issue17178

الثقافة CULTURE 17 Issue 17178 - العدد Tuesday - 2025/12/9 الثلاثاء جزء أول من ثلاثية لخالد إبراهيم «الأوسلاندر»... بُعد آخر للمنفى يـقـدّم خـالـد إبـراهـيـم فـي الـجـزء الأوّل من ثلاثيته الروائية «الأوسلاندر- تشريع الغربة اختبار الفقد»، (المؤسسة العربية للدراسات صـفـحـة)، نصا يـؤسّــس لمرحلة 265 ، والـنـشـر تـكـوّن إنـسـان يدفعه وطـنـه إلــى التخلي عنه، ويــســتــقــبــلــه بـــلـــد آخـــــر بــصــفــتــه «أجـــنـــبـــيـــا» لا بــصــفــتــه ذاتــــــا كـــامـــلـــة. يــتــمــوضــع هـــــذا الـــجـــزء بوصفه بـنـاء تمهيديا لمـشـروع ســردي أطـول، يـقـدّم الشخصيات والـفـضـاء واللغة والحدث من دون إغلاق أي سؤال، بل عبر تثبيت قاعدة الانطلاق فقط. يـــتـــمـــحـــور الـــــســـــرد حــــــول حــــركــــة انـــتـــقـــال واحــــــدة: خــــروج مـــن فــضــاء مـــهـــدَّد فـــي الــوطــن الأول، ودخــول إلـى فضاء منضبط وبــارد في بلد اللجوء. غير أن الكاتب لا يتعامل مع هذه الحركة بوصفها رحلة درامية أو ملحمة عبور، بل على أنها تحوّل بطيء في إيقاع حياة بطل واحــد هو «شـفـان»، الــذي يُعاد تشكيله داخل نظام كامل من الملفات والمقابلات والاستمارات وأسئلة الـهـويـة، بحيث يُطلَب منه أن يسوّغ وجـــــــوده بـــاســـتـــمـــرار. الــــحــــدث الـــرئـــيـــس لـيـس ســـــلـــــســـــلـــــة وقـــــــــــائـــــــــــع، بـــل اصـــــطـــــدام يــــومــــي بــــن مـا يـــــراه «شــــفــــان» فـــي نفسه وبـــــن مــــا تــــــراه المــؤســســة عنه. قــــــــوّة الـــــســـــرد تــكــمــن فــــــــي تــــــجــــــنّــــــب الــــــــروائــــــــي الإفـــــــــــــراط الــــــــدرامــــــــي؛ فــا مـــــــــطـــــــــاردات الـــــبـــــتـــــة، ولا مشاهد عبر الحدود، ولا بكائيات... إنما ثمة توتر مــنــخــفــض يــســتــمــد قــوتــه مـــــن الانــــتــــظــــار الـــطـــويـــل، وبــــطء الإجــــــــراءات، وقـلـق المستقبل. يكتب الـروائـي تــجــربــة الـــلـــجـــوء بـطـريـقـة أقــــــرب إلـــــى الـــــواقـــــع مـنـهـا إلى الصورة التلفزيونية. وبــــذلــــك يــصــبــح الــشــعــور بــــالاخــــتــــنــــاق الــــــبــــــارد هـو المسرح الداخلي للرواية، لا مـــــشـــــاهـــــد الـــــعـــــنـــــف أو المآسي الصارخة. شـخـصـيـة «شــــفــــان» تُــبــنــى عــبــر طـبـقـات شفّافة، فلا يُقدَّم بطلا ولا ضحية، بل إنسانا عاديا يحمل ذاكـرة قاسية لكنه يعيش لحظة الحاضر تحت سطوة إجراءات يومية. الماضي يظهر بوظيفة تفسيرية لا استطرادية، بحيث لا يطغى عـلـى الـحـاضـر. كـمـا أن التغيير في الرواية ليس طفرة ناتجة عن حدث كبير، بل حصيلة مواقف صغيرة متراكمة، منها: تعلُّم الـــوقـــوف أمـــــام المـــوظـــف، وكـــبـــح الــغــضــب أمـــام النظرة المتعالية، وفهم شروط المكان الجديد... تكلفة الخطأ عالية، لـذا يأتي النضج بطيئا وحذرا ً. إلـــى جــــوار «شـــفـــان» تـتـحـرك شخصيات تــرســم مـحـيـط الــتــجــربــة. فــــ«خـــبـــات» لا يظهر بـوصـفـه نـمـوذجـا مـثـالـيـا بــل مـهـاجـرا متعباً، يساعد ويتردد ويخاف، فتنعكس فيه صورة احــتــمــال آخـــر لمـصـيـر «شـــفـــان». أمّــــا «بـــرويـــن» فتمثل خـطـا عـاطـفـيـا مـحـتَــمـا لا يـكـتـمـل، لأن المنفى لا يمنح علاقة مستقرة بسهولة. الحوار بينهما مشحون بالحذر، كأن كل كلمة اختبار لـخـطـوة آتـيـة قــد تُــبـنـى أو تُــلـغـى. بـهـذا تُظهر الرواية بعدا آخر للمنفى: المنفى عن الطمأنينة العاطفية، لا عن الوطن وحـده فقط. أما الظل فيأتي بوصفه أداة فنية ذكية تتيح مساءلة الذات من دون تنظير مباشر. إنه صوت عميق يــســأل عـــن جــــدوى الــرحــيــل، وإمـــكـــان الـــعـــودة، ومعنى العيش بين هويتين، مما يمنح البنية النفسية للرواية بعدا هادئاً، يكشف عمّا هو أعمق من السرد المباشر. المـــــكـــــان فـــــي «الأوســــــــانــــــــدر» لـــيـــس فـــضـــاء جــــغــــرافــــيــــا بــــــل شـــبـــكـــة ضـــــغـــــط. الــــــوطــــــن الأول يُــســتــحــضــر بـــــإشـــــارات مــــوجــــزة تــكــفــي لـتـبـيـان أن وراء الـــخـــروج خــوفــا حـقـيـقـيـا. بـيـنـمـا البلد الأوروبي لا يرسمه الروائي جحيما ولا فردوساً، بل منظومة صلبة في إجراءاتها، دقيقة إلى حد الإرهــــاق والاخــتــنــاق. حـيـث تكفي غـــرف الإيـــواء الضيقة، والأسرّة المتجاورة، والمطابخ المشتركة، وأرقـــام الانـتـظـار، والمــمــرّات الرسمية، لتأسيس شعور الرقابة المستمرة. حتى الأماكن المفتوحة كالغابة أو المقهى تُستخدم كتخفيف مؤقت من الجدران لا كرموز فلسفية. الـــــزمـــــن فـــــي الــــــروايــــــة يُـــبـــنـــى بـــنـــظـــامـــن؛ أحـدهـمـا زمــن إداري تـحـدّده المواعيد والدوائر والرسائل، وثـــــانـــــيـــــهـــــمـــــا زمـــــــــن داخـــــلـــــي يتشكّل في لحظات الانتظار الـــــطـــــويـــــلـــــة، حـــــيـــــث يـــتـــســـلـــل المـاضـي إلــى الـوعـي مـن دون أن يخطف مركزية الحاضر. فـا قـفـزات زمنية معقدة ولا نـهـايـات مـغـلـقـة. إنــهــا قطعة مـن مـسـار أطـــول، مرحلة من تـشـكّــل هــويــة «الأوســـانـــدر» الـــــــتـــــــي مـــــــــن المــــــــــفــــــــــروض أن تُــــســــتــــكــــمــــل فــــــــي الـــــجـــــزأيـــــن التاليين. وبـــوصـــف الـلـغـة عنصرا رئـــــيـــــســـــا ومـــــهـــــمـــــا فـــــــي بــــنــــاء العالم الـسـردي، يختار خالد إبـــراهـــيـــم، الـــقـــادم مـــن الـشـعـر، لغة نثرية اقتصادية، بجمل قصيرة، ومشاهد محكمة، بلا زخـرفـة أو اسـتـعـارات مبهرة. هـــذا الــخــيــار الـجـمـالـي يكسر السرديات المعتادة حول اللجوء، التي كثيرا ما استدرجت الخطاب العاطفي أو الإنشائي. هنا تُستخدم اللغة أداة إضاءة، لا وسيلة لاستدرار الــتــعــاطــف. ورغــــم ذلـــك يـسـمـح الــكــاتــب لجملته أحيانا بأن تتباطأ وتتأمل، لكنها تبقى لحظات عابرة لا تغيّر من نبرة الأساس. لا يحصل قـارئ روايــة «الأوســانــدر» في نهاية الجزء الأول على أي يقين حـول مصير «شفان»... الماضي مفتوح على تهديد محتمل، والـــحـــاضـــر لـــم يــتــحــول إلــــى إقـــامـــة مـسـتـقـرة، والمستقبل لا يظهر إلا مـن زاويـــة الـشـك. هذه الـــاّخـــاتـــمـــة لــيــســت ضــعــفــا، بـــل هـــي جــــزء من مشروع الرواية كما نعتقد: ترك الباب مشرعا أمــام التكوين المستمر لشخص يتشكّل تحت ضغط تصنيف قاس اسمه «الأوسلاندر». بـهـذا الاشـتـغـال الـدقـيـق على الشخصية والزمان والمكان واللغة، يقدّم الجزء الأول من «الأوسلاندر» نموذجا لرواية تُراكم ولا تُعلن، وتكشف ولا تستعرض، وبذلك تضع القارئ داخل التجربة لا خارجها. إبراهيم اليوسف رسالة إلى أختها 89 دار فرنسية تنشر «عزيزتي كاسندرا»... نافذة على الحياة الخاصة لجين أوستن عاما على ميلاد الكاتبة 250 بمناسبة مرور الــبــريــطــانــيــة جـــن أوســــــن، أصــــــدرت دار نشر «فينيتيود» الفرنسية كـتـابـا جــديــدا بـعـنـوان: «عــزيــزتــي كـــاســـنـــدرا»، يـضـم رســائــل تبادلتها الروائية مع أختها الكبرى كاسندرا. الحدث، وفق تقارير الصحافة الأدبية، مهم، فنحن إذا استثنينا بعض المذكرات المختصرة ،19 التي نشرها أقارب جين أوستن في القرن الـ ورغـم المكانة الرفيعة التي تحظى بها الكاتبة الـيـوم، فـإن مـا نملكه مـن معطيات عـن حياتها لا يـــزال مـحـدودا نسبياً. ولـــذا؛ فــإن مـبـادرة دار الـنـشـر «فينيتيود» جـــاءت لـتـقـدّم فتحا لافـتـا، حيث أصدرت لأول مرة النص الكامل للرسائل المتبادلة بينها وبين شقيقتها، وهي تقدر بنحو رسالة تبادلتها الأختان بين يناير (كانون 89 ، بينما كان 1816 ) وأبريل (نيسان 1769 ) الثاني الباحثون قد قـدروا عدد الرسائل التي كتبتها ، لم يبق منها سوى 300 جين في حياتها بنحو ، حيث حرقت كاسندرا جزءا منها؛ حماية 116 لسمعة جـن بعد وفـاتـهـا، خصوصا أن كثيرا منها تضمن تعليقات غير مُحبّذة أو جارحة بحق بعض الأقارب والأصدقاء، أو إشارات إلى مسائل خاصة بالصحة والعلاقات. «عــــــزيــــــزتــــــي كـــــــاســـــــنـــــــدرا» لــــيــــســــت مــــجــــرد مــراســات عائلية بـن أخـتـن تجمعهما علاقة قـــويـــة، بـــل وثـــائـــق تــاريــخــيــة تـكـشـف عـــن امــــرأة رفـضـت الخضوع لتقاليد عـصـرهـا... اخـتـارت الكتابة على الـــزواج المـريـح، وحولت معاناتها الشخصية إلى فن راقٍ، حيث نرى جين أوستن الحقيقية: المــــرأة الـذكـيـة، والــســاخــرة، والمحبة لعائلتها، والملتزمة بفنها حتى النفس الأخير. في رسائلها المبكرة، تكشف جين، البالغة عـــامـــا، لأخــتــهــا وكـــاتـــمـــة سّــرهــا 20 مـــن الــعــمــر كــــاســــنــــدرا عـــــن عــــاقــــة عـــاطـــفـــيـــة مـــــع المـــحـــامـــي الآيرلندي الشاب توم ليفروي، التي يُعتقد أنها ألهمت شخصية «السيد دارســـي» في روايتها «كـبـريـاء وتـحـامـل»، حيث كتبت إلــى كاسندرا : «كاسندرا... أخشى أن أخبرك 1796 يناير 9 في كيف تصرفت أنا وصديقي الآيرلندي. تخيلي كل ما هو صادم وفاضح في الرقص والجلوس يــنــايــر، كـتـبـت إلـيـهـا مـجـددا 15 مــــعــــا...». وفـــي بنبرة مختلطة؛ بـن الـدعـابـة والأســــى: «الـيـوم هو اليوم الـذي سأغازل فيه تـوم ليفروي لآخر مــرة، وحـن تصل إليك هـذه الرسالة، فسيكون كـل شـيء قـد انتهى. دمـوعـي تنهمر وأنــا أكتب هذه الفكرة الكئيبة». واللافت أن جين بدأت كتابة المّسودة الأولى لـروايـة «كبرياء وتحامل» فـي أكتوبر (تشرين ، أي بـعـد أشــهــر قـلـيـلـة مـــن رحـيـل 1796 ) الأول ليفروي إلى لندن لإكمال دراسته القانونية؛ مما يعزز فرضية تأثير هذه التجربة العاطفية على إبـداعـهـا الــروائــي. وعـكـس الــروايــة الـتـي حملت نهاية سعيدة، فـان جين لم تتزوج تـوم بسبب وضعها المادي ومعارضة العائلة هذه العلاقة. وهو ما تُظهره رسائل أخرى مكتوبة بين عامي ، حيث تبدو في مواجهة تحديات 1806 و 1801 مالية واجتماعية قاسية، بعد أن قــرّر والدها التقاعد والانتقال إلى مدينة باث، وهو ما صدم 1801 ) مايو (أيار 5 جين بعمق، حيث كتبت في واصفة بلهجة ساخرة: «المنظر الأول لباث في طـقـس جميل لا يــوافــق تـوقـعـاتـي. أعـتـقـد أنني أرى بوضوح أكثر من خلال المطر...». وتضيف في موضع آخر: «كل شيء بخار وظلال ودخان وارتباك». ، تركت جين 1805 وفاة والدها المفاجئة عام وكـاسـنـدرا ووالـدتـهـمـا فـي وضــع مـالـي صعب، حـيـث اضــطــررن إلـــى الاعـتـمـاد عـلـى المـسـاعـدات السنوية من الأشقاء الذكور، والتنقل بين منازل الأقارب. خــال هــذه الـفـتـرة العصيبة، توقفت جين بشكل شبه كلي عن الكتابة، حيث بـدأت رواية «ذا واتـــســـونـــز» لـكـنـهـا لـــم تــكــمــلــهــا، والــــروايــــة تـتـحـدث عــن قـــس مــريــض فـقـيـر وبــنــاتــه الأربـــع غير المــتــزوجــات؛ مما فُــسـر بـأنـه صــدى واضـح لمحنتها الشخصية. الاسـتـقـرار لـم يـــأت إلا في عندما وفر لهن شقيقها الغني إدوارد 1809 عام مـــنـــزلا فـــي تـــشـــاوتـــون، حـيـث عــاشــت جـــن أكـثـر سنواتها إنتاجا أدبيا هناك مع كاسندرا التي تولت إدارة المنزل، لكي تتفرغ جين للكتابة. في هذه الفترة، أنتجت خمسا من أشهر رواياتها: «العقل والعاطفة» و«كبرياء وتحامل» و«متنزه مانسفيلد» و«إيـمـا» و«إقــنــاع». ورغــم وضعها المـــادي، فــإن جـن أوســـن لـم تكن تقبل بالنفاق أو بـــالـــتـــنـــازل عــــن مـــبـــادئـــهـــا، وهـــــو مــــا وثــقّــتــه الـــرســـائـــل بـشـكـل غــيــر مــبــاشــر مـــن خــــال قـصّــة خطبة هاريس بيغ ويذر، الذي فاجأها بعرض زواج خلال زيارتها عائلته في مانيداون بارك. وبعد قبولها العرض، غيّرت رأيها في الصباح التالي، وفـــرّت إلـى بـاث مـع شقيقتها كاسندرا في حالة من الاضطراب الشديد. هـــذا الـــرفـــض لـــم يـكـن مــجــرد قــــرار عـاطـفـي، بـل كــان قـــرارا مصيريا رفضت فيه جـن الأمــان المـالـي والمـكـانـة الاجتماعية مـن أجــل مبادئها. وقـــــد انــعــكــســت هـــــذه الـــتـــجـــربـــة فــــي روايـــاتـــهـــا، خــصــوصــا فـــي شـخـصـيـة «شــــارلــــوت لـــوكـــاس» فـي «كبرياء وتحامل» التي قبلت بـالـزواج من «الـسـيـد كـولـيـنـز» لأســبــاب مـــاديـــة، وفـــي علاقة «فاني» و«هنري» في «متنزه مانسفيلد». وقد 1814 كتبت جين لاحقا في إحدى رسائلها عام ناصحة: «كـل شـيء يُفضّل، أو يُحتمل، ما عدا الزواج من دون عاطفة». الــــرســــائــــل أظــــهــــرت أيـــضـــا شــخــصــيــة جـن المحترفة الحريصة على التفاصيل والـدقـة في تـحـرّي المـعـلـومـات، حيث نـراهـا تناقش أختها تفاصيل عن سفن البحرية لتضمن دقة الوصف فـي «مـتـنـزه مانسفيلد»، وقــد غـيـرت كثيرا من التفاصيل بعد أن استشارت شقيقها الضابط. )، ورغم 1817 - 1816( في رسائلها الأخيرة المـــرض الـــذي بـــدأ ينهش جـسـدهـا الـــذي يُعتقد الــــيــــوم أنـــــه كـــــان مـــــرض «أديــــــســــــون»، فـــــإن جـن استمرت في الكتابة بروح متفائلة، حيث بدأت روايـــة «سـانـدايـتـون»، لكنها لـم تكملها بسبب ضعفها. وفي إحـدى رسائلها الأخيرة لأختها ، كتبت بروحها 1817 كـاسـنـدرا فـي يناير عــام المرحة المعتادة رغم معاناتها الواضحة، قائلة: «أعيش غالبا على الأريكة، لكني حصلت على تصريح بالمشي مـن غـرفـة إلــى أخـــرى؛ خرجت مرة أتنفس الهواء بعد أن تناولت قرص دواء، ووُضعت على كرسي محمول...»، وهي عبارة تُظهِر قدرتها على المزاح رغم المرض. جين أوستن باريس: أنيسة مخالدي «البربرية الثقافية... وقائع الانهيار» لفاضل السلطاني أسئلة شائكة مطروحة على عصرنا عــــن دار «خــــطــــوط وظــــــــال» بـــعـــمـــان، صــدر لفاضل السلطاني كـتـاب «البربرية الثقافية... وقائع الانهيار». وضم مقالات في الفكر والثقافة والأدب واللغة، تناولت قضايا وظواهر شكّلت ملامح أساسية في تـاريـخـنـا المــعــاصــر، وخــاصــة مـنـذ الألـفـيـة الجديدة، التي عـرف فيها العالم تطورات هائلة على أكثر من صعيد. جاء في تقديم الكتاب: «هـــذه مـخـتـارات مـن مـقـالات قصيرة، نـــشـــرت عـــلـــى مـــــدى ربـــــع قـــــرن فــــي جـــريـــدة (الــــشــــرق الأوســـــــط) الــلــنــدنــيــة، عــلــى شكل عمود ثقافي يتناول جوهر القضية التي يــطــرحــهــا بــشــكــل مــكــثــف بــحــكــم المــســاحــة المـخـصـصـة. وقـــد اخـتـرنـا نـشـرهـا فــي هـذا الكتاب، لأننا نـرى أن القضايا والظواهر الفكرية والثقافية التي تناولتها، والتي انــــعــــكــــســــت بــــــالــــــضــــــرورة عــــلــــى شـــعـــوبـــنـــا وبلداننا، وكتاباتنا وأدبنا وفننا، ما تزال حاضرة، وربما بقوة أكثر، وما تزال تشكل مـــامـــح أســـاســـيـــة فـــي حــيــاتــنــا المـــعـــاصـــرة، وخاصة منذ الألفية الجديدة، التي عرف فيها العالم تطورات هائلة على الأصعدة كـــــافـــــة، ســـيـــاســـيـــا واقــــتــــصــــاديــــا وثـــقـــافـــيـــا وإعلاميا وتقنياً». ولـــأســـف، تـتـنـاسـب هـــذه الــتــطــورات، فـــــي مـــجـــمـــلـــهـــا، عـــكـــســـيـــا مـــــع مــنــظــومــتــنــا الأخــاقــيــة، فكلما تـقـدمـنـا علميا وتقنيا أكثر كلما تراجعنا أخلاقياً، وكلما صعدنا خـــطـــوة فـــي ســلــم مــعــارفــنــا الــهــائــلــة الـتـي وفّــرهـا العصر الــذي نعيشه، كلما هبطنا خطوتين في سلم القيم الإنسانية، وكأننا نشهد تـقـريـبـا صـيـاغـة إنــســان مختلف لا نـــكـــاد نــتــعــرف عــلــيــه، وكـــأنـــهـــا أمـــــام ولادة ثانية لهذا الإنسان، إذا استخدمنا تعبير نيتشه، ولكن بالمعنى السلبي، فهي ولادة قيصرية مشوهة على يد قابلة الرأسمالية المتوحشة، وحسب مقاساتها وتصميمها وألوانها، معيدة إنتاج ليس عقولنا فقط، بل أرواحنا أيضاً. أي نبوءة مرعبة أطلقها ماركس في القرن التاسع عشر: «إذا تأخرت الرأسمالية في تحولها، فإنها ستتحول إلى بربرية». «الــــبــــربــــريــــة عــــلــــى الأبـــــــــــــواب» لــيــســت صـــــورة شـــعـــريـــة، ولا عـــبـــارة مـــجـــازيـــة. بل حـقـيـقـة صــــارخــــة. إنـــهـــا فـــعـــا عــلــى أبــــواب عصرنا، الذي لم يعد عصرا مسطحا فقط، فـارغـا مـن أي مـعـان سامية تـقـوده وتوجه بوصلته، بـل عصر فقد إلـى درجــة مريعة ضـمـيـره الأخـــاقـــي، وكــــأن حــركــة الـتـنـويـر الـــكـــبـــرى، الـــتـــي بـــــدأت مـــن الـــقـــرن الـــســـادس عشر، وبشرت بقيم الحرية والحق والعدل والمساواة، قد محيت من سجل التاريخ. أي عـــــوامـــــل ســـيـــاســـيـــة واجـــتـــمـــاعـــيـــة وثقافية قادت إلى ذلك؟ وما الذي يحصل حـقـا فــي تـاريـخـنـا المــعــاصــر؟ هــل يتخطى الأمــــر مــداركــنــا الـعـقـلـيـة والــذهــنــيــة، فنقف عــاجــزيــن عـــن تـحـلـيـلـه وفــهــمــه، وبـالـتـالـي تــــجــــاوزه، أم الأمـــــر مــتــوقــف عــلــى «عـــوامـــل مـــوضـــوعـــيـــة» تــــحــــرّك هــــــذا الــــتــــاريــــخ، ولا نملك إزاءهـا شيئاً؟ ولكن ما هذه العوامل المــوضــوعــيــة؟ ولمــــاذا وكــيــف تـشـكّــلـت الآن، ولـــيـــس مـــن قـــبـــل؟ هـــل نــحــن قـــــــادرون على فهمها، ونحن ما نزال نتخبط في دوامتها؛ يمينا ويـسـاراً؟ ثـم، هل هي مرحلة طارئة هبطت علينا فـجـأة مــن الـسـمـاء فــي غفلة مــنــا، ومـــن الــتــاريــخ، أم إنــهــا كــانــت كامنة تحت السطح منذ أجـيـال طـويـلـة، ولكننا لـن نـرهـا، ونما عـودهـا الآن، ثـم استطالت لتغطي كل المعمورة؟ هذه المقالات لا تدعي شيئاً، بل تحاول فـقـط أن تــطــرح أسـئـلـة عـلـى أنـفـسـنـا، وإذا نجحت فـي فعل ذلـــك، فـهـذا يـبـرر كتابتها ونــشــرهــا، فــطــرح ســــؤال صـحـيـح، ونـرجـو أن تنطبق هذه الصفة نسبيا على الأسئلة التي نطرحها هنا، خاصة في القسم الأول من هذا الكتاب، شيء صعب جداً، كما قال الشاعر د. هـ. أودن مرة. لندن: «الشرق الأوسط» «الأوسلاندر: تشريع الغربة اختبار الفقد» > المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2025 - ص من القطع الكبير 265 الرسائل ليست مجرد مراسلات عائلية بين أختين تجمعهما علاقة قوية... بل وثائق تاريخية تكشف عن امرأة رفضت الخضوع لتقاليد عصرها

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky