يوميات الشرق عين الفنان تلتقط أشكاال رسمها عابرون على الجدران لتسجيل وجودهم مثل رسمة قلب يخترقه سهم ASHARQ DAILY 22 Issue 17187 - العدد Thursday - 2025/12/18 اخلميس معرض يستكشف المبنى قبل تحوله إلى متحف للبحر األحمر «بوابة البوابات»... تاريخ باب البنط في جدة بعدسة معاذ العوفي «بوابة البوابات» معرض يُقام حاليًا بــجــدة يــقــدم مــشــروعــ بـصـريـ مــن تصوير الـفـنـان الــســعــودي مـعـاذ الـعـوفـي وتنسيق الـكـاتـب فيليب كـارديـنـال يستكشف مبنى «بـاب البنط»، قبل إعـادة تأهيله وتجديده وتحويله إلى متحف للبحر األحمر. «باب البنط» هو اسم املبنى الواقع في جــدة القديمة، تميز املبنى بمعمار اعتمد على األقواس الخرسانية، وظل عبر السنني محافظًا على طرازه املعماري الفريد مقاومًا حـركـة البنيان الـحـديـثـة. يحمل املبنى من التاريخ الكثير، نستشف بعضه من خالل الــصــور الـقـديـمـة األرشـيـفـيـة الــتــي يقدمها املتحف عن تاريخه كمكان الستقبال سفن الحجاج والزوار القادمني لجدة في طريقهم ملـــكـــة واملـــــديـــــنـــــة. تـــظـــهـــر الـــــصـــــور واألفــــــــ م األرشيفية املبنى ببنائه املتميز، ولكنها ال تأخذنا لحاضر املبنى؛ فما تُظهِره الصور الـقـديـمـة أنـــه كـــان مـبـنـى مــتــرامــي األطــــراف بــواجــهــة بـحـريـة تستقبل أقـــواســـه املـمـيـزة وفــود الـــزوار لتوزعهم داخــل أروقـتـه، حيث كــانــت تـتـم إجــــــراءات دخـولـهـم والــتــأكــد من حالتهم الصحية. هناك القليل من أهل جدة ممَّن يتذكر املبنى اليوم. البعض يحكي عن ذكرياته البسيطة عن املبنى بوصفه ميناءً، ولـكـن الــزمــن غـيَّــر كـثـيـرًا مــن مـعـالـم املدينة الــتــاريــخــيــة، وتــراجــعــت مـكـانـة بـــاب البنط في القرن العشرين والسنوات التالية حتى أصـبـح مبنى مـهـجـورًا تتناثر فـي جنباته بقايا متعلقات شخصية ورســومــات على الحوائط شهدت على مرور شخصيات من دون أسماء عاشت به أو مرَّت مرور الكرام. توثيق باب البنط ذلـــــك مــــا وجــــــده الـــفـــنـــان الـــســـعـــودي معاذ العوفي في مبنى باب البنط في عام ، حني أوكِلَت إليه مهمة توثيق املبنى 2020 بالصور ضمن عملية أرشفة للحفاظ على تـاريـخ املبنى قبل عملية تـجـديـده ليصبح متحفًا حديثًا للبحر األحمر. مـعـاذ الـعـوفـي عُــــرِف بتوثيقه املـصـوَّر للمباني املـهـجـورة، وعـرفـت عدسته بيوتًا ومــســاجــد قـديـمـة خـلـت مـــن الـــنـــاس وبقيت آثــــارهــــم الـــتـــي الــتــقــطــتــهــا عـــدســـة الــكــامــيــرا لتسجل حضور وغياب سكان تلك املباني. فــي «بــوابــة الــبــوابــات» تـأخـذنـا عدسة العوفي في أرجاء املبنى القديم لتقدم، عبر أربـعـة أقـسـام، صــورًا فوتوغرافية لـم تكتف بــكــشــف الـــجـــوانـــب املـــعـــمـــاريـــة لــلــمــبــنــى، بل اصطحبتنا عبر لقطات مرهفة آلثـار أناس مروا على املبنى خالل أعوام كان فيها تابعًا للبلدية وأوقات أخرى. جولة مع المصور أثــــنــــاء جـــولـــة فــــي املـــــعـــــرض، يــتــحــدث العوفي عن الجوانب املختلفة التي التقطها مع فريقه، ويركز بعني املصور على جوانب قــــد تــغــيــب عــــن الـــعـــ الــــعــــاديــــة، ولـــكـــن عـنـد العوفي كانت لها معان وإيحاءات مختلفة. فـــي بـــدايـــة الـــجـــولـــة، يــتــحــدث لـــ«الــشــرق األوسط» ويقول إنه كان يرى في كل مشروع تصوير أكثر من مجرد املباني، بل كان يبحث عن «األسئلة أكثر من اإلجـابـات». يـروي لنا رحلته مع باب البنط مشيرًا إلى أن املختلف في هـذا املشروع هو أنـه لم يكن يصور فقط مـبـنـى مـهـجـورًا، ولــكــن تــصــويــره كــــان جـــزءًا مهمًّا من عملية تجديد املبنى، يقول: «بدأت الــعــمــل فـــي هــــذا املــبــنــى مــنــذ خـمـسـة أعـــــوام، وكانت هناك خطة موضوعة من قبل وزارة الثقافة لتطويره، ولكن قبل البدء في أعمال الـتـجـديـد كــانــت هــنــاك حــاجــة ألرشـــفـــة شكل املبنى وحالته». يقول إنه لم يكن يبحث عن آثار للحياة فـــي املــبــنــى بـشـكـل خـــــاص: «الـحـقـيـقـة تـركـت املـــكـــان يـــقـــودنـــي، بـــاألشـــيـــاء فــيــه وبـاألسـئـلـة الكامنة فيه؛ فكلما وقعت عيناي على شيء بــه مـفـاجـأة أو غــمــوض، كـــان تـركـيـزي يتجه لتلك الجوانب». 2020 دخــــــل الــــعــــوفــــي املـــــكـــــان فـــــي عــــــام مــع فـريـق مــكــوَّن مــن شخصني لـتـبـدأ عملية التوثيق: «استغرق العمل نحو أربعة أيـام؛ كنا نبدأ من الصباح ونستمر في التصوير حتى الفجر، أفضل األوقات بالنسبة لي كان إلـــى الـسـاعـة 12 فــتــرة ســطــوع الــشــمــس؛ مـــن الـــثـــانـــيـــة، بــــدأنــــا بــــصــــور أســـاســـيـــة مـــجـــردة لــلــمــعــمــار واملــــكــــان كـــمـــا هــــــو». عــــن شـــعـــوره بدخول املبنى للمرة األولــى يقول: «شعرت كــالــطــفــل فــــي مـــديـــنـــة مــــــ ه مـــصـــغـــرة، بـــــدأت بالبحث عــن األشــيــاء الـصـغـيـرة والغامضة املنسية، األلغاز ومخلفات الناس الذين مروا على هذا املكان». يتابع: «شيق جدًا أن نرى املــرحــلــة الـتـالـيـة لـلـمـبـنـى. أشــعــر أنــنــي كنت مثل شخص يـراقـب حياة أشـخـاص مضوا، ويرى أشياء كانت مهمة بالنسبة لهم، وقد ال تحمل نفس األهمية اليوم. خالل التصوير كنت أشـعـر بأننا كنا نـحـاول الــوصــول إلى نظرتهم لهذه األشياء». تفاصيل ما تبقى نمضي في جولتنا مع العوفي بني اللقطات املختلفة للمكان؛ نبدأ مــــن الــــجــــوانــــب املـــعـــمـــاريـــة لـلـمـبـنـى وتــفــاصــيــل الـــبـــنـــاء وقـــتـــهـــا. بعض الـــــلـــــقـــــطـــــات تــــثــــيــــر األســــــئــــــلــــــة مـــن الـــحـــاضـــريـــن حــــول وجــــودهــــا الــيــوم وأين، كأمثلة يشير إلى لقطة تصوِّر الـــقـــاعـــة األولـــــــى لـلـمـتـحـف تــــــــمــــــــيــــــــزت بــــــمــــــدخــــــل مــــــــــــقــــــــــــوَّس مـــــجـــــمَّـــــل عـــــــلـــــــى الـــــجـــــانـــــبـــــ بــالــجــص املـــزخـــرف، ثــــــــم لــــقــــطــــة أخــــــــرى نــــــرى فـــيـــهـــا نـــوافـــذ يـــــتـــــزيـــــن زجــــاجــــهــــا بـــــــــــالـــــــــــرســـــــــــومـــــــــــات املـلـوَّنـة. هناك لقطات أخـــــــــــــــــــــرى يـــــصـــــفـــــهـــــا بــــــ «الـــــتـــــجـــــريـــــديـــــة» مــثــل لـقـطـة مـقـربـة آلثــار سائل غامق اللون على الجدار يقول عنها «أعتقد أن الـــبـــقـــعـــة تــمــثــل آثــــــــــار قـــــــهـــــــوة»، عــن لقطة أخـــرى تـصـور نــمــاذج مــن ألــــوان الـطـ ء على األرض، يقول: «أعتقد هذه كانت طريقة الختيار ألـــوان مناسبة لطالء الــجــدران». في كل تلك اللقطات ال يعرف العوفي أو الناظر من ترك هذه األشياء أو تاريخها، هي هنا تسجل لنا لحظات وجود أشخاص. بوابات حديدية فـــي قـسـم مـــن املـــعـــرض يـحـمـل عـنـوان «الــــبــــوابــــات الـــحـــديـــديـــة»، نـــــرى عــــــددًا مـن الصور التي تسجل الفتحات املعمارية في املبنى، وقد أحاطت بها عوارض ودعامات مـــعـــدنـــيـــة تـــوحـــي بـــأنـــهـــا تــمــســك بـاملـبـنـى وتظهر ما بداخله. بحسب بيان العرض، يظهر واضحًا فــــي الــــصــــور غــــيــــاب الــــــجــــــدران الــحــجــريــة املـرجـانـيـة الــتــي زيَّـــنَـــت املـشـهـد الـعـمـرانـي بمدينة جدة في املاضي، يقول: «في هذه املــرحــلــة كــانــت تـلـك الـــدعـــامـــات الـحـديـديـة تجعلني أفكر في الطريقة التي ستتخذها عـــمـــلـــيـــة تــــجــــديــــد املـــــبـــــنـــــى، والـــــتـــــدخـــــ ت املعمارية التي ستحدث إلعادة التأهيل». عـــ الــفــنــان تـلـتـقـط أشـــكـــاال رسـمـهـا عـــــابـــــرون عـــلـــى املــــبــــنــــى، عـــلـــى الـــــجـــــدران، لــتــســجــيــل وجــــــودهــــــم، مـــثـــل رســــمــــة قـلـب يخترقه سـهـم أو رســـم يشبه عـظـام رقبة الدجاجة، وغيرها من الرسومات الساذجة املتناثرة على الحوائط املهجورة. من الرسومات على الـجـدران تمضي عدسة الفنان لتسجل الـوجـود اإلنساني الــــذي مــــر عــلــى املــبــنــى عــبــر قــطــع وأشــيــاء تــــركــــهــــا أصــــحــــابــــهــــا، مــــثــــل مـــســـبـــحـــة مــن األحـجـار الـسـوداء معلقة على مسمار، أو بــعــض املــصــاحــف الــصــغــيــرة املـعـلـقـة معًا بخيوط من الجلد، أو بقايا ألعـواد بخور ملقاة على أرضية حجرية متشققة. فــــي صــــــور أخــــــــرى، يـــســـجـــل الـــعـــوفـــي آثـــــار وجـــــود أنـــــاس ال نـــعـــرف مـــن هـــم وال مـــــاذا تــــركــــوا، ولــكــنــنــا أمـــــام صــــور ألكــــوام مــــن الـــقـــمـــاش املــــلــــون (بــــقــــشــــات)، تـلـتـقـط عينه الـرسـومـات الكارتونية امللونة على القماش، ويشير إلى أن أكوام القماش التي كــانــت تُــســتــخــدم لـتـخـزيـن املـــتـــاع وغــيــره، كــــانــــت مـــــوجـــــودة فــــي األمـــــاكـــــن املــخــتــلــفــة خـــارج املـبـنـى، فيما رســـم صـــورة للحياة فــي األســـــواق الـقـديـمـة بــجــدة. مــن الـصـور أيــضــ نــــرى واقـــعـــ مــغــايــرًا لـلـمـبـنـى، حني كــــان مـلـكـ لـلـبـلـديـة، فـنـرى صـــــورة لــورقــة تخص أحد املواطنني. في جانب آخر نرى صـورة تسجل بعض الصور والرسومات فــي إطــــارات خشبية متكسرة مـلـقـاة على ،»1985 األرض مــكــتــوب عـلـيـهـا «روبــــــرت يقول: «ال أعرف من يكون هذا الشخص أو ماذا حدث لرسوماته بعد ذلك». عـــــــرف املــــبــــنــــى فـــــي تــــاريــــخــــه وجـــــود مستأجرين، نــرى بعض آثــارهــم املتمثلة فـــي مـثـل صــــورة لــعــ َّقــات مــ بــس معلقة عـــلـــى مـــســـامـــيـــر مــثــبــتــة فــــي الـــــجـــــدار، إلـــى جـانـبـهـا مــضــرب لــلــذبــاب وصـــــورة للعبة صفراء على أرضية مشققة: «يمكننا تب كيف تراكم التراب على األرضيات». فــــي وقــــــت مــــا يــــبــــدو أن املـــبـــنـــى كـــان مـهـجـورًا، وتـسـجـل لقطة آثـــار مـعـركـة بني قــط وحــمــامــة لــم يـتـبـق مـنـهـا ســـوى ريـش مــتــنــاثــر فــــي أحـــــد األركـــــــــان: «أعـــتـــقـــد أنــنــا نستطيع التنبؤ بأن القطة فازت». المعرض بعد التجديد يعود العوفي للمبنى بعد تجديده إلقـامـة معرضه، ويـقـول إنـه شعر بالفخر بـعـد رؤيــــة نـتـيـجـة أعـــمـــال الـتـجـديـد الـتـي حـــــولـــــت املــــبــــنــــى إلـــــــى مـــتـــحـــف مــخــصــص لشعوب البحر األحمر، وليس فقط ملدينة جدة: «شعرت بأن املبنى يرحِّب بالجميع للقاء والحديث. نتشارك جميعًا في قصة واحدة واالهتمامات املشتركة، فهنا بوابة ملكة واملدينة». أسأله بالنسبة له كمصور: «هل املبنى بـالـنـسـبـة لـــك أهـــم بــاألشــخــاص أم بوصفه املـــجـــرد كــمــبــنــى؟»، يــقــول «الـــنـــاس واملـبـنـى مـتـحـدان بشكل مــا، ولـكـن بالتأكيد املبنى ليس مثيرًا بقدر الناس الذين مروا عليه». جدة: عبير مشخص الرسومات الملونة على نوافذ المبنى القديم (الشرق األوسط) لقطات تصور بقايا متعلقات مهملة تركت في المبنى (تصوير: غازي مهدي) معاذ العوفي (تصوير: غازي مهدي) تفاصيل جمالية في المبنى القديم (الشرق األوسط) معرض «بوابة البوابات» وثق لحالة مبنى «باب البنط» قبل التجديد (تصوير: غازي مهدي)
RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==