الرئيس التنفيذي جمانا راشد الراشد CEO Jomana Rashid Alrashid نائب رئيس التحرير Managing Editors Editorial Consultant in KSA Aidroos Abdulaziz Camille Tawil Saud Al Rayes Deputy Editor-in-Chief مديرا التحرير مستشار التحرير في السعودية محمد هاني Mohamed Hani الأمير أحمد بن سلمان بن عبد العزيز عيدروس عبد العزيز كميل الطويل سعود الريس 1987 أسسها سنة 1978 أسسها سنة هشام ومحمد علي حافظ رئيس التحرير غسان شربل Editor-in-Chief Ghassan Charbel شعار ارتـفـع عربيا منذ مطلع ستينات القرن المــاضــي، هــو شـعـار «مـقـاومـة الــعــدو الإسـرائـيـلـي». خاض الشعراء والمغنّون والخطباء العرب، معركة طويلة بلغة لها حِــراب لا تفلُّها السنون. بعد حرب ،1973 الـــســـادس مـــن أكــتــوبــر (تــشــريــن الأول) سـنـة وتـوقـيـع مـصـر اتـفـاقـيـة الــسَّــام مـع إسـرائـيـل تفجَّر الغضب الشعبي والرسمي المعارض لتلك الاتفاقية. اجتمع قادة العراق، وسوريا، وليبيا، 1977 في سنة والجزائر، وجمهورية اليمن الجنوبي الديمقراطية الشعبية ومنظمة التحرير الفلسطينية، في ليبيا وأعلنوا قيام ما سموه «جبهة الصمود والتصدي» ضد المخططات الصهيونية في العالم العربي. دول عربية أخرى شاركت في رفض الاتفاقية المصرية - الإسرائيلية، لكنَّها لم تنضم إلى الجبهة «الصامدة المتصدية»، واكتفت بمقاطعة النظام المصري ونقل مــقــر الــجــامــعــة الــعــربــيــة مـــن الـــقـــاهـــرة إلــــى تــونــس. لكن ضـربـة الانـشـقـاق هــوت مبكرا على الصامدين الرافضين. بعد اشتعال الحرب العراقية - الإيرانية، انــحــازت كـــل مــن ســوريــا وليبيا إلـــى إيــــران فــي تلك الـــحـــرب، فـــي حـــن حـــاولـــت الـــجـــزائـــر أن تـلـعـب دور الوسيط بـن المـتـحـاربـن، لكنَّها لـم تـوفـق، ودفعت في ذلك حياة وزير خارجتها محمد بن يحيى، في سقوط طائرته على الحدود بين إيران والعراق سنة . حامت الشكوك حول دور الحكومة العراقية 1982 في تلك الحادثة؛ إذ علت أصوات في وسائل الإعلام الـعـراقـيـة، ردَّدت أن الـــعـــراق لا يقبل أن تـقـوم دولــة عربية بدور الوسيط، في الصراع بين إيران والعراق، والواجب القومي يفرض على كل العرب الوقوف إلى جـانـب الــعــراق، ودعـمـه سياسيا وعسكريا ومالياً. أصـــــوات حــزبــيــة بـعـثـيـة عــراقــيــة غــمــزت فـــي عــروبــة الـجـزائـر. شـنَّــت وسـائـل الإعـــام المصرية الرسمية، حملة على ما سمَّته «جبهة السموم والتصدع». لم يصمد الصمود، ولـم يتحد التحدي، وعــاد العرب جميعا إلى جامعتهم بالقاهرة بعد رحيل الرئيس المصري أنور السادات. كانت هناك محاولات عربية لتأسيس تكتلات إقليمية تحت عناوين وحدوية. «مجلس التعاون العربي» الـذي ضم كلا من مصر، والعراق، والأردن واليمن، و«اتحاد المغرب العربي» الـــــذي ضـــم دول شـــمـــال أفـــريـــقـــيـــا. تـــاشـــى الاتـــحـــاد الأول بسرعة، أمـا الآخـر فلم ينجح سـوى في إبـداع الإسفين، الذي وسَّع الانشقاق، ورفع البوابات التي أغلقت الحدود. بـــــــدأت حـــلـــقـــة جــــديــــدة فــــي مــــوجــــة الــــشــــعــــارات والتحالفات في المنطقة. محور جديد بعبق ديني إســــامــــي، مـــنـــاهـــض لإســـرائـــيـــل والــــغــــرب غـــــاب عنه النفَس القومي العربي، وسرى فيه النغم الإسلامي. تحالف عسكري سياسي غير رسمي، حمل عنوان محور المـقـاومـة والممانعة. ضـم فـي حلبتِه حركتي «حـــمـــاس» و«الـــجـــهـــاد الإســـامـــي» الفلسطينيتين، و«حزب الله» اللبناني و«الحشد الشعبي» العراقي وحـــركـــة «أنـــصـــار الـــلـــه» الـحـوثـيـة الـيـمـنـيـة، وتــوَّلــت الجمهورية الإسلامية الإيرانية قيادة هذا المحور، ودعـمـه سياسيا وعسكريا ومالياً. سـنـوات طويلة تنقلت فيها المـنـطـقـة مــن مـخـاض إلـــى آخـــر، لـكـن لا ولــيــد مــن رحـــم حـقـبـة ســالــت فـيـهـا الـــدمـــاء، وتـسـيَّــد فيها العنف وهجرت الملايين أوطانَها خوفا وطمعاً. تصدَّعت دولٌ، وصـار الـصـراع العنيف على غنيمة السلطة، هو الجبهة والمحور والمقاومة، التي يدفع ثمنها المقهورون قتلا وهروبا وفقراً، أمَّــا إسرائيل الـتـي تهاطلت عليها قــذائــف الــشــعــارات، وتحلَّقت حــــولَــــهــــا دوائــــــــــر الــــصــــمــــود والــــتــــصــــدي والمــــقــــاومــــة والممانعة، فقد استباح جيشُها الأرض وأباد البشر، وقطع الشجر ودمَّر الحجر. غزة تبخرت فيها وحولها جعجعات الصمود والـتـصـدي والمـمـانـعـة، وتـعـالـت بـن قـبـورِهـا وعلى رُكامها، آهات الحزن وزخات الدموع. في الضفة الغربية يقضم المستوطنون اليهود أرضَـــهـــا، ويـقـطـعـون أشـجـارهـا ويـمـتـصـون مــاءَهــا. لبنان وسوريا استباح فيهما الجيش الإسرائيلي الناس والأرض والجبال والمياه، واتسع الاقتتال بين أطراف متنوعة طائفيا وعرقياً. ألم توقظ الضربات التي استمرت عقودا طويلة، وعبث الشعارات والتكتلات الوهمية، العقول وتفتح العيون لترى ما جرى، وتزيل الصمم من الأذان كي تسمع رنين الصرخات وصدى الضربات؟ المــــحــــور الـــغـــائـــب الــــــذي لــــم تُـــشـــد إلـــيـــه رحــــال العقل، هو محور العلم الذي يقتحم ركام التخلف والــجــهــل والـــضـــعـــف، ويــمــحــو مـــا كـتـبـتـه ســنــوات الهزائم الطويلة. الحقبة التي تنابز فيها الساسة بـــالـــخـــطـــابـــات، وخـــــاضـــــوا الـــــحـــــروب بـــالأنـــاشـــيـــد والأغاني، وبشَّروا بتحرير فلسطين، والاتحادات والـكـيـانـات الـتـي كـانـت مثل قطع مـن الـزبـدة فوق إنـــــاء تـحـتـه جــمــر الـــزعـــامـــات والــــعــــداوات. المـحـور الـذي نأمل أن تشرق شمسُه على دنيانا المظلمة، هو محور الفكر الحر الــذي لا يضع له التائهون في ســراب الماضي السحيق كمامات على الأفــواه وأقفالا على العقول، ويرجمونه بحجارة التكفير والزندقة والفسق. الجبهة التي لم تتجمع فيها جـحـافـل المـقـاومـن والمـتـصـديـن والمـمـانـعـن، هي جبهة الحرية التي تبدع قوة التحرير الحقيقية، حيث تتم تعرية جـحـور الـفـسـاد، ويـردمـهـا تـراب القانون. العبور من آيديولوجيا التعميم القومي أو الـــديـــنـــي، إلــــى حــقــائــق الـخـصـوصـيـة الـوطـنـيـة لـكـل أمــــة، مـعـطـيـة تـأسـيـسـيـة يُــبـنـى عـلـيـهـا كـيـان الـــــدول، حـيـث لـكـل شـعـب نسيجه الــــذي لا يماثل نسيج شعب آخر، من حيث التركيبة الاجتماعية والتراكم الثقافي والعقدي والصيرورة التاريخية، فلكل شعب خصوصيته المختلفة عن الآخـر، مثل اختلاف بصمات الأصابع. المـحـور الـغـائـب الـــذي يجمع كياناتنا، ونصر على أن نقاطعَه ويقاطعَنا، هو ملف الحقيقة. في أغـلـب الــــدول الـحـديـثـة، تُــخــرج الـوثـائـق الـتـي كانت ســـريـــة، بــعــد ســـنـــوات مـــحـــددة لــتــكــون فـــي مــتــنــاول الـــــدارســـــن والـــبـــاحـــثـــن والـــصـــحـــافـــيـــن، كــــي تُــلـقـي الأضواء على ثقوب الخلل، وعلى محطات الصواب لـتـعـلـم الــشــعــوب وتـتـعـلـم. لا نــــزال فـــي انــتــظــار تلك الجبهات والمحاور. المحاور والجبهات الغائبة بعد عـام واحــد فقط مـن التغيير الـجـذري الـذي شهدته سوريا، لا يزال السؤال الأكثر إلحاحا معلقا في الهواء: كيف حدث كل هذا بهذه السرعة؟ وكيف أمكن لنظام استمر عـقـودا أن ينهار بهذه الكيفية؟ الإجــابــة البسيطة، وإن كـانـت قـاسـيـة، أن مـا صنعه الــنــظــام خــــال الـــســـنـــوات الــعــشــر الأخـــيـــرة كــــان يـقـود حتميا إلى هذه النهاية... لـــيـــس خـــافـــيـــا أن الـــســـقـــوط لـــيـــس ولـــيـــد لـحـظـة سياسية خاطفة، بل نتيجة تراكم طويل من الإفقار والـــدمـــار وانـــســـداد الأفــــق، وتــآكــل شـرعـيـة الــدولــة من داخلها. عندما تتحول الدولة إلى منابر متصارعة، ويـغـيـب الـــقـــانـــون، ويُــهــمَّــش المـجـتـمـع، وتُـــــدار الـبـاد بمنطق الغلبة لا بمنطق المـؤسـسـات؛ فــإن النتيجة تكون مؤجلة فقط لا ملغاة. الـيـوم تقف سـوريـا فـي لحظة تاريخية شديدة الـحـسـاسـيـة، ليست لحظة نـصـر ولا لحظة هزيمة. يــــرى الــبــعــض أن هـــنـــاك فـــرصـــة لــبــنــاء دولـــــة مـدنـيـة حـديـثـة، تـقـوم على المـواطـنـة، وعـلـى الـقـانـون لا على الـسـاح، وعلى الكفاءة لا على الـــولاء، فـي حـن يقرأ آخــــــرون المــشــهــد بــعــن الـــقـــلـــق، مــعــتــبــريــن أن الـــفـــراغ السياسي قد يُملأ بصيغ جديدة من الاستبداد، ولو بأقنعة مختلفة. ما يلفت النظر أن إبحار السلطة الجديدة خلال هذا العام لم يتم في فراغ إقليمي، بل جرى بمساندة واضـــحـــة مـــن جـــنـــاح الاعــــتــــدال الـــعـــربـــي، وخـصـوصـا مـــن دول الــخــلــيــج، وعـــلـــى رأســـهـــا المــمــلــكــة الـعـربـيـة السعودية. الفرق الجوهري هنا أن التحالفات هذه المرة صُنعت بحسابات صحيحة، على عكس ما فعله النظام السابق، حـن نسج، بقدر كبير مـن الحماقة السياسية، تحالفات خاطئة عزلته عربيا ودولـيـا، إلا أن التحالف الصحيح وحـده لا يصنع معجزات، لكنه يفتح نوافذ، ويمنح فرصاً، ويقي من الانـزلاق المـمـكـن إن اتُّــبــع الــهــوى وقُــدمــت الآيـديـولـوجـيـا على السوسيولوجيا... الدولة اليوم ليست آيديولوجيا صلبة، وليست مقرا رئاسياً، بل شبكة معقدة من القضاء المستقل، والإدارة الكفؤة، والاقتصاد المنتج، والتعليم الحديث، وحياد الجيش، وتكافؤ الفرص بين المواطنين. الشرع، خـال هـذا العام، أظهر مسلكا سياسيا مـخـتـلـفـا عــــن أنــــمــــاط الـــحـــكـــم الـــســـابـــقـــة؛ خـــطـــاب أقـــل صـدامـيـة، ومــحــاولات لإعـــادة الاعـتـبـار للمؤسسات، وفتح محدود للنقاش العام حول شكل الدولة المقبلة. هـذه إشـــارات إيجابية إن وُضعت في إطـار صحيح، لكنها لا ترقى بعد إلى مستوى التحول البنيوي. الـــتـــحـــدي الأول يـتـمـثـل فـــي إعــــــادة بـــنـــاء الـثـقـة. شعب عــاش سـنـوات طويلة فـي الـرعـب والــخــذلان لا يمكن أن يستعيد ثقته بين ليلة وضحاها؛ لأن الثقة تُبنى بـالـعـدالـة، ومحاسبة المـسـؤولـن عـن الجرائم، وتعويض الضحايا، وطي صفحات الثأر دون طمس الحقيقة. التحدي الثاني اقتصادي بامتياز، فسوريا خـرجـت مـن الـحـرب بجسد اقـتـصـادي منهك، وبنية تحتية مـدمـرة، وطبقة وسـطـى شبه غائبة. لا دولـة حديثة بلا اقتصاد منتج، ولا إعــادة إعمار حقيقية دون بيئة قانونية شفافة، ولا تنمية من دون شراكات إقليمية ودولية مستقرة. أما التحدي الثالث فهو اجتماعي وثقافي. وهنا تمتلك سوريا ميزة كبرى قلّما يُلتفت إليها بالقدر الــكــافــي، وهـــي رصـيـدهـا الـهـائـل مــن الــقــوة الناعمة؛ في الثقافة، والفن، والمـسـرح، والـدرامـا، والموسيقى، والأدب، والتعليم. هـذه مخزونات تاريخية عميقة، صـنـعـهـا ســــوريــــون مـــن خــلــفــيــات مـــتـــعـــددة عــلــى مر السنين، كما هو حال النسيج السياسي والاجتماعي نفسه. إعادة توظيف هذه القوة الناعمة في مشروع الدولة الحديثة ليست ترفاً، بل ضــرورة؛ لأنها أهدأ وأعـمـق أداة لترميم الـوعـي الوطني، وردم الـشـروخ، وصـــنـــاعـــة هــــويــــة جـــامـــعـــة تـــتـــجـــاوز مـــنـــطـــق الــغــلــبــة والهويات الضيقة. فــي الـبـعـد الإقـلـيـمـي، تـتـحـرَّك ســوريــا الــيــوم في مساحة معقدة مـن الــتــوازنــات. عـودتـهـا التدريجية إلى الفضاء العربي تمثل رافعة سياسية واقتصادية بـالـغـة الأهـمـيـة، لكنها تـظـل مـرهـونـة بـقـدرتـهـا على ضــبــط ســيــادتــهــا، وتــحــديــد عـاقـتـهـا بــالــقــوى الـتـي تــمــددت خـــال ســنــوات الـــصـــراع. هـنـا يـصـبـح الــقــرار الـسـوري أمــام اختبار مـــزدوج: أن يحسن الإفـــادة من الدعم العربي، وأن يتجنب الوقوع من جديد في فخ المحاور الصدامية. بعد عامين من الـيـوم، كيف يمكن أن ننظر إلى هـــذه الـتـجـربـة؟ هــنــاك سـيـنـاريـو نــاضــج، يتمثل في انــتــقــال مــن سـلـطـة الأمــــر الـــواقـــع إلـــى دولــــة الــقــانــون، عـبـر دســتــور تـوافـقـي، وانـتـخـابـات حقيقية، وإدارة لا تـقـوم على منطق الغنائم. وهـنـاك سيناريو آخر أكـثـر قـتـامـة، قـوامـه إعـــادة إنـتـاج الاسـتـبـداد بصيغة مختلفة، مع اختلاف الوجوه وبقاء الجوهر. مـا جــرى فـي سـوريـا خــال عــام واحــد هـو زلــزال سـيـاسـي كـامـل الأركـــــان، لـكـن الــــزلازل لا تبني المـــدن، بل تفتح المجال لإعادة البناء فقط. الفرق بين الدولة الـحـديـثـة والـــدولـــة الـهـشّــة هــو الــفــرق بــن التخطيط والمــــــؤقــــــت، بـــــن المـــــشـــــروع والـــــرغـــــبـــــة، بـــــن الـــقـــانـــون والارتجال. سوريا بحاجة إلى عقد اجتماعي جديد، ومـــؤســـســـات قـــويـــة، ولــيــســت بــحــاجــة إلــــى خـطـابـات كــبــرى، بــل إلـــى سـيـاسـات صــبــورة وطـويـلـة الـنـفـس. التجربة لا تُقاس بالشهور، بل بالعقود. بعد عامين سيبدو المشهد أوضح؛ إما أن تكون سوريا قد وضعت قدمها الأولــى على طريق الدولة المدنية الحديثة، أو تكون قد دخلت نفق إعادة إنتاج أزماتها بملامح جديدة. وفي الحالتين، سيكون هذا العام التأسيسي قد كتب الفصل الأهـم في مستقبل الــــبــــاد. هــــذه لــيــســت مــعــركــة أشــــخــــاص، بـــل مـعـركـة نموذج؛ نموذج الدولة التي تحمي مواطنيها لا التي تعيد تدوير الخوف. آخـر الكلام: ينبغي الالتفات إلـى القوة الناعمة السورية وأهميتها في بناء الدولة الحديثة. سوريا... اختبار الدولة لا اختبار السلطة OPINION الرأي 15 Issue 17182 - العدد Saturday - 2025/12/13 السبت عبد الرحمن شلقم محمد الرميحي
RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky