5 تحقيق FEATURES Issue 17178 - العدد Tuesday - 2025/12/9 الثلاثاء المشاركة الروسية في الحرب السورية أسهمت في التحضير للعملية العسكرية في أوكرانيا 2022 عام ASHARQ AL-AWSAT موسكو استعدت في «حقل التجارب» لحرب أوكرانيا روسيا بعد الأسد «ليست خاسرة تماماً» في سوريا مـنـذ الــســاعــات الأولـــــى، بـعـد التحول الـــكـــبـــيـــر الـــــــذي جــــــاء بــــه لـــلـــســـوريـــن فـجـر الــثــامــن مـــن ديـسـمـبـر (كـــانـــون الأول) من العام الماضي، انطلق سيل من التحليلات، خصوصا في الغرب، حول تعرض روسيا لـنـكـسـة مـــؤلمـــة تـــنـــذر بــتــقــويــض المــكــاســب التي حققتها فـي سـوريـا على مــدى عشر ســنــوات، بعد تدخلها العسكري المباشر في الصراع الدامي في هذا البلد. وشملت حـسـابـات الـربـح والـخـسـارة أبعادا كثيرة منها السياسي والعسكري، وسارعت أوساط عدة إلى إعلان «هزيمة» المـــــشـــــروع الـــــروســـــي فـــــي ســـــوريـــــا مـــــع كـل العواقب المحتملة لذلك. وفـــــي الـــبـــعـــد الاقــــتــــصــــادي، لا تـشـكـل الاستثمارات الروسية فـي سـوريـا أهمية كــــبــــرى نــــظــــرا إلـــــــى مـــــحـــــدوديـــــة المـــصـــالـــح الاقـــتـــصـــاديـــة فـــي الــبــلــد الـــــذي ظـــل لـعـقـود طــويــلــة حـلـيـفـا مـهـمـا لــلــكــرمــلــن، دون أن يــشــكــل فـــي أي وقــــت أولــــويــــة اسـتـثـمـاريـة أو اقـــتـــصـــاديـــة، رغـــــم مـــســاهـــمـــة الاتـــحـــاد الـسـوفـيـاتـي الــســابــق، وروســـيـــا فـــي وقـت لاحـــــق، فـــي إنـــشـــاء بــنــى تـحـتـيـة، وتـعـزيـز حـــضـــور مــهــم فـــي بــعــض الــقــطــاعــات مثل الطاقة. في الشق السياسي، بدا أن التطورات الـــســـريـــعـــة فــــي ســــوريــــا قــــد أظــــهــــرت نــقــاط ضعف النموذج الروسي في بناء علاقات مـــع حــلــفــاء فـــي الـــشـــرق الأوســــــط، وهــــذا لا يقتصر على الارتباك والعجز اللذين ظهرا عندما تعرض الحليف الإيراني لضربات مـــوجـــعـــة، إذ اضــــطــــرت مـــوســـكـــو ســريــعــا للتخلي عـن بـشـار الأســـد رغــم أنـهـا كانت تقول إنها «لن تتخلى عنه أبداً». بــــــهــــــذا المــــــعــــــنــــــى، أثــــــبــــــت «المـــــــشـــــــروع الـــســـوري» لـروسـيـا فـشـلـه، وهـــذا أمـــر مهم للكرملين الذي كثيرا ما تفاخر بنجاحاته في سوريا «خلافا للفشل الأميركي في كل منطقة وبلد دخلتهما قوات (الناتو)». لقد أن 2024 اتضح صباح الثامن من ديسمبر الحل الروسي في سوريا بوصفه نموذجا بـــديـــا عـــن الـــحـــلـــول الــغــربــيــة لـلـمـشـكـات الإقـــلـــيـــمـــيـــة وصــــــل إلــــــى حــــائــــط مــــســــدود، وانتهى بهزيمة كبرى. لكن فـي المـقـابـل، أظـهـرت تصريحات الـــرئـــيـــس الــــســــوري أحـــمـــد الـــشـــرع ووزيــــر خارجيته أسعد الشيباني لاحقاً، أن الجزء الأهــــم مـــن مــســار الـحـسـم الـعـسـكـري (بـعـد حـــلـــب) تـــم تـنـسـيـقـه مـــع مــوســكــو لـضـمـان حيادها. التخلي عن الأسد بـــــدا أن مـــوســـكـــو الـــتـــي بـــاتـــت تــولــي أهـــمـــيـــة أكـــبـــر لمــواجــهــتــهــا مــــع الــــغــــرب فـي أوكرانيا، والتي أبدت استياء أكثر من مرة بسبب مماطلة بشار الأسد في التعامل مع خططها لتقليص المخاطر في سوريا، بما في ذلك عبر مسار التطبيع مع تركيا الذي أطلقته، وعارضه بقوة الحليف السوري، اخـــتـــارت فـــي لـحـظـة حـاسـمـة الـتـخـلـي عن الأســد بعدما تحول إلـى عــبء، خصوصا أنـهـا حصلت على تعهدات مـن المعارضة السورية الزاحفة نحو دمشق بأن «خروج الأســد لا يعني بـالـضـرورة خــروج روسيا من سوريا» وفقا لتصريح الشيباني. يـفـسـر هـــذا ســرعــة الــتــحــرك الــروســي لإخــراج الأســد من المشهد في مقابل منح ضمانات شخصية له، والطلب من القوات النظامية عـــدم المـواجـهـة وإلــقــاء الـسـاح. ومـــهـــد هـــــذا الـــــــدور مــــع الــــتــــزام الــســلــطــات الــــســــوريــــة الــــجــــديــــدة بـــتـــعـــهــداتـــهـــا لـجـهـة حــمــايــة الـــقـــواعـــد الـــروســـيـــة والـعـسـكـريـن الـــــروس فـــي ســـوريـــا لـصـفـحـة جـــديـــدة في مسار ترميم العلاقة مع سوريا الجديدة وإعـادة ترتيب أولوياتها. وبذلك، قلصت موسكو عمليا خسائرها السياسية إلى أدنى درجة ممكنة. في الشق العسكري، ما زالت موسكو تـــخـــوض نـــقـــاشـــات عــلــنــيــة وغـــيـــر عـلـنـيـة مــــن أجـــــل تــثــبــيــت وجــــودهــــا فــــي قــاعــدتــي «حميميم» وطرطوس، فضلا عن ترسيخ حضور قوي لها في مطار القامشلي الذي تـــحـــول بــعــد الــتــغــيــيــرات فـــي ســـوريـــا إلــى قاعدة عسكرية ضخمة للروس. بالإضافة إلـى ذلـك، لم يعد خافيا أن الحوارات الروسية - السورية تدور بشكل نـشـط حـــول ملفي إعــــادة تسيير دوريـــات فـــي مــنــاطــق عــــدة فـــي ســــوريــــا، خـصـوصـا في الجنوب في مسعى للعب دور روسي لكبح التوغلات الإسرائيلية عبر استعادة جهود الوساطة وتقديم ضمانات متبادلة لـلـسـوريـن والإسـرائـيـلـيـن فــي استنساخ لتجربة التفاهمات الروسية الإسرائيلية السابقة في سوريا. وعــــــكــــــس تــــســــيــــيــــر دوريـــــــــــــة روســـــيـــــة بـــتـــنـــســـيـــق مـــــع الـــســـلـــطـــات الــــســــوريــــة فـي القامشلي قبل شهرين إمكانية أن تلعب مــوســكــو دورا فـــي شـــمـــال شـــرقـــي ســوريــا لتخفيف الــتــوتــرات مــع «قـــســـد»، فــي دور يبدو مرضيا ومنسقا مـع تركيا، وأيضا مع الولايات المتحدة التي تحتفظ بوجود عسكري محدود في المنطقة. ويمهد هذا النشاط المحتمل لروسيا فـي المنطقتين، مـع التقارير الكثيرة التي تــحــدثــت عـــن طــلــب دمـــشـــق المـــســـاعـــدة في إعــــــادة تــأهــيــل وتــســلــيــح الـــجـــيـــش، وضــع مــســار عـمـلـي لإعـــــادة بــنــاء الــعــاقــات بما يـــضـــمـــن المـــحـــافـــظـــة عـــلـــى وجـــــــود روســـيـــا العسكري على البحر المتوسط، وهـو أمر يحظى بأهمية خـاصـة عـنـد الــــروس، مع إدخـــال تـعـديـات على الاتـفـاقـات السابقة لجهة وظيفة هـذا الـوجـود ومـــداه الزمني بما يحقق مصالح الطرفين. ومـــــع اتــــضــــاح المــــامــــح الأولـــــــى لــهــذا الأفــــــق، تـتـقـلـص الـــتـــوقـــعـــات الـــتـــي ســـادت فـي الـبـدايـة حــول تـعـرض روسـيـا لهزيمة جيوسياسية أو عسكرية في سوريا. خسائر عسكرية... وأرباح لــلــحــديــث عــــن الـــخـــســـائـــر الـعـسـكـريـة الـروسـيـة المـبـاشـرة فــي ســوريــا، بـعـد آخـر لا يـقـل أهـمـيـة، ويـتـضـح مـعـه أن موسكو خــــرجــــت بـــمـــكـــاســـب لا تــــقــــدر بـــثـــمـــن بـعـد عمليتها في سوريا. تشير تقارير رسمية وأخـــــرى رصــدتــهــا جــهــات ســـوريـــة إلـــى أن الخسائر المباشرة على مدى عشر سنوات مـــن الـــحـــضـــور الــعــســكــري فـــي واحــــــدة من أكثر الحروب دموية في العقود الأخيرة، كـانـت مــحــدودة لـلـغـايـة، ولـــم تـتـجـاوز في تقديرات عـدة مئات من القتلى، وعشرات الـدبـابـات والمــدرعــات وبـعـض المـروحـيـات. وتـتـكـتـم مـوسـكـو رسـمـيـا بطبيعة الـحـال على خسائرها عادة، لكن رغم ذلك، تظهر الأرقــــــام الــتــي نـشـرتـهـا مــؤســســات مـدنـيـة فـــــي روســـــيـــــا بـــمـــا فـــيـــهـــا بـــعـــض الـــجـــهـــات المـــعـــارضـــة أن حـصـيـلـة الــخــســائــر لـــم تكن كــبــيــرة. ولـلـمـقـارنـة يـكـفـي الـــقـــول مــثــا إن 2008 الــحــرب الــروســيــة فــي جـورجـيـا فــي أيـام فقط، كبدت موسكو 5 التي استمرت خـسـائـر عــتــاد وازنـــــة. وأشــــار تـقـريـر نشر قبل سنوات، إلى أن الروس الذين أحرزوا انتصارا حاسما فـي تلك الـحـرب واجهوا مفاجآت مؤلمة، إذ تمكن نظام دفاع جوي جــورجــي، قـديـم نسبياً، مــن إســقــاط تسع ،»25 مقاتلات حديثة من طراز «سوخوي علما بـــأن جـورجـيـا لا تمتلك نـظـام دفــاع جـوي مركزياً. وجــاء ذلـك رغـم أن الغارات الروسية التي مهدت للتقدم البري دمرت مـعـظـم الــــــــــرادارات. هــــذا الأمـــــر أظـــهـــر، كما قــال التقرير «مــهــارات مــحــدودة بالنسبة لــلــطــيــاريــن الـــــــروس، فـــضـــا عـــن خــلــل في أنظمة الصيانة والـتـدريـب». ولـم تقتصر الــثــغــرات عـلـى هـــذا الـنـحـو، حـيـث تمكنت القوات الجورجية من إلحاق الضرر برتل مــــن الــــدبــــابــــات الـــروســـيـــة مــــا أظـــهـــر خــلــا فـــي الــــقــــدرات الاســـتـــخـــبـــاراتـــيـــة. وأظـــهـــرت تلك الـحـرب عموما خـلـا كبيرا فـي إدارة العمليات وفــي كـفـاءة الــطــرازات المختلفة لـأسـلـحـة، مــا شـكـل صـدمـة قـويـة بالنظر إلى الموازنات العسكرية الضخمة لروسيا. حقل التجارب السوري بـهـذا المعنى، يمكن الـقـول إن الحرب الـسـوريـة الـتـي جـــاءت بعد ذلــك بسنوات، قــــامــــت روســــيــــا خـــالـــهـــا بـــــإعـــــادة تـنـظـيـم أولـويـات التسليح والـتـدريـب، شكلت أول اخـتـبـار جــدي ومـبـاشـر لـلـقـوات والــقــدرات الــقــتــالــيــة عـــلـــى الأرض. ويـــكـــفـــي فــــي هـــذا الإطــــار أن وزيــــر الـــدفـــاع الـسـابــق سيرغي شويغو الذي قاد برنامج تحديث الجيش ، أي بعد 2018 وإعــادة تسليحه، أعلن في ســــنــــوات عـــلـــى الـــتـــدخـــل المــبــاشــر 3 مــــــرور فــي ســـوريـــا، وبــعــد انـتـهـاء الــجــزء النشط مـن العمليات العسكرية، أن بـــاده قامت طــرازا من الأسلحة 350 باختبار أكثر من الحديثة ميدانيا خــال الـحـرب السورية، وأضاف أنه بفضل العملية العسكرية في سوريا قامت روسيا بإصلاح أخطاء في المروحيات الهجومية وتسليحها وأنظمة الإنذار والرادارات فيها. وفــــــي مــــعــــرض حـــديـــثـــه عـــــن تــطــويــر أســلــحــة جـــو - جــــو، قــــال أيـــضـــا: «لــتــأمــن المعدات والمروحيات على وجه الخصوص، نحتاج إلـى أسلحة تعمل على مـدى أبعد مـــن أنـظـمـة الـــدفـــاع الـــجـــوي أو مـنـظـومـات الدفاع الجوي المحمولة ولدينا اليوم مثل هـــذه الأسـلـحـة. وهـــذا بفضل العملية في ســوريــا». فـي الـسـيـاق ذاتـــه أشـــار الرئيس الــروســي فلاديمير بـوتـن، أكـثـر مـن مـرة، إلى أن التجارب التي جرت على الأسلحة في ظــروف القتال الحقيقية وفــرت فرصة نـــادرة لروسيا لـم يكن مـن الممكن تحقيق مـثـيـل لـهـا فــي مــيــاديــن الــتــجــارب وحـقـول الرماية. وأفاد تقرير موسع نشرته وكالة أنــــبــــاء «نـــوفـــوســـتـــي» فــــي يــولــيـــو (تـــمـــوز) ، بـأن روسيا نجحت في سوريا في 2020 إجراء أول اختبار عملي لصواريخ كاليبر المجنحة التي تُطلق من البحر. «وحلقت كيلومتر 1500 صواريخ كاليبر لأكثر من هـدفـا إرهــابــيــا»، وقــالــت إنـه 11 وأصـــابـــت مـــنـــذ ذلـــــك الــــحــــن، اســـتـــخـــدمـــت الــبــحــريــة الروسية بانتظام صواريخ كروز، بما في ذلك من الغواصات. وأفــــــادت الــوكــالــة بـــأن «جـمـيـع أنـــواع الــــطــــائــــرات تــقــريــبــا شــــاركــــت فــــي الــخــدمــة مـــع الـــقـــوات الــجــويــة الـفـضـائـيـة الـروسـيـة فــي الــحــرب الــســوريــة. إلـــى جـانـب قـاذفـات الخطوط الأمامية المخضرمة والمروحيات الـــــهـــــجـــــومـــــيـــــة»، بـــــالإضـــــافـــــة إلــــــــى إجــــــــراء تـجـارب حقيقية فـريـدة لــقــدرات الـقـاذفـات الاستراتيجية الروسية. أيضاً، في سـوريـا، استخدم الجيش الـــــروســـــي لأول مــــــرة عـــلـــى نــــطــــاق واســـــع الـــطـــائـــرات المـــســـيّـــرة مـــن طـــــــرازات مُــنـتـجـة بـــتـــرخـــيـــص إســـــرائـــــيـــــلـــــي. وشــــــاركــــــت فــي طلعات جوية قتالية، وتسجيل ضربات الـصـواريـخ وتوجيه نـيـران المدفعية، كما ظهرت على الأرض السورية للمرة الأولى المركبات المدرعة «تايفون»، وقالت الوكالة إنــهــا أظـــهـــرت قـــدراتـــهـــا الــوقــائــيــة الـعـالـيـة خلال استخدام وحدات الشرطة العسكرية لها. وقـــــد لــعــبــت أنـــظـــمـــة قـــــاذفـــــات الــلــهــب التي تطلقها تلك المدرعات دورا مهما في العمليات الهجومية للمسافات القريبة كيلومترات. 6 التي تصل إلى ومــــثــــل هــــــذا يــنــســحــب عـــلـــى تـــجـــارب الدبابات الحديثة والأنظمة الصاروخية المــــخــــتــــلــــفــــة مـــــــن طــــــــــــــــرازات «بــــانــــتــــســــيــــر» و«إســـكـــنـــدر» الــتــي نــشــرت روســيــا نـمـاذج مـــنـــهـــا فـــــي كـــالـــيـــنـــيـــنـــغـــراد قــــــرب الــــحــــدود الأوروبــــــيــــــة لــكــنــهــا لــــم تُـــــجـــــرّب فــــي حـــرب حقيقية قبل سوريا. ويـقـول خـبـراء إن المـشـاركـة الروسية فـي الـحـرب الـسـوريـة لعبت دورا أساسيا فــــي إعــــــــادة بــــنــــاء المــــؤســــســــة الـــعـــســـكـــريـــة، بـــكـــل إمـــكـــانـــاتـــهـــا وقــــدراتــــهــــا الــصــنــاعــيــة والـتـسـلـيـحـيـة، وأســـهـــمـــت فـــي الـتـحـضـيـر بإمكانات أعلى بكثير من السابق للعملية 2022 العسكرية الروسية التي انطلقت في في أوكرانيا. (أ.ف.ب) 2017 بوتين والأسد يحضران عرضا عسكريا في القاعدة الجوية الروسية «حميميم» قرب اللاذقية ديسمبر موسكو: رائد جبر مارس الماضي (أ.ف.ب) 11 قوات الأمن السورية بجوار مركبة عسكرية متضررة لأنصار الرئيس المخلوع بشار الأسد في بلدة حميميم يوم أرشيفية لدورية روسية وعناصر من «اللواء الثامن» المدعوم من «حميميم» في جنوب سوريا
RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky