OPINION الرأي 12 Issue 17181 - العدد Friday - 2025/12/12 الجمعة وكيل التوزيع وكيل الاشتراكات الوكيل الإعلاني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] المركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 المركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى الإمارات: شركة الامارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 المدينة المنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب الأولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية الموجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها المسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة لمحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي بالمعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com ظريف وإعادة صياغة الرواية الإيرانية يــمــثّــل وزيـــــر الــخــارجــيــة الإيـــرانـــي الأســــبــــق جــــــواد ظـــريـــف نــقــطــة الــتــقــاء بـــــن الــــنــــخــــب الـــســـيـــاســـيـــة الإيــــرانــــيــــة والطبقة الحاكمة بشقيها الإصلاحي والمــــحــــافــــظ؛ طـــبـــقـــة يــســكــنــهــا هــاجــس إمبراطوري توسّعي يسعى لاستعادة المــجــال الـحـيـوي الـقـديـم لإيـــــران. حيث فــي تـبـريـر سـرديـتـه 1979 نـجـح نــظــام الـجـيـوسـيـاسـيـة مـــن خـــال الـــدمـــج بين الإرثين الإمبراطوري والعقائدي، تحت شـعـار «تـصـديـر الــثــورة»، مـع الإصـــرار الدائم على نفي أي طابع توسّعي لهذا الــنــفــوذ واعـــتـــبـــاره انـعـكـاسـا لـــ«المــوقــع الطبيعي» لإيران. فــــي مـــنـــتـــدى الــــدوحــــة بـــــدا ظــريــف مــــســــتــــفَــــزَّاً؛ فـــلـــم يــســتــطــع دبـــلـــومـــاســـي إيــــران الأشــهــر إخــفــاء انـفـعـالـه. الـرجـل الــــذي لـطـالمـا قُـــــدّم كــوجــه مـعـتـدل ظهر بنبرة أقــرب إلـى خطاب الصقور. قـدّم ظريف قــراءة جديدة لأربعة عقود من التدخلات الإقليمية، مانحا سياسات الــنــفــوذ الإيــرانــيــة غــطــاء أخــاقــيــا عبر ربــطــهــا بــالــقــضــايــا الــعــربــيــة الــكــبــرى، خــــصــــوصــــا فـــلـــســـطـــن، فــــــي مـــواجـــهـــة الـروايـة المقابلة التي تـرى هـذا النفوذ مـشـروعـا قوميا - إمـبـراطـوريـا بغطاء آيديولوجي. ورغــــــم إقـــــــــراره بـــــأن إيــــــــران دفــعــت «ثمنا باهظاً» لدعم وكلائها فإنه نفى أن تكون قـد استخدمتهم لمصلحتها، معتبرا أنهم قاتلوا من أجل قضاياهم لا من أجل طهران. ففي لحظة ارتباك، بـــــدا ظـــريـــف كـــأنـــه يــجــمــع بــــن الـــشـــيء ونـــقـــيـــضـــه: فـــهـــو يـــعـــتـــرف بــالــخــســائــر التي راكمها هــذا النهج، لكنه يرفض الاعـــتـــراف بضعف إيـــــران، ويــعــود إلـى لغة المبالغات، مؤكدا أن بلاده ما زالت «الأقـــوى فـي المنطقة مـن دون مـنـازع». كما دعا الدول العربية والإقليمية إلى الوحدة في مواجهة «التهديد المركزي الإسرائيلي». الــــــــواضــــــــح أن ظــــــريــــــف ونــــظــــامــــه يـــــــــواجـــــــــهـــــــــان مــــــحــــــنــــــة فــــــــــي الــــــنــــــفــــــوذ الجيوسياسي نتيجة مواجهة مباشرة بـن يمينين: إيـرانـي وإسرائيلي، أدّت جــولــتــهــا الأولــــــى إلــــى إضـــعـــاف إيــــران وعــــــزل تــــل أبـــيـــب فــــي آن مـــعـــا. وكـــانـــت الـنـتـيـجـة الاسـتـراتـيـجـيـة أنـــه لا يمكن الــقــبــول بــالــغــطــرســة الإســرائــيــلــيــة في النظام الإقليمي الـجـديـد، وأن طهران لم تعد ركنا أساسيا في مثلث المنطقة التقليدي (إيـــران - تركيا - إسـرائـيـل)، وقد حلّت السعودية وباكستان محلّه في أحد محاور التوازنات الجديدة. هـذا التحوّل هـو مـا يفسّر انفعال ظــريــف ومــحــاولاتــه اســتــبــاق مــســارات ســـيـــاســـيـــة جـــــديـــــدة قـــيـــد الـــتـــشـــكـــل فـي المـنـطـقـة؛ فـخـطـابـه لـيـس مــجــرد تبرير للماضي، بل دفاع عن مستقبل النفوذ الإيـــــــرانـــــــي فـــــي مــــرحــــلــــة تـــتـــغـــيـــر فــيــهــا الـتـحـالـفـات. ومــحــاولــة أخـــيـــرة لإقـنـاع الـجـمـهـور الإقـلـيـمـي بـــأن إيــــران ليست مـــشـــروعـــا ديــنــيــا-قــومــيــا يـهـيـمـن على الــــدول، بـل دولـــة «مظلومة» تـدافـع عن نفسها وعمن حولها. داخـــلـــيـــا، خـــاطـــب ظـــريـــف الـشـعـب الإيــــرانــــي بــســرديــة جـــديـــدة بــديــلــة عن الـــخـــطـــاب الـــــثـــــوري الـــتـــقـــلـــيـــدي. فــرغــم اعــتــرافــه بـالـخـسـائـر الــتــي تَــســبّــب بها هــذا الـخـطـاب لإيـــران ومـعـانـاة الـداخـل منها، فإنه في روايته الجديدة لم يعد يـــبـــرّرهـــا بــوصــفــهــا واجـــبـــا «أخـــاقـــيـــا» أو «مــــقــــاومــــا»، بـــل بــوصــفــهــا ضــــرورة استراتيجية. وعــلــيــه، أعـــــاد ظـــريـــف فـــي مـنـتـدى الـــــدوحـــــة صـــيـــاغـــة الـــــروايـــــة الإيـــرانـــيـــة الــجــديــدة، رافــضــا حـصـرهـا فــي الـــدور الإقـلـيـمـي، بـل معتبرا أن إيـــران «مركز ثـقـل حــضــاري» تتمحور حـولـه دوائـــر الـــنـــفـــوذ. لــكــن هــاجــســه الــحــقــيــقــي ظــل واضحاً: فالتوسّع بات ضرورة للبقاء، أمّا التراجع فيهدّد وجود النظام. مصطفى فحص رغم إقراره بأن إيران دفعت «ثمنا باهظاً» لدعم وكلائها فإنه نفى أن تكون قد استخدمتهم لمصلحتها الآلام النفسية السورية صــــورة الــطــفــل الـــســـوري الـــغـــارق آلان كــــردي هـــزّت العالم فـي وقتها. لا بـد أن تتساءل بعد أن تشاهدها: لمـــاذا يـمـوت هــذا المـــاك الصغير بـهـذه الـطـريـقـة؟ منكبّا على وجهه المنغمس في رمـال البحر الـبـاردة. ثم رأينا بعد ذلك الطفل عمران وهو مصاب بالفزع من القصف والــــدمــــاء تــلــطّــخ وجـــهـــه. هــــذه الأحــــــداث تـجـعـلـك تـشـكّــك بجدوى ومنطقيّة الحياة. ولكن العدالة أخذت - بفضل الـلـه - مـجـراهـا فـي النهاية. هـــؤلاء الأطــفــال فـي بلدهم، والأسد منفي وهارب، ومعزول في شقّته الفاخرة. عندما روى بعض هؤلاء الصغار المُعذَّبين قصصهم في احتفال سقوط الأسد وأبكوا الحاضرين، شعرت بكم الآلام والـنـدوب العميقة في النفسيّة السورية. سنوات طـويـلـة مــن الـحـكـم الـبـولـيـسـي الـرهـيـب سـتـتـرك خلفها جروحا عميقة تحتاج إلى سنوات طويلة حتى تُعالج. ولا يعني هذا أن دولنا العربية واحات للحريات، ولكن الأنـظـمـة البوليسية - مثل نـظـام الأســـد - الـتـي تسحق قيمة الإنـسـان وتفقِره وتُعذّبه وتفتقد لأبسط درجـات الـــعـــدالـــة والأخـــاقـــيـــات، لا يـمـكـن أن تـسـتـمـر. وسـتـظـل مـــصـــدرا لـلـقـاقـل والـــفـــوضـــى والابــــتــــزاز عــلــى المـسـتـوى السياسي، ورحيلها مفيد للدول الناجحة التي تبحث عن الاستقرار والتركيز على التنمية. مـهـمـة الـــرئـــيـــس الــــســــوري أحـــمـــد الـــشـــرع مفصلية وتاريخية وليست سهلة. عندما احتضنه هؤلاء الأطفال والصغار الدامعون، فإنهم يرون فيه الرجل القادر على تخليصهم من تلك الذكريات المظلمة والأوجاع العميقة. رجال الدولة المخلِصون والصادقون هم القادرون على طي هذا الفصل المُظلم من التاريخ السوري: كيف يثبت حكمه ويـحـافـظ عـلـى وحـــدة بـــاده مــن الساعين إلـــى تمزيقها، وكـيـف يعيد بـنـاءهـا مــن جــديــد، وكيف يستقطب الكفاءات ويُبعد المنافقين ويحارب الفاسدين، وكيف يكسب ثقة القلقين ويجمع المختلفين، ويقف في وجــه المـخـربـن، ويضمن - فــوق كـل ذلــك - معالجة هذه الجروح العميقة والندبات الغائرة. مهمة صعبة ودقيقة؛ فالقوة مطلوبة لأن الضعف يُــــغــــري الأشــــــــرار بـــالانـــقـــضـــاض، ولـــكـــن الــــقــــوة المــفــرطــة سـتـحـرّك الــجــروح النفسية الـغـائـرة مـن جـديـد. ومهمة رجل الدولة الأولى أن يحافظ على كيان وطنه ويمنعه مــن الـتـمـزق والـتـقـسـيـم، وفـــي الــوقــت نـفـسـه يـجـعـل منه دولــة ناجحة ووطـنـا للجميع مـن كـل الأعـــراق والأديـــان والثقافات. نتذكر أن الرئيس الأميركي أبراهام لنكولن قضى أغلب فترة حكمه في الحرب الأهلية؛ لأنه لم يُرِد أن تـتـمـزق بـــاده وتـنـتـهـي لــأبــد. لــو لــم يفعل ذلـــك، لما عرفنا أميركا القوية التي نعرفها اليوم، ولتشظّت إلى دويلات متفرقة. فيما يخص البناء السياسي لمنظومة الحكم، فإن للعالم السياسي هانتغتون وجهة نظر أجدها منطقية: بناء الديمقراطية لا يرتبط بالتحديث فقط، بل بتطوير المــؤســســات والـثـقـافـة. فحتى لــو كـانـت الـــدولـــة ناجحة اقتصادياً، فإنها ستفشل فـي التحول إلـى ديمقراطية إذا كانت تفتقر إلى بنية سياسية ناضجة ومؤسسات حكم مستقرة، فكيف إذا كانت فقيرة؟ سيكون الوضع بالطبع أكثر تعقيداً. وهذا سر تعثر التجربتين العراقية والأفغانية؛ لأن الديمقراطية فُرضت من الأعلى، لا من الأسفل. لم تمد جذورها العميقة داخل المجتمع. فُرضت بالقوة لكنها تحولت إلى شكلية. ومن دون دولة قوية ومــؤســســات، وحــكــم قــانــون ومـحـاسـبـة، وثـقـافـة تُبنى على فـتـرات طويلة وبـنـار هـادئـة، وعلى إيـقـاع الساعة السورية فقط، فإن الديمقراطية المولودة قسريا ستولد مـريـضـة. تستحق ســوريــا، بعد عـقـود صعبة وأوجـــاع عميقة، فرصة ثانية. ممدوح المهيني المانحون الكبار وضحاياهم في الحقيقة، إن موضوع المانحين الدوليين يحتاج إلى لحظة تقويم صريحة ونقدية؛ لأنّها -أي مسألة المساعدات الــدولــيــة- تُـــســـوّق قـصـديـا بـخـطـاب يُــخـفـي أكـثـر مـمـا يعلن، إضافة إلـى أن تفكيك مضامين المنح الدوليّة وأبعادها من شأنه أن يضيء الرؤية في خصوص ما يُسمى دور المانحين الــدولــيــن فــي مــعــاضــدة الــبــلــدان ذات الـهـشـاشـة بـأبـعـادهـا المختلفة، كـي تكون أفضل وأكـثـر قــدرة على الصمود أمـام التحديات التي تواجهها. نظرياً، مـن الجيد وجـــود مانحين دولـيـن يعاضدون مجهودات الدول السائرة في طريق النمو والأخذ بيدها في تعثراتها الاجتماعية والاقتصادية، ولكن على أرض الواقع فـإن تفكيكا موضوعيا للمنح الدولية يقودنا إلـى تحديد الـحـجـم الـفـعـلـي لـلـفـائـدة، الـــذي هــو مــع الأســـف هـزيـل جــداً، وأحيانا مضحك. كما هو معلوم، فإن التوجه الغالب اليوم على تدخلات المـانـحـن الـدولـيـن هـو الـبُــعـد الاجـتـمـاعـي، وهــو تـوجـه بدأ .2001 ) سبتمبر (أيلول 11 التفطن إلى أهميته بعد أحـداث طبعا أول ما يتبادر إلـى الذهن عند تناول موضوع المنح الـدولـيـة لـدعـم مـجـهـودات الـحـكـومـات والمجتمع المـدنـي في المـــجـــال الاجــتــمــاعــي أن هــــذه الــجــهــات المــانــحــة تُـــقـــدم منحا مالية أو مساعدات عينية بوصفها تجهيزات أو غير ذلك، ولكن في الحقيقة فإن الشق المالي رمزي جداً، وأحيانا غير مــوجــود، والـغـالـب عـلـى المـنـح الـدولـيـة جـانـب الــدعــم الفني الذي يستفيد منه الخبراء الغربيون وعدد قليل من خبراء البلد مـوضـوع المـنـح. وهــو تصور كما نلاحظ تغلب عليه النظرة الاستعلائية لمضمون المنح الدولية؛ حيث إن بلداننا مثلاً، العربية والإسلامية، تعج اليوم بالكفاءات الوطنية الفنية، بل إن بعضا من دولنا بات يصدر الكفاءات لأوروبا والغرب عموماً. ويشمل الدعم الفني المتمثل في الدراسات، أو في إطلاق منصات إلكترونية جامعة للمعطيات، ومن ثم نفهم أن المعلن هو المساعدة على التحديث الرقمي، وأيضا التمكن من المعطيات بطريقة غير مباشرة، من دون أن نغفل عن كيفية توظيف المساعدات التي تقوم بها بعض الـدول في القضايا السياسية، وفي التأثير على القرارات الوطنية والمــواقــف تـجـاه مـا يـجـري فـي الـعـالـم. بتعبير بسيط جـداً، فإن الشعار هو: أساعدك بطريقتي وليس بطريقتك وحسب حاجتك، ومع ذلك فإنه مفروض عليك تنفيذ ما أمليه عليك في الصراعات الدوليّة! هذا فيما يخص المنح في علاقة الدول والمجتمع المدني. لـنـأت الآن إلــى الاعــتــراف الـصـادم والمـؤسـف الــذي جــاء على لسان الأمـم المتحدة حـول تراجع تمويل المانحين للنداءات الإنــســانــيــة الــعــاجــلــة، الأمـــــر الـــــذي دفــعــهــا إلــــى اتـــخـــاذ قـــرار وصفته بالقاسي والمؤلم، مفاده خفض تدخلاتها الإنسانية إلى النصف. وفــق هــذا الاعــتــراف الصريح فــإن الـوضـع حــول كيفية تلبية المانحين الدوليين الــنــداءات الإنسانية التي تتم عن طـريـق الأمـــم المـتـحـدة بـــات يُــثـيـر أسـئـلـة عـــدة، ويـبـعـث على مخاوف حقيقية تُهدد ملايين من الأشخاص الذين هم في حــال مـن المــفــروض أنـهـا تحتم على الـعـالـم عبر مؤسساته الأمـمـيـة تـوفـيـر المــســاعــدة، أو الـحـد الأدنــــى مـنـهـا، مــن أجـل التنفس، لا من أجل حفظ الكرامة. فــهــل الــعــالــم مـــــاض فـــي اتـــجـــاه الــتــفــريــط بــالــكــامــل في الملايين من البشر الذين هم بلا أكل ولا مأوى ولا ماء صالح للشرب، وبلا حتى أبسط دواء يقاومون به أمراض الفقر؟ أليس عدد كبير من المانحين الدوليين هم الذين أشعلوا فتيل الـحـرب وكـسـبـوا المـــال مـن بيع الأسـلـحـة، ومــن ثـم هم الذين تسببوا بشكل أو آخـر في هـدم بيوت ملايين البشر، وفــي انـهـيـار بلدانهم الـتـي كـانـوا على الأقـــل يــوفــرون فيها رغيف الخبز؟ ألـــيـــس المــعــنــيــون بــــالــــنــــداءات الإنـــســـانـــيـــة هـــم ضـحـايـا المانحين الدوليين ولو بطريقة غير مباشرة؟ تقول الأمم المتحدة إنها لا تستطيع تلبية نداء إلا نصف ؛2024 المستحقين لتدخلاتها، مستعرضة حقائق عـن عــام ،2025 ، مليار دولار لـهـذا الــعــام 47 حيث كــان الـهـدف جمع ولكن بسبب الـولايـات المتحدة وألمانيا ودول عـدة فإنها لم ملياراً، واصفة هذا المبلغ بكونه أدنى 12 تتلق إلا الربع، أي مستوى تمويل للنداءات الإنسانية خلال العقد الماضي. إذن، يمكن الاستنتاج بناء على اتجاه التراجع الواضح بالأرقام أن هناك خطة للتخلّي عن تمويل المساعدات، وأن المــحــتــاجــن لــلــمــســاعــدات لـــن يــكــونــوا مــحــل اهــتــمــام الــــدول الغنية. لنعلم أن العدد ليس هيناً، فالأمم المتحدة تتحدّث عن مليون شخص حـول العالم يحتاجون إلـى مساعدات 250 عـاجـلـة، وبطبيعة الــحــال الــعــدد الحقيقي يـتـجـاوز بكثير هـــذا الـــرقـــم. الــرســالــة الــجــديــدة الـتـي بـــدأت بـعـض شفراتها مــن ســنــوات تـتـمـثـل فــي أنـــه لا مــكــان لـلـذيـن يـعـيـشـون على المساعدات. لنفترض أننا أمام حسن النية، وأن الهدف هو القضاء على الحاجة إلــى المـسـاعـدة، ولكن هــذه الفرضية قـد تكون مقبولة إذا لم نكن نتحدث عن ضحايا بؤر التوتر والحروب والصراعات. كما كان يمكن قبول هذه الفرضية إذا لم يكن سـكـان غـــزة عـلـى رأس المـحـتـاجـن لـتـدخـل مـؤسـسـات الأمــم المتحدة والمـسـاعـدة. فمن الــذي أوجــد كـل هــؤلاء الضحايا؟ ومَــن شجع إسرائيل على ارتكاب الجرائم من دون أن يرف لــهــا جــفــن وهــــي تـــهـــدم غــــزة وتـجـعـلـهـا أكـــوامـــا مـــن الـبـيـوت المنهارة والعائلات المنكوبة؟ إننا في لحظة دولية مغايرة تماماً: كانت الدول القوية الغنية تُعالج تـداعـيـات دفاعها عـن مصالحها وتوسعها الاقــتــصــادي بــالمــســاعــدات والمــســؤولــيــة الــدولــيــة، أمـــا الـيـوم فـــإن قـــادة الــــدول المـانـحـة لا يـــرون جـــدوى مــن بـــذل أي جهد للمعالجة أو التخفيف من أوجاع ضحاياها. لذلك، فإن الرهانات اليوم كبيرة وصعبة: المطلوب من الـشـعـوب ألا تصل إلــى وضــع يجعل مـن إمكانية أن تكون بحاجة إلى الإغاثة أمرا وارداً. المطلوب أيضا ظهور الوعي بـــأن الــقــوة لا تـكـون إلا وطـنـيـا، وأنـــه لا شـــيء مضمونا من الخارج، ولا شيء مجانيا يأتي منه. الحاضر يكشف للجميع عما كان معتماً: الدول الغنية تأخذ ولا تعطي، وإذا أعطت فهو القليل الـذي سيتناقص، وتمويل المساعدات الإنسانية حجتنا الدامغة. آمال موسى
RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky