يوميات الشرق ASHARQ DAILY 22 Issue 17179 - العدد Wednesday - 2025/12/10 الأربعاء قاعة 23 قطعة موزعة على 1000 يضم متحف البحر الأحمر وباب البنط... سيمفونية التاريخ الحي فــي جـــدة الـتـاريـخـيـة يـقـف مبنى «بــاب البنط» شاهدا على العصور، يزهو بتاريخ قديم كان فيه الجسر الذي عبر منه الحجاج والـــــــزوار والـــتـــجـــار لــأمــاكــن المـــقـــدســـة. شهد المــبــنــى تـــحـــولات عــبــر الــســنــن مــنــذ أن كــان ،19 مجرد هيكل خشبي فـي أواخـــر الـقـرن الـــ تــحــول إلـــى بـــوابـــة خـرسـانـيـة فـــي ثـاثـيـنـات القرن العشرين حتى التحول الأخـيـر، الذي شهده، لمتحف عالمي للبحر الأحمر. ببنائه المـصـنـوع مـن الحجر المرجاني المـــســـتـــخـــدم فـــــي مـــبـــانـــي جــــــدة الـــتـــاريـــخـــيـــة والروشان الخشبي الذي يزين نوافذه يفتح المبنى في حلته الجديدة ذراعيه للزوار مرة أخــــرى لــيــأخــذهــم فـــي رحــلــة تــاريــخــيــة فنية شائقة. متحف للبحر الأحمر وموانيه ننطلق فــي جـولـة تـقـودنـا فيها إيـمـان زيــــــــــدان مـــــديـــــرة المــــتــــحــــف، ونـــــبـــــدأ مـــــن ذلــــك الـــتـــســـجـــيـــل الـــســـيـــنـــمـــائـــي لــــبــــاب الـــبـــنـــط فـي تاريخه القديم حيث كـان مطلا على البحر مباشرة، وكانت السفن ترسو على شاطئه لـــيـــتـــوافـــد الــــحــــجــــاج داخــــــــل المـــبـــنـــى لإتـــمـــام إجــــــراءات دخــولــهــم لـــأراضـــي المــقــدســة. في الــشــريــط نـفـسـه نــصــل لـلـتـصـور المستقبلي لشكل المبنى بعد أن يـعـود لمـواجـهـة البحر مرة أخرى في السنوات المقبلة. مــن الـصـعـب اخـتـصـار المـتـحـف لـلـزائـر، فـمـا يـقـدمـه كـثـيـر، ويــربــو عـلـى الألـــف قطعة قاعة تتنوع مـا بـن الصور 23 مـوزعـة على الأرشـــيـــفـــيـــة والأفـــــــــام الـــوثـــائـــقـــيـــة والـــقـــطـــع المتحفية والمقتنيات التي أعارها أصحابها لـــلـــمـــتـــحـــف لـــلـــمـــشـــاركـــة فـــــي عـــــــرض تــــاريــــخ مــديــنــتــهــم جــــــدة. ولـــعـــل الــنــصــيــحــة الأولـــــى لــلــزائــر هـــي أن يـتـبـع مـــا يـجـذبـه أولاً، فهنا مـزيـج هـائـل مـن الـتـاريـخ والـتـوثـيـق والآثـــار والقطع الفنية العتيقة وصولا إلى قطع فنية معاصرة. كل المحتويات ترسم لوحة غنية بالألوان والأصـوات لمدينة جدة وشقيقاتها من المواني العربية على البحر الأحمر، هي بالاختصار سيمفونية لتاريخ لا يزال حياً. باب البنط ومدينة جدة لا يمكن إغفال الأثـر الـذي يتركه مبنى باب البنط في الزوار، فأهل المدينة يعرفونه عـلـى أنـــه مـبـنـى قــديــم تـــجـــاوزه الـــزمـــن، وظـل خـاويـا لفترة طويلة، بعض الأجـيـال تعرفه من روايـات الآبـاء والأمهات ممن عاشوا في حــــواري جـــدة الـتـاريـخـيـة. سـحـر بـــاب البنط يعود من تاريخ قديم شهد في مراحله توافد الحجاج والـــزوار عن طريق البحر، فقد كان الـبـوابـة لـلـوصـول لــأراضــي المـقـدسـة، وكـان أيضا محطة للتجار والـرحـالـة. نمضي في زيارتنا لنستكشف المبنى، وكل ما مر عليه بصفته المـاديـة وأيـضـا بوصفه رمـــزا لمدينة جــــدة وجـــســـر ربــــط الــثــقــافــات عــلــى ســواحــل البحر الأحمر. خـــــال الـــجـــولـــة نـــتـــعـــرف إلـــــى تـفـاصـيـل ترميم المبنى وفـق أعلى معايير الاستدامة الـــبـــيـــئـــيـــة. وكــــــان مــــن المـــهـــم هـــنـــا الاســـتـــمـــاع لـلـمـسـتـشـار المـــعـــمـــاري الــفــرنــســي فــرانــســوا شاتيلون. يقول الخبير: «لـم يكن لدينا أي معلومات أو خرائط عن كيفية بناء هذا المكان لـاهـتـداء بها فـي أثـنـاء الـعـمـل». مشيرا إلى أن المبنى ضم عناصر مختلفة اختلفت في بعض جوانبها عن أسلوب البناء في باقي مباني جدة. يقول شاتيلون إن المبنى ليس أثــــرا قـديـمـا بــل هــو «مـتـحـف جــديــد يتحدث عـــن طــــرق لـلـتـفـكـيـر بـالمـسـتـقـبـل». ويـضـيـف: «البعض يعتقد أن التراث هو الماضي، ولكنه في الحقيقة هو المستقبل... كل هـذه القطع الحديثة وصلت هنا عبر الحوار مع الماضي فهي ترمز لاستمرارية الثقافة. جسر بين الثقافات يــــســــتــــقــــبــــل المـــــتـــــحـــــف زواره بـــصـــالـــة يتوسطها «هلب» (مرسية) حديدي انتشل مــن سفينة غــارقــة فــي الـبـحـر الأحـــمـــر، على الجوانب غرف مفتوحة على الصالة الرئيسة كل منها تقدم قطعا مختلفة تنتظم بحسب مـوضـوع رئيسي، نتوقف عند قاعة تحمل عنوان «بحر حي ... تنوع بيولوجي مزدهر» هنا نـرى عمل فيديو للفنان المغربي هشام بـــرادة يـعـرض فـي ثـاثـة صـنـاديـق زجاجية شفافة. تتشكل في كل شاشة مناظر طبيعية مائية نابضة بالحياة لتأخذنا للأعماق. نـنـتـقـل بــعــدهــا لـــســـتـــارة مــرجــانــيــة الألـــــوان صنعتها الـفـنـانـة أمـيـنـة أكــزنــاي بالتعاون مع خبيرة الحرف الخشبية رنا طاشكندي وحرفيي البلد. ليس عملا عاديا فهو يمثل البحر الأحـمـر عبر ألـــوان الشعب المرجانية كما يمثل عبر عناصره الخشبية المربوطة ببعضها صناعة الروشان الخشبية ومباني جدة القديمة. نـمـر بـسـجـادة مـلـونـة للفنان مـحـروس عبده وهو من حرفيي مركز رمـــــســـــيـــــس ويــــــصــــــا واصـــــــف لـــــلـــــفـــــنـــــون بـــــمـــــصـــــر، تــــصــــور مـــــــرجـــــــان وأســــــــمــــــــاك الـــبـــحـــر الأحـــــمـــــر. بـــعـــدهـــا نـــمـــر تـحـت عمل للفنانة منال الضويان بعنوان «نحن المرجان» مصنوع من الحبال القطنية المتدلية من السقف تتخللها قطع مـن الـزجـاج تصور الشعب المرجانية بلون شفاف يعكس هشاشتها وجمالها. إلـــى الــجــانــب نـتـوقـف أيــضــا عـنـد عمل فـنـي بــديــع مـصـنـوع مـــن الـــــورق المـقـصـوص بـواسـطـة الـلـيـزر للفنان البريطاني روغــان بــــــراون بـــعـــنـــوان «شـــبـــح المـــــرجـــــان»، يـحـاكـي بتفاصيل غاية فـي الـدقـة تكوينات الشعب المرجانية، مازجا الطبيعة والخيال في عمل إبداعي مدهش. نـسـتـمـر فـــي رحـلـتـنـا بـــن المــعــروضــات الـتـي تتجانس مـع بعضها فـي رســم لوحة متنوعة للبحر الأحمر وثقافات المجتمعات المطلة عليه في قسم بعنوان «شعوب البحر الأحمر». نرى صورة التقطت من أحد المحال فـــي الــغــردقــة بـمـصـر تـسـلـمـنـا لـقـاعـة أخـــرى بــهــا عــــدد مـــن الــقــطــع الــتــي تـعـبـر أيــضــا عن روح المـــدن الـسـاحـلـيـة، ونـــرى حـائـطـا كـامـا مـخـصـصـا لــــأصــــداف والمـــــحـــــارات والــقــطــع المرجانية من أعماق البحر الأحمر. فــي الـغـرفـة نفسها مـسـابـح مصنوعة حـــبـــاتـــهـــا مـــــن المــــــرجــــــان الأســـــــــــود، صـنـعـهـا حــــرفــــيــــون تـــقـــلـــيـــديـــون مـــــن جــــــدة مـــــن أقـــــدم الــــعــــائــــات المــــعــــروفــــة بــــهــــذه الــــحــــرفــــة، نــقــرأ عـــلـــى الـــبـــطـــاقـــة الــتــعــريــفــيــة أنـــهـــا مــــن صـنـع أحـــمـــد الــحــلــبــي مــــن جــــــدة، تـــتـــحـــدث مـــديـــرة المتحف إيمان زيـدان عن رمزيتها ومغزاها واســـتـــخـــدامـــهـــا خـــصـــوصـــا فــــي مـــكـــة. تــربــط المسابح برهافة وجـمـال بـن البحر الأحمر والشعائر الدينية . أغاني البحر خـــــال الـــجـــولـــة تــصــاحــبــنــا المــوســيــقــى الـــنـــابـــعـــة مــــن ثـــقـــافـــات مـــــدن الـــبـــحـــر الأحـــمـــر لــتــشــكــل خــلــفــيــة صـــوتـــيـــة لـــرحـــلـــتـــنـــا، تــقــول زيـــــــدان: «كــل هـــــــذه المــــــــدن وشـــعـــوبـــهـــا تــــشــــاركــــت فــــــــي الــــــثــــــقــــــافــــــة، وفـــــي المـوسـيـقـى، تسمعون موسيقى استخدمها الــــــــصــــــــيــــــــادون خـــــال رحـــــــــــاتـــــــــــهـــــــــــم فـــــي الـــــــــبـــــــــحـــــــــر». مــــن المـــــــوســـــــيـــــــقـــــــى لــــــلــــــديــــــكــــــور تتضافر عناصر الـعـرض لتغمر الــزائــر في عــوالــم وثــقــافــات الـبـحـر الأحـــمـــر، فـفـي غرفة جـــانـــبـــيـــة يــمــكــنــنــا تـــخـــيـــل أنــــنــــا فــــي مــقــدمــة مركب صيد، نسمع أغاني الصيادين بينما تطالعنا صــور فوتوغرافية لسفن خشبية مختلفة التقطت فــي مــوانــي باليمن وجــدة وغيرهما من المدن الساحلية. تجيب زيدان عن سؤال عن الأغاني التي تصاحب خطواتنا في القاعات المختلفة، هل صـنـعـت خـصـيـصـا لـلـمـتـحـف؟ تــقــول «نــعــم، إنـهـا مجموعة مـن الأغـانـي جمعت مـن فرق مختلفة من اليمن والسعودية ومصر، وكل الـبـلـدان الـتـي تطل على البحر الأحــمــر، هي تشكيلة مــن الألـــحـــان والأغـــانـــي الــتــي كانت تستخدم لتحفيز وإثــــارة هـمـم الـصـيـاديـن، تغنى عبر مراحل مختلفة من رحلة الصيد قبل، وفي أثناء الرحلة». خرائط ومؤشرات قبلة يضم المتحف عددا ضخما من الخرائط القديمة تمتزج مع القطع الأثـريـة والأعمال المعاصرة لـروايـة قصة البحر الأحمر وباب البنط، منها مؤشر قبلة وبوصلة من بلاد ومؤشر قبلة آخر من 1900 فارس تعود لعام الخشب يعود لأواخر القرن الثامن عشر. صور فوتوغرافية ورسومات مــــــا يــــمــــيــــز المــــتــــحــــف هــــــو كــــــم الــــصــــور الــــفــــوتــــوغــــرافــــيــــة الــــتــــاريــــخــــيــــة والـــحـــديـــثـــة الـــتـــي تـتـضـافــر فـيـمـا بـيـنـهـا لــتـقـديـم ثـقـافـة الـبـحـر الأحــمــر وشـعـوبـه مــن الأردن ومصر والــــســــودان وجــيــبــوتــي. وإلــــى جــانــب صــور البحر والـصـيـاديـن والاستكشافات الأثـريـة هناك أيضا مجموعة ضخمة من الصور عن مكة والمدينة تقدم لمحة نــادرة عن الحرمين الشريفين، وتصور التفاصيل المعمارية. في هذا الجانب تساهم الرسومات المختلفة في تصوير الأمـاكـن المقدسة بتفاصيلها حيث رسمت في أزمـان ما قبل الكاميرا. ومن تلك الـرسـومـات تبرز شـهـادات الحج التي كانت تمنح للحجاج للاحتفاظ بها كذكرى غالية مـن الأمـاكـن المقدسة. فـي قسم «جــدة ملتقى الثقافات» نرى مجموعة من الصور للفنان البحريني فيصل سمرا التقطت خلال فترة الجائحة، تصور الحياة خلال تلك الفترة في جدة ومكة. من كنز غارق إلى العرض المتحفي فــــي الــــطــــابــــق الــــثــــانــــي نـــمـــر عـــلـــى قـسـم يـــعـــرض بــعـــض الـــقـــطـــع الـــتـــي عـــثـــرت عـلـيـهـا البعثة السعودية الإيطالية في حطام سفينة بــالــقــرب مـــن مـديـنـة أمــلــج الــســعــوديــة. يـقـدم الاكتشاف عبر فيلم فيديو وعــرض لبعض القطع التي انتشلها الفريق من الحطام. يــــــصــــــور الــــفــــيــــلــــم جـــــانـــــبـــــا مـــــــن رحــــلــــة الغواصين لانتشال قطع مختلفة من حطام السفينة. الجميل هنا هـو أننا نـرى عملية انتشال تلك القطع بلقطات مقربة ثم نراها أمامنا معروضة في الإطار المجاور للشاشة، وكأننا شهود على عملية إنقاذ تلك القطع الـغـارقـة. تلك الصلة المـدهـشـة بـن السفينة الــغــارقــة، ومـــا حملته مــن قـصـص وحــيــوات مختلفة تمثلت فــي أكــــواب مــن الـبـورسـلـن الصيني المزخرفة التي تعود لسلالة مينج عــــام الـــتـــي ربـــمـــا كـانـت 3000 عــمــرهــا نــحــو على الــقــارب بـغـرض الاتــجــار بـهـا: «تعرض للمرة الأولــى هنا بالمتحف بعد ترميمها»، تعلق إيمان زيـدان، نرى أيضا بعض القطع الأخرى مثل الجرار والتماثيل الصغيرة. المحمل والكسوة لا يــمــكــن لأي مـــعـــرض يـــتـــنـــاول بــوابــة الحرمين الشريفين أن يغفل ذكر الكسوة التي كانت ترسل من مصر وسوريا لمكة والمدينة مصحوبة بالاحتفالات والأغاني، وفي إحدى القاعات نرى نموذجا للمحمل متصدرا قاعة تحفل بـالـصـور الـفـوتـوغـرافـيـة والـرسـومـات والــتــســجــيــات الــصــوتــيــة لــاحــتــفــالات الـتـي صاحبت رحلة المحمل للأماكن المقدسة. نــقــطــة أخــــيــــرة: زيــــــارة المــتــحــف تـحـتـاج إلـــــى وقـــــت كـــــاف لــاســتــمــتــاع بـــالمـــعـــروضـــات ومــشــاهــدة الأفــــام والــشــرائــط الـوثـائـقـيـة ثم زيــــارة المــعــرض المــؤقــت الـــذي يـقـام بمناسبة الافــتــتــاح، وهـــو للفنان مـعـاذ الـعـوفـي، ولنا معه لقاء آخر. جدة: عبير مشخص (الشرق الأوسط) 18 مؤشر قبلة وبوصلة من الدولة العثمانية في القرن الـ لوحتان عن مدينتي جدة في السعودية وسواكن في السودان (تصوير: غازي مهدي) عمل للفنانة منال الضويان بعنوان «نحن المرجان» «هلب» من سفينة غارقة في البحر الأحمر في مقدمة العرض (تصوير: غازي مهدي) خريطة العالم المتمركزة على شبه الجزيرة العربية مأخوذة من كتاب «المسالك والممالك» لأبي إسحاق الإصطخري عمل للفنان البريطاني روغان براون بعنوان «شبح المرجان» (الشرق الأوسط) ببنائه المصنوع من الحجر المرجاني والروشان الخشبي الذي يزين نوافذه يفتح المبنى في حلته الجديدة ذراعيه للزوار مرة أخرى محمل الكسوة (الشرق الأوسط)
RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky