issue17180

يوميات الشرق «لم يحاول فهم الشر بقدر ما حاول تجسيد آلة تعمل من دون مشاعر» ASHARQ DAILY 22 Issue 17180 - العدد Thursday - 2025/12/11 الخميس جمهور «البحر الأحمر» هتف باسمه عقب عرض فيلمه : أميل للعزلة مثل بطل «يونان» جورج خباز لـ بــيــنــمــا يــكــتــشــف أن ذاكــــــــرة والــــدتــــه الــــعــــجــــوز تـــتـــاشـــى شـــيـــئـــا فــشــيــئــا وهـــو يـــحـــادثـــهـــا تـــلـــيـــفـــونـــيـــا، يـــعـــانـــي الـــكـــاتـــب اللبناني المـهـاجـر إلــى ألمـانـيـا مـن شعور بــالاغــتــراب والإحـــبـــاط والـتـعـاسـة يدفعه لــلــهــرب إلــــى جـــزيـــرة نــائــيــة لـيـتـخـذ قــــرارا جـــذريـــا بــرغــبــة قـــويـــة فـــي إنـــهـــاء حـيـاتـه، ووســــط أجـــــواء مـشـحـونـة بـالـتـوتـر الـــذي يسيطر عليه بالجزيرة المعزولة وقسوة المـــنـــاخ، يـقـتـرب مـــن تـحـقـيـق رغــبــتــه، لكن مواقف عديدة تقوده لاتجاه آخر، ليتبدل الـــــحـــــال مـــــع بـــطـــل فـــيـــلـــم «يــــــونــــــان» الـــــذي يُــعــرض ضـمـن مـسـابـقـة الأفــــام الطويلة بالدورة الخامسة لمهرجان البحر الأحمر الـــســـيـــنـــمـــائـــي، وهـــــو مــــن بـــطـــولـــة الــفــنــان اللبناني جــورج خباز والفنانة الألمانية هانا شيغولا، والفنان الفلسطيني علي سليمان إلــى جانب نضال الأشـقـر وتـوم بلاشيا. الفيلم من تأليف وإخراج المخرج السوري أمير فخر الدين، وتماهى الفنان الـلـبـنـانـي مــع شخصية «مــنــيــر» وحظي بتصفيق جمهور مهرجان البحر الأحمر الــــذي هــتــف بــاســمــه، قـــائـــاً: «بـنـحـبـك يا جورج». وكان الفيلم قد شارك بالمسابقة 75 الرسمية لمهرجان برلين خلال دورته الـ وحظي باهتمام لافت. ويــتــضــمــن فــيــلــم «يــــونــــان» حـــــوارات عـــديـــدة بـالـلـغـة الألمـــانـــيـــة يــؤديــهــا خــبــاز، حيث تدور الأحداث بألمانيا، بعد هجرته إليها وزواجه بألمانية، وكشف جورج، في حواره لـ«الشرق الأوسط»، عن أنه لم يكن لـديـه أدنـــى فـكـرة عــن الـلـغـة الألمـانـيــة لكن المخرج أمير فخر الدين طمأنه، قائلاً: «لا تحمل هما لذلك، سوف تتحدث بها لكن هـــذا يتطلب مـنـك جـهـدا ووقــتــا، ودرســـت أشهر مع 3 اللغة الألمانية بشكل عام لمدة التركيز على حوار الفيلم بشكل خاص». ويلفت خباز إلى أنه «خلال التصوير كان يحضر مدربا ألمانياً، وكنت بصحبة الـنـجـمـة الألمــانــيــة الــرائــعــة هــانــا شيغولا الــتــي تــعــد أيــقــونــة الـسـيـنـمـا الأوروبــــيــــة، وقد ساعدتني كثيرا في تصحيح بعض الألــفــاظ الـتـي تعطي مـصـداقـيـة لشخص قـــــــادم مـــــن الـــــشـــــرق الأوســـــــــط يـــعـــيـــش فـي هــامــبــورغ، عـــاوة عـلـى أن المــخــرج أيضا يقيم فـي ألمـانـيـا، وقــد كــان الفيلم تجربة جيدة رغم صعوبتها لكنها عرفتني على لغة جديدة ومجتمع جديد». وحـــــول عــاقــتــه بــالــســيــنــاريــو يـقـول إنـــه عُــــرض عـلـيـه مـكـتـمـا وأحـــبـــه كـثـيـراً، وبالطبع طرأت عليه تعديلات وإضافات، مـؤكـدا ثقته الكاملة بـالمـخـرج، لافـتـا إلى أن اخـــتـــيـــار المــــخــــرج لــــه لــــيــــؤدي بــطــولــة «يــونــان» جــاء بعد مشاهدته لخباز في فــيــلــم «أصــــحــــاب ولا أعــــــز»، حــيــث كـانـت شخصيته بالفيلم تعتمد على رد الفعل أكـثـر مـن الفعل ورأى فيه عـيـون «منير» بطل «يونان». ويشير خباز إلى تحمسه كثيرا لهذه التجربة التي تعتمد على الحوار الصامت والـلـغـة الـشـعـريـة الفلسفية لإيـمـانـه بـأن السينما لغة الصورة، مثلما يقول: «حين تعجز الصورة عن التعبير يبدأ الكلام»، لا سيما مع هذا النوع من السينما الذي يعطي المتلقي الحرية والفضاء الواسع للتلقي وتحليل العمل والاعتناء باللغة الـــشـــعـــريـــة والـــــرؤيـــــة الــفــلــســفــيــة لـتـعـكـس الصراعات بطريقة رائعة. ولــــم يــجــد الـــفـــنـــان جـــــورج خـــبـــاز في مساحات الصمت بالسيناريو التي طالت بالفيلم أي مشكلة، مــؤكــدا أنـهـا سينما تطرح الأسئلة والصراعات الداخلية التي قـد ترتبط بأسئلة ليس لها أجـوبـة لكن علينا أن نطرحها بشكل أو بآخر، وهي السينما الـتـي يقدمها أمـيـر فـخـر الـديـن وقـــد شــاهــدت أعـمـالـه الــرائــعــة عـلـى غــرار فيلم «الغريب». ويـلـفـت الــفــنــان الـلـبـنـانـي إلـــى نـقـاط تـمـاس بينه وبــن بطل «يـــونـــان»، قـائـاً: «نـــحـــن نـــتـــاقـــى فــــي نـــقـــاط عــــديــــدة، فــأنــا أصلا أميل للعزلة، لكن عزلة (منير) أكبر وأعمق وعائلته كلها مآسٍ، لكن مع تطور الــشــخــصــيــة نـــجـــده شــيــئــا فــشــيــئــا يــعــود لـيـحـب الــحــيــاة ويـتـمـاهــى مـــع الـطـبـيـعـة، هـــذا الــشــيء سـاعـدنـي عـلـى أن أخـــرج من الــشــخــصــيــة فـــي الـــنـــهـــايـــة، ولـــــدي شـعـور بـــالـــراحـــة بـــعـــدمـــا بــقــيــت مــــع الـشـخـصـيـة لـوقـت طـويـل وكلما عــدت للفيلم تذكرت هـــذه الـتـجـربـة بـكـل حــاوتــهــا وقـسـوتـهـا فـي مشاهد الـجـزيـرة، حيث رمـزيـة المـوت والمــيــاد الـجـديـد الـــذي عـاشـه مثل النبي يونان (سيدنا يونس) الذي بقي في بطن الـــحـــوت، وهــــذا الـــشـــيء أثـــر فـــي وعلمني الكثير في حياتي». وعــــبّــــر جـــــــورج خــــبــــاز عــــن ســـعـــادتـــه لاستقبال الجمهور له، وأشار إلى أن من المهم الانتقاء للفنان، مؤكدا أن «اختياراته ترتبط بالقيمة الفنية والإنسانية التي عَـــدّهــا دســتــورا يحكم اخــتــيــاره للأعمال الـــفـــنـــيـــة لــلــعــمــل ســـــــواء فــــي الــســيــنــمــا أو المسرح أو التلفزيون، مشددا على أهمية أن نحترم عقل المشاهد ولا نستحف به، أو نـتـعـالـى عـلـيـه، مـثـلـمـا يـــقـــول: «أفـتـش عــن الـتـواصـل الإنـسـانـي المـشـتـرك العابر للقارات والمعتقدات وأطــرح الموضوعات لكي نتحد جميعا كأرواح». الفنان اللبناني جورج خباز جدة: انتصار دردير جورج خباز والممثلة الألمانية هانا شيغولا في لقطة من فيلم يونان (إدارة المهرجان) يؤمن بأن السينما لغة الصورة، ويقول: «حين تعجز الصورة عن التعبير يبدأ الكلام» ظهر في حوار نادر متناولا أبعاد «هانيبال ليكتر»... وصولا إلى الفلسفة والموسيقى أنتوني هوبكنز في «البحر الأحمر»: حياتي تتجاوز ما توقعته بعد مسيرة سينمائية حافلة ناهزت عقود، اعتلى أسطورة التمثيل العالمي 6 الـ أنتوني هوبكنز خشبة مسرح مهرجان البحر الأحـمـر السينمائي بـجـدة، مساء الأربعاء؛ ليقدّم حوارا ممتدا حمل مزيجا مــــن الـــفـــكـــاهـــة، والـــفـــلـــســـفـــة، والــــذكــــريــــات المــهــنــيــة الـــــنـــــادرة، وعـــلـــى امــــتــــداد سـاعـة كاملة، بدا هوبكنز الذي تجاوز الثمانين مــــن الـــعـــمـــر حــــاضــــر الـــــذهـــــن؛ ومــســتــعــدا لمـــراجـــعـــة مــســيــرتــه، وكـــشـــف عـــن نـظـرتـه الخاصة للتمثيل والكتابة والموسيقى، وعن تفاصيل شخصيات خالدّة صنعت ذاكرة السينما العالمية. هوبكنز، الـفـائـز بجائزتي أوسـكـار أفــــضــــل مـــمـــثـــل عـــــن دوريـــــــــه فـــــي «صـــمـــت )، وضع 2020( » ) و«الأب 1991( » الحملان إطــــارا واضــحــا لرحلته الـفـنـيـة، قــائــا إن «حياته جاءت أبعد بكثير من توقعاته»، وإنــــه لا يــــزال يـشـعـر بــــأن «شــخــصــا آخــر كــــتــــب لـــــه هـــــــذه المـــــســـــيـــــرة»، وبـــــــــدت لــغــة الانــــدهــــاش هــــذه مــفــتــاحــا لــفــهــم عـاقـتـه بالفن، وباختياراته التمثيلية، بل وحتى بحياته الشخصية. هانيبال ليكتر... عبقرية الشر تــــــحــــــدث هــــوبــــكــــنــــز بــــــإســــــهــــــاب عـــن شخصية «هـانـيـبـال لـيـكـتـر»، أحـــد أكثر الأدوار حضورا في ذاكرة السينما والتي قـــدمـــهـــا فــــي فــيــلــمــه «صـــمـــت الـــحـــمـــان»، وأعــــطــــى قـــــــراءة مــخــتــلــفــة لــطــريــقــة بــنــاء الـشـخـصـيـة، مبينا أنـــه «لـــم يــحــاول فهم الـشـر بـقـدر مــا حـــاول تجسيد آلـــة تعمل دون مــشــاعــر». ورأى أن جـاذبـيـة ليكتر تكمن في أنـه مثل مفيستوفيليس (اسم للشيطان)، يعرف نقاط ضعف الإنسان، ويـدرك عمق هشاشته. كما كشف عن أن مشهد النظرة الثابتة الشهيرة في الفيلم بُــنــي عـلـى مـاحـظـة بـسـيـطـة، وهـــي «إذا حـدّقـت فـي كلب أو قـط دون أن تـرمـش... يشعر بالخوف... إنها قوة العين». بين التاريخ والخيال وحــــــن سُــــئــــل إن كــــــان يـــفـــضـــل أداء شــــخــــصــــيــــات مــــســــتــــنــــدة إلـــــــــى مـــــصـــــادر تاريخية أو الشخصيات الخيالية، قال جملة لافتة: «كل الشخصيات خيالية... ونحن أيضا خياليون!». وأوضــح أنـه لا يغوص في الأبحاث المطوّلة عند تحضير أدواره، حـتـى فــي شخصية مـعـقـدة مثل الــرئــيــس الأمــيــركــي ريــتــشــارد نـيـكـسـون. وأضـاف: «أقوم بالقليل من البحث فقط؛ لأن كـثـرة المـعـرفـة تـربـك الـعـقـل.. يجب أن يكون الدماغ حرا من الفوضى». ويـرى هوبكنز أن أداء الشخصيات الــتــاريــخــيــة هـــو عـمـلـيـة إعــــــادة اخـــتـــراع، وليست محاولة لمحاكاة الــواقــع، قـائـاً: «نـــيـــكـــســـون الـــــــذي لـــعـــبـــتـــه لـــيـــس الـــرجـــل الـحـقـيـقـي. إنــــه نـسـخـة أولــيــفــر ســتــون». وفـــــي إحــــــدى قــصــصــه الـــطـــريـــفـــة، تــحــدث عـن يــوم اختبار المكياج لــدور نيكسون، حـن وضـع فريق العمل أنفا اصطناعيا لـــه، فــوجــد نـفـسـه بـعـد إزالـــــة الأنــــف يـرى في المـرآة ملامح الشخصية تظهر فجأة. قـائـاً: «قبعة أو حــذاء أو لمسة مكياج... شــــــيء صـــغـــيـــر يـــنـــقـــلـــك فــــجــــأة إلــــــى روح الشخصية». الخوف... ظل الممثل ووقوده والمــــــحــــــور الأكـــــثـــــر قــــــوة فـــــي حـــديـــث هوبكنز كان عن الخوف، حيث بدا لافتا أن الأسطورة حامل وسـام الإمبراطورية الــبــريــطــانــيــة «ســــي بـــي إي» يـــقـــول: «إن خـــوفـــه مـــن الــفــشــل رافـــقـــه طـــــوال حــيــاتــه، لـكـن مـواجـهـتـه تـكـوّنـت عـبـر سلسلة من الــــدفــــعــــات الــــتــــي تـــلـــقّـــاهـــا مــــن مــخــرجــن وممثلين وقفوا بجانبه». وروى هوبكنز قصة مؤثرة عن أحد الممثلين الأميركيين الذي حاول تحطيمه أثناء تدريبات فيلم «نـــيـــكـــســـون»، وكـــيـــف ذهـــــب إلـــــى أولــيــفــر ستون يطلب أن يُستبعد من الفيلم لأنه لا يشعر بالقدرة على أداء الـــدور. فجاء رد ستون صارماً: «أنت لن تذهب إلى أي مكان. ستقوم بالدور... سواء كان نجاحا أو فشلا ذريعاً». وفي سؤال من إحدى الحاضرات عن كيفية الـتـحـرر مـن الـخـوف فـي الثقافات المـحـافـظـة، قـــدّم هوبكنز الـــذي يُــعـد أكثر الممثلين البريطانيين شهرة وغـــزارة في الإنتاج، واحدة من أكثر إجاباته صراحة، قـائـاً: «عندما نكون أطـفـالاً، نحن دائما نبدو حمقى.. ثم نكبر، ونخوض تجارب غـــبـــيـــة وخــــــطــــــرة... هـــــذه هــــي الــــحــــيــــاة!». وتابع: «لا يمكن أن تطلبوا من الطفل ألا يتحرك أو ألا يتحدث... يجب أن تجرؤوا عـــلـــى فـــعـــل الأشــــــيــــــاء... حـــتـــى لــــو ضـحـك الناس عليكم». الموسيقى... الحب الأول وفي محور آخر، تحدث هوبكنز عن شغفه بالموسيقى، وبـأنـهـا الـفـن الأقــرب إلى روحه، وأن زوجته كانت الدافع الأول خلف دخوله هذا المجال، وأخبر الجمهور أن زوجــــتــــه دفـــعـــتـــه لــلــكــتــابــة والــتــألــيــف والـــرســـم، رغـــم أنـــه لــم يـكـن يـؤمـن بقدرته عـلـى أي مــن هـــذه المـــهـــارات، حـتـى عزفت أوركــســتــرات عـالمـيـة أعـمـالـه فــي الـريـاض ، وقال مستشهدا بشوبنهاو:ر 2023 عام «الموسيقى تتجاوز التجربة الإنسانية... لا يمكن وصفها بالكلمات». وخــــرج الـجـمـهـور مــن الـجـلـسـة وفـي ذهـــنـــه صــــــورة جــــديــــدة لــهــوبــكــنــز: لـيـس فقط الممثل العبقري الذي قدّم «هانيبال لــيــكــتــر»، و«نـــيـــكـــســـون»، و«أوديـــــــــن»، بل حكيم يتأمل الـحـيـاة والـفـن والموسيقى بــشــفــافــيــة مـــدهـــشـــة، فــــي جــلــســة حـمـلـت مزيجا من الدعابة، والفلسفة، والتمرد، وانـتـهـت بتصفيق طـويـل لـرجـل تـجـاوز الـشـهـرة ليصل إلـــى مـرحـلـة أكـثـر هـــدوءا وعــمــقــا... مـرحـلـة يسميها هــو «معجزة الوجود». الممثل البريطاني أنتوني هوبكنز على مسرح المهرجان (تصوير: إيمان الخطاف) جدة: إيمان الخطاف أنتوني هوبكنز في لقطة من فيلمه «صمت الحملان» الذي تحدث عنه في الجلسة (آي إم دي بي) ‎

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky