issue17181

يوميات الشرق ASHARQ DAILY 22 Issue 17181 - العدد Friday - 2025/12/12 الجمعة حكاية غير تقليدية تنمو بين الخوف والرغبة في «البحر الأحمر» «مسألة حياة أو موت»... حين يضع الحب يده على حافة العبث اعتادت السينما أن تفتح مساحتها للعلاقات الـــتـــي يــعــجــز الــــواقــــع عــــن مــنــحــهــا فـــرصـــة حـــــدوث. شخصيات منكسرة، أو متناقضة، أو واقـفـة على حافة الوجود، تلتقي في لحظة غير متوقَّعة لتُشكّل علاقة لا تُقاس بمنطق الحياة اليومية. هذا النوع من الحكايات، كما في أفلام مصاص الدماء البشري »، لا يـــقـــدّم الــحـــب بـوصـفـه Humanist Vampires« خـــاصـــا رومـــانـــســـيّـــا تــقــلــيــديــا، بـــل حـــالـــة إنـسـانـيـة طارئة، تنبت في ظروف أقرب إلى المستحيل. ضـمـن هـــذا المـــســـار، يـــنـــدرج الـفـيـلـم الـسـعـودي «مـــســـألـــة حـــيـــاة أو مـــــــوت»، المــــعــــروض فــــي الــــــدورة الخامسة من مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الــــدولــــي»، والـــــذي يـتّــخـذ مـــن جـــدة خـلـفـيـة صاخبة لحكاية حب غير تقليدية، تتقاطع فيها الرغبة في الموت مع الميل إلى القتل، قبل أن يُعيد الحب تعريف المعنى نفسه للحياة. امرأة تنتظر نهايتها ورجل يراوغ يـــــــروي الـــفـــيـــلـــم قـــصـــة «حـــــيـــــاة»، امــــــــرأة تــؤمــن بـــالـــخـــرافـــات، وتــعــيــش بـقـنـاعـة راســـخـــة بـــــأن لعنة مُتوارثة ستقضي عليها في عيد ميلادها الثلاثين. هـــذا الإيـــمـــان يـجـعـلـهـا مـسـتـعـدّة تـمـامـا لاسـتـقـبـال مصيرها المحتوم، بلا مقاومة أو محاولة للفرار. فـي المقابل، يقف «يـوسـف»، جـــرّاح القلب العبقري والخجول، الــذي يعاني تباطؤا في نبضات قلبه، ويجد رغبته الوحيدة حين يمسك بالمشرط، بينما يكافح ميلا خفيا للقتل يحاول كبحه داخلياً. حين ينسج القدر خيوطه بين امـرأة ترغب في المــوت، ورجــل يُخفي رغبة فـي القتل، تنطلق خطة مأساوية يتفقان عليها، وتسير في بدايتها وفق ما رُسـم لها. غير أن التدخل غير المتوقَّع للحب يقلب المسار، لا بوعود رومانسية مألوفة، بل بإعادة ربط الشخصيتين بالحياة نفسها. سينما الشخصيات قبل القصة يعتمد الفيلم، كما توضح كاتبة السيناريو وبـطـلـتـه ســـــارة طــيــبــة، لــــ«الـــشـــرق الأوســـــــط»، على الــشــخــصــيــات بــوصــفــهــا نــقــطــة الانــــطــــاق الأولـــــى، قبل الـفـكـرة أو الحبكة. فالشخصيات هنا ليست أدوات لخدمة المفارقة، بل كائنات إنسانية تحمل هـشـاشـتـهـا، ووحــدتــهــا، وتـنـاقـضـهـا الــداخــلــي. من هذا المنطلق، تبدو «حياة» و«يوسف» شخصيتين يـمـكـن تـصـديـقـهـمـا، رغـــم غــرابــة الـــظـــروف المحيطة بهما، لأن دوافعهما تنبع من تجارب داخلية لا من رغبة في الاستفزاز الدرامي. علاقة تولد من الوحدة العلاقة التي تتشكَّل بـن «حـيـاة» و«يـوسـف» لا يمكن تصنيفها بـسـهـولـة عـلـى أنـهـا قـصـة حـب تـقـلـيـديـة أو فــعــل إنـــقـــاذ مــبــاشــر. فـكـاهـمـا يحمل تاريخا من الوحدة والانفصال المبكر. «حياة» فقدت والديها فـي طفولتها، فـي حـن نشأ «يـوسـف» في ظـــل غـيـاب عـاطـفـي فـرضـه مـــرض والــدتــه وانـشـغـال والــــــده. هـــذه الـخـلـفـيـات المـتـقـاطـعـة تـصـنـع أرضـيـة مـشـتـركـة بـــن شــخــصَــن مـتـنـاقــضَــن فـــي الـظـاهـر، لكنهما متشابهان في العزلة. ومـــع تــطــوُّر الــعــاقــة، يــتــحــوَّل الاتـــفـــاق الأولـــي بــيــنــهــمــا مــــن فـــعـــل عـــبـــثـــي إلـــــى مـــســـاحـــة لــلــتــقــارب الإنـــــســـــانـــــي، لـــيـــصـــبـــح الـــــحـــــب تــــدريــــجــــا ســـبـــبـــا فـي إيقاظهما من حالة العبث والفراغ التي يعيشانها. جدة... المكان الذي يعرف الحكاية يـــولـــي المــــخــــرج أنـــــس بـــاطـــهـــف أهـــمـــيـــة خــاصــة للمكان، فتتحوَّل جدة في الفيلم إلى أكثر من خلفية. المدينة تُقدَّم كما يعرفها أهلها، بطابعها الصاخب وتناقضاتها البصرية، وبقربها من البحر الأحمر الذي يمنح العمل مساحات للتأمُّل وسط الفوضى. عــــرض الـفـيـلـم لــلــمــرة الأولـــــى ضــمــن مـهـرجـان «البحر الأحمر»، وأمام جمهور جدة تحديداً، يشكّل لحظة مفصلية في رحلته، ليس فقط لأن الأحـداث تـــدور فيها، بــل لأن المـديـنـة ذاتـهـا تشكّل جـــزءا من ذاكرة الفيلم وحسّه البصري. ويـقـول باطهف لــ«الـشـرق الأوســــط»: «ينتمي (مـــســـألـــة حـــيـــاة أو مــــــوت) إلـــــى فـــضـــاء الــكــومــيــديــا السوداء، إذ تتجاور الدراما الثقيلة مع نبرة خفيفة في بعض الشخصيات الثانوية، مما يمنح العمل توازنا يمنعه من الانزلاق إلى القسوة أو الميلودراما. الـهـواجـس الـتـي يعيشها الأبــطــال تُــقــدّم بوصفها صادقة من داخلهم، وإن بدت عبثية من الخارج، في مقاربة تعكس تناقض الإنسان الحديث في تعامله مع الخوف، والرغبة، والحياة». انطلاقة من «البحر الأحمر» يـشـكّــل «الــبــحــر الأحـــمـــر» مـحـطـة أســاســيــة في مسار الفيلم، لا سيما أن المهرجان دعـم العمل في مـرحـلـتَــي الـتـطـويـر والإنـــتـــاج. انــطــاق الــرحــلــة من هــذا المحفل يمنح الفيلم بعدا خـاصـا، لكونه يبدأ من المكان الذي يحكي عنه، قبل أن يتّجه لاحقا إلى جمهور أوسع. فــي الـنـهـايـة، لا يــقــدّم «مـسـألـة حــيــاة أو مــوت» إجابات جاهزة عن الحب أو النجاة، بل يترك المشاهد أمام تجربة إنسانية غير مألوفة، تُذكّر بأن السينما، حـن تضيق الـحـيـاة، قـد تـكـون المـكـان الـوحـيـد الـذي يسمح لمثل هذه العلاقات بأن ترى النور. جدّة: أسماء الغابري صنّاع الفيلم على السجادة الحمراء خلال العرض الخاص (البحر الأحمر) مُلصق الفيلم (البحر الأحمر) عن كواليس فيلم «المجهولة» المنتج الأميركي تحدث لـ براد نيمان: التطور الفني السعودي يعيد رسم خريطة السينما العربية قــــال المــنــتــج الأمـــيـــركـــي بـــــراد نــيــمــان إن علاقته بفيلم «المجهولة» بدأت منذ اللحظة الأولــى التي عرضت فيها زوجـتـه، المخرجة السعودية هيفاء المـنـصـور، فـكـرة المـشـروع، إذ وجـــد نـفـسـه أمــــام قـصـة ذات بــنــاء محكم ونهاية مفاجئة يصعب التنبؤ بها. وأوضح أن هــيــفــاء اســتــطــاعــت صــيــاغــة مــوضــوعــات اجـــتـــمـــاعـــيـــة حـــســـاســـة داخـــــــل إطـــــــار درامــــــي متماسك، يقوم على لغز تتقدّم فيه الأحداث تـدريـجـيـا وتُــفــتــح مـــن خــالــه أسـئـلـة تتصل بـنـظـرة المـجـتـمـع إلـــى المــــــرأة، وبــمــا تـواجـهـه النساء مـن تحديات قـد تبدو خفية، لكنها حاضرة في كل تفصيلة. وأضــــــــاف لـــــ«الــــشــــرق الأوســـــــــط» أن مـا جـذبـه أكـثـر هــو وجـــود هـــذه الـقـضـايـا داخــل سرد سريع ومتماسك، يجعل المتفرج يتابع تـــطـــوّر شـخـصـيـة «نــــــوال» مـــن لـحـظـة عـاديـة فـــي بـــدايـــة الـفـيـلـم إلــــى حــالــة مـــن الانــغــمــاس الــكــامــل فـــي الـتـحـقـيـق الــــذي تــتــولّــى قـيـادتـه بنفسها. وأشـار إلى أن وجود هذه الحكاية فــي الـسـعـوديـة جـعـل الـتـجـربـة أكـثـر واقعية بـالـنـسـبـة لــــه، لأن المـــكـــان جــــزء أســـاســـي من المــعــنــى، ولأن الــجــمــهــور المــحــلــي قــــادر على قـراءة طبقات العمل ومرجعياته بطريقة لا تتحقق بالقدر نفسه في العروض الدولية. وأشــــار نـيـمـان إلـــى أن الـفـيـلـم كُــتــب مع وضـــع اخـتـيـار المـمـثـلـن بـعـن الاعــتــبــار منذ البداية، وعلى رأسهم ميلا الزهراني وشافي الـــحـــارثـــي، الــــلــــذان عــمــا مـــع هــيــفــاء سـابـقـا ويعرفان تماما طبيعة الأسلوب الذي تتبعه فــي إدارة المـمـثـلـن، فـكـانـا يـثـقـان بقدرتهما عـلـى تجسيد الـشـخـصـيـات الـرئـيـسـيـة التي تتطلب حـضـورا ثابتا وتـفـاعـا مـع تقلبات السرد. أما بقية الممثلين الشباب، فقد جاءوا من خلفيات مختلفة، وبعضهم معروف على المنصات الرقمية، ورغم ذلك قدموا أداء فاق الـتـوقـعـات، وهـــو مــا عـــدّه نـيـمـان دلــيــا على جيل يتعامل مع السينما بوصفها مساحة جدية، وليس فرصة عابرة للظهور. وتـــــــوقـــــــف عـــــنـــــد لــــحــــظــــة الـــــــعـــــــرض فـــي السعودية خـال مهرجان «البحر الأحمر»، قائلا إن رد فعل الجمهور المحلي كان مختلفا عمَّا شاهده في «تورونتو» و«زيوريخ»، ففي جــدَّة يلتقط الجمهور التفاصيل الصغيرة المرتبطة باللهجة، وطريقة الحياة اليومية، والإشــــــــارات الاجــتــمــاعــيــة الـــتـــي قـــد لا تُــفـهـم خــارج هـذا السياق. ولـذلـك شعر بـأن الفيلم عُــــرض فـــي المـــكـــان الــــذي يـنـتـمـي إلــيــه فــعــاً، خصوصا مع تفاعل المشاهدين مع المفاجآت والتفاصيل التي بُني عليها العمل. ثم تطرق نيمان إلـى طبيعة العمل مع هيفاء المنصور بوصفها زوجـتـه ومخرجة الـفـيـلـم، مـشـيـرا إلـــى أن الــتــعــاون بينهما لا يـخـلـو مــن صــعــوبــات، لـكـن وضــــوح رؤيـتـهـا فـي كـل مـشـروع يجعل الأمـــور أكثر سلاسة. ويـصـف نيمان دوره الأسـاسـي بـأنـه توفير الأدوات التي تحتاج إليها لتنفذ الفيلم كما تــراه، مؤكدا أنـه يتعامل مع الأمـر بالطريقة نفسها ســـواء بصفته منتجا أو زوجـــا، لأن الـهـدف فـي النهاية واحـــد، وهـو تقديم فيلم مكتمل قادر على الوصول إلى جمهوره. وأكـــــد أن قـــراراتـــهـــمـــا الإنــتــاجــيــة تُــبـنـى دائما على ميزانيات محدودة، ما يدفعهما إلـــى تـوظـيـف كــل مــا هــو مــتــاح فــي الــصــورة نــفــســهــا بـــــدل إنـــفـــاقـــه عـــلـــى أمــــــور جــانــبــيــة. وأضــــاف أن عملها فــي السينما السعودية لا يرتبط بالبحث عـن ميزانيات أكبر بقدر ما هو انعكاس لرغبتها في روايـة حكايات قـريـبـة مـــن الـــنـــاس، نـابـعـة مـــن مــكــان تعرفه ويعرفها، كما حدث في «المجهولة». تـدور أحـداث «المجهولة» حول «نـوال»، من عمرها، تعود إلى 29 وهي مطلّقة في الــ مسقط رأسها بحثا عن بداية جديدة. تعمل فـي وظيفة إداريـــة فـي مخفر الشرطة، حيث تتولى رقمنة الملفات القديمة، لتجد نفسها أمـام جريمة غامضة بعد العثور على جثة فـتـاة مجهولة الـهـويـة تــرتــدي زيّـــا مدرسيا مــشــابــهــا لمــــا كـــانـــت تـــرتـــديـــه. يــدفــعــهــا هـــذا الاضـــطـــراب الــداخــلــي إلـــى خـــوض تحقيقها الــخــاص، مستفيدة مـن قـدرتـهـا على قــراءة تجارب النساء وتفاصيل الحياة التي تمر عادة دون الانتباه إليها. وانــتــقــل نــيــمــان لـلـحـديـث عـــن الـتـحـول الـجـذري الــذي شهدته صناعة السينما في الـسـعـوديـة خـــال أقـــل مــن عــقــد. وأوضــــح أن خبرتهما في أثناء تصوير فيلم «المرشحة كــانــت قــائــمــة على 2018 المــثــالــيــة» فـــي عــــام محاولات مستمرة لتجاوز صعوبة العثور عـــلـــى طــــواقــــم فــنــيــة أو مــــعــــدات مــنــاســبــة أو مواقع تصوير مجهزة. أما اليوم، فالوضع مختلف تماماً: فقد أصبحت شركات الإمداد بالمعدات متوفرة داخل البلاد، والفرق الفنية جـاهـزة، وإجـــراءات التصوير أكثر تنظيماً، إلى جانب وجود دعم رسمي يسهل عمليات الإنتاج ويخلق بيئة عمل مستقرة. ولاحــــظ نـيـمـان أن الـسـعـوديـة أصبحت تملك سوقا محلية قادرة على استيعاب أفلام محلية وتحقيق إيـــرادات تعيد للمشروعات تـكـلـفـتـهـا مـــن دون الاعـــتـــمـــاد عــلــى الأســـــواق الخارجية، وهو ما لم يكن ممكنا قبل سنوات. وأكـــد أن هـــذا الـتـحـول يعيد تشكيل خريطة الـسـيـنـمـا الــعــربــيــة، لـيـس فـقـط بـسـبـب حجم الـسـوق، بـل أيضا لأن الجمهور يمتلك رغبة حقيقية فـــي مـتـابـعـة قـصـص مـــن بـيـئـتـه، ما يشجع صناع الأفلام على تطوير مشروعات مستقلة تخاطب الجمهور المحلي مباشرة. وتــحــدث نـيـمـان عــن اخــتــاف الـتـجـارب الــــتــــي مــــــر بـــهـــا بـــرفـــقـــة زوجــــتــــه هـــيـــفـــاء بـن عملهما في الـغـرب، حيث تعمل حاليا على مسلسل أمـيـركـي فــي كــنــدا، ومشروعاتهما في السعودية، عــادّا أن الـقـدرة على التحرك بــــن بــيــئــتــن مــخــتــلــفــتــن تــمــنــحــهــمــا فـهـمـا أوسـع لطبيعة الإنتاج وطـرق إدارة الطواقم وأسـالـيـب العمل الحديثة. وأضـــاف أن هذه الـخـبـرة تجعلهما قـــادريـــن عـلـى الــربــط بين العناصر الـدولـيـة والـسـعـوديـة فـي مشروع واحـد، وهو ما يسعيان إليه في مشروعات مستقبلية تتضمن دمـج طاقات محلية مع فرق عالمية ضمن سياق سعودي. وفــيــمــا يـتـعـلـق بـــالمـــشـــروعـــات المـقـبـلـة، قــال نيمان إنهما يعملان حاليا على فيلم رعـب جديد يعتمد على لغتين، الإنجليزية والعربية، وتدور أحداثه في السعودية. ويـــــــــرى نــــيــــمــــان أن المـــــــشـــــــروع خـــطـــوة لتوسيع نطاق التعاون بين صناع السينما محليا ودولياً، من خلال عمل يجمع ممثلين ســعــوديــن مـــع مـمـثـلـن مـــن الـــخـــارج، ضمن حـــكـــايـــة تــــــدور فــــي بــيــئــة ســــعــــوديــــة، لـكـنـهـا مصممة بإيقاع سينمائي قــادر على جذب جمهور عالمي. عدد من صناع فيلم «المجهولة» خلال العرض الأول في «مهرجان البحر الأحمر» (إدارة المهرجان) جدّة: أحمد عدلي براد نيمان وهيفاء المنصور يستفيدان من خبرتهما لدمج المحلي بالدولي في مشروعات مستقبلية المنتج الأميركي براد نيمان (مهرجان البحر الأحمر) عرض الفيلم للمرة الأولى عالميا في مهرجان «تورونتو» (مهرجان البحر الأحمر)

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky