حـــن تـبـلـغ أوضـــــاع الـيـمــن مــرحـلــة تـسـتـدعـي أكـــثـــر مـــن مـــجـــرد تـسـجـيـل مـــوقـــف، يــتــخــذ المــوقــف الـحـاسـم، ويـسـارع الأوفــيــاء مـن أشـقـاء اليمن إلى الإسـهـام فـي إطـفـاء الـحـرائـق المشتعلة بيد بعض أبـــنـــاء الــيــمــن. وآخــــر الآيـــــات مـــا شـهـدتـه مـحـافـظـة حــضــرمــوت مـــن مــســاعــي تــهــدئــة تــقــودهــا المـمـلـكـة العربية السعودية، باعتبارها أقرب جيران اليمن وألصقهم به. وبغية إطـفـاء هــذا الـحـريـق، يمد الـعـقـاء من أبــنــاء الـيـمـن جــســور الـتـفـاهـم مــع مــن لــم يحرقها بعد. لأنهم يدركون أن ما يبدو معرضا للانفجار يــبــقــى قـــابـــا لـــاحـــتـــواء، بـــتـــعـــاون الـــجـــمـــيـــع، وأن مـعـالـجـة بـعـض المــســائــل تـتـطـلـب الأنــــاة والـتـمـهـل الـذي يسبق الإســراع إلـى اقتناص الفرص وليس الـــتـــســـرع أو الـــتـــردد الـــــذي يـبـتـكـر تــبــديــد الــفــرص ويبطل الإعلانات الإيجابية. في بيان الــدورة السادسة والأربـعـن لمجلس الـتـعـاون لـــدول الـخـلـيـج الـعـربـيـة فــي المـنـامـة «أكــد المـــجـــلـــس الأعـــلـــى دعـــمـــه الـــكـــامـــل لمــجــلــس الـــقـــيـــادة الرئاسي برئاسة الدكتور رشاد محمد العليمي، والكيانات المساندة له لتحقيق الأمن والاستقرار في اليمن... والتوصل إلى ما يحفظ لليمن الشقيق سـيـادتـه ووحــدتــه وسـامـة أراضــيــه واسـتـقـالـه». وحــــــددوا تــلــك الــكــيــانــات، خــصــوصــا الــتــي تُــسـهـم فـــي مـكـافـحـة الــتــهــريــب، المــقــاومــة الـوطـنـيـة مـثـاً، وفـــي المــقــابــل حــــددوا الــكــيــانــات غـيـر المـــســـانِـــدة، لا سيما الحوثيين بأفعالهم المهددة لأمن واستقرار المنطقة والاقــتــصــاد الـعـالمـي. لكنهم تـفـاجـأوا مع الـنـاس جميعا بما يـوصـف بــــ«إجـــراءات أحـاديـة» تجاه محافظة حضرموت. هل يتقلص عدد الكيانات المسانِدة؟ لا ريـــب فــي أن إقــــدام أحـــد مـكـونـات الشرعية ، المـجـلـس الانتقالي 2022 ) أبـريـل (نـيـسـان 7 بـعـد الجنوبي، على تلك «الإجراءات الأحادية» بتعبير الرئيس العليمي أثناء لقائه السفراء رعاة العملية )، يثير 2025 ديسمبر/كانون الأول 8( السياسية رفضا جماعياً. لا لأنَّـــهـــا تـجـتـرح مــعــجــزة، بـــل كـونـهـا تـجـرح الصورة المفترض تكوينها عن مكونات الشرعية الـيـمـنـيـة فـــي الـــوقـــت الـــراهـــن. فــضــا عـــن تـأثـيـرهـا على كل الجهود الإيجابية المبذولة من قبل أبناء وأشقاء اليمن على حد ســواء، منذ تعيين رئيس الـحـكـومـة سـالـم صـالـح بـن بـريـك منتصف الـعـام، أكان ما تقدمه الحكومة السعودية عبر البرنامج الـــســـعـــودي لــتــنــمــيــة وإعــــمــــار الـــيـــمـــن أو الــجــانــب الإمــــــاراتــــــي أو الـــكـــويـــتـــي مــــع بـــقـــيــة دول مـجـلـس الـتـعـاون، حسب تنويه بيان آخـر دورات المجلس بهذه المساعدات الفعالة. مـحـافـظ مـحـافـظـة حــضــرمــوت المــعــن مـؤخـرا ســــالــــم الـــخـــنـــبـــشـــي فــــي حــــديــــث لـــقـــنـــاة «الــــحــــدث» ديــســمــبــر الـــحـــالـــي) بـــعـــد إشــــادتــــه بــالمــســاعــي 4( السعودية والمطالبة بـخـروج الـقـوات الــوافــدة من خارج المحافظة، أعلن أن أبناء المحافظة يطمحون إلـى «حـيـاة كريمة بغير منغصات». فـعـاً، اليمن كــلــه يـــريـــد «حـــيـــاة بــغــيــر مــنــغــصــات» نــاجــمــة عـن خـطـوات مــتــرددة أو تـقـديـرات خـاطـئـة وحـسـابـات مـتـسـرعـة وتـــهـــور و«تــــدهــــورات» تــســيء اسـتـغـال الحِلم وسعة الصدر الوطني والإقليمي. استقرار المنطقة لا تحققه قلاقل واضطرابات الـــتـــمـــادي فــــي إجـــــــــراءات أحــــاديــــة تـــجـــاه المــنــاطــق الــجــنــوبــيــة والـــشـــرقـــيـــة الــيــمــنــيــة. مـــراجـــعـــة أقــــرب الــــدروس فـي المـحـافـظـات الشمالية اليمنية تفيد من يراجع نفسه، ثم يتذكر أن من المتفق عليه أنه لـم يعد مقبولا الانــفــراد بحكم اليمن، والسيطرة عليه كـامـا وعـلـى أجـــزاء مـنـه، وتـقـويـض شرعية يتحمل مـسـؤولـيـتـهـا الـجـمـيـع، وإلا فـلـمـاذا هبت ، وتجري 2015 عواصف الحزم وإعــادة الأمـل منذ الـوسـاطـات الـدولـيـة والإقليمية لإنـهـاء «اليمننة: الأزمة اليمنية»؟ ثـمـة صـيـغ لــم يـتـجـاوزهـا الــواقــع -كـمـا يـقـال- ولم تُجرب بعد -كما يجب- مثل «اليمن الاتحادي» -حــتــى غـيـر الاتــــحــــادي- إذا مـــا اسـتـعـيـد اسـتـقـرار اليمن بشكل تام، تحت ظل هذه الصيغ وبناء على التوافق والتفاهم الصادق بين كل القوى الوطنية يتمكن أصحاب كل قضية وطنية يمنية من تهيئة الأجـــواء لتحقيق أغـراضـهـا وأهـدافـهـا. إذ لـم يعد مــقــبــولا الإقـــصـــاء أو الــضــغــط أو الـــفـــرض بـالـقـوة وإخلال الموازين. الــيــمــن لـجـمـيـع الــيــمــنــيــن، شـــمـــالا وجــنــوبــا، شــــرقــــا وغـــــربـــــا، لأن الـــجـــمـــيـــع شــــركــــاء فــــيــــه، وفـــي حــلــول مـشـاكـلـه. ومـــن بـــدا شـريـكـا مـخـالـفـا بوحي آيديولوجيا وعقيدة معينة وأوهام سارية وجهل تاريخي فظيع، تلاحقه عصا العقوبات بمختلف أشـــكـــالـــهـــا، كـــونـــه لـــم يــفــطــن إلــــى عـــواقـــب مـخـالـفـة الدستور والـقـوانـن، وتـجـاوز كـل حــدود التعامل والتعاطي. الحكيم ينتفع بتجارب نفسه وتجارب غيره. وحتى لا تغره اللحظة طويلا يُرجِع البصر كرتين فـي مــآل المـغـروريــن مــن قـبـل، وفــي عـواقــب التسرع والتردد وتفويت الفرص ومغالطة النفس و«التآمر على الـــذات»، لئلا تتكرر المـــآلات المـريـرة بعد متعة قصيرة تضاعف «منغصات» اليمن والمنطقة. Issue 17185 - العدد Tuesday - 2025/12/16 الثلاثاء في لحظة بدت عابرة على شاطئ سياحي هادئ في سيدني، تحوّل احتفال إلى مجزرة، وفـــــي صــــحــــراء تـــدمـــر الـــســـوريـــة ســـقـــط جــنــود أميركيون بـنـيـران مهاجم واحـــد. جغرافيا لا يجمع بــن الـحـدثـن شـــيء، لـكـن استراتيجيا وفـكـريـا يجمعهما الـكـثـيـر: عـــودة الإرهـــــاب لا بــوصــفــه تـنـظـيـمـا مــســيــطــرا عــلــى الأرض، بل بـوصـفـه فـكـرة قـاتـلـة عــابــرة لـلـحـدود، تتحرك عبر الأفـــراد، وتستثمر في «الـذئـاب المنفردة» أكثر مما تستثمر في الجيوش والرايات، وهي اليوم تستثمر في «عـائـات مستذئبة» عطفا على اشتراك الوالد والولد في هجوم أستراليا الدموي. ما جرى في شاطئ بونداي لم يكن حدثا مـفـاجـئـا خـــارج الــســيــاق، بــل حلقة مــكــررة في مسار تطرف طويل. فالمهاجم، نافيد أكرم، كان معروفا لدى أجهزة الاستخبارات الأسترالية ، حيث خضع لتحقيقات بسبب 2019 منذ عام ارتـــبـــاطـــه بـــدائـــرة مـتـطـرفـة قــريــبــة مـــن تنظيم «داعــــــــــش»، ثــــم صُــــنّــــف لاحـــقـــا بـــوصـــفـــه «غــيــر مهدد». هذا القرار - الذي بدا آنذاك مبررا لدى السلطات الأسترالية - انكشف اليوم بوصفه أحد حدود الفهم الأمني القاصر للإرهاب الذي يطور من أدوات تجنيده واستقطابه، صحيح أن أكرم لم يكن عضوا تنظيميا فاعلاً، ولم يكن يتحرك ضمن خلية عملياتية نشطة، لكنه كان منغمسا فــي ثـقـافـة تنظيم «داعـــــش»: الـفـكـرة المــســيــطــرة، والــــرمــــزيــــات، والـــســـرديـــة والـــــولاء النفسي والعاطفي للعنف الفوضوي لصالح استراتيجية «إدارة التوحش». هـذه هـي النقطة الجوهرية فـي تحوّلات «داعش» التي تبدو مفاجئة كل مرة لمن يتعامل مــعــه بــاســتــخــفــاف أو يـعـتـقـد أنــــه قـــد انـتـهـى، فالتنظيم الـذي خسر «الخلافة» المزعومة في الــعــراق وســوريــا لــم يضمحل أو يـتـاش رغـم تـــراجـــعـــه وأســـــر كــثــيــر مـــن أنــــصــــاره، بـــل أعـــاد تـعـريـف نـفـسـه. عـبـر الابــتــعــاد عـــن الـتـمـوضـع المكاني، وبناء «دولة متخيلة» يعيشها أتباعه ذهنيا ورقـمـيـا. خـافـة لا تحتاج إلــى حــدود، ولا إلــى قـيـادة هرمية واضـحـة، ولا حتى إلى تواصل تنظيمي مباشر. يكفي أن يؤمن الفرد بالفكرة، وأن يستهلك خطابها، وأن يتشبع بثقافتها الــدمــويــة، ليصبح بمثابة مـشـروع منفذ محتمل. الـــهـــجـــوم عـــلـــى الــــقــــوات الأمـــيـــركـــيـــة فـي تـدمـر يعكس الــوجــه الآخـــر للمسألة ذاتـهـا. حسب التحقيقات، نفذ الهجوم مسلح واحد متردد بين الانتماء لتنظيمات عدة استطاع التسلل لـيـس إلــى فصيل أمـنـي فـحـسـب، بل إلـــى اجـتـمـاع مـغـلـق، مـسـتـفـيـدا مــن الـثـغـرات الأمنية وحالة التشابك الآيديولوجي ليقوم بعملية قـتـلـت جــنــودا أمـيـركـيـن ومـتـرجـمـا، وأســـهـــمـــت فــــي إربــــــــاك الـــحـــكـــومـــة الـــســـوريـــة الــجــديــدة، وإعـــــادة طـــرح ســــؤال الــعــاقــة بين الفكرة المسيطرة والتحولات. الـــافـــت أن تـنـظـيـم «داعـــــــش»، بــالــتـــوازي مـع توسعه الـدمـوي فـي غــرب أفريقيا - حيث يستعيد نــمــاذج الـسـيـطـرة والـتـمـكـن وإعـــادة الانـــتـــشـــار - لا يـتـخـلـى عـــن حـــضـــوره الـعـالمـي الــــذي يـحـافـظ لـــه عـلـى مــزيــد مـــن الاسـتـقـطـاب الــرقــمــي والـتـجـنـيـد، ومــــن هـنــا بــــات التنظيم ينوّع أدواته. في أفريقيا لديه مناطق سيطرة جـغـرافـيـة، وفـــي أوروبـــــا وأســتــرالــيــا ومـنـاطـق متعددة من العالم، بمثابة دولة فكرة متطرفة مسيطرة و«ذئــــاب مـنـفـردة» تنتظر الـفـرصـة. هـذا التوزيع ليس عشوائياً، بل يعكس فهما عميقا لاختلاف البيئات الأمنية والاجتماعية. حـيـث يصعب الـتـحـرك التنظيمي الجماعي، ويسهل تحرك الفرد في ظل عدم معالجة ثقافة الـبـيـئـات الـخـصـبـة لـتـمـدد الـتـنـظـيـم، لا سيما على شبكات التواصل. شـبـكـة الإنـــتـــرنـــت هـــي المـــســـرح الـحـقـيـقـي لهذا التحول. لم تعد منصات التواصل مجرد أدوات دعاية، بل تحولت إلى معسكرات تدريب رقمية كاملة: من إعــادة تأطير الآيديولوجيا والمـظـلـومـيـة، إلـــى تطبيع الـعـنـف، إلـــى تقديم نــــمــــاذج «بـــطـــولـــيـــة» لــلــقــتــل الـــــفـــــردي، وصـــــولا إلــى الإيــحــاء بالتخطيط والتنفيذ والمتابعة الـنـفـسـيـة بــعــد الـعـمـلـيـة. فـــي هــــذا الـــفـــضـــاء، لا يـحـتـاج المــجــنَّــد إلـــى لـــقـــاء، ولا إلـــى تعليمات مباشرة. يكفي أن يشعر بأنه جزء من سردية كـبـرى عالمية، وأن فعله - مهما بــدا صغيرا - سيُقرأ بوصفه انتصارا للتنظيم. هــنــا تــحــديـــدا تـتـعـثـر المـــقـــاربـــات الأمـنـيـة القديمة. فمراقبة الأفــراد، مهما بلغت دقتها، فإنها تظل فعلا لاحقاً، ورد فعل على إشارات قد لا تبدو خطرة في لحظتها. نافيد أكرم لم ، لكنه 2019 يكن «خطرا وشيكاً» وفق معايير كـان بمثابة مـشـروع خطر مـؤجـل. والتطرف، بــخــاف الإرهــــــاب الـتـنـظـيـمـي، لا يـسـيـر بخط مستقيم، بل يتقدم ويتراجع لأنه يتغذى على تحولات نفسية واجتماعية لا يمكن رصدها فقط عبر السجلات الأمنية. مـــعـــركـــة «الــــــذئــــــاب المــــنــــفــــردة» لا تُــحــســم بالرقابة وحدها، بل باستراتيجية استباقية شاملة تعالج الــجــذور لا الأعــــراض. المطلوب ليس فقط تعقّب الأفــــراد، بـل تفكيك منظومة الاســــتــــقــــطــــاب ذاتــــــهــــــا: الــــخــــطــــاب، والــــــرمــــــوز، والـــســـرديـــات، والـبـيـئـات الـرقـمـيـة الــتــي تمنح الـــعـــنـــف مـــعـــنـــى وهــــــويــــــة. فـــــك الارتــــــبــــــاط بـن «داعش» وبين أي بيئة حاضنة لفكره - دينية كانت أو اجتماعية أو افتراضية - هو التحدي الحقيقي. في هذا السياق، تبرز التجربة السعودية بوصفها نموذجا ناضجا ومختلفاً. فالمقاربة السعودية لم تختزل الإرهاب في البُعد الأمني، بل تعاملت معه بوصفه ظاهرة فكرية وثقافية ونفسية. مـن بـرامـج مناقشة الـفـكـرة والتنبه لــخــطــرهــا عــلــى مــســتــوى الـــقـــيـــادة الـسـيـاسـيـة والمجتمع، إلــى تجفيف منابع التمويل، إلى تــفــكــيــك الـــخـــطـــاب المـــتـــطـــرف، إلـــــى الاســتــثــمــار فـي الوقاية المبكرة داخــل الفضاء المجتمعي، وصــــولا إلـــى المـواجـهـة الـرقـمـيـة المـنـظـمـة. هـذه التجربة لا تـدّعـي الـكـمـال، لكنها تـقـدم درسـا مهماً: الإرهــاب لا يُهزم فقط حين يقتل أفـراده فحسب، بل حين يُفقد معناه وجاذبيته داخل المجتمعات. الــــعــــالــــم الـــــيـــــوم أمــــــــام لـــحـــظـــة مــفــصــلــيــة. «داعــش» لم يعد عـدوا بملامح واضحة يمكن الإشــــارة إلـيـهـا، بـل بــات شبكة أفـكـار متنقلة، تستثمر في الهشاشة الفردية، وفي الفراغات السياسية، وفــي الـفـوضـى الـرقـمـيـة. مواجهة هذا النمط تتطلب استراتيجية عالمية موحدة، لا تقوم فقط على تبادل المعلومات الأمنية، بل على تنسيق فكري وإعلامي وثقافي، ومن دون ذلــك سيظل كـل تجمع مـزدحـم، احتفاليا كان أو سياحياً، مساحة مفتوحة لفكرة قـررت أن تجعل العالم ساحة تهديد دائمة. «داعش» لم يعد عدوا بملامح واضحة بل بات شبكة أفكار متنقلة تستثمر في الهشاشة الفردية يوسف الديني لطفي فؤاد نعمان OPINION الرأي 14 من بونداي إلى تدمر... تحدي «داعش» العابر للحدود يمن «بلا منغصات» استقرار المنطقة لا تحققه قلاقل واضطرابات التمادي في إجراءات أحادية تجاه المناطق الجنوبية والشرقية اليمنية استعادة لبنان بإنهاء هيمنة السلاح وإطلاق الإصلاح! في استراتيجية الأمن القومي الأميركي الجديدة، لم تعد إيـــران مشكلة كَــــأْدَاء قـــادرة على توجيه الإرهـــاب ضد المصالح الأميركية أو أميركا، حتى إن النظرة إلى الشرق الأوسط عموما لم تعد تجد فيها مصدر كوارث. لقد تراجع الدور الإيراني بشكل دراماتيكي لم يتخيله يوما حكام طهران. الأذرع مثل «حماس» و«حزب الله» تلقت ضربات قاصمة، والميليشيات الحوثية تتراجع وتتفسخ، بينما تزداد القيود على ميليشيات «الحشد الشعبي» في العراق. أما سوريا الجديدة، فقد أغلقت الأبـواب والنوافذ 12 بوجه الوجود والنفوذ الإيراني. وأصابت حرب الأيام الـ على إيران البرنامجين النووي والباليستي بعطب كبير. إلــى كـل ذلـــك، نجح الاتــفــاق الـسـعـودي - الإيــرانــي في تحجيم التوتر في منطقة الخليج، ولافت أن إدارة الرئيس ترمب ترى في العلاقة بين الرياض وطهران عنصر استقرار يتعزز بقدر ما تقدم إيران سياسة حسن الجوار. هذا الواقع الــجــديــد لا يـبـدلـه تـــرهـــات أطـلـقـهـا الـــوزيـــر الــســابــق محمد جــواد ظريف فـي «منتدى الــدوحــة»، بـإعـان بـــراءة طهران من أدوار الوكلاء الذين «قاتلوا من أجل قضاياهم وليس من أجل إيـران» (...) وزعمه أن بلاده «ما زالت الأقـوى» في 2023 ) أكتوبر (تشرين الأول 7 المنطقة (...)، فـإيـران بعد طلبت وسـاطـة الــريــاض لمـفـاوضـات نـوويـة وإطـــاق مسار دبلوماسي بين طهران وواشنطن، واضعة في الحسبان أن السعودية باتت أبـرز أركــان القوة في التوازنات الجديدة في المنطقة. لكن طهران في الزمن الجديد لم تغادر مطلقا الرهان على المتبقي مـن قـــدرات أذرعــهــا، وبـالأخـص «حـــزب الـلـه»، فـنـشـهـد تـنـافـسـا بـــن المـــســـؤولـــن الإيـــرانـــيـــن فـــي إعـانـهـم استعادة «الـحـزب» لقدراته والجاهزية لدعمه. فيستعيد أمينه العام نعيم قاسم المواقف الخشبية التي بُنيت على ســرديــات إنــكــار، شـهـد الــوطــن المـكـلـوم فشلها وتـهـاويـهـا، فيعاود التمسك بالسلاح غير آبه للعدوانية الإسرائيلية. فــيــعــد قـــــرار مـجـلـس الــــــــوزراء بــحــصــريــة الــــســــاح، بـمـثـابـة «مطلب أميركي - إسرائيلي»، متناسيا موافقة حزبه في الحكومة والبرلمان على تضمين البيان الـــوزاري حصرية السلاح في كل لبنان. ويعلن أن سلاح «المقاومة» لن يُنزَع «ولو اجتمعت الدنيا بحربها على لبنان»! ويبتدع قاسم ثلاثية جـديـدة، هي «الأرض والسلاح والـــــروح»، متعاميا عـن واقـــع أن هــذا الـسـاح ورقـــة ضعف اســـتـــدرج احـــتـــال الأرض مـــجـــدداً، ولــــم يـنـجـح مـطـلـقـا في حماية أرواح حامليه الـتـي تُــزهـق مجانا كـل يـــوم، لتبرز واحدة من أبرز مشاكل «حزب الله» في العجز عن التعلم من دروس الهزيمة وما ألحقه بلبنان من انكسار كبير. لافت هنا أن «اتفاق وقف الأعمال العدائية» منح العدو «الحق» باستمرار عملياته الإجرامية وهي لم تتوقف يوماً، وقيّد واقع ميزان القوى «الحزب» بدليل أنه لم يجرؤ على أي رد، كما أن الاتفاق الذي كرّس واقعا فرضه المنتصر لم ترد فيه أي إشارة لا لعودة المهجرين ولا لاستعادة الأسرى! الـتـمـسـك بـالـسـاح الــاشــرعــي وتـــكـــرار مــواقــف رفـض تسليمه للجيش، كما تـكـرار مـواقـف الـدعـم الإيــرانــي التي تجسد الـتـدخـل الـفـظ فــي الــشــأن الـداخـلـي الـلـبـنـانـي، على ما في ذلك من تناقض مع أهـداف الوساطة التي تنشدها طهران من الرياض، هذا مع العلم أنه في زمن ترمب ليست الــهــدايــا مـأمـولـة كـمـا كـــان فــي زمـنـي أوبـــامـــا وبـــايـــدن. كما تكشف عن استحالة تخلي طهران عن ميليشيا تأسست في إطار مشروع استراتيجية الدفاع عن النظام الإيراني، 1985 ولم يكن الأمر خافيا على أي جهة؛ فقد أكده منذ عام علي أكبر محتشمي الـذي أشـرف على ولادة «حـزب الله»، وغني عن التعريف أن كل الحروب التي خاضها ارتبطت بهذا المـشـروع. ويكشف التمسك بالسلاح عن نهج الدفاع عـن مستقبل مـا لـلـدور الإيــرانــي فـي المنطقة، مدخله بقاء أكـتـوبـر»، هـذا من 7« شـيء مـن الأمــر الـواقـع الــذي كـان قبل جـــهـــة، ومــــن الــجــهــة الأخــــــرى يــعــكــس هــــذا المـــوقـــف تمسكا بدور «الحزب» في المشروع الإقليمي الإيراني الذي يعادل التخلي عنه القبول بسقوط نظامه! بـالـتـأكـيـد ســتُــبــذل الــجــهــود فـــي اجــتــمــاعــات بــاريــس الشهر الحالي كما في اجتماع «الميكانيزم» 18 و 17 يومي مـنـه؛ لتجنيب لبنان ضـربـات إسرائيلية مـدمـرة. 19 يــوم وستترافق مع مساع لمعرفة ما إذا كان ممكنا العودة إلى ، الذي يمنع تحت الفصل السابع 1949 «اتفاق الهدنة» لعام استخدام لبنان مُنطلَقا لاعتداء على إسرائيل كما يضمن أمن لبنان وسيادته على أرضه. مهم هـذا المنحى، لكن قد لا يكون كافيا للخروج من الطريق المـسـدود لاستعادة حقيقية للبنان. فهناك جدية أعـلـى مطلوبة لتأكيد مـغـادرة زمــن تغييب الــدولــة، تكون بـالانـتـقـال لـوضـع كــل الـجـنـوب، أي حـتـى نـهـر الأولــــي، في نـــطـــاق عـمـلـيـات جــمــع الـــســـاح والـــتـــشـــدد خـــــارج الـجـنـوب لاحتوائه بمنع حمله أو نقله، ففي ذلـك أعلى إشــارة لبدء إنـــهـــاء هـيـمـنـة الـــســـاح الـــاشـــرعـــي، ولـــم يـعـد الأمــــر بـإطـار المستحيلات. على أن يـرافـق ذلــك إطـــاق خـطـوات إصــاح حقيقي تفتح باب المساءلة عن ممارسات منظومة الفساد الـتـي استباحت الـعـدالـة والـحـقـوق وكــل الـقـيـم. والإصـــاح الــــــذي تـــأخـــر كـــثـــيـــرا مـــمـــره إســــقــــاط المـــحـــابـــاة الـــفـــجـــة الــتــي يتضمنها المشروع المسرب لـ«الانتظام المالي»، الذي حمل زورا اسم «الفجوة»؛ ما يؤمّن للبنان دعما إقليميا ودوليا لردع العدوانية الإسرائيلية. حنا صالح آمال بتجنيب لبنان ضربات إسرائيلية مدمرة عبر اجتماعات باريس و«الميكانيزم»
RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky