issue17179

كان الخطاب السائد في ما مضى خطابا «اصطلاحيّاً» رســمــيــا، يـحـجـب الـــواقـــع الــقــائــم ويـقـصـيـه كـــأنـــه لـــم يـــكـــن... ليس فقط في الأنظمة السلطوية الأحـاديـة بالمنطقة؛ حيث الـصـوت الــواحــد، بـل أيـضـا فـي الأنـظـمـة الـتـعـدّديـة، المتسمة بكثرة أصواتها، كالنظام اللبناني. الأمثلة كثيرة جداً، ولعل في لبنان - التي لم تنته 1975 أكبرها تعبيرا أنه عشية حرب فصولها الطويلة بعد - كـان الخطاب السائد في البلاد أن الصراعات الطائفية انتهت منذ زمن، والذي حل محلها، في عرف أهل النظام، هو «الوحدة الوطنية»، وفي عرف حركة الرفض الماركسية الهوى هو «صراع الطبقات». وبينما كانت الصراعات الطائفية قد وصلت في الواقع إلى ذروة تأججها، منذرة بالانفجار الكبير، بقيت تلك الصراعات غائبة كليّا عن الإعلام؛ ليس عن الإعلام الرسمي كالإذاعة والتلفزيون فقط، بـل أيـضـا عـن الصحافة الـواسـعـة الـتـعـدّد والاخــتــاف، وعن المقولات والخطب الحزبية الشديدة التباين. أمر عجب! لم يكن من مكان في ذلك كله للحقيقة الواقعة المستعرة. وحتى بعد أن انفجر الوضع، ظل الإعلام الرسمي يــعــزف عـلـى وتــــر «الــــوحــــدة الــوطــنــيــة» نـفـسـهـا. أمــــا الإعــــام «الـثـوري»، فبدلا من رؤيـة الواقع كما هو، لجأ إلى تحويره إلـــى مــا يـائـم «صــــراع الـطـبـقـات» مخترعا نـظـريـة «الطائفة الطبقة» الـتـي لا مثيل لها فـي الـقـامـوس المـاركـسـي، قبل أن يمارس النقد الـذاتـي ويتخلّى عنها، لكن بعد فــوات الأوان و«خراب البصرة». مـــع ظــهــور وســـائـــل الــتــواصــل الاجــتــمــاعــي، تـــمـــزّق ذلـك الحجاب الذي كان يُخفي الواقع، واقتحمت أصوات لا حصر لـهـا الــفــضــاء الإعــــامــــي، بـحـيـث غــــرق أكــثــر فـأكـثـر الـخـطـاب الرسمي في بحرها الهائج. تُرى إلى أين؟ ألقت زيارة البابا ليو الرابع عشر الأخيرة للبنان ضوءا كاشفا على هذه البنية الإعلامية المزدوجة، التي باتت سائدة في كل مكان. واللافت على هذا الصعيد، خلال الأيام الثلاثة التي أمضاها البابا في لبنان، عمق الاختلاف بين الخطب الرسمية من جهة، المعبّرة عن الحقيقة (الفوقي)، ومقولات وســـائـــل الـــتـــواصـــل الاجــتــمــاعــي مـــن جــهــة أخـــــرى، المــجــسّــدة للحقيقة (التحتي). وليس المقصود بالخطب الرسمية تلك الـصـادرة عن المراجع الرسمية اللبنانية فقط، بل أيضا عن جميع الأطـراف التي شاركت في استقبال البابا أو توجّهت إلــيــه، عـلـى اخــتــاف مـشـاربـهـا؛ إذ أتــاحــت شـخـصـيـة الــزائــر قـــدرا مــن الـتـاقـي والانــســجــام، غـيـر المـعـهـودَيـن، فتمحورت الخطب والمـواقـف الرسمية المعلنة حـول كثير من المسلّمات والقواسم المشتركة، التي لا تكاد تثير اعتراض أحــد... هذا «من فـوق»، أما «من تحت»، في عالم التواصل الاجتماعي، الفالت وحَــبْــلُــه على غـاربـه، فالصورة مختلفة تماماً، تهب مـنـهـا كـــل الـــعـــواصـــف، لـيـس بــشــأن زيـــــارة الــبــابــا وشخصه بالضرورة، بل بين دعـاة المشروعَين الكبيرَين اللذين يدور بينهما الصراع القائم اليوم، كما الأمس: المشروع اللبناني من جهة؛ والمشروع الإقليمي في لبنان من جهة أخـرى، في صيغته الإســامــيــة الإيــرانــيــة هـــذه المــــرة، تـحـت رايــــة الـولـي ،1861 الفقيه. وقد سبق للمشروع اللبناني، منذ بروزه عام أن واجــــه مــشــروعــات إقـلـيـمـيـة كـثـيـرة فـــي لــبــنــان؛ وَحْــــدَوِيّــــة سورية: فَيْصَلِيّة وبَعْثِية وأَسَــديـة، ووحـدويـة ناصرية، ثم فلسطينية - ناصرية، وماركسية أممية. أما صراعه الآن مع المـشـروع الإقليمي الإيـرانـي، فهو على الأرجــح الأشــد قسوة وخطورة في تاريخه الطويل. هـــكـــذا، بـيـنـمـا ظــهــرت نــقــاط الــتــقــاء كــثــيــرة مـمـكـنـة في الخطب الرسمية مـن فــوق، كـان التصادم شـامـا مطلقا من تحت، لا مجال فيه للتلاقي على شيء. ومثل ما عليه الأمر عــادة في «مجتمع الجماعات»، الـذي هو المجتمع اللبناني ومعه كل مجتمعات المشرق، كان الأفراد المتصارعون، الذين لا حـصـر لـهـم، يـعـتـقـدون أنـهـم يــعــبّــرون عـلـى طريقتهم عن أفكارهم الذاتية، لكن في الحقيقة هم يعبّرون عما يختلج في وجــدان جماعاتهم، ولا رأي ذاتيا لهم. لذلك؛ فهو من تحت حوار الطرشان بين الجماعات، غير المُفضي إلى مكان، لكنه هو التعبير الأصدق عن الحقيقة الواقعة. يمكن التوقف طويلا عند مضامين ومعاني هذه البنية الإعـامـيـة المـــزدوجـــة، مما لا يتّسع لـه المـجـال هــنــا... لكنني سأكتفي بالإشارة إلى أمرين: الأول: كــام بـالـغ الـحـدة والـعـنـف فـي معسكر المـشـروع الإقـــلـــيـــمـــي، صـــــادر عـــن «شـــــاعـــــر»... كــيــف يــمــكــن لــشــاعــر أو مـوسـيـقـار أو رســـام أو نـحـات أن يـكـون عـلـى هـــذا الــقــدر من العنف؟ كيف يلتقي الهاجس الجمالي مع ذلك؟ الأمر الثاني: عبارة تتردد أحيانا في معسكر المشروع اللبناني تقول: «سنبقى هنا، ولن نرحل»... كلمة زائدة حقاً، لا مكان لها ولا لزوم ولا حاجة. مـــرَّت قـبـل أيـــام الـذكـرى السنوية الأولـــى للتغيير في سوريا، التي كان اختصارُها الشديد إسقاط نظام الأسد، وإقـــامـــة نــظــام جـديـد مـكـانـه. ووســــط الــعــام الأول فــي هـذا التحول المفصلي، جرت تغييرات وتحولات، فيها أحـداث وتطورات وتفاصيلُ، كان كثير منها مشغولا ومقصوداً، فيما جاء بعضها بالنتيجة أو على هوامش الحراك العام في بلاد تغيرت بناها الحاكمة وآيديولوجيتها، وانفتحت أبوابها، وآفاق التفكير فيها عند قسم من سكانها بعد أن عاشوا عقودا من الضبط والتضييق والإكـراه، انتهت إلى حرب دموية شاملة، وعبر كل ما سبق تمت عملية تغيير، رسمت صورة سوريا في العام الأخير. في المشهد العام، بـدأت تغييرات سوريا مع لحظات سقوط نظام الأسد، وانهيار مؤسساته وأجهزته. وبدا من الطبيعي أن تكون أجهزته العسكرية والأمنية الجبارة في مقدمة الانهيار، إذ غابت وتفككت كلها في خلال ساعات ،2024 ) قليلة من صباح الثامن من ديسمبر (كانون الثاني ولعل ذلــك مؤشر حقيقي على أن تلك المـؤسـسـات لـم تكن مــؤســســات لــلــدولــة ولـلـشـعـب الـــســـوري، كـمـا يــفــتــرض، بل مؤسسات لنظام الأسد، انهارت بمجرد سقوطه، وكان من الطبيعي انعكاس ذلك على واقـع ومسار بقية المؤسسات القائمة في سوريا، التي توقف أغلبها عن العمل، وانخفض أداء مـــا تـبـقـى مـنـهـا إلـــى حــــدود دنـــيـــا، ومـنـهـا مـؤسـسـات خدمات الصحة والمياه والطاقة، وتوافق مع هـذا التطور السلبي إعفاء كثير من المسؤولين في تلك المؤسسات من أعمالهم ومسؤولياتهم، بسبب مـا هـو مقدر فـي علاقات تلك المؤسسات والعاملين فيها مع النظام الساقط. وكان من الطبيعي توجه النظام الجديد نحو معالجة انـــهـــيـــارات المــؤســســات والأجـــهـــزة وعـطـالـتـهـا. فـتـم إحـــال قوات غرفة «ردع العدوان» وأجهزتها الأمنية مكان جيش الأسد وأجهزته على التوالي، وبدأت عمليات ترميم وبناء الــــــوزارات، والإدارات فــي تــدريــب كــــادرات جــديــدة، وإعـــادة عاملين قدامى إلى أعمالهم، ما سمح بتشغيل كثير منها، ولو بطاقات اقل، لكن بقواعد جديدة في خدمة المواطنين وأبـــعـــد عـــن الــفــســاد الــــذي طـبـع مــؤســســات وأجـــهـــزة نـظـام الأسد. ولا يمثل التغيير في واقع المؤسسات والأجهزة الذي كـان الهم الرئيس للسلطة الـجـديـدة، إلا شقا مـن عمليات التغيير. ففي الواقع بدأت تغييرات أخرى تظهر وتتواصل في عمق المجتمع، بعضها يسير في تغييراته، بالتعاون مــع أجــهــزة ومــؤســســات الـسـلـطـة الــجــديــدة، كـمـا هــو حـال منظمات المجتمع المدني، التي تسعى بسبل متعددة إلى مــســاعــدة المـجـتـمـع الـــســـوري فـــي تـــجـــاوز ظـــروفـــه الصعبة فــي مــجــالات واســعــة، تشمل التعليم والإغـــاثـــة والـتـدريـب والـخـدمـات، وهـي مجالات تتقارب وتتماثل مع نشاطات أخــــرى، تـحـتـاجـهـا المـجـتـمـعـات المـحـلـيـة، يــقــوم بـهـا شبان وفاعلون في مدن وقرى سورية، من أجل تحسين مستويات حـيـاة الـسـكـان، عـبـر بــرامــج تنمية اجتماعية اقـتـصـاديـة، تشمل تدريبات واستشارات وتمويل مشروعات صغيرة وإقامة دورات دراسية، لا تشمل المناهج التعليمية فقط، بـــل الــتــعــلــيــم الـــحـــديـــث لــلــبــرمــجــيــات والـــشـــبـــكـــات والـــذكـــاء الاصـطـنـاعـي والـتـسـويـق الإلـكـتـرونـي، وكـلـهـا تنتمي إلـى عــلــوم وتــخــصــصــات، لـــم تــكــن رائـــجـــة فـــي ســـوريـــا، بسبب سياسة الـنـظـام الـبـائـد فـي عــزل الـسـوريـن وإغـــاق أبــواب تواصلهم عن العالم. والملاحظ أن جملة الجهود التغييرية غير الرسمية تشارك مصادر متعددة في تمويلها، وتقول الـتـقـديـرات إن جـــزءا مــحــدودا منها مــن مــصــادر منظمات أجـنـبـيـة، والأهــــم مــن مــصــادر مـحـلـيـة، يـقـدمـهـا رجـــال مـال وأعـــمـــال مــن المـغـتـربـن الــســوريــن، ويــقــدم مـتـطـوعـون من الشباب والشابات جهودَهم وقدراتهم ومـا يستطيعونه من مال لتشغيل برامجهم. التغيير الـسـوري الــجــاري، وبـالـرغـم مما يحيطه من ظروف ومشاكل، يمكن وصفه بأنه تغيير شامل وعميق، يصيب المجتمع والدولة والسلطة، لأنه يولد ملامح جديدة لكل واحـد من الثلاثة، ويبدل الآيديولوجيات ومكانتها، ويـفـتـح الأبـــــواب عـلـى سـيـاسـات ومــمــارســات مختلفة في مـنـاحـي الـحـيـاة الـسـيـاسـيـة والاقــتــصــاديــة والاجـتـمـاعـيـة، إضافة إلـى ما يتركه من تغييرات في القيم والسلوكيات الدارجة، وهو في الغالب الأعم يولد بدائل لما ظهر وترسخ في الزمن البعثي الطويل. كثير مـن الـسـوريـن الـذيـن يتابعون التغيير، سـواء بـأمـل أو بـقـلـق، يتفقون أنــه لـن يـكـون سـهـا وسـلـسـا، بل سيكون مختلطا وصعباً، وفيه استعصاءات كثيرة، لا تقتصر على إرث النظام الأسـدي فقط، وما خلفته حرب النظام على الـسـوريـن مـن قتل وتهجير ودمـــار للموارد والإمــكــانــات وفــقــدان لــلــكــادرات وعـقـوبـات دولــيــة، وكلها تحتاج إلـى جهد ووقـت لتجاوزها، كما يحتاج التغيير السوري إلى تحديث الدوائر والكوادر الإدارية والتقنية، خــــاصــــة فــــي قــــطــــاعــــات، بـــيـــنـــهـــا الاتــــــصــــــالات والمــــصــــارف وغيرهما، وكله سيرتب على السوريين معاناة وفواتير كبيرة، ما يفرض على السلطة الجديدة والفئات القادرة وعـلـى المجتمع الــدولــي تقديم مـسـاعـدات جـديـة تتجاوز الإغـاثـة إلـى إحياء دور الفئات الدنيا، ومساعدتها على المــشــاركــة فـــي عـمـلـيـة الــنــهــوض والانـــتـــقـــال نـحـو مجتمع حــــديــــث، فـــيـــه عــــدالــــة ومـــــســـــاواة وتـــشـــاركـــيـــة، وخـــــــال مـن الشمولية والفساد. لمــاذا انهزمت قـوى «مـحـور الممانعة» أكتوبر 7 في الحرب التي أطلقتها عمليّة ؟ لمـــاذا جُـــرّت أنظمة 2023 ) (تـشـريـن الأوّل المـشـرق العربي ومعها مجتمعاته، بفعل الـهـزيـمـة المـــذكـــورة، إلـــى هـزيـمـة ثـانـيـة قد تــكــون أمــــر وأقـــســـى؟ لمــــاذا تـكـشّــفـت أحـــوال هـــذه المـنـطـقـة عــن بـــؤس وإفــــاس وتـصـدّع قــلــيــا مـــا عـــرفـــت الــشــعــوب فـــي مـواضـيـهـا مــثــلــهــا؟ لمـــــاذا انــتــهــيــنــا إلــــى مـــا نــحــن فـيـه اليوم من انعدام الخيار وضعف الحيلة؟ مـــا الــعــمــل لـــتـــفـــادي مـــا يــمــكــن تـــفـــاديـــه مـن الكارثة سياسيّا واقتصاديّا واجتماعيّاً؟ أيّـــــة أفـــكـــار ســقــطــت وتــــبــــنّ، بـنـتـيـجـة تـلـك التجربة، خواؤها والضرر من اعتناقها؟ أيّـــــة أفــــكــــار وأعــــمــــال تـــبـــن أنّــــهــــا تـنـقـصـنـا وقـد يفيدنا تبنّيها؟ مـاذا نقول لأنفسنا، ولإسرائيل، وللعالم؟... أسـئـلـة كـهـذه وســـواهـــا هــي مــا يطمح الـــعـــقـــل المـــعـــاصـــر والـــــســـــوي إلـــــى أن يـــراهـــا مـــوضـــوعـــا يــنــكــب عــلــيــه الــتــفــكــيــر الــعــربــي الراهن، ولا بأس بأن يقترن الاهتمام هذا، مـن قبيل الـحـرص على التقاليد، بشتيمة لإسـرائـيـل بــن وقـــت وآخــــر، أو باسترجاع ســـريـــع لــتــاريــخ الـــصـــراع مــعــهــا، عــلــى رغــم أن هــــذا وذاك لا يـضـيـفـان الـــشـــيء الـكـثـيـر إلــــى مـــيـــراث مـــن الـــتـــكـــرار هـــائـــل الـضـخـامـة والإضـــجـــار. بيد أن الـطـمـوح إلــى مواجهة الأســـئـــلـــة المُــــلــــحّــــة ســـريـــعـــا مــــا يـــجـــد نـفـسـه يـائـسـا ومـحـبَــطـا تـحـاصـره الغلبة المطلقة الـــتـــي يـــحـــرزهـــا هـــجـــاء إســـرائـــيـــل وأمــيــركــا والاستشراق والمستشرقين إلـــخ...، مطرّزة بـالـغـوص، ولـــو لـلـمـرّة المـلـيـون، فــي أعـمـاق التاريخ. أمّـــا الأكـثـر أصـولـيّــة بيننا فهم أيضا أكثرنا أصوليّة في هذا الصنف التوكيدي الذي يستدعي التاريخ، أو ما يظنّه كذلك، لإثبات الـصـواب والـبـراءة الدائمين اللذين يُزعَم أنّهما شقيقنا التوأم. والـــحـــال أنّــــه لـيـس أســــوأ مـــن التفكير بـالمـاضـي بعقل الـحـاضـر ومعاييره سوى التفكير بالحاضر بعقل الماضي ومعاييره. لـقـد نـشـر الـشـيـخ مــاهــر حـــمّـــود، وهـو «رئيس الاتّحاد العالمي لعلماء المقاومة»، مــقــالــة فـــي صـحـيـفـة «الأخــــبــــار» الـلـبـنـانـيّــة ، تحت 2025-12-8 يـوم الاثنين الماضي في عـنـوان «مـن هـم أبـنـاء إبـراهـيـم؟»، أُريـــد لها أن تـــكـــون تـعـلـيـقـا عــلــى إشـــــارة إلــــى الـنـبـي إبـراهـيـم وردت فــي كـــام الـرئـيـس جـوزيـف عون لدى استقباله البابا ليو الرابع عشر. لـكـن الــشــيء الأبــعــد الـــذي رمـــت إلـيـه المقالة هو أن تخفّف عنّا، نحن المهزومين، وطأة الإحساس بالهزيمة. ذاك أن حديث البعض «بـــحـــق أو بــغــيــر حــــق، عـــن خــلــل كــبــيــر في مـيـزان الـقـوى لمصلحة الــعــدو»، يستوجب ردّا يـذكّــر هــذا البعض «بـــأن مـيـزان القوى كــــان مـــائـــا لمـصـلـحـة الـــفـــرس والـــــــروم عند انطلاق الإســـام، ومـع ذلـك انتصر الإسـام بوحدة الموقف وعمق العقيدة». وهــــذا إنّـــمـــا يــقــال فـيـمـا لا يــــزال إنـكـار الهزيمة أعـلـى صـوتـا مـن الإقـــرار بـهـا، كما أن الاستنتاجات الكارثيّة المبنيّة على ذاك الإنكار، كالتمسّك بسلاح المقاومة، ماضية في تهديد الوجود الحياتي والوطني على السواء لسكّان المنطقة. لـكـن الـشـيـخ حــمّــود، وفـــي طـريـقـه إلـى اسـتـنـتـاجـاتـه الــكــبــرى، عــــرّج عـلـى مسائل أخــــــــرى فــــــــرأى أنّــــــــه «لــــيــــس كـــــل مـــــن تـــحـــدّر مــــن نـــســـل إبـــراهـــيـــم يُــــعــــد مــــن أبـــنـــائـــه، ولا يـمـكـن اعــتــبــار الـصـهـايـنـة الـــيـــوم مـــن أبـنـاء إبراهيم». والراهن أن إعمال هذا الفرز في التاريخ المقدّس، وفي محطّة تأسيسيّة من محطّاته، إنّما يضفي على الصراع ماهويّة لا تحول ولا تزول، كما أنّها لا تبعد كثيرا عــن تـلـك الـقـسـمـة الــتــي تـجـعـلــ«نـا» وحـدنـا «أبــنــاء إبـراهـيـم» فيما تجعلـ«ـهم» «أبـنـاء القردة والخنازير». ولا تلبث الـحـمـيّــة والـيـقـن أن يحملا الـــشـــيـــخ الـــكـــاتـــب عـــلـــى الــــجــــزم بــاســتــحــالــة تحويل إبراهيم «رمزا لسيطرة الصهيونية على العالم وعلى منطقتنا، وأن يكون هذا الرمز العظيم شاهد زور على بقاء الاحتلال والظلم الذي تمارسه الصهيونية». وأغلب الظن أن إسرائيل والصهيونيّة غـيـر منشغلتين كـثـيـرا بـهـذه المـسـألـة التي تشغل الشيخ حمّود، والتي يريد أن يشتق منها خلاصات ترفع المعنويّات، معنويّاته ومعنويّاتنا. لكن إذا كانت الهزيمة أكثر مـــا يـنـبـغـي أن يُــحـضـر المـــهـــزوم فـــي الــواقــع وفــــي الـــحـــاضـــر فـــإنّـــهـــا، فـــي حــالــتــنــا هـــذه، موسم هجرة إلــى تـاريـخ بعيد نحقّق فيه نصر الانتساب وحـدنـا إلـى إبـراهـيـم. وإذا كانت الهزيمة سببا لتأمّل نتبي معه ما فاتتنا مـعـرفـتـه، ونكتشف سُــبــا مختلفة تحول دون تكرار ما فعلناه قبلا استنادا إلــى معرفتنا الناقصة، فهي عندنا سبب لرفع المسؤوليّة عن الـذات وإنكار ارتكابنا الـــخـــطـــأَ، وبـــالـــتـــالـــي لــتــوكــيــد الــــحــــق الــــذي يعادلنا وجوديّا بقدر ما نعادله. صحيح أن هناك من يرى في نصوص كـــهـــذه، عـتـيـقـة وهــامــشــيّــة، مـــا لا يـسـتـحـق الــتــوقّــف عــنــده والـتـفـاعـل مــعــه، إذ ينبغي لــلــتــركــيــز والـــنـــقـــد أن يــســتــهــدفــا كـــتـــابـــات «حـــديـــثـــة» حـــزبـــيّـــة أو أكـــاديـــمـــيّـــة. غــيــر أن الحقيقة التي تسندها تجارب كثيرة، في بـلـدانـنـا وفـــي بــلــدان أخــــرى، تــقــول إن تلك الـنـصـوص تــغــدو الأشــــد تـأثـيـرا فــي أزمـنـة الإحباط، ومن ثم الأشد استدعاء للسجال ضدّها. ذاك أنّها هي إيّاها ما يصير كلام «المـــن الـعـريـض» حـن يـتـحـوّل مـا يُفترض أنّه كلام «المتن العريض» إلى كلام ذي تأثير أكتوبر و«حرب 7 هامشيّ. وبقياس صُنّاع الإســنــاد» فـــإن الـنـصـوص الأشـــد أصـولـيّــة، إذا صح الوصف، كانت ولا تـزال الكتابات الأفعل والأهمّ، وعن مثل هؤلاء نتحدّث. OPINION الرأي 12 Issue 17179 - العدد Wednesday - 2025/12/10 الأربعاء سوريا التي تتغير كلمة زائدة في بلاد الأرز الهجرة إلى التاريخ في زمن الهزائم وكيل التوزيع وكيل الاشتراكات الوكيل الإعلاني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] المركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 المركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى الإمارات: شركة الامارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 المدينة المنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب الأولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية الموجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها المسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة لمحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي بالمعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com حازم صاغيّة فايز سارة أنطوان الدّويهي

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky