي 49 أن الــولايــات المتحدة لـم تعد الحليف الأهـم لـــبـــلـــدانـــهـــم، فـــيـــمـــا تــــؤيــــد أغـــلـــبـــيـــة واضـــحـــة انـــتـــهـــاج ســيــاســة أوروبــــيــــة أكـــثـــر اســتــقــالا عـــن واشـــنـــطـــن. كــمــا تـكـشـف بــيــانــات معهد «يـــــوغـــــوف» عــــن تــــراجــــع حـــــاد فــــي الـــصـــورة الإيجابية للولايات المتحدة داخــل عـدد من الـــدول الأوروبــيــة الـكـبـرى، حيث لا تتجاوز نسبة الآراء الإيجابية ثلث السكان في دول مثل ألمانيا وفرنسا والــدول الإسكندنافية. أمــــــــا اســـــتـــــطـــــاع «لــــــــو غــــــــــران كـــونـــتـــيـــنـــان» » فيعكس بعدا عاطفيا أكثر 17 و«كلوستر حــــدّة، إذ عـبّــر أكـثـر مــن نـصـف المستطلَعين عـــن شــعــورهــم بــــــــ«الإذلال» إزاء الـسـيـاسـات والاتـفـاقـات الأميركية الأخــيــرة، فيما أبـدى سبعة مـن كـل عشرة أوروبـيـن استعدادهم 44 لمقاطعة المنتجات الأميركية، ورأى نحو في المائة أن الرئيس الأميركي يمثل خصما لأوروبـا لا شريكا لها. وتشير هذه النتائج مــجــتــمــعــة إلــــــى تــــآكــــل مــــتــــســــارع فـــــي الــثــقــة الشعبية الأوروبية بالشراكة عبر الأطلسي، وتنامي الدعوات إلى إعادة تعريف العلاقة مع الولايات المتحدة على أسس أكثر توازناً، تقوم على الندية والاستقلال الاستراتيجي، بدل الاعتماد التقليدي الذي طبع العلاقات بين الطرفين لعقود. الملف الأوكراني ومحاولة تهميش الأوروبيين شــكّــلــت الـــحـــرب فـــي أوكـــرانـــيـــا مــيــدانــا عـمـلـيـا لاخــتــبــار عـمـق الــتــحــوّل فـــي الـنـظـرة الأميركية إلى أوروبا. فبينما ترى أوروبا أن الدفاع عن أوكرانيا هو دفاع عن أمنها، تميل الإدارة الأمـيـركـيـة إلـــى الـتـعـامـل مــع الـحـرب كــمــلــف يــجــب إغـــاقـــه بـــأســـرع وقــــت مـمـكـن، حتى وإن تطلّب الأمـــر فــرض تسوية تضر بمصالح كييف ودول المجموعة الأوروبية. في هذا السياق كشف تقرير لصحيفة «وول 25 سـتـريـت جـــورنـــال» الأمــيــركــيــة نـشـر فـــي نوفمبر (تشرين الثاني) المنصرم عن وجود «ميثاق ســرّي» يُقال إن إدارة ترمب بصدّد بلورته بالتعاون مع روسـيـا، بهدف إعـادة هيكلة الاقــتــصــاد الـــروســـي وتـمـويـل إعـــادة إعمار أوكرانيا. الخطّة، بحسب الصحيفة، أشبه باتفاق «المــال مقابل السلام» ويهدف إلـى إنـهـاء الـصـراع عبر صفقات اقتصادية ومـالـيـة، مـع تقليل دور الأوروبـــيـــن، الذين تعدّهم واشنطن أطرافا ثانوية. ونــشــرت «وول سـتـريـت جـــورنـــال» في تقريرها الــذي حمل عـنـوان «كسب المـــال، لا الــحــرب، الـخـطـة الحقيقية لـتـرمـب مــن أجـل السلام في أوكرانيا»، تفاصيل اتفاق سرّي مزعوم بين مبعوث واشنطن رجـل الأعمال سـتـيـف ويــتــكــوف والمــكــلــف بــالاســتــثــمــارات الروسية الخارجية كيريل ديمترييف، الذي 200 مـــن المــتــوقــع أن يـعـتـمـد عــلــى أكــثــر مـــن مليار يــورو مـن الأصـــول الـروسـيـة المُجمّدة فـي أوروبــــا، معظمها فـي بلجيكا وفرنسا لتسهيل صفقات اقتصادية ضخمة، الهدف مــنــهــا إعـــــــادة إنــــعــــاش الاقـــتـــصـــاد الـــروســـي وإمضاء عقود استثمارات أميركية ضخمة فــــي قـــطـــاعـــات اســـتـــراتـــيـــجـــيـــة روســـــيـــــة. فـي المـقـابـل، يُنظر فـي قــرض تعويضات بقيمة مليار يــورو لأوكـرانـيـا، يتم تمويله من 45 فـــوائـــد الأصــــــول الـــروســـيـــة المـــجـــمّـــدة. الأهـــم هــو أن شــركــات أمـيـركـيـة كـبـيـرة ستستفيد مــن هـــذا الاتـــفـــاق مـثـل إكــســون مـوبـيـل التي ستحصل على حصص فـي مـشـاريـع طاقة استراتيجية روسية، مثل استخراج الأتربة الــــنــــادرة، والـتـنـقـيـب عـــن الـنـفـط فـــي الـقـطـب الشمالي. وتشمل المشاريع أيضا بناء مراكز بـيـانـات ضـخـمـة فــي أوكـــرانـــيـــا، مـنـهـا مركز للمعلوماتية في زاباروجيا يعمل بالطاقة النووية. المخاوف الأوروبية تـــســـريـــب تــفــاصــيــل هـــــذه الـــخـــطّـــة أثــــار قـلـق الـــقـــادة الأوروبـــيـــن، خـصـوصـا أن هـذا المخطّط سيعزز من تعافي روسيا اقتصاديا ويُضعف الاتحاد الأوروبـي. كما أن الكشف عــن هـــذه الـخـطـة قــد أثــــار أزمــــة دبلوماسية مـــع واشـــنـــطـــن، إذ يــــرى الأوروبـــــيـــــون أنـهـم مُهمَّشون تماما من الصفقة، وأن واشنطن تــتــعــامــل مـــع الأمـــــر وكـــأنـــه شــــأن أمـــيـــركـــي - روســـــي خـــالـــص. حــيــث حـــــذّر الأمـــــن الــعــام لحلف شمال الأطلسي، مارك روته، في كلمة تناقلتها وسائل الأعلام الأوروبية بإسهاب، من أن أي تسوية للحرب في أوكرانيا تسمح لــروســيــا بـــإعـــادة بــنــاء قــدراتــهــا الـعـسـكـريـة ستشكّل تهديدا مباشرا لأمن أوروبـا. وأكد أن سلاما لا يقيّد الطموحات الروسية ولا يــضــمــن ســــيــــادة أوكــــرانــــيــــا ســـيـــكـــون مــجــرد هـدنـة مؤقتة تمهّد لمواجهة جـديـدة، داعيا الأوروبـــيـــن إلـــى تـعـزيـز قــدراتــهــم الـدفـاعـيـة والــــحــــفــــاظ عـــلـــى وحـــــــدة الــــصــــف الأطـــلـــســـي لمواجهة المخاطر المقبلة. كما أبـــدت كـايـا كـــالاس، الممثلة العليا لـــاتـــحـــاد الأوروبــــــــي لـــلـــشـــؤون الــخــارجــيــة، قلقها مـن أن الخطة الأميركية التي يجري إعدادها، دون مشاركة فعالة من أوروبــا أو أوكـرانـيـا، قـد تـعـوق الجهود الدبلوماسية المشتركة وتضعّف موقع الاتحاد الأوروبـي في مفاوضات السلام المُرتقبة. اعتراضات قانونية كما تـواجـه الخطة الأمـيـركـيـة الهادفة إلـى توظيف الأصــول الروسية المجمدة في البنوك الأوروبية لدعم أوكرانيا اعتراضات قانونية متزايدة داخل عدد من دول الاتحاد الأوروبي وبالأخص من قبل فرنسا وألمانيا. جــوهــر الإشـــكـــال يـكـمـن فــي أن تجميد الأصــــــــول لا يـــعـــنـــي قـــانـــونـــيـــا مـــصـــادرتـــهـــا. فالقوانين الدولية والأوروبية تميّز بوضوح بـن إجـــراء احــتــرازي مـؤقـت يمنع التصرف فـي الأمــــوال، وبــن نــزع الملكية أو تحويلها إلــــى طــــرف ثـــالـــث، وهــــو مـــا يـتـطـلـب أســاســا تشريعيا أو قضائيا صريحاً. كما تصطدم الـخـطـة بـمـبـدأ الـحـصـانـة الـسـيـاديـة لـلـدول، الـذي يحمي أصـول الـدول والبنوك المركزية مــــن المــــــصــــــادرة، حـــتـــى فــــي حــــــالات الــــنــــزاع. وتـخـشـى عـــدة عـــواصـــم أوروبـــيـــة أن يشكّل تجاوز هذا المبدأ سابقة خطيرة قد تقوّض الثقة فـي النظام المـالـي الأوروبــــي وتـعـرّض أصولها السيادية مستقبلا لمخاطر مماثلة. اضافة إلى ذلك، تبرز قيود قانونية وتقنية على المؤسسات التي تحتفظ بهذه الأصول، مـثـل شـــركـــات الإيـــــداع المـــالـــي، والـــتـــي تلتزم بـــقـــوانـــن صــــارمــــة تــمــنــعــهــا مــــن اســـتـــخـــدام الأمــــــوال أو تـحـويـلـهـا دون غـــطـــاء قـانـونـي واضح، تفاديا للمساءلة القضائية. محاولات أميركية لتفكيك الاتحاد من الداخل ومــا يـزيـد مـن قلق الـعـواصـم الأوروبــيــة هـــو الــشــكــوك المـتـنـامـيـة حــــول وجــــود أجــنــدة مــوازيــة سـريـة لــــإدارة الأمـيـركـيـة تـهـدف إلـى تفكيك الاتـحـاد الأوروبــــي. فبحسب مـا أورد مـوقـع «ديـفـنـس وان» الأمــيــركــي المتخصّص فــــي الــــشــــؤون الـــدفـــاعـــيـــة، فـــــإن الــنــســخــة غـيـر المـنـشـورة مـن الاستراتيجية الوطنية للأمن القومي تتضمن توجيهات تُركّز على تعزيز العلاقات الثنائية مع أربع دول أوروبية هي النمسا، وإيطاليا، والمجر، وبولندا. وتكشف الوثيقة، تحت شعار مستحدث هو «لنجعل أوروبا عظيمة مرة أخرى»، عن دعوة كرّستها الإدارة الحالية، تقضي بـ«سحب» هذه الدول بعيدا عن تأثير الاتحاد الأوروبـي وتقريبها مـــن واشـــنـــطـــن، مـسـتـغـلـة الـــنـــزعـــات الـقـومـيـة والـشـعـبـويـة الــصــاعــدة فــي هـــذه الـــــدول الـتـي يُنظر إليها على أنها الأكثر استعدادا لتبني خـــطـــاب يــتــنــاغــم مــــع خـــطـــاب تــــرمــــب، بـشـكـل أفـــضـــل، مـــع الإشــــــارة تــحــديــدا إلــــى إيـطـالـيـا. تـنـظـر بـــروكـــســـل إلــــى هــــذا المــخــطــط عــلــى أنــه محاولة لتقويض الوحدة الأوروبية من خلال دعم التيارات المناهضة للاندماج الأوروبـي. حيث يتحوّل الخلاف عبر الأطلسي إلى عامل من عوامل التفكك الداخلي في الاتحاد، بدلا من أن يكون حافزا لتماسكه كما كـان الحال خــال الـحـرب الـــبـــاردة. وإذا استمر الخطاب الأمـيـركـي فــي الـتـعـامـل مــع أوروبــــا بوصفها «شريكا فــاشــاً»، فــإن الفجوة عبر الأطلسي سـتـتـسـع، وربــمــا تـتـحـول إلـــى شـــرخ بنيوي، بحسب ما ترى بروكسل. (أ.ب) 2025 ديسمبر 15 الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي محاطا بقادة أوروبيين ومفاوضين أميركيين في برلين يوم شـهـدت الـعـاقـات بـن الــولايــات المتحدة والاتـحـاد الأوروبـــــي فــي عـهـد دونـــالـــد تــرمــب، بـولايـتـه الـثـانـيـة، تـحـوّلا نوعيا وعميقاً، انتقلت فيه الـقـارة الأوروبـيـة من موقع الشريك الاستراتيجي التقليدي إلى هدف سياسي معلن في الخطاب الأميركي الجديد. لم يعد البيت الأبيض يقدّم الاتحاد الأوروبي بوصفه ركيزة للنظام الغربي، بل كعبء حضاري وأمني واقتصادي يحتاج إلى «تصحيح» جذري في البنية والسياسات والقيادة. هذا التغيّر في الرؤية لم يبق حبيس اللغة الـدبـلـومـاسـيـة، بــل خـــرج فــي الأســابــيــع الأخـــيـــرة إلـى العلن عبر تصريحات نارية من واشنطن وتسريبات لأخبار ووثائق أثارت قلق بروكسل. العلاقات الأميركية ــ الأوروبية تشهد تأزما جديدا بسبب خطة واشنطن للسلام في أوكرانيا... ولهجة العداء تتصاعد باريس: أنيسة مخالدي التركيز الأميركي ينصب على إيطاليا... فما السبب؟ تركز واشنطن مساعيها الأوروبية حاليا على إيطاليا، > نظرا لعدة عوامل استراتيجية وسياسية. فهناك أولا موقعها الــجــغــرافــي والــســيــاســي داخــــل الاتـــحـــاد الأوروبـــــــي، حـيـث تعد واحــــدة مــن الــــدول الـكـبـرى مــن حـيـث عـــدد الـسـكـان والاقـتـصـاد داخــل الاتـحـاد. لذلك فـإن أي تغيّر فـي موقفها تجاه بروكسل يمكن أن يـــؤدّي إلــى ارتـــــدادات مهمة فـي السياسة الأوروبــيــة، إضافة إلى التقارب الآيديولوجي بين بعض قطاعات السلطة الإيـطـالـيـة والإدارة الأمـيـركـيـة الـحـالـيـة، حيث تظهر العلاقات بين رومـا وواشنطن، لا سيما بين قـادة سياسيين في إيطاليا وحلفاء في الولايات المتحدة، انسجاما في عدد من القضايا، حيث يوجد بشكل واضح تقارب آيديولوجي بين حزب «إخوة إيطاليا» الذي تتزعمه رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني، والقيم السياسية التي يــروّج لها دونـالـد ترمب. ويقوم هـذا التقاطع أســـاســـا عــلــى خـــطـــاب مــحــافــظ يـــركّـــز عــلــى الـــســـيـــادة الـوطـنـيـة، ورفـــض توسيع صلاحيات المـؤسـسـات فــوق الوطنية، إضافة إلى التشديد على ضبط الهجرة والدفاع عما يُسمّى «الهوية الثقافية» و«القيم التقليدية». كما يشترك الطرفان في نظرة نقدية تجاه النخب الليبرالية والمؤسسات البيروقراطية، سواء فـي بروكسل أو فـي واشـنـطـن، عـادّيــن أن هــذه النخب ابتعدت عن هموم الطبقات الشعبية. كل هـذا يعزّز رغبة واشنطن في استخدام إيطاليا بوصفها نموذجا لشراكة ليست مؤسسية فــقــط، بـــل آيــديــولــوجــيــة أيـــضـــا. وقـــد تــكــون الـــظـــروف الـداخـلـيـة في أوروبــا بين الــولاء المؤسسي للاتحاد ورغبات قومية أكثر استقلالية، كما هو الوضع في إيطاليا، هي فرصة لواشنطن لـتـعـزيـز قـــواســـم مـشـتـركـة مـــع قــــادة إيـطـالـيـن حـــول «الــســيــادة الوطنية»، فلئن كانت جورجيا ميلوني قد حاولت تحقيق نوع مـن الـتـوازن بـن ولائـهـا لبروكسل وواشـنـطـن، فـإن شخصيات أخرى قريبة منها، كماتيو سالفيني، لم تتردّد في التعبير عن الإعجاب بالرئيس الأميركي، حيث صرّح سالفيني، عقب فوز ترمب فـي انتخابات الرئاسة الأميركية نهاية الـعـام الماضي، بأنه سيرتدي ربطة عنق حمراء طوال أربع سنوات، تعبيرا عن تقديره واحترامه لسيد البيت الأبيض الجديد. ASHARQ AL-AWSAT يرى ترمب أن سياسات أوروبا في مجالي الهجرة والأمن تضعف القارة عوض تعزيزها
RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky