5 تحقيق FEATURES Issue 17186 - العدد Wednesday - 2025/12/17 الأربعاء ASHARQ AL-AWSAT معارك الظل في سوريا... محاربة «داعش» وإعادة بناء الدولة عند مداخل دمشق، وقبيل الوصول إلى ساحة الأمويين يتوزع شبان بمظهر شـــبـــه عـــســـكـــري يــبــيــعــون أعــــامــــا ورايــــــات احــتــفــال بــــ«يـــوم الــتــحــريــر»، يـقـابـلـهـم في الـــــشـــــوارع الأضــــيــــق المــــؤديــــة إلـــــى أحـــشـــاء المـــديـــنـــة نـــســـاء بــــأثــــواب طـــويـــلـــة وحـــجـــاب يـغـطـي نــصــف الـــوجـــه أحـــيـــانـــا، يـجـرجـرن طفلا او اثنين، ويحملن أرغفة خبز للبيع. تكدس النسوة الأرغفة فوق بعضها بعضا وتــدفــع بـهـا إلـــى المــــارة ونـــوافـــذ الـسـيـارات بــا غـطـاء أو كـيـس يحميها مــن الأدخـنـة العابقة برائحة المازوت والأتربة المتطايرة مــن أحــزمــة الــبــؤس والـــدمـــار المطبقة على العاصمة. المـــــشـــــهـــــد لا يــــقــــتــــصــــر عـــــلـــــى دمــــشــــق ومـحـيـطـهـا، بــل يـتـكـرر عـلـى امـــتـــداد المــدن والمناطق السورية التي زرتها من حمص وإدلـــــــب وحــــلــــب، وكــــــأن المــشــهــد الــنــســائــي هــــــــذا أصـــــبـــــح جــــــــــزءا مــــــن نــــســــيــــج الأزمــــــــة المستمر وأحــد مقومات الصمود اليومي للسوريين. ولئن كانت النساء بوجوههن المنهكة وأيــديــهـــن المـخـشـوشـنـة خـيــر شــاهــد على عاماً، فإن 15 نكبة عصفت بالبلاد لنحو الدمار المديد الذي لا يحدّه نظر، يشهد هو الآخـــر عـلـى هـــول مــا كـــان. أحــيــاء وضـــواح كاملة سويت بالأرض تطوّق دمشق وتكاد تخنقها بأتربتها وبقايا الردم فيها، كما وتسود الحواضر الكبرى وأريافها، حيث الـركـام والـلـون الـرمـادي الأغـبـر يمتد على مـسـاحـات شـاسـعـة مــن الـــبـــاد. فـــأن تقود كلم عبر الأراضــي 350 سيارتك لأكثر من الـسـوريـة ولا تــرى شـجـرة أو حـيّــا أو بيتا ناجياً، يعني أنك تعاين عمليا ما خلفته آلة قتل وتدمير وانتقام أقرب ما يكون إلى الثأر الشخصي. فحجم الخراب وشكله لا يعكسان مجرد معارك بين أطراف متنازعة وتفوق عسكري لجهة على أخــرى، وإنما يكشف عـن نية واضـحـة بتصفية الناس وأرزاقــهــم، ودفــن أي حلم أو بصيص أمل لديهم بالعودة إلـى الـديـار. فما لـم يقض عليه القصف بشكل مباشر، حُــرق ونُهب وتـصـحّــر عــن عـمـد. لـكـن الـــعـــودة تـتـم وإن ببطء شديد ودفع ذاتي. وحدها فقاعات قليلة نجت في دمشق وأسواقها، أو خارجها من المناطق والمدن، وازدهــــــر بـعـضـهـا، لـحـسـابـات طـائـفـيـة أو مصالح سياسية أو تجارية تتعلق بشكل أساسي بتصنيع الكبتاغون وترويجه. معركة الأمن الصامتة «يــــشــــكــــل (داعـــــــــــــش) والمــــــهــــــاجــــــرون (المـــقـــاتـــلـــون الأجــــانــــب) تـــحـــديـــدا الــتــحــدي الأبـــرز بالنسبة لـنـا» يـقـول مـصـدر أمني ســـــوري رفـــيـــع مـــفـــضـــا عــــدم الـــكـــشـــف عـن اسمه، لافتا إلى أن الاعتقال و«التحييد» يتمّان بشكل دوري. وتتقاطع المعلومات مـع مصدر آخـر يفيد بـأن «العمل الأمني يجري بدقة وحرفية وإن لوائح المنتمين إلـــــــى تـــنـــظـــيـــمـــات مـــتـــطـــرفـــة تــــحــــت مــظــلــة عـــريـــضـــة هــــي (داعــــــــــش)، مـــــوجـــــودة لـــدى الأجــــهــــزة الأمـــنـــيـــة». وأضـــــــاف: «نـعـرفـهـم واحـدا واحـدا ونقوم برصدهم ووضعهم تحت المراقبة». التقيت المصدرين قبل أيام قليلة على حادثة تدمر الأخـيـرة، لكنها حين وقعت، لـم تبد خــارج السياق الـعـام لـلـقـاءات وما كشفت عنه المعلومات المتقاطعة. ذاك أن المـسـؤولـن والأشــخــاص فـي مـواقـع أمنية دقيقة بدوا مدركين مسبقا لهذا الاحتمال بـــصـــفـــتـــه واحــــــــــدا مـــــن المــــخــــاطــــر الأمـــنـــيـــة المــتــعــددة، لا سـيـمـا بـعـد انـضـمـام سـوريـا رسميا إلى تحالف «محاربة الإرهاب». ولـخّــص مصدر هـذه المخاطر بثلاثة أنــــــــواع مــــن المــــواجــــهــــات «أولا المـــواجـــهـــة مــــع (داعــــــــش) ومـــتـــفـــرعـــاتـــه، وهـــــي تــجــري بـحـذر شـديـد؛ لأنـهـا تـهـدد الـرئـيـس أحمد الـشـرع بشكل شخصي، وثانيا المواجهة مـــع (قـــســـد) وهــــي تـــهـــدد الــــدولــــة الـنـاشـئـة وهـــويـــتـــهـــا عـــلـــى المـــــــدى الـــبـــعـــيـــد، وثـــالـــثـــا مــواجــهــة بـــــاردة وأقـــــل حــــدة مـــع إســرائــيــل بسبب أحداث السويداء». وفي روايـة شبه رسمية، لم يستبعد المــــصــــدر الأمــــنــــي أن يــشــكــل المــــفــــرج عـنـهـم مـــن مـخـيـم الـــهـــول «قــنــابــل مـــوقـــوتـــة» يتم استغلالها لزعزعة الأمــن داخليا وتلبية رغــــبــــات المـــتـــطـــرفـــن الــــرافــــضــــن الـــتـــحـــول الـــحـــاصـــل فــــي شـــكـــل الـــســـلـــطـــة مــــن جــهــة، ولإطلاق رسالة للخارج مفادها أن سحب مـلـف «مــحــاربــة الإرهــــــاب» مـــن يـــد «قـسـد» لن يجدي؛ إذ يمكن أن «يفتح الباب أمام قـــطـــعـــان مــــن الــــذئــــاب المــــنــــفــــردة» مــــن جـهـة ثانية. هل تكفي المقاربة الأمنية؟ تحدي الدولة ليس أمنيا فقط، وهذه المقاربة الصرفة لا تحظى بإجماع داخـل دوائــــر السلطة نفسها. فبعكس مــن يـرى فــــي «داعــــــــش» والـــتـــطـــرف «عــــقــــدة تـقـنـيـة» يمكن حلها بمقاربة أحادية، يرى مسؤول مقرب من «الهيئة السياسية» أن «المشكلة الفعلية تـكـمـن فــي اسـتـيـعـاب تـلـك الكتلة الــبــشــريــة الــهــائــلــة الــتــي نــشــأت خــــارج أي ســيــاق اجـتـمـاعـي طبيعي لـسـنـوات عـــدّة، خـــارج منظومة التعليم أو الأســـرة أو أي شكل ناظم للحياة». وأضـــــــاف: «الـــتـــحـــدي الــكــبــيــر هـــو في اسـتـيـعـاب هـــؤلاء ودمـجـهـم ضـمـن مفهوم الـــدولـــة وإعـــــادة تـأهـيـلـهـم لــهــذا الــغــرض». وقـال: «كما تم استقطاب هـؤلاء المراهقين إلــى طيف مـعـن مـن الـتـشـدد، يجب اليوم العمل على نقلهم إلى مكان وسطي. فإذا كان الرئيس نفسه يقول إننا اليوم نغادر الــحــالــة الـفـصـائـلـيـة ونـنـتـقـل إلــــى مـفـهـوم الــــدولــــة، فـكـيـف يــكــون هــــذا الانـــتـــقـــال على مستوى القاعدة؟ هل بشكل فردي وأمني فحسب أم مجتمعي أيضاً؟». وفــي الـسـيـاق، ذهــب أحـدهـم لتفسير عبارة «أطيعوني ما أطعت الله بكم» التي أطـلـقـهـا الـــشـــرع مـــن الــجــامــع الأمـــــوي ليلة الاحتفال الكبير, وأثـــارت غضب الشرائح المدنية والعلمانية المعارضة، إنها رسالة لشريحة أخـــرى هـي الـتـي تضعها الـدولـة الــــيــــوم نــصــب أعــيــنــهــا وتــســعـــى لاحـــتـــواء غــضــبــهــا عـــبـــر دعــــــوة «ديــــنــــيــــة» صــريــحــة لـ«إطاعة الحاكم وعدم الخروج عنه». ولئن يبدو الكلام أسهل من الفعل، إلا أن الواقع المعاش أصعب بأشواط. فإذا كان الأمن مضبوطا إلى حد بعيد فــي المـــدن الـرئـيـسـيـة كـدمـشـق وحـلـب عبر الانــتــشــار الأمــنــي الـكـثـيـف وبـــ«اســتــخــدام تــقــنــيــات حــديــثــة مــنــهــا المــــســــيَّــــرات»، فــإن المــســاحــات الـشـاسـعـة فــي الأريـــــاف، حيث الـــدمـــار الــهــائــل والــفــقــر المـــدقـــع والـبـطـالـة المـــســـتـــشـــريـــة، مـــتـــروكـــة لــحــالــهــا إلـــــى حـد بعيد. وبينما تتوزع حواجز الأمن العام على الطرقات الرئيسية بين المحافظات، فـــإن الــحــواضــر الـجـانـبـيـة وأزقــــة الـبـلـدات مـتـروكـة لحالها أيـضـا. ولـعـل الاستثناء الذي تمتعت به «إدلب» المدينة لفترة من الـــزمـــن، وكــثــر الــحــديــث عــنــه مـــن خــدمــات ورعــــايــــة وإدارة، لـــم يــســحــب مــنــهــا فـقـط بـعـد الـتـحـريـر وإنـــمـــا جـــاء هـــذا الانـفـتـاح عــلــى بــقــيــة المـــنـــاطـــق الـــســـوريـــة لـيـضـعـهـا أمـام استحقاقات الحياة الفعلية، لتدرك المدينة وريفها المهمل والمدمّر أن الوضع كان أقرب إلى «إدارة أزمة»، لا يزال إرثها حـــاضـــرا حــتــى فـــي الــلــغــة الـــيـــومـــيـــة، كـــأن يتخاطب الـعـسـكـريـون فيما بينهم ومـع المدنيين العابرين على الحواجز بتسمية «شيخ» و«استعن بالله» للقول امض في سبيلك. وهــنــاك بــن ريـفـي إدلــــب وحـلــب قـرى ومــــدن صـغـيـرة مــعــروفــة بـتـوجـه الأهــالــي فيها وانـتـمـائـهـم، وليست كلها على ذاك الاعـــــتـــــدال وتـــلـــك الـــوســـطـــيـــة الـــتـــي تـعـتـلـي منصات دمشق. توجهات تجعل السائقين يسلكون طرقا أطـول لقطع المسافات، لكن «أقل خطورة» بظنهم. وفــــي ذلــــك الـــشـــريـــط يــشــكــل الــشــبــان، لا سـيـمـا الأصـــغـــر ســـنـــا، وقـــــود الـفـصـائـل المسلحة التي لم يبق منها في الميدان في السنوات الأخيرة إلا «هيئة تحرير الشام» بشكل أسـاسـي، وانضم الآلاف منهم بعد سقوط النظام السابق إلى الأمـن العام أو الجيش وليس لهم اليوم مـورد رزق آخر. فـحـتـى مـــنـــازل أهـلـهـم المـــدمـــرة أو أرزاقـــهـــم المنهوبة لا يملكون ثمن ترميمها، ويجد كـــثـــيـــرون مــنــهــم فــــي المـــنـــامـــة والمـــــأكـــــل فـي الثكنات العسكرية عوضا عن سوء حالهم خارجها. نسيج هويات مقاتلة والــحــال، إن تلك هـويـات تبلورت في ،2013 سنوات التسلح، وتحديدا ما بعد ولـــكـــن جــــذورهــــا الاجــتــمــاعــيــة تـــعـــود إلــى مـا قبل ذلــك بـزمـن. فـــإذا كــان الـيـوم يطلق على كل من هو مرتبط بالسلطة الجديدة وصــــف «إدلــــبــــي» نـسـبـة إلــــى إدلـــــب معقل حكم «هيئة تحرير الـشـام» خـال الأعــوام التسعة الأخيرة، وهو وصف يحمل تعاليا فـــي دمـــشـــق وحـــلـــب، فــــإن فــهــم الـتـبـايـنـات الاجتماعية والاقتصادية بين بلدات تلك الأريـــاف نفسها يعين على فهم الخيارات السياسية والعسكرية اللاحقة لأبنائها. فالبلدات المعروفة تقليديا برابطة العائلة كـــوحـــدة اجـتـمـاعـيـة مــتــعــاضــدة، وامــتــاك أراض زراعـــيـــة ثــم الاعــتــمــاد عـلـى الـهـجـرة فـــي مـنـتـصـف الــثــمــانــيــنــات، آثـــــرت تعليم الأبـــنـــاء والــبــنــات وتـوجـيـهـهـم نـحـو المهن الـحـرة والوظيفة مـع الحفاظ على سلوك ديني اجتماعي تقليدي يوصف بـ«التدين الـــفـــطـــري»، وهــــم مـمــن اخــتــبــروا الــتــيــارات القومية والعروبية قبيل صعود «البعث» بقبضته الأسدية. يقابل هــذا الـنـمـوذج بـلـدات صغيرة تـــــقـــــوم عــــلــــى الـــــعـــــائـــــات الــــفــــرعــــيــــة الـــتـــي اعــتــمــدت عـلـى الـعـمـل الـــزراعـــي المـوسـمـي وسلك الشرطة والأمن في النظام السابق، وفـــرحـــت لانــضــمــام أبــنــائــهــا إلــــى «جـبـهـة الـــنـــصـــرة» حـــن بـــــدأت بـــالاســـتـــقـــطـــاب؛ لمـا شكّله ذلك من انتظام في مسلك عسكري مــعــارض لـنـظـام الأســــد، ولـكـنـه أيـضــا ذو بعد ديني واضــح كـان ممنوعا اعتناقه. وإلـــى هـــذا، تــأتــي مـنـاطـق شـاسـعـة لجهة الــــبــــاديــــة تــحــكــمــهــا الـــقـــبـــيـــلـــة والـــعـــشـــيـــرة ونــــظــــام «الــــفــــزعــــة» الــــــذي يـــعـــلـــو ويــخــبــو حسب الظروف والمصلحة. وهؤلاء كلهم، وإن تشاركوا في كونهم من العرب السنة، تباينوا في سلوكياتهم وانحيازاتهم واصطفافاتهم؛ مـا انعكس لاحقا في قدرة الفصائل المتشددة والأكثر تـشـددا على اختراقهم وتجنيدهم مقابل من بقي عصيا عليها، فعملت على تسليط الطرف على المتن. إدلب ومفاتيح دمشق وإذ يــــقــــول الأمــــنــــيــــون الـــــيـــــوم إنـــهـــم يـــعـــرفـــون المـــتـــشـــدديـــن «واحـــــــــدا واحــــــــداً»، فلأنهم يعتمدون أيضا على معرفة الجهاز الأمـنـي فـي «الهيئة» بالفصائل المتشددة والمـنـتـسـبـن إلـيـهـا فــي تـلـك الــبــلــدات ممن حاربتهم خلال السنوات الأخيرة. ولا تزال إدلب إلى حد بعيد أشبه بـ«المعقل الآمن» الـــــذي يـمـلـك مـفـاتـيـح دمـــشـــق ومـفـاصـلـهـا ويعمل بوتيرته السابقة. يكفي مـثـا أن المــحــاكــم والــســجــات الإداريــــــة والمــدنــيــة لا تــــزال تـخـضـع لـــ«المــحــاكــم الـشـرعـيـة» التي ، بعكس بقية 2013 حكمتها منذ منتصف المــنــاطــق الـــســـوريـــة ولا سـيـمـا الـعـاصـمـة، حيث تصب المعاملات كافة. ويميّز محدثي بين أنواع من التجنيد قــــد تــعــتــمــدهــا «داعــــــــش» أو المــجــمــوعــات المتفرعة منها لضرب الأمن بالاعتماد على تلك البنى الاجتماعية المختلفة؛ التجنيد الآيـــــديـــــولـــــوجـــــي، وهــــــو الأســـــــــرع والأكــــثــــر فاعلية، خصوصا بين الأصغر سنا الذين قطعوا شوطا بتبني الأفكار المتطرفة ولم يستوعبوا بعد التحولات الجذرية التي شهدتها سوريا في عام واحد. والتجنيد بالمال وعنصر «الانتقام» بالاعتماد على حـــالـــة الـــفـــقـــر المــســتــشــريــة بــــن مــــن فـــقـــدوا مصدر دخلهم وسلطاتهم المعنوية، ومن ثــم التجنيد ضـمـن بيئة «المـهـاجـريـن» أو المقاتلين الأجـانـب الغاضبين على مـا حل بـهـم مـــن تــخــل ولـــم يـعـد لـديـهـم عـمـلـيـا ما يخسرونه. الدولة الناشئة ونموذج «الصحوات» حــــن عـــــاد الـــرئـــيـــس الــــســــوري أحــمــد الـشـرع مـن زيــارتــه الأخــيــرة إلــى واشنطن كــــان مــحــمــا بـمـهـمـة عـــســـيـــرة؛ «مــواجــهــة وتفكيك الشبكات الإرهــابــيــة». وفــي حين يترقب كثيرون شكل هذه المواجهة وسبل ذلك التفكيك على الساحة السورية، سيما في غياب جيش متماسك ذي عقيدة قتالية واضــحــة، فــإن واشـنـطـن مـن جهتها سبق واخــتــبــرت صـيـغـة مـشـابـهـة مـــن المـواجـهـة السنية - السنية في عـراق ما بعد صـدّام، تحت مسمّى «الصحوات». وقــــــام نــــمــــوذج الــــصــــحــــوات عـــلـــى مـن وصـفـهـم مـصـدر عــراقــي مطلع بـ«تحالف المـــــتـــــضـــــرريـــــن» مــــــن تـــنـــظـــيـــم «الـــــقـــــاعـــــدة» وبالاعتماد على حيّز جغرافي محدد هو مـحـافـظـة الأنــــبــــار، ذات الانـــتـــمـــاء الـعـربـي السني والـتـديـن الاجـتـمـاعـي - التقليدي. وعـــلـــيـــه، فــــإن نـــمـــوذجـــا مــشــابــهــا قـــد يـقـوم اليوم في سوريا على تحالف متضررين من «داعش» في الشمال والشمال الشرقي وبــــقــــيــــادة رســـمـــيـــة هــــي الــــدولــــة الــنــاشــئــة المطلوب منها محاربة التطرف. وأوضــح المصدر العراقي الـذي واكب مـــــن كـــثـــب مـــرحـــلـــة تـــأســـيـــس الـــصـــحـــوات وانـدثـارهـا لاحقاً، إن العشائر في منطقة الـــــرمـــــادي كــــانــــت عــــمــــاد تـــلـــك الـــــحـــــرب؛ لمـا ألـحـقـتـه «الـــقـــاعـــدة» مـــن ضــــرر بـتـجـارتـهـم ومصالحهم ونسيجهم الاجتماعي. وإذ كـان بعضهم أُرغـــم على المبايعة فــي مـرحـلـة مـــا، فـــإن الــتــصــادم لــم يتوقف يـومـا، ومـثـال عليه مقتلة قبيلة البونمر التي أعـدم التنظيم منها نحو ألفي رجل. يقابل ذلك المثال في الحالة السورية قبيلة الشعيطات التي وقفت في وجـه «داعـش» ورفــضــت مـبـايـعـتـه؛ فـارتـكـب فـيـهـا إحــدى من شبانها 1800 أكبر المجازر وقتل نحو دفعة واحدة. وفــــــي تـــقـــاطـــع آخــــــر يـــشـــبـــه تـــحـــديـــات المــرحــلــة الــدقــيــقــة الــتــي تــمــر بــهــا ســوريــا، حـيـث الـــتـــوازن الـهـش بــن تـحـديـات الأمــن وبـنـاء الـدولـة المــرجــوة، كــان يطلب مـن كل مـن يريد الانـضـواء تحت لــواء الصحوات «إعـــان الــبــراءة مـن (الـقـاعـدة) والانــخــراط فـــي قــــوات الأمــــن ضـمـن الـــصـــحـــوات». وتـم ذلـــك بتنسيق مــع الــقــوات الأمـيـركـيـة على أمل «تحويل تلك الكتلة السكانية (سنية عـــشـــائـــريـــة) رافـــــعـــــة ســـيـــاســـيـــة مــــن ضـمـن مجموعة روافع سياسية أخرى». من السلاح إلى السياسة ويــلــفــت المـــصـــدر الـــعـــراقـــي إلــــى نقطة أسـاسـيـة فـي تـحـول مـسـار الـصـحـوات من دورهــــــا الأمـــنـــي إلــــى الـــســـيـــاســـي، فــيــقــول: «عــلــى الــرغــم مــن الـقـيـمـة الأمـنـيــة الكبيرة لتلك الـصـحـوات فـي مرحلة مــا، فإنها لم تــنــجــح فـــي الانـــتـــقـــال مـــن الــــــدور الأمـــنـــي/ العسكري إلــى العمل السياسي. فعندما انخرط قادتهم في السياسة والانتخابات لـــم يـحـقـقـوا تـمـثـيـا فـعـلـيـا ولـــم يـخـتـرقـوا القواعد الشعبية». وذلـــك تـحـديـدا هــو بـيـت الـقـصـيـد في الــحــالــة الـــســـوريـــة، أي «الــتــحــول الجمعي مــــن الـــحـــالـــة الـــعـــســـكـــريـــة الــفــصــائــلــيــة فـي حــيــز جــغــرافــي مـــحـــدد، إلــــى حــالــة الــدولـــة بـمـفـهـومـهـا الـسـيـاسـي والإداري الأوســـع والأشـــــمـــــل، والـــعـــســـكـــري لــجــهــة (احـــتـــكـــار الـــعـــنـــف) ضـــمـــن مـــؤســـســـة جـــيـــش وطــنــي واحد». وبـن امــرأة تبيع الخبز على ناصية شــــــارع، وشـــــاب يـــتـــراقـــص فـــي الـــســـاحـــات، وأجــهــزة تعمل عـلـى تثبيت الأمـــن وشكل الدولة، تبدو سوريا اليوم كبلد بفقاعات كثيرة. واجهة براقة تُعد للاحتفال كبطاقة بريد منمقة، وعمق اجتماعي وأمني هش لم تُحسم معاركه بعد. مشهد لمدينة دمشق (الشرق الأوسط) كانت دمشق على موعد مع احتفالات استثنائية بالذكرى السنوية الأولـى لهروب بشار الأسـد والاستعدادات تسير على قدم وساق. منصات ومكبرات للصوت وتنظيم للسير ولافتات تـشـدد على الــوحــدة الوطنية «شـعـب واحــــد... وطــن واحـــد» وأن «الحقبة الــســوداء انـتـهـت». بـرنـامـج الحفل يصل إلــى الهواتف النقالة عبر رسـائـل قصيرة تشجع على المـشـاركـة وحضور الفعاليات «للاحتفال بالحرية والأمل... وإكمال الحكاية». لكن أي حكاية؟ سؤال يتردّد في الشوارع ذاتها التي تُباع فيها الأرغفة على الأسفلت وتشهد احتفالات النصر. فهنا، تكثر الحكايات وتتشعب حتى تكاد تتناقض كمثل فقاعات الأمكنة التي تتجاور ولا تلتقي. ثمة انقسام عمودي حاد في وجهات النظر وتراشق حين انقسم السوريون إلى 2011 يشبه إلـى حد بعيد مرحلة حد القطيعة بين مؤيد ومعارض مقابل إصـرار رسمي واضح على تصدير صـورة مصقولة عن المرحلة. لكن خلف الواجهة الاحتفالية، تُدار معركة أخرى أقل صخبا وأكثر تعقيداً. بين الحل الأمني الصرف ونموذج «الصحوات العراقية» دمشق: بيسان الشيخ رجال أمن سوريون في ساحة الجابري في حلب ليلة الاحتفال بذكرى سقوط الأسد (الشرق الأوسط) بعكس من يرى في «داعش» والتطرف «عقدة تقنية» يمكن حلها بمقاربة أمنية، هناك من يرى أن «التحدي الكبير هو في الاستيعاب وإعادة التأهيل والدمج في مفهوم الدولة»
RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky