issue17183

يوميات الشرق ASHARQ DAILY 22 Issue 17183 - العدد Sunday - 2025/12/14 ًالأحد : استحداث الوكيل الأدبي ودعم النشر الرقمي قريبا البسام لـ معرض جدة للكتاب... صناعة نشر تتوسَّع وبرامج تُعيد رسم السوق تـــــعـــــمـــــل «هــــــيــــــئــــــة الأدب والـــــنـــــشـــــر والترجمة» في السعودية على جملة من المــبــادرات والمـشـروعـات الداعمة لقطاعات الأدب، والنشر، والترجمة، موضحة أنها تـــــدرس بــاســتــمــرار الـــفـــجـــوات فـــي الــســوق الـــســـعـــوديـــة، وتــبــنــي بـــرامـــج تــعــالــج هــذه الفجوات عبر مـبـادرات داعـمـة تهدف إلى الـنـهـوض بالصناعة والـــوصـــول بـهـا إلـى مستويات أعلى. وأوضــــــــــــــح المـــــــديـــــــر الـــــــعـــــــام لــــــــــــإدارة الــعــامــة لـلـنـشـر فـــي «هـيـئـة الأدب والـنـشـر والـتـرجـمـة»، المـهـنـدس بـسـام الـبـسـام، في حـــواره مـع «الـشـرق الأوســـط»، أن مـن أبـرز أعــمــالــهــا اســـتـــحـــداث وظـيـفـتـن ثقافيتين جديدتين، هما «الوكيل الأدبي» و«الوكالة الأدبـــــيـــــة»، لـــدعـــم حـــركـــة الـــنـــشـــر وتــطــويــر منظومة صناعة المحتوى في المملكة. تنظيمات جديدة وعن تحديث الأنظمة، قال البسام إن ذلـــك يُــشـكّــل جـوهـر عـمـل الهيئة بصفتها جهة مُنظِّمة ومشرِّعة للقطاعات الثلاثة، مـشـيـرا إلـــى الـعـمـل عـلـى تـطـويـر الأنـظـمـة المــــســــانــــدة وعـــــــدد مـــــن الــــســــيــــاســــات الـــتـــي تُمكّن الناشرين والمستفيدين من تطوير أعمالهم. ولفت إلى إطلاق مبادرة لتمكين دور الــنــشــر مـــن بــيــع كـتـبـهـا فـــي عــــدد من منافذ البيع، من بينها «السوبر ماركت»، والصيدليات، وعدد من المحلات. كما أشـــار إلــى أن الهيئة عملت على سياسة لدعم المطابع في المملكة بالتعاون مع وزارة الصناعة، عبر تقديم تسهيلات صناعية متعدّدة للمطابع الموجودة داخل المخططات العمرانية أو المدن الصناعية. النشر الرقمي وعــــن الــنــشــر الـــرقـــمـــي، أكّـــــد الـبـسـام أن الـهـيـئـة خــصّــصــت بــرنــامــجــا خـاصـا لـــدعـــم هــــذا الـــقـــطـــاع، مـــن خــــال تـحـويـل مجموعة كـبـيـرة مــن أعــمــال دور النشر السعودية إلــى نسخ إلكترونية، ضمن إطـــار تطوير التشريعات والتنظيمات الخاصة بالقطاع. وشـــدَّد على أن هذه الـــتـــحـــديـــثـــات، عــنــد إقـــــرارهـــــا، ســتُــحــدث تـــغـــيـــيـــرا جـــــذريـــــا، وتُــــمــــكّــــن دُور الــنــشــر السعودية من تحويل أعمالها إلى صيغ رقمية وإلكترونية. وتـــحـــدَّث عـــن المــنــصّــات المُــخـصّــصـة للناشرين، موضحا أن هذا المجال يُعد نــشــاطــا تــجــاريــا لا تــتــدخّــل فــيــه الهيئة بشكل مباشر بصفتها جهة منظِّمة، بل تتركه للمستثمر السعودي، مع العمل عــلــى تـهـيـئـة الـبـيـئـة المــنــاســبــة، وتـذلـيـل الـــعـــقـــبـــات، وتـــجـــهـــيـــز الـــبـــنـــيـــة الـتـحـتـيـة اللازمة للانطلاق. الاستثمار في قطاع النشر وتـــــــــطـــــــــرَّق الــــــبــــــســــــام إلـــــــــــى واقــــــــع الاسـتـثـمـار فــي قـطـاع الـنـشـر، فـقـال إن سلسلة القيمة الكاملة للقطاع مليئة بالفرص، ســواء فـي مـجـالات التطوير أو الاستثمار. وأكّـــد نجاح الهيئة في استقطاب عدد من دور النشر العالمية والعربية الكبرى للعمل في السعودية، وإنتاج محتواها وتسجيله وطباعته داخـــــــل المـــمـــلـــكـــة فـــــي مـــطـــابـــع مـــحـــلّـــيـــة، وهـــــي تـــعـــمـــل بــــصــــورة مـــبـــاشـــرة عـلـى تنويع الاسـتـثـمـار وفـتـح آفـــاق جديدة للمستثمرين، مع التأكيد على أولوية المستثمر السعودي. أمـــــا عــــن تـــقـــديـــرات ســـــوق الــنــشــر، فـــــــأوضـــــــح أن الــــهــــيــــئــــة تــــعــــمــــل وفـــــق الاسـتـراتـيـجـيـة الـوطـنـيـة المـنـبـثـقـة من »، الــــتــــي تــولــي 2030 «رؤيــــــــة المـــمـــلـــكـــة الثقافة اهتماما خـاصـا، وتـهـدف إلى رفــــع إســـهـــام الـــقـــطـــاعـــات الــثــقــافــيــة في في المائة 3 الناتج القومي الوطني إلى من الناتج الإجمالي، وهو ما ينعكس على البرامج التي تقدّمها الهيئة. برامج الدعم وأشــــــار الـــبـــســـام إلــــى إطـــــاق بــرامــج لـــدعـــم المــــؤلّــــفــــن الـــــجـــــدد، وأخــــــــرى لــدعــم المـــــطـــــابـــــع، إضـــــــافـــــــة إلـــــــى بــــــرامــــــج لـــدعـــم المترجمين، ومعتزلات كتابة تُقام لتهيئة الأجواء المناسبة للكتّاب لنثر إبداعاتهم. كــــمــــا لــــفــــت إلـــــــى اســـــتـــــحـــــداث مــهــنــة «الـــوكـــيـــل الأدبـــــــــي»، الـــتـــي يـــتـــولّـــى فـيـهـا الـــــوكـــــيـــــل إدارة الـــــجـــــوانـــــب الــــتــــجــــاريــــة والقانونية للمؤلف، بما يتيح له التفرُّغ للكتابة الإبداعية. الترجمة وعن زيادة حضور الناشر السعودي في اللغات الأجنبية، أكّد أن الهيئة تشرف عـلـى بـرنـامـج «تـــرجـــم»، الــــذي انـطـلـق عـام ويواصل اليوم دورته الخامسة. 2021 وبـــن البسام أن البرنامج أسـهـم في آلاف كتاب من العربية 4 ترجمة أكثر من وإليها، وهو رقم يفوق إجمالي ما تُرجم في العالم العربي خلال العقد الماضي. وأضــــــاف أن الـــبـــرنـــامـــج يُــــقــــدّم منحا لــــلــــنــــاشــــريــــن الــــســــعــــوديــــن لـــــدعـــــم حـــركـــة الــــتــــرجــــمــــة، وتــــعــــزيــــز وصــــــــول المـــحـــتـــوى السعودي إلى أسواق جديدة حول العالم. مشاركة دولية وفــي سـيـاق المـشـاركـة الـدولـيـة، أشـار إلـــــــى وجــــــــود بــــرنــــامــــج مُــــخــــصّــــص لـــدعـــم المشاركة في أبرز معارض الكتب العالمية، بمشاركة جهات حكومية وجمعيات أهلية وعـــدد مــن دور الـنـشـر الـسـعـوديـة، بهدف تبادل الخبرات، وعرض المنتجات الثقافية السعودية، والترويج لها دولياً، مع إتاحة بيعها من خلال جمعية النشر. وعن توسّع المعارض المحلّية، أوضح مـعـرضـا في 2023 أن الـهـيـئـة نـظَّــمـت عـــام المـنـطـقـة الـشـرقـيـة، وفـــي مـطـلـع هـــذا الـعـام مـــعـــرضـــا فــــي مــنــطــقــة جــــــــازان، مــــؤكــــدا أن العمل جار على دراسـة المعطيات لتغطية مختلف مناطق المملكة بإطلاق مزيد من الفعاليات والمعارض. ويــــأتــــي حـــديـــث الـــبـــســـام مــــع انـــطـــاق في 2025 فـعـالـيـات مـعـرض جـــدة للكتاب مـــركـــز «جـــــدة ســـوبـــر دوم»، الـــــذي تـنـظّــمـه «هـيـئـة الأدب والــنــشــر والــتــرجــمــة» تحت شـــعـــار «جـــــدة تــــقــــرأ»، بــمــشــاركــة أكـــثـــر من دار نشر ووكالة محلّية ودولية تُمثّل 1000 جناح. 400 دولة، توزّعت على 24 ويُـــشـــكّـــل المــــعــــرض إحــــــدى المـــنـــصّـــات الــثــقــافــيــة الـــكـــبـــرى فــــي المـــمـــلـــكـــة، ووجـــهـــة لــلــنــاشــريــن والمـــبـــدعـــن وصــــنّــــاع المــعــرفــة، ومــقــصــدا لـلـمـهـتـمـن بــالــكــتــاب مـــن داخـــل المملكة وخارجها. ويـــعـــكـــس مــــعــــرض جــــــــدة، بـــخـــبـــراتـــه المتراكمة، الطفرة النوعية التي تعيشها صــنــاعــة الــنــشــر فـــي الـــســـعـــوديـــة، والـــدعـــم المتواصل للكتّاب والناشرين في مختلف مــســارات الكتابة. وتـبـرز هــذه المـامـح في عدد من أجنحته، لا سيّما أن هذه النسخة تتضمّن مــبــادرات جـديـدة تُــوسّــع حضور الأدب المحلّي، وتُقدّم برامج نوعية ترتقي بتجربة الزوّار. وفـــــي كـــــل نــســخــة مــــن مـــعـــرض جــــدة، تـــقـــدّم الــهــيــئــة مــجــمــوعــة مـــن الـتـحـديـثـات والــتــطــويــرات الــتــي تـسـتـقـطـب فـئـة أوســـع مـن سـكّــان المـديـنـة وزوّارهـــــا. وفــي الموسم الــحــالــي، أطـلـقـت الـهـيـئـة بـرنـامـجـا خاصا بــالإنــتــاج المــحــلّــي لـــأفـــام، يــقــدّم عـروضـا يومية لأفلام سعودية حظيت بتقدير فنّي وجماهيري، على المسرح الرئيسي، بدعم من برنامج «ضوء لدعم الأفلام» وبشراكة مع «هيئة الأفلام». وتـــســـعـــى الـــهـــيـــئـــة، مــــن خـــــال تـــنـــوّع فعالية ثقافية، 170 برامجها التي تتجاوز وتـشـمـل الـــنـــدوات والـجـلـسـات الــحــواريــة، والمحاضرات، والأمسيات الشعرية، إضافة إلى ورشات عمل في مجالات متعدّدة، إلى استقطاب مختلف فئات المجتمع. ويــــــرى مــتــخــصّــصــون فــــي الأدب أن هذا التنوّع يُشكّل عامل جذب مهما يلبّي اهتمامات الباحثين عن المعرفة والأدب، لا سيّما الأطـفـال، عبر مساحات مُخصّصة تحاكي حاجاتهم القرائية. ومـــن خـصـائـص مـعـرض جـــدة تـنـوّع الأطــــــــروحــــــــات والمـــــــوضـــــــوعـــــــات، لــتــشــمــل مـــســـارات مـــتـــعـــدّدة، مـــن الـفـلـسـفـة و«كـيـف نقرأ الفلسفة اليوم»، إلى «الرياضة منصة للتواصل الثقافي والإعـامـي»، و«جسور الــتــفــاهــم: كــيــف يـصـنـع الــفــكــر الإســـامـــي حـــــــــوارا حــــضــــاريــــا عــــالمــــيــــا»، إلــــــى جـــانـــب تــوظــيــف الــلــهــجــات المــحــلّــيــة فـــي الـكـتـابـة المعاصرة. كـمـا يـتـنـوَّع بـرنـامـج ورشــــات العمل ليشمل مهارات الصحافة، وإدارة الأزمات الرقمية، وكتابة قصص الأطــفــال، وبناء العلامة الشخصية، وأثــر الـقـراءة المبكرة في التطور اللغوي والعقلي. وفـــي المــقــابــل، يــواصــل المــعــرض دعـم المُبدع المحلّي عبر ركن المؤلف السعودي، الــــذي يـحـتـضـن عــنــاويــن لـلـنـشـر الـــذاتـــي، ويـتـيـح لــأدبــاء عـــرض أعـمـالـهـم مباشرة أمام الجمهور. كــمــا تــــوفّــــر مـــنـــصّـــات تــوقــيــع الـكـتـب فـــرصـــة لـــلـــقـــاء الــــكــــتّــــاب والــــحــــصــــول عـلـى إصـــدارات موقّعة، إلـى جانب قسم خاص بعوالم المانغا والأنـمـي، يضم مجسّمات ومقتنيات وكتبا نوعية تحتفي سنويا بهذا الفن ومحبّيه. جدة: سعيد الأبيض معرض جدة للكتاب مقصد للمهتمّين بالكتاب من داخل المملكة وخارجها (الشرق الأوسط) المدير العام للنشر في «هيئة الأدب والنشر والترجمة» بسام البسام (الشرق الأوسط) الهيئة دعمت المطابع في المملكة عبر تقديم تسهيلات صناعية متعدّدة داخل المخططات العمرانية أو المدن الصناعية حصد جائزة «أفضل مخرج» في «البحر الأحمر السينمائي» أمير فخر الدين: «يونان» يسجل هواجس العزلة والاغتراب يستعيد المخرج السوري المقيم في ألمانيا أمـيـر فخر الـديـن مـامـح مشروعه السينمائي الجديد «يونان» بنبرة هادئة، وواثقة، كأنما يروي رحلة شخصية أكثر ما يروي عملا فنياً، فـقـد جـــاء فيلمه الـــذي حـصـد جـائـزتـي «أفـضـل ممثل» و«أفضل مخرج» في النسخة الخامسة مــــن مـــهـــرجـــان «الـــبـــحـــر الأحــــمــــر الــســيــنــمــائــي» ليشكّل المحطة الثانية في ثلاثية بدأها بفيلم «الغريب»، ويحاول من خلالها تفكيك العلاقة بين الإنسان والحنين، واستكشاف كيف يمكن لـلـذاكـرة، والـخـيـال، والانـتـمـاء أن تصنع هوية الفرد، وحدوده الداخلية. الـفـيـلـم الــحــاصــل عـلـى دعـــم مـــن صـنـدوق وســـــوق «الــبــحــر الأحـــمـــر» يـــغـــوص فـــي أعــمــاق النفس البشرية، وتتواصل أحـداثـه على مدى دقيقة، وهو من تأليف وإخـراج ومونتاج 124 أمـــيـــر فــخــر الــــديــــن، وبـــطـــولـــة المــمــثــل الـلـبـنـانـي جـــورج خـبـاز، والممثلة الألمـانـيـة الكبيرة هانا شـيـغـولا، والمـمـثـل الفلسطيني علي سليمان، والمـــمـــثـــلـــة الألمـــانـــيـــة مــــن أصــــــول تـــركـــيـــة سـيـبـل كـيـكـيـلـي، والمـمـثـلـة الـلـبـنـانـيـة نــضــال الأشــقــر، والمـمـثـل الألمـــانـــي تـــوم بـاشـيـا، وعــــرض للمرة الأولى عالميا في مهرجان «برلين السينمائي» مطلع العام الجاري. يقول أمير لـ«الشرق الأوسط» إن «الفكرة لم تولد دفعة واحـــدة، بل جــاءت نتيجة رحلة طـويـلـة مــن التفكير فــي معنى الانــتــمــاء، وفـي تلك المنطقة الـرمـاديـة الـتـي تقف فيها النفس بين الماضي والمستقبل، بين المكان الـذي نبقى فــيــه والمـــكـــان الـــــذي نــــغــــادره»، وعــــن الاخـــتـــاف بـن الفيلمين «الـغـريـب» و«يــونــان» يـوضـح أن «الغريب» كان محاولة للاقتراب من شخصية يملك صاحبها حنينا غير معتاد، حنينا نحو مستقبل لا يعرفه، ورغبة في التّشبث بالبقاء رغـــم كــل مــا يــدفــع لـلـهـجـرة، تـلـك كــانــت حكاية رجل رافض للمغادرة، يعيش في أرض محتلة، يشعر بثقل المكان، لكنه لا يستطيع فراقه. أمـــــــا «يـــــــونـــــــان»، فــــيــــســــرد الـــــوجـــــه الآخـــــر لـلـحـنـن، شـخـص يـعـيـش فـــي الـــغـــرب، لـكـنـه لا يستطيع الـعـودة إلــى بيته، فقد أرضـــه، وبقي أســـيـــرا لـــذكـــرى تـسـتـيـقـظ ولا تــكــتــمــل، وواقــــع يُــدركــه مـن بعيد دون أن يلمسه. وبــن هاتين الـشـخـصـيـتـن، يـــرى فـخـر الـــديـــن أن «الإنـــســـان المقهور بالنوستالجيا غالبا ما يُقدَّم ضحية الــــظــــروف، والــــصــــدف، والــــتــــاريــــخ، لـكـنـنـي في الــفــيــلــم الـــثـــالـــث ســــأحــــاول مـــقـــاربـــة شـخـصـيـة تـــحـــررت مـــن الـــقـــيـــود، وبــــــدأت تـبـحـث عـــن قيد جديد، كأن الألم ذاته يصبح حاجة من حاجات الشعور بالانتماء». اختيار جـورج خبّاز لبطولة «يونان» لم يكن قــرارا غريباً، فالمخرج الشاب تابع أعمال الممثل اللبناني بتمعّن، فلم يكن يبحث عن نجم بقدر مـا كـان يبحث عـن «عـيـون عميقة»، وفق وصفه، تستطيع أن تحمل هــدوء الشخصية، وقلقها فـي الـوقـت نفسه، وشـاهـد لـه مقابلات مطوّلة، لمح في بعضها لحظة عفوية أزال فيها خبّاز نظارته، فبدا كأن حزنا دفينا يمر خلف العينين. ذلك الحزن، كما يقول فخر الدين، «لم يكن تعبيرا عن حالة واقعية بقدر ما كان دليلا على قدرة الممثل على حمل ثقل الشخصية». «الفهم العميق للتراجيديا لا يتأتّى إلا لمن اختبر الإنسانية من الداخل»، هكذا يصف أمــيــر بـطـل فـيـلـمـه، مـضـيـفـا أن «تــجــربــة خـبّــاز المسرحية وثقافته الواسعة منحتاه قدرة نادرة على التعبير بالصمت لا بالكلام، وعلى تقديم شخصية مهاجر مـع أنــه فـي حياته لـم يغادر لبنان»، لكن فخر الدين كان واضحا في القرار «السيرة الذاتية للممثل لا تهمني، ما يهمني هو قدرته على فهم طبقات الشخصية». كـذلـك يشير المــخــرج إلـــى أن الـتـعـاون مع ســـعـــاد بـــوشـــنـــاق فــــي المـــوســـيـــقـــى كـــــان مـــســـارا طــــويــــاً، امـــتـــد لـــســـنـــوات مـــن الأخـــــذ والــــــــردّ، لم يـكـن يـريـد «طـلـبـا جــاهــزاً» يمنح الـلـحـن شكله الـنـهـائـي مـنـذ الـــبـــدايـــة، بـــل أراد أن يـــرى كيف تـــقـــرأ المــوســيــقــيــة الـفـيـلـم بــذائــقــتــهــا، ثـــم يبني معها طبقة بعد طبقة، وصـولا إلى المزج الذي يبحث عنه بـن موسيقى الــبــاروك الجنائزية وجـــمـــالـــيـــات المـــــشـــــرق، فـــالمـــوســـيـــقـــى بـالـنـسـبـة إلـــيـــه «لــيــســت مـــرافـــقـــة لـــلـــصـــورة فـــقـــط، بـــل هي كــشــف لـطـبـقـاتـهـا الــداخــلــيــة، وإضـــافـــة لـعـوالـم لا تستطيع الكاميرا وحـدهـا الــوصــول إليها، ومـن هنا، صـار الصوت امـتـدادا طبيعيا للّغة البصرية، وأصبح للّحن دور في بناء الذاكرة داخـل الفيلم، وإبــراز طقوس الحنين، والعزلة، والانهيار»، وفق تعبيره. وعــن مساحات الصمت فـي الفيلم، التي أثـارت نقاشا بين بعض المشاهدين، يرى فخر الدين أن «الصمت ليس فراغاً، بل معنى، وليس حيلة فنية، بل ضــرورة درامـيـة»، ويوضح أنه يـــقـــدّم شـخـصـيـة مــهــاجــر وحـــيـــد، يــعــيــش لغة ليست لغته، ويـواجـه الـعـالـم بغربة لا تترجم بالكلمات، فالصمت ليس اقتصاراً، بل امتلاء، فهو مساحة يتشاركها المشاهد مع الشخصية. وأضاف أن «الصمت يمنح الفيلم روحه، يجعل المشاهد طـرفـا فـي الــقــراءة، ويتيح لكل فرد أن يرى فيلما مختلفاً، ولهذا يمكن لعشرة أشــخــاص أن يــشــاهــدوا الـفـيـلـم نـفـسـه، وتنتج عنها عشرة أفلام مختلفة، فالكلمات، في رأيه، قـــد تـبـعـد الــشــخــصــيــات عـــن بـعـضـهـا أحــيــانــا، بينما يمنحها الصمت قربا غير مرئي. أما عن مدة الفيلم التي علّق عليها بعض الـجـمـهـور، فـيـقـول المــخــرج إن «قــيــاس الأعـمـال الـفـنـيـة بــالــدقــائــق مــعــيــار لا يـعـكـس الـتـجـربـة الحسية للعمل، فـهـنـاك أفـــام تـتـجـاوز الأربـــع ســاعــات ويتمنى ألا تنتهي، وأخــــرى قصيرة تجعل الـزمـن يـبـدو طــويــاً، المـهـم بالنسبة لي هـو الإيـقـاع الـداخـلـي للشخصية، ومــدى قـدرة المــشــاهــد عـلـى الانـــدمـــاج مـــع الــعــالــم المــعــروض أمامه». وفيما يتعلّق بتجربة التصوير، يصفها فـخـر الــديــن بـأنـهـا «واحـــــدة مــن أكــثــر محطات الـــعـــمـــل صـــعـــوبـــة، لـــيـــس فـــقـــط بــســبــب طـبـيـعـة الجزيرة التي صُــوِّر فيها الفيلم، ولا الاعتماد على حالة الطقس فـي مشاهد تحتاج الريح، أو حـركـة الـغـيـم، بــل لأن فـريـق الـعـمـل جـــاء من خلفيات متعددة، وثقافات مختلفة، ومع ذلك نـجـح فـــي بــنــاء انــســجــام اسـتـثـنـائـي فـــي مـكـان ناءٍ». وهـنـا يتذكر أمـيـر مشهد وصـــول الممثلة هانا شغولا ذات الواحد وثمانين عاماً، والتي قـطـعـت رحــلــة شــاقــة مــن بــاريــس إلـــى الـجـزيـرة رغــــم المـــــرض والـــحـــمـــى، مـصـمّــمـة عــلــى خــوض الــتــجــربــة. كــــان ذلــــك بـالـنـسـبـة إلـــيـــه درســـــا في الانضباط، وفي معنى الالتزام بالفن، مؤكدا أن «حضورها، رغم التعب، علّمه أكثر مما علّمته الــظــروف القاسية. كـذلـك كــان الأمـــر مـع جـورج خبّاز، وبقية الممثلين، والعاملين الذين جمعهم مــــشــــروع مـــشـــتـــرك رغـــــم اخــــتــــاف الــجــنــســيــات، والـــخـــبـــرات، فـــصـــاروا مـنـسـجـمـن داخــــل عـزلـة الجزيرة». يبدو «يونان» بالنسبة لأمير فخر الدين ليس مجرد فيلم، بل إنـه جـزء من بحث طـــويـــل فــــي مــعــنــى أن يـــكـــون الإنــــســــان مـقـيـمـا ومـغـادرا في الوقت نفسه، قــادرا على مواجهة حنينه أو أسيرا له، وأن يجد نفسه بين الصمت والكلام، بين الذاكرة والحركة، وبين المكان الذي يـسـكـنـه والمـــكـــان الــــذي يــتــركــه. وبـيـنـمـا يـتـابـع العمل على فيلمه الثالث، يشعر بأن رحلته لم تنته بعد، وأن كـل خطوة تقرّبه أكثر مـن فهم الـسـؤال الــذي طرحه فـي بـدايـة مشروعه «مـاذا يعني أن تنتمي؟». جدة: أحمد عدلي أمير فخر الدين مع صناع الفيلم خلال عرضه في برلين (الشركة المنتجة)

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky