الرئيس التنفيذي جمانا راشد الراشد CEO Jomana Rashid Alrashid نائب رئيس التحرير Managing Editors Editorial Consultant in KSA Aidroos Abdulaziz Camille Tawil Saud Al Rayes Deputy Editor-in-Chief مديرا التحرير مستشار التحرير في السعودية محمد هاني Mohamed Hani الأمير أحمد بن سلمان بن عبد العزيز عيدروس عبد العزيز كميل الطويل سعود الريس 1987 أسسها سنة 1978 أسسها سنة هشام ومحمد علي حافظ رئيس التحرير غسان شربل Editor-in-Chief Ghassan Charbel OPINION الرأي 13 Issue 17179 - العدد Wednesday - 2025/12/10 الأربعاء الشتاء الساخن المتحف كـ«مكان جريمة» كولونيالية العنوان يشي بما في الحياة من تناقض، حيث لا يبدو «الشتاء» بعيدا عن «السخونة»، ليس فقط لأن الأمـــر مرتبط بتوالي الفصول ومعها درجــات الـــحـــرارة، وإنـمـا أكـثـر مـن ذلــك أنــه منطق العلاقات بــن الأمـــــم. أدركـــــت الآداب والــفــنــون ذلـــك بـسـهـولـة، وبالطبع كانت الفلسفة فيه لفكرة التناقض ليس فقط في مدى منطقيتها، وإنما أكثر من ذلك وفقا لمــاركــس أنـهـا مـحـرك مـهـم للتطور الـبـشـري. روايـــة جـــورج مـارتــن «أغـنـيـة الثلج والــنــار» عــن المسلسل الـتـلـفـزيـونـي «لـعـبـة الـــعـــروش»، لــم تـكـن بـعـيـدة عن ســلــســلــة أفــــــام «ذا لــــــورد أوف ذا ريـــنـــغـــز» (ســـيّـــد الخواتم) التي بدورها كانت تقدم خلطة مشابهة عن «المملكة الوسطى» ممثلة للكوكب، بما فيه من مـفـارقـات وتـنـاقـضـات، ومــا يواجهها مـن تحديات بدائية وحديثة بعرف زمن الأحداث. عـــلـــمـــاء الـــعـــاقـــات الــــدولــــيــــة، وخــــبــــراء أجـــهـــزة المخابرات، وجـدوا في التناقض «سياسة واقعية» التي ترى الحالة الطبيعية التي تصورها توماس هــــوبــــز، حـــيـــث تـــوجـــد حـــالـــة حـــــرب والـــجـــمـــيـــع ضـد الـجـمـيـع فـــي صـــــورة دائـــمـــة، ونــصــائــح مكيافيلي للتعامل مــع هـــذه الـحـالـة. مــا عـاقـة ذلـــك بالشتاء الــــســــاخــــن فـــــي الـــــشـــــرق الأوســـــــــــط؟ خــــصــــوصــــا مــع التحديات الهائلة التي يقع في مواجهتها الجميع وأولـهـا الطبيعة أو ذلــك «الـشـتـاء المقبل» الـــذي ألم بأهل غـزة الذين يواجهون قسوة الطبيعة، بينما خطة الرئيس ترمب لـم تـغـادر بعد النقطة الأولــى لــوقــف إطــــاق الـــنـــار. «حـــمـــاس» لــم تــغــادرهــا لأنها لا تـريـد الــولــوج إلـــى النقطة الـتـالـيـة الـتـي تتعامل مـع التخلص مـن سلاحها. وإسـرائـيـل لـم تغير من مــعــدلات الـقـتـل والــجــرح والـتـدمـيـر للفلسطينيين، بـيـنـمـا تـفـتـح جــبــهــات جـــديـــدة لـلـعـنـف مـــع ســوريــا ولبنان, الدولتين المرشحتين للسلام مع إسرائيل. الأولـــى بـاتـت تختلط فيها الـضـربـات الإسرائيلية مع نبرات محلية وطائفية. والثانية يوجد «حزب الله» في حلقها رافضا تسليم السلاح للدولة التي لا تصير دولــة فـي العالم دون احتكارها للسلاح. إسرائيل تنتهز الفرصة وتفرض غزوات لا تتوقف يراها نتنياهو طريقة لإعادة تشكيل المنطقة! الـــســـخـــونـــة تـــشـــمـــل وقـــــــوف إيــــــــران مــــع «حــــزب الــــــلــــــه» و«حــــــــمــــــــاس» فــــــي الـــــحـــــفـــــاظ عــــلــــى الــــســــاح واســـتـــمـــرار«المـــقـــاومـــة»، والأرجــــــح أنــهــا تــقــوم بـذلـك تمهيدا لـيـوم لا تـريـد أن يـكـون بعيدا للانتقام من الدولة العبرية. طهران تلوّح بأن مشروعها النووي لا يـزال باقيا تحت غطاء وجودها في ظل معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وفقا لما يقرره البرلمان الإيـــــرانـــــي، ولـــيـــس نـــصـــوص المـــعـــاهـــدة الـــتـــي تتيح التفتيش عـلـى المـنـشـآت الــنــوويــة لــلــدول الأعــضــاء. وكـــمـــا هـــو مـــعـــلـــوم، فــــإن إســـرائـــيـــل تـمـتـلـك الــســاح الـــنـــووي، وهـــي لــم تــوقــع عـلـى المــعــاهــدة، ولـــم تقبل بتوقيعها، وتظن أن ذلـك يعطيها الحق للاشتباك مع طهران, حينما تحين اللحظة المناسبة. مثل هذه اللحظة لن تأتي إلا عندما تكون الـولايـات المتحدة جـــاهـــزة لمــشــاركــة إســـرائـــيـــل، ومــثــل ذلـــك لا يــبــدو له وجــود بينما العلاقات مـع واشنطن متوترة. أكثر من ذلك أن الرئيس ترمب ما زال مصرا على السعي إلى وقف إطلاق النار على جبهة غزة، بينما يواصل الهجمات على سـواحـل فنزويلا، ويـوحـي بـأن ذلك سوف يتخطى الشواطئ إلى اليابسة. ويحدث ذلك بينما المفاوضات مع أوكرانيا وروسيا تضع السلام في أوروبا موضع الخطر، حيث بوتين يريد تحقيق مطالبه كاملة في خضوع أوكرانيا الكامل، بينما أوروبا ترتعد من الدب الروسي. «الشتاء مقبل» كما سادت الصيحة في «لعبة الـــعـــروش» مغلفة بـمـشـاهـد الـعـنـف والــقــتــل، ورغــم جلسات الـتـفـاوض وتوقيع اتفاقيات وقــف إطـاق الـنـار، فـإن السخونة تزحف على ساحات متعددة في وقت لا تتوقف فيه الولايات المتحدة عن الحركة. ولــكــن الــسـخـونــة كــذلــك تــلــوح فـــي الأفــــق كلما بات السلام مستعصياً، وإرادة الحياة عصية على الاسـتـمـرار. مشاهد القتل والــدمــار فـي غــزة جعلت اسـتـطـاعـات الــــرأي الــعــام الفلسطينية تشير إلـى رغـبــة عميقة لـانـتـقـام، بينما إســرائــيــل نتنياهو تـــواصـــل الاعـــتـــقـــاد بــــأن الـــفـــرصـــة حـــانـــت لإخــضــاع الشرق الأوسط كله بشكل أو بآخر. رئـيـس الـــــوزراء الإسـرائـيـلـي يـــرى أن «اللحظة الإسرائيلية» قد حلت لتغيير المنطقة، والوقت هو كل ما يحتاجه نتنياهو لكي يتغلب على المحاكمة لمـعـاصـيـه الــســابــقــة، وتـــأتـــي لـــه مـــراكـــب «الـتـطـبـيـع» طائعة وراغبة. «الــــزيــــارة الــســعــوديــة» إلـــى واشــنــطــن مـــن قِــبـل ولــــي الــعــهــد كـــانـــت حــاســمــة ومــحــبــطــة لإســـرائـــيـــل، بصلابة التأكيد على أنـه لا تطبيع إلا بعد وجود طريق مؤكد لإقامة الدولة الفلسطينية، فإسرائيل لا تخفي أنها تريد الاحتفاظ بالكعكة الفلسطينية وتــأكــلــهــا فـــي الـــوقـــت نــفــســه! الـــشـــتـــاء مــقــبــل ومـعـه السخونة ملتهبة وحارقة. مفارقة متاحف الدول الغربية ذات الماضي الاستعماري أنَّها ليست فضاءات محايدة، بل تُشكّل دلـيـا مـاديـا على العنف الكولونيالي الـــــذي مــارســتــه الـــقـــوى الاســـتـــعـــمـــاريـــة لـعـقـود وقــــرون فــي دول الــجــنــوب؛ حـيـث اسـتُــخـرجـت الـخـيـرات مـن بـاطـن الأرض، واقتُلعت الـرمـوز والمنتجات الثقافية من جذورها، أو ما سُمّي لاحقا «العيّنات العلمية»، لعرضها في الغرب. وهو ما يدل على أن المتاحف هي فعلا «مشاهد لجرائم تاريخية»، كما تشير إلى ذلك سوزان تـــالمـــان فـــي مـــقـــالٍ، نُــشــر فـــي مـجـلـة «نــيــويــورك ريـفـيـو أوف بــوكــس» (عـــدد ديـسـمـبـر/ كـانـون .)2025 الأول فــــالمــــتــــاحــــف، وفــــقــــا لــــتــــالمــــان، ومــــــن خـــال طريقة العرض من وراء الزجاج، أو السرديات المصاحبة للمعروضات الثقافية، أو تنظيم الــفــضــاء الـــداخـــلـــي، تـنـخـرط فـــي إعـــــادة إنـتـاج قـــــراءة مُــــحــــدَّدة لــلــتــاريــخ؛ فــهــي تُـــقـــدّم نفسها كفضاء عـــرض مـوضـوعـي وكــونــي للثقافات، لـكـنَّــهـا فــي جــوهــرهــا تُــخـفـي عــاقــات السلطة والعنف الكولونيالي اللذين كانا وراء تجميع هذه «الأشياء» في الأصل. وراء الـــتـــنـــمـــيـــطـــات الـــجـــمـــيـــلـــة والــــعــــرض الاستيتيقي «المــحــايــد» تكمن قـصـص تُظهر كـــيـــف أن مـــجـــتـــمـــعـــات أصـــيـــلـــة فـــــي أفـــريـــقـــيـــا وأميركا وآسيا لم تعان فقط من العنف المادي الاستعماري، بل أيضا من عنف ثقافي تمثّل في تجريدها من أدواتـهـا التعبيرية، وعرض تــلــك الأدوات فـــي مــــدن المـــتـــروبـــول الأوروبـــيـــة بوصفها شواهد على «ثقافة الآخر»؛ بعراقته، وفطرته الفنية، و«بدائيته» الميثولوجية. لم يكن الفعل الكولونيالي مقتصرا على اســـتـــغـــال الـــــثـــــروات وتــرحــيــلــهــا إلـــــى الـــغـــرب، بــل مــثَّــل أيــضــا عـنـفـا ثـقـافـيـا تـمـثَّــل فــي اقـتـاع الأصـــول الثقافية مـن بيئاتها، وعـرضـهـا في الغرب وكأنَّها دليل بريء ومحايد على ثقافة «الآخـــر»، من دون الإشــارة إلـى العنف الرمزي والمــــــادي الــــذي كــــان وراء نـقـلـهـا، وتـنـحـيـفـهـا، وتـــحـــويـــلـــهـــا إلــــــى «تــــحــــف صــــامــــتــــة بـــريـــئـــة». فالمتحف الغربي هو، إذن، فعل «ثقافيّ» يُخفي مـــســـار الــجــريــمــة ويــطــمــس بـــدايـــاتـــهـــا. وهــكــذا تـمـارس المـتـاحـف عنفا مـركـبـا: جريمة اقتلاع الـــتـــراث مـــن بـيـئـتـه الأصــلــيــة، وجــريــمــة طمس التاريخ العنيف لعملية «الاقتناء». لقد أصبح «منتدى هومبولت» في برلين - بما يضمه من متحف للإثنولوجيا - موضوع نقاش حـاد داخـل الأوســاط الثقافية الألمانية، ممّا وضعه في قلب الجدل حول كيفية تدبير «الــغــنــائــم الـثـقـافـيـة» لأوروبـــــا الـكـولـونـيـالـيـة. وتــرى تالمان أن أزمــة المتاحف اليوم هي أزمة بــنــيــويــة مــنــظــومــيــة، ولــيــســت مـحـلـيـة تخص منتدى هومبولت وحـــده؛ فـهـذا الأخـيـر يقدّم نفسه كـفـضـاء مُــنــحــاز لــ«الإنـسـيـة الـكـونـيـة»، لـكـنـه يـــحـــاول، بـشـكـل يــائــس، طــمــس الـتـاريـخ الكولونيالي الألماني، والعنف المادي والثقافي الذي رافقه. تــســتــشــهــد تـــــالمـــــان بــــأعــــمــــال بــيــنــيــديــكــت ســـافـــوا وغـــوتـــس آلــــي الــلــذيــن فـتـحـا الــنــقــاش، خلال السنوات الأخيرة، حول «مكان الجريمة المتحفي» والعنف الاستعماري. فقد انتقدت سـافـوا مـا سمّته «العمى المتعمَّد» للمتاحف الأوروبية تجاه مصادر وطريقة جمع كثير من معروضاتها؛ إذ بنت هـذه المتاحف مكانتها على نهب كولونيالي قوامه السيطرة وسرقة تحف الشعوب المستعمَرة وتعبيراتها المادية. لـــذلـــك تـــدعـــو ســــافــــوا - فــــي أبـــحـــاثـــهـــا، ومـنـهـا مـــقـــال «مــــا لا تــخــبــرك بـــه مــتــاحــفــنــا» لـومـونـد ) وكــتــابــهــا 2017 ، الـــدبـــلـــومـــاســـي بـــالألمـــانـــيـــة «نــــضــــال أفـــريـــقـــيـــا مــــن أجــــــل تــــراثــــهــــا الـــفـــنـــي» ) - إلـــى شـفـافـيـة مطلقة تشمل البحث 2021( في المصادر، والاعتراف القانوني بما وقع من حـيـف كولونيالي، وإرجـــاع الكنوز الثقافية، وإعـــادة صياغة السرديات بالتعاون مع دول المنشأ. أمّـــــــا غــــوتــــس آلـــــــي، فـــقـــد أبـــــــرز فــــي كــتــابــه ) كيف 2021( » بـالألمـانـيـة «السفينة العجيبة أن جمع التحف «الإثـنـوغـرافـيـة» فـي ناميبيا وتـــنـــزانـــيـــا وغـــيـــرهـــمـــا رافـــقـــتـــه عـــمـــلـــيـــات قــتــل وتهجير وتـمـسُّــح قسري وتـدمـيـر مجتمعات بـأكـمـلـهـا. لــذلــك فــــإن نــقــده لمـنـتـدى هومبولت وادّعــــــــــاءاتــــــــــه «الإنــــــســــــيــــــة» يُــــظــــهــــر أن الإرث الـكـولـونـيـالـي لـيـس مــجــرّد مــــاضٍ، بــل حـاضـر مستمر ينظّم علاقات السلطة داخـل المتاحف الأوروبـــيـــة. وهــو يتحدّى أوروبـــا بــأن تعترف بــــالاســــتــــمــــراريــــة بــــن الـــعـــنـــف الاســـتـــعـــمـــاري، وذلــك الـتـراث الــذي يُــعـرَض الـيـوم بعد تنقيته وتبييضه. إن النقاش الألماني الراهن يضع المجتمعات الأوروبية أمام لحظة حقيقة تاريخية: كيفيّة جــبــر الـــضـــرر الاســـتـــعـــمـــاري، والـــعـــنـــف المــــادي والـــثـــقـــافـــيّ، وعــمــلــيــات الــنــهــب والـــســـلـــبِ، عـبـر تعبئة المـؤرخـن والـنـقّــاد والمفكرين وأصـــوات الشتات الأفريقي لمساءلة الذاكرة. غير أن هذا النقاش يُحدث توتّرا بين الحاجة إلى الاعتراف والإرجاع، من جهة، والخوف من خلق سوابق قانونية دوليةٍ، من جهة أخرى. ويـــبـــقـــى الـــــســـــؤال الــــجــــوهــــري: مــــن يــــروي الـــســـرديـــات المــصــاحِــبــة لـتـحـف دول الـجـنـوب المــعــروضــة فــي المـتـاحـف الأوروبــــيــــة؟ لا يمكن للمتاحف وحدها أن تستمر في ذلك، بل يجب تأسيس مقاربة ما بعد كولونيالية تشاركية، تتقاسم فيها الأطـــراف المعنيّة — دول المنشأ والمتاحف الأوروبية — إعادة كتابة تاريخ تلك التحف، والعنف الذي رافق جمعَها، وشروط إرجاعها وإمكاناتِه، مع تصوّر صيغ للعرض المشترك. إن كتابة هذا التاريخ يجب أن تكون عـــمـــا نــقــديــا مــشــتــركــا، مـبـنـيـا عــلــى الـحـقـائـق لا عـــلـــى طــمــسِــهــا مــــن أجـــــل «إنـــســـيـــة كــونــيــة» مُــصـطـنَــعـة ومـــحـــايـــدة. عـنـدهـا فـقـط يـمـكـن أن يتحوّل المتحف إلى فضاء لجبر الضرر، بدلا من إخفائه تحت شعارات الحياد والكونية. عبد المنعم سعيد لحسن حداد
RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky