issue17185

دخول عزة فهمي عالم السينما ينسجم أولا مع تاريخها في صناعة التراث وثانيا مع حركة عالمية لم تعد تكتفي برعاية المهرجانات أو الظهور على السجادة الحمراء لمسات LAMASAT 21 Issue 17185 - العدد Tuesday - 2025/12/16 ًالثلاثاء لقاء الفن والموضة... حين يتحول الجمال سردا كيف صنعت مجوهرات عزة فهمي لغة فيلم أم كلثوم «الست»؟ قـــد تــظــن أنــــك تـــعـــرف كـــل شــــيء عـــن أم كــلــثــوم. ولِـــــم لا؟ فـقـد كـبـرنـا عـلـى أغـانـيـهـا وتشبعنا بالحديث عنها وبسيرها الذاتية. لكن «فيلم «الـسـت» يفاجئنا؛ لأنـه يأخذنا إلى منطقة لم تتطرق إليها السيرة من قبل. منطقة تتناول حياة امرأة تعيش بين المجد والــــوحــــدة. مــحــاطــة طـــــوال الـــوقـــت بـــرجـــال، شعراء وموسيقيين، وبذكاء الأنثى، وبعد تجربة فارقة في بدايتها، ظهرت فيها منى زكي بطلة الفيلم مع الممثلة أمينة خليل في لقطة سـريـعـة، تعلمت أن المـظـهـر جـــزء من الـنـجـاح. فـي قلب هــذه الرحلة تـشـارك عزة فهمي بمجوهرات تُجسّد بشكل أو بآخر طبقات نفسية وزمنية عاشتها الأسطورة. طـــوال الفيلم تشعر بـأنـه ليس مجرد فيلم عـن أم كـلـثـوم، بـل نـافـذة واسـعـة أعـاد فـيـهـا المـــخـــرج مــــــروان حـــامـــد كــشــف جـانـب إنساني كان مخفيا وراء الصورة الأيقونية المــــهــــيــــبــــة. ومـــــــن بـــــن كـــــل الــــعــــنــــاصــــر الـــتـــي أشـركـهـا فـي صناعة هــذه الـحـكـايـة، تألقت مجوهرات عـزة فهمي لغة سردية موازية، تــضــيء لـحـظـات ومـــواقـــف، وتُـــعـــزز مـامـح الشخصية كما تستحضر زمنا جميلا بكل وهجه وعنفوانه، تظهر فيه كوكب الشرق، بصورة أعمق وأكثر إنسانية. فالجميل في الفيلم أنه لم يركز على الأسطورة وحدها. فهذه تم استنزافها وأصبح الكل يحفظها عــن ظـهـر قـلـب. كـشـف لـنـا أيـضـا عــن جانب إنساني تجسّده وحدتها النفسية رغم كل النجاحات وحب الملايين. إشادات بعد انتقادات غني عـن الـقـول أن فيلم «الــســت» أثـار مــــوجــــة واســــعــــة مــــن الــــجــــدل قـــبـــل عـــرضـــه، وصلت حــد التنمر على بطلته منى زكـي. والسبب لا يتعدى حكما مسبقا على إعلان ترويجي قصير. 22 ثــــم عُـــــــرض الـــفـــيـــلـــم فــــي الـــــــــدورة الــــــ لـلـمـهـرجـان الـــدولـــي للفيلم بـمـراكـش ونــال استحسانا كبيرا من قِبل النقاد والجمهور على حد سواء، ثم عُرض في القاهرة فتبدّل المــزاج العام، وانهالت الإشـــادات. فالإخراج مــحــكــم، كــذلــك المــوســيــقــى وبـــاقـــي المـــؤثـــرات الـسـيـنـمـائـيـة، بـمـا فـيـهـا المــاكــيــاج والأزيــــاء والمجوهرات التي شكَلت لغة بصرية آسرة. أمــــــا مـــنـــى زكـــــــي، فـــتـــألَـــقـــت عـــلـــى مـــدى ســـاعـــتـــن ونـــصـــف الـــســـاعـــة تـــقـــريـــبـــا، وهـــي تؤدي مشاهد عدة من دون أن تنبس بكلمة، مكتفية بعيونها للتعبير عـمـا بداخلها، بـيـنـمـا نـجـحـت الأزيــــــاء والمـــجـــوهـــرات الـتـي ظـــهـــرت بـــهـــا، فـــي رســــم انــتــقــالــهــا مـــن فـتـاة قـرويـة، بسيطة ومحافِظة إلـى امــرأة واثقة تكتسح الساحة المصرية ثم العالم. خلعت مــابــس الــقــرويــة الـبـسـيـطـة وارتــــــدت أزيـــاء مـن دور فرنسية مثل «ديـــور» و«شـانـيـل»، ومــجــوهــرات مــن «كــارتــيــيــه» و«فــــان كليف آند آربلز» وغيرهم. أو هذا ما يبدو للوهلة الأولى. لـــم تـفـت المـــخـــرج مـــــروان حــامــد أهمية الأزياء والمجوهرات في حياتها. ثم أن كبار المـخـرجـن الـعـالمـيـن يـوظـفـونـهـا فــي أدوار مهمة منذ عقود طويلة. يكفي استحضار أفلام مثل «إفطار في تيفاني»، حيث تحوّلت مجوهرات «تيفاني آند كو» جزءا من ذاكرة السينما، أو «الــرجــال يفضلون الـــشـــقـــراوات»، حـيـث ارتبطت مــــارلــــن مــــونــــرو بــــالألمــــاس مــــــــن هــــــــــــاري ويــــنــــســــتــــون ارتباطا أيقونيا وغيرها من الأفــام العالمية. لكن خـصـوصـيـة «الـــســـت» أن مــــروان حـامـد أعـــاد هـــذا التقليد إلـى القاهرة، وجعله جزءا من سردية محلية، مـــتـــجـــذرة فــــي الـــثـــقـــافـــة، لا مــــســــتــــوردة مـن هوليوود، واستعملها هنا عنصرا دراميا لا مجرد إكـسـسـوارات زيـنـة. يـــزداد بريقها مع تصاعد الأحـــداث ويخفت وهجها عند الانكسار وجرح القلب، ويتوهّج ويتراقص في لحظات المجد والتألق. خــــيــــار حــــامــــد عـــلـــى عــــــزة فـــهـــمـــي لـكـي تشاركه هذه التحفة الفنية لم يكن من باب الصدفة أو من باب المجاملة والمحاباة. كان خياره محسوباً؛ كونه يعرف أنها جزء من التراث الثقافي المصري الأصيل، فضلا عن علاقة فنية متينة تربط الفنانة عزة فهمي نفسها بأم كلثوم؛ إذ استلهمت من أغانيها الـشـهـيـرة الـكـثـيـر مـمـا جـسـدتـه فـــي خـواتـم وعــــقــــود وأســــــــاور وبــــــروشــــــات، مـــثـــل «أنــــت عـمـري» و«مـــن أجــل عينيك عشقت الـهـوى» ،2014 وغـــيـــرهـــمـــا مــــن الأشـــــعـــــار. فــــي عـــــام طـرحـت مجموعة كـامـلـة بـعـنـوان «سـومـة» كـــرَّســـت فـيـهـا عـــزة حـبـهـا وإعــجــابــهــا بـــإرث كوكب الشرق بشكل واضح. عزة فهمي والسينما إلــــى جـــانـــب كـــل هـــــذا، فــــإن عــــزة فهمي نـفـسـهـا، تـحـمـل قـصـة كــفــاح تـشـبـه قصص الـــنـــســـاء الــــلــــواتــــي يـــتـــمـــردن عـــلـــى الـــقـــوالـــب الـتـقـلـيـديـة لــبــنــاء أنــفــســهــن، فـــضـــا عـــن أن تـــجـــاربـــهـــا فــــي الـــســـيـــنـــمـــا لـــيـــســـت جــــديــــدة. تعاونت سابقا مـع الـراحـل يوسف شاهين فــي فيلميه «المــهــاجــر» و«المــصــيــر»، مقدمة مــــــجــــــوهــــــرات تــــعــــكــــس طــــبــــيــــعــــة حـــقـــبـــتـــن مختلفتين وشـخـصـيـاتـهـمـا. عـمـلـت أيـضـا مـع المـخـرج علي بـدرخـان فـي فيلم «شفيقة ومتولي»، حيث قدمت لسعاد حسني حليا تميزت بالطابعين الغجري والفلاحي. لـــــهـــــذا؛ جــــــــاءت مـــشـــاركـــتـــهـــا فـــــي فــيــلــم «الست» امـتـدادا لمسيرتها في صـون التراث من جهة، ولحركة عالمية باتت فيها العلامات الفاخرة تستعمل الصورة وسيلة لاكتساب مصداقية أكبر بصفتها رموزا ثقافية. فاطمة غالي، ابنة عـزة فهمي الكبرى والرئيس التنفيذي للشركة، تكشف عن أن المشاركة فـي الفيلم جــاءت بشكل عضوي، حـــن عــــرض عـلـيـهـا مـــــروان حـــامـــد، صـديـق الـــطـــفـــولـــة ورفــــيــــق المـــــدرســـــة، الــتــفــكــيــر فـي المــــشــــروع. تـــقـــول: «لــــم أتـــــردد لأنــــي معجبة بــــرؤيــــتــــه الـــفـــنـــيـــة، وكــــنــــت عـــلـــى ثـــقـــة بـــأنـــه ســيُــوظــف هــــذه الــقــطــع بـشـكـل يـلـيـق بــهــا». وهذا ما تحقق فعلاً. لكن الجزء الأكبر من العمل وقـع على عاتق أمينة غالي، الابنة الصغرى ورئيسة قسم التصميم. هي من حملت على كتفيها مهمة ترجمة سيرة شبه ملحمية إلـى لغة فنية. تستعيد أمينة التجربة وتقول إنها بقدر ما كانت ممتعة وملهمة لم تكن سهلة. لكنها ولحسن الـحـظ نجحت فـي الإمـسـاك بروح أم كلثوم وكل حقبة عاشت فيها، من خلال تصميمات حملت تطورات اجتماعية وثقافية، وأحيانا نفسية. التحدي والنجاح تـــــروي أمــيــنــة أن الــتــجــربــة اسـتـغـرقـت عامين من البحث والعمل: «لم يكن مطروحا بالنسبة لـنـا تـقـديـم قـطـعـة أنـيـقـة فحسب. كــــان عـلـيـنـا دراســــــة كـــل حـقـبـة زمــنــيــة وكــل شــخــصــيــة حـــســـب مــكــانــتــهــا الاجــتــمــاعــيــة ومـكـانـهـا الـجـغـرافـي وتـــطـــورهـــا». فالفيلم يتتبع رحلة أم كلثوم من البدايات في كفر السنبلاوين إلى ذروة المجد، وكان لا بد من هوية بصرية تُجسد عصرا وثقافة وهالة. تستشهد أمينة بلقطة قصيرة ومتسارعة في بداية الفيلم تظهر فيها عائلة أم كلثوم في القطار وهم متجهون إلى القاهرة لأول مـــــرة. يـجـلـسـون فـــي الـــدرجـــة الــثــالــثــة، لكن يقررون النزول من باب الدرجة الأولى. «بين الـدرجـة والـدرجـة تمر الكاميرا على وجـوه نساء ترتدين حليا صغيرة وأبسط مما قد يُرى على الشاشة عادة، تتغير الصورة في الدرجتين الثانية والأولــــى». تشرح أمينة: «هــــذه الـلـقـطـة وحـــدهـــا أخــــذت وقــتــا طـويـا لنتأكد أن كل قطعة، مهما صغرت، تنطبق عـــلـــى الــشــخــصــيــة والـــطـــبـــقـــة الـــتـــي تـنـتـمـي إليها». مع تقدم الفيلم، تتأكد أن المجوهرات لــــغــــة قــــائــــمــــة بـــــذاتـــــهـــــا. الأقـــــــــــراط تـــتـــراقـــص وتــتــمــايــل مـــع طــبــقــات الــــصــــوت، والــعــقــود المـرصـعـة بــالأحــجــار الـكـريـمـة تـتـحـدّث لغة الــقــوة أو تـــروي وجـعـا دفـيـنـا، بينما تلمع أخـــرى مستلهمة مــن «الآرت ديــكــو» إيـذانـا بـــــــــولادة الأســـــــطـــــــورة. كـــــل تــفــصــيــلــة كـــانـــت محسوبة. قارنت أمينة بين صور أرشيفية ومقتنيات من متاحف وصور حفلات الست وتـسـجـيـات نــــــادرة، مــحــاولــة فـهـم زمـــن لم تعشه، لكنه يسكن وجدانها من خلال أغان عابرة للأجيال. مــــا يُـــحـــســـب لـــهـــا أنــــهــــا لــــم تــســتــهــدف استنساخ الأصل، سواء كان من «فان كليف أنــد آربـلـز» أو «كارتييه» أو «شـومـيـه»، بل تـقـديـم صـيـاغـة تـحـاكـيـه بـأسـلـوب معاصر يعكس إرث عـزة فهمي ولا يُشعِر المشاهد بالغربة التاريخية. الهدف كان واضحا ومتفقا عليه منذ ، عندما بدأ الحديث عن الفيلم، أن 2023 عام تـكـون المـجـوهـرات جـــزءا مـن الحبكة وليس فقط للإبهار والزينة. أم كلثوم وكوكو شانيل فــالمــوضــة لـــم تـكـن غـائـبـة فـــي حــيــاة أم كلثوم، كما يكشف لنا حسن عبد الموجود فـــــي كـــتـــابـــه «أم كــــلــــثــــوم: مـــــن المـــــيـــــاد إلـــى الأســـطـــورة». كـانـت امــــرأة وإنـسـانـة قـبـل أن تكون أيقونة، وبالتالي كانت تهتم بأناقتها اهتماما بـالـغـا. يـــروي الـكـاتـب حكاية لقاء جرى بينها وبين كوكو شانيل في باريس، حيث كــان الإعــجــاب بـن أم كلثوم و كوكو شانيل متبادلاً، حسب ما جاء في الكتاب. استمعت شانيل لأم كلثوم باهتمام شديد، وعـرفـت أنـهـا تفضل التصاميم المحتشمة والطويلة والأقـمـشـة المـرنـة الـتـي تتيح لها الحركة على المسرح، وكذلك ألوانها المفضلة مــن الــزهــري والأحــمــر والأبــيــض والأخـضـر بكل تدرجاتها. أخـــــذت مــقــاســاتــهــا وأوكــــلــــت لمشغلها تـفـصـيـل مـجـمـوعـة عــلــى المـــقـــاس، تـرسـلـهـا لها بعد شهر. بيد أن الست لم تعد خالية اليدين، فقد أخذتها كوكو شانيل في جولة فـــي المـــحـــل اخـــتـــارت مــنــه مـــا يـــــروق لــهــا من فساتين جاهزة ومعاطف بتصاميم بسيطة وعطور ومستحضرات تجميل. بــــعــــد حـــــوالـــــي الــــســــاعــــتــــن والـــنـــصـــف تــــخــــرج مــــن الـــفـــيـــلـــم وأنـــــــت مـــشـــبـــع بــصــريــا بــالــجــمــال، ســــواء مـــن حـيـث المـــجـــوهـــرات أو الـصـوت والموسيقى وبـاقـي المــؤثــرات، وفي الوقت ذاتـه بشعور غامر بأنك تحتاج إلى مشاهدته مرة ثانية لتستوعب كل الأحداث والمشاهد. القاهرة: جميلة حلفيشي المجوهرات كانت ضمن الحبكة السردية والبصرية للفيلم ونجحت أمينة غالي في تحقيق رؤية مروان حامد (عزة فهمي) منى زكي في افتتاح فيلم «الست» بالقاهرة (عزة فهمي) أقراط أذن من مجموعة سومة (عزة فهمي) عزة فهمي الأم مع ابنتيها أمينة وفاطمة غالي (عزة فهمي) عقد وأقراط أذن استوحتهما أمينة غالي من مجوهرات الست (عزة فهمي) عقد من اللؤلؤ يتوسطه مشبك وأقراط أذن مستوحاة من عقد أصلي لأم كلثوم (عزة فهمي) سِوار من مجموعة «سومة» التي استوحتها المصممة من أم كلثوم منذ سنوات ولا تزال تلقى نجاحا (عزة فهمي)

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky