issue17178

فـــي الــســبــاق الــثــاثــي بـــن روســـيـــا وأمـــيـــركـــا من جهة والاتحاد الأوروبــي من جهة أخـرى للاستحواذ على الأمــــوال السيادية الـروسـيـة فـي بلجيكا، وصل الأوروبيون أولا إلى خط النهاية في الأسبوع الماضي. التقارير الإعلامية ذكـرت في وقـت سابق أن الرئيس الأميركي وضع الأموال الروسية نُصب عينيه لتكون من نصيب الشركات الأميركية، من خلال إعداد خطة مـع الرئيس الـروسـي فلاديمير بوتين للمشاركة في ثلثي المبلغ في استثمار مشترك. المــصــادرة، بوضع اليد على تلك الأمـــوال، كانت العقبة التي كانت تحُول دون وصول أي من الأطراف إليها. ونجح الأوروبــيــون في تجاوز العقبة الكأداء مؤخرا بالالتفاف على المصادرة بإبداع نص قانوني. رئــيــس الـحـكـومـة البلجيكية بــــارت دي ويـفـيـر، الذي وصل السلطة في شهر فبراير (شباط) الماضي، رفض بشدة المساس بالأموال المودعة في بلاده خشية من العواقب القضائية المحتملة فيما بعد. اجـتـهـد خــبــراء الــقــانــون فــي بـروكـسـل للالتفاف على المـصـادرة، وابتدعوا مؤخرا آلية الاقـتـراض. أي أن دول الاتــحــاد الأوروبــــي تـقـدم ضـمـانـات للحكومة البلجيكية بتحمُّل المـسـؤولـيـة القانونية معها أولا في حال لجوء روسيا إلى القضاء في مرحلة ما بعد الحرب لمقاضاتها. وثانياً، فإن الاتحاد الأوروبـي لن يـصـادر الأمــــوال المـجـمّــدة فـي بلجيكا، بـل يقترضها تــحــت غــطــاء أطــلــقــوا عـلـيـه اســــم قــــرض الـتـعـويـضـات لـكـيـيـف مــقــابــل أصـــــول المـــصـــرف المــــركــــزي الـــروســـي. وتـقـوم بعد ذلــك بـإقـراضـهـا لحكومة كييف مـن دون فـوائـد، وتلتزم أوكرانيا بردها بعد أن تدفع روسيا التعويضات في مرحلة ما بعد الـحـرب، حيث تعمل الأصول الروسية المجمدة بمثابة رَهن. حبكة قانونية مُحْكَمَة ولدت بعد مخاض شهور طويلة من المماحكات والاعتراضات القانونية، نتيجة الخوف من فقدان المصارف الأوروبية مصداقيتها أو أن يفقد الـيـورو وضعيته الـدولـيـة ومصداقيته عند المـسـتـثـمـريـن، مـمـا يـضـطـرهـم إلـــى سـحـب أرصـدتـهـم باليورو واستبدالها بواسطة الـذهـب، خشية تكرار الـعـمـلـيـة مــــرة أخـــــرى تــحــت ظـــــروف مــمــاثــلــة. الــافــت لـــاهـــتـــمـــام أن المــــصــــرف المـــــركـــــزي الأوروبـــــــــــي رفـــض الانــــخــــراط فـــي الــلــعــبــة ونـــــأى بـنـفـسـه عــنــهــا. رئـيـسـة المــصــرف الأوروبـــــي كريستين لاغــــارد حــــذّرت الـنـواب الأوروبيين من الخطة، وقالت إنها بالكاد تقع ضمن حدود القانون الدولي. روسيا عدّت الخطة الأوروبية «ســــرقــــة قـــانـــونـــيـــة» و«انـــتـــهـــاكـــا خـــطـــيـــراً» لــلــمــبــادئ الأســـاســـيـــة لـــاقـــتـــصـــاد الـــعـــالمـــي والأمــــــــاك الـــدولـــيـــة، وشكلا من أشكال «القرصنة المالية»، ووضعا خطيرا يفتح الـبـاب لمـصـادرة الأصـــول الأجنبية تحت ذرائـع سياسية. الـتـقـاريـر الإعـامـيـة الـبـريـطـانـيـة تـقـول إن قيمة الأموال السيادية المملوكة للمصرف المركزي الروسي مليار يورو، مودعة في 285 بعملة اليورو تصل إلى بلدان الـدول السبع المتقدمة، وجمّدت منذ الاجتياح الروسي ضد أوكرانيا للحيلولة دون استفادة روسيا مـنـهـا فـــي دفــــع تـكـالـيـف الـــحـــرب. والمــبــلــغ المـــــودع في مليار يورو). وكانت ألمانيا في السابق 185( بلجيكا من أشد المعارضين للمساس بالودائع الروسية، لكن درجة منذ مجيء حكومة فريدريك 180 موقفها انقلب مـيـرتـس الـحـالـيـة إلـــى الـحـكـم، إذ تسلمت دفـــة قـيـادة العملية بقوة. استنادا إلـى تقارير إعلامية، فـإن المشكلة التي تـــواجـــه دول الاتــــحــــاد الأوروبــــــــي تـمـثـلـت فـــي الـعـجـز مليار يـــورو لتغطية العجز في 90 عـن توفير مبلغ مليار 137 ميزانية أوكرانيا للعامين المقبلين البالغة يورو. وليس ثمة حلول سوى تجاوز عقبة المصادرة، وابـــــتـــــداع خـــطـــة قـــانـــونـــيـــة لإقــــنــــاع رئـــيـــس الــحــكــومــة البلجيكية، وعبرها يتم الوصول إلى الأصول النقدية الـروسـيـة والاسـتـحـواذ عليها لمـسـاعـدة أوكـرانـيـا في حربها ضد روسيا! مـــصـــادرة أصــــول سـيـاديـة لــدولــة مــا مــودعــة في مصارف دولـة أخـرى ليس بأمر مستحدث تاريخياً، لكنه يتم بناء على قواعد وشروط. أبرزها أن الأصول النقدية المودعة قد تتعرض للمصادرة في حال نشوب حرب بين دولتين: أي حرب بين دولـة مالكة للأصول السيادية ضـد دولــة مـودعـة بها تلك الأصـــول. مـا لم يحدث ذلك، فإن الأصول المودعة يُفترض أن تكون في مأمن من المساس بها، وفقا للنظم والقواعد المعترف بها المتبعة وسارية المفعول. مـــن المـمـكـن هـنـا الاســتــشــهــاد بـوضـعـيـة الأمــــوال الليبية المجمدة بقرار من الأمم المتحدة في بريطانيا ، وسعي أهالي ضحايا الحرب الأهلية 2011 منذ عام في شمال آيرلندا للحصول على تعويضات من تلك الأمـــــــوال، بــذريــعــة تــــورط لـيـبـيـا فـــي تـسـلـيـح الـجـيـش الجمهوري الآيرلندي. إلا أن الحكومات البريطانية وقفت بالمرصاد ضد أي محاولة لدفع تعويضات من المبالغ المجمدة. ورفضت المساس بها، لأن ذلك، حسب بـيـانـات رسـمـيـة صــــادرة عـنـهـا، يـتـعـارض والـقـوانـن الــدولــيــة المـنـظـمـة، كـمـا يــتــعــارض والـــلـــوائـــح والـنـظـم المـصـرفـيـة الـدولـيـة المـعـمـول بـهـا، ويــضُــر بمصداقية بريطانيا. المـفـارقـة أن بريطانيا تصرفت على نحو معاكس مع الأصول الروسية. روسيا لم تعلن حالة الحرب أو تدخل في حرب ضد أي عضو من دول الاتحاد الأوروبــي، مما يعني أن أصــولــهــا الــنــقــديــة يُــفــتــرض ويـــجـــب أن تـــكـــون في مأمن من المساس بها. لذلك السبب تعهدت بالانتقام واتخاذ إجـــراءات قانونية ودبلوماسية واقتصادية مـنـاسـبـة. وأنــهــا تــــدرس خــيــاراتــهــا، وقـــد تـسـعـى إلـى مصادرة أصول أجنبية لديها لتعويضها. لم يكن الصراع على قطاع غزة محتدما سياسيا وعسكريا وأمنياً، ومثارا لجدل بعضُه معلَن وأغلبه وراء الكواليس، كما هو حاصل هذه الأيــام. الجميع يترقب الخطوة التالية فـي خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، التي تؤسس لإدارة القطاع وفق رعاية دولــيــة ممثلة فـيـمـا يُــعــرف بمجلس الــســام بـقـيـادة الـرئـيـس تـرمـب، وهــو مـا يتم الـتـفـاوض بشأنه وراء الكواليس مـن دون أن تظهر حتى اللحظة مؤشرات واضحة يمكن الاسترشاد بها لغزة الجديدة. ويبدو الأمــر مفهوما إلـى حـد كبير؛ فالتصورات الأميركية ذات عناوين براقة ومن دون تفاصيل يُعتد بها. وتعد إشكالية الـــدور المـنـوط لـقـوة الاسـتـقـرار ومــن يشارك فيها ومـن يُستبعد منها، إحــدى القضايا الشائكة، التي لم تُحسم تفاصيلها بعد. الــــيــــوم الـــتـــالـــي لــــغــــزة، وفـــقـــا لـــلـــطـــرح الأمـــيـــركـــي، الــذي أكــد تطبيقه ستيف ويتكوف مبعوث الرئيس تـرمـب، قبل يـومـن، ستكون بدايته قبل نهاية العام الـــحـــالـــي، أمــــا انـــتـــشـــار الـــقـــوة الـــدولـــيـــة فــســيــكــون في منتصف يناير (كانون الثاني) العام المقبل. ومع ذلك فلا يقين يمكن التعويل عليه. فالضغوط الأميركية على إسـرائـيـل بخصوص بــدء المرحلة الثانية تبدو لـــدى أغـلـب المـتـابـعـن ضـغـوطـا مـــتـــرددة، بــل متفهمة للمطالب والأعـــذار الإسرائيلية من دون أي لـوم على الانـتـهـاكـات الـتـي يقترفها جيش الاحــتــال والمـوثَّــقـة يومياً. وهنا مربط الفرس كما يُقال؛ فمن دون التزام صادق وشفاف من كل الأطراف وأولهم البيت الأبيض نفسه، يظل اليقين غائباً، وفي أفضل الأحوال مُحاطا بالشكوك. هـــــــذا الـــــطـــــرح الأمـــــيـــــركـــــي لا يـــمـــثـــل ســـــــوى أحــــد الــــبــــدائــــل. فــثــمــة بـــديـــل إســـرائـــيـــلـــي مُـــعـــلـــن، ومــتــعــدد الأبـعـاد؛ أولها استمرار احتلال شـرق القطاع، وعدم الانسحاب أبعد مما يُعرف بالخط الأصفر الحالي، الـــذي يمنح إسـرائـيـل السيطرة على أكـثـر مـن نصف مـسـاحـة الـقـطـاع، والاســتــمــرار فــي تـدمـيـر مــا فـيـه من مـقـومـات لا تتيح للفلسطينيين المـوجـوديـن فـيـه، أو الذين اضـطـروا إلـى المـغـادرة منه سابقاً، ويتطلعون للعودة إليه لاحقاً، أن يجدوا ما يعينهم على البقاء مستقبلاً. هنا يأتي الشق الثاني من بديل إسرائيل، وهـو الأخـطـر، وعنوانه تفريغ القطاع وتهجير أهله قسرا إلـى المجهول. تصريحات إسرائيل بشأن فتح معبر رفح في اتجاه واحد للخارج، تجسد طموحها فـي جعل القطاع بـا فلسطينيين، مما يعني فرصة تــاريــخــيــة لـاسـتـيـطـان والــســيــطــرة عــلــى الأرض بلا ســـكـــانـــهـــا الأصــــلــــيــــن. الـــــرفـــــض المـــــصـــــري والـــعـــربـــي والإسلامي الجازم لهذه الترهات البائسة، هو حائط الصد الحقيقي لهذه الطموحات الاستعمارية، وهو العنصر الأقوى في فرض معادلة البقاء الفلسطيني والـتـمـسـك بـــــالأرض حـتـى الـــوصـــول إلـــى خــــروج آخِـــر جندي إسرائيلي من القطاع. بُعد ثالث لدى البديل الإسرائيلي، يُعنى بنشر الفوضى في القطاع، ودفـع مكوناته العشائرية إلى الاقتتال تحت شعار مواجهة العنف الحمساوي بدعم إسرائيلي مباشر ومُعلن معاً. لـم تُــخـف إسرائيل لا سابقا ولا حاليا نيتها في البحث عن بديل مجتمعي لـيـنـاطـح «حـــمـــاس» فـــي نــفــوذهــا وحـكـمـهـا لـلـقـطـاع. جــرَّبــت سـابـقـا أسـالـيـب عـــدة؛ كـتـفـويـض قـــادة بعض الـعـشـائـر حـمـايـة المــســاعــدات وتـوزيـعـهـا فــي مناطق يحددها الاحتلال، وتفويض قادة محليين مهام الأمن وفـقـا للمتطلبات الإسرائيلية، وتشكيل مجموعات مــســلــحــة تــعــلــن صــــراحــــة مــهــمــة مـــواجـــهـــة «حـــمـــاس» عسكريا لـصـالـح جـيـش الاحـــتـــال، بــل الـقـيـام بمهام اســـتـــطـــاع لـلـمـنـاطـق والمـــبـــانـــي الـــتـــي يــخــطــط جيش الاحتلال لاقتحامها، من دون مواجهة أي مصاعب. حالة مجموعة أو عصابة ياسر أبو شباب مثال فج على خطط تفجير المجتمع الفلسطيني وبــذر الفتن الدموية بين عشائره ومكوناته الأصيلة. مع مقتل أبو شباب، وتحديدا وفق رواية خليفته غسّان الدهيني للإعلام العبري، برصاصة طائشة في أثـنـاء نـــزاع بـن قبيلة الظبري وأبـــو سنيمة، تتضح معالم الخطر في تفتيت المجتمع الفلسطيني، ولكن من جانب آخر يتجسد فشل العقل الإسرائيلي في فهم المعادلات المجتمعية الحاكمة في القطاع. فالاعتماد على مسلحين بلا مشروعية وبـا قبول من المجتمع الفلسطيني لن يحقق سـوى الفشل، فهُم، كما ذكرت قبيلة الترابين التي أعلنت فرحتها بمقتل أبو شباب وتـبـرأت منه، نظرا لخيانته ودعــم الاحــتــال، ليسوا سوى «عرائس ماريونت» بيد الاحتلال، بلا أى نخوة وطنية. ويـظـل الـسـؤال الأهـــم: مـــاذا عـن رؤيـــة «حـمـاس»؟ فـهـي تقبل التخلي عــن حـكـم الـقـطـاع، وتـقـبـل وجــود سلطة تكنوقراط فلسطينية، وأن ينحصر دور قوة الاسـتـقـرار فـي مـراقـبـة وقــف إطـــاق الــنــار، مـع وجـود شرطة فلسطينية، من دون أي وصاية دولية، لكنها -وهو الأهم- لن تسلم سلاحها إلا للدولة الفلسطينية، وبـعـد انـتـهـاء الاحــتــال، وهــو الأمـــر الـــذي يعني أنها سـتـظـل مـــؤثـــرة فـــي شــــؤون الــقــطــاع مـــا دامــــت الــدولــة المـوعـودة أمامها طريق طويل لا يقين بشأنه في ظل الظروف الراهنة. واللافت أن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في مقابلة على هامش منتدى الدوحة، أكــــد وجـــــوب تـشـكـيـل إدارة مــدنــيــة فـلـسـطـيـنـيـة ذات مصداقية وقـــوة شـرطـة مــدرّبــة حتى يتسنى لحركة «حماس» إلقاء السلاح، مع استعداد الحركة لتسليم إدارة القطاع. شِق من هذه الرؤية التركية يؤيد تأجيل تسليم ســـاح «حـــمـــاس»، وجـــــزء آخـــر يـــرى أن الأمــــر مرتبط بـتـشـكـيـل قــــوة شـــرطـــة فـلـسـطـيـنـيـة مـــوثـــوقـــة، ولـيـس الانـتـظـار حـتـى إقــامــة الــدولــة الفلسطينية. الـبُــعـدان كـاهـمـا؛ الاتــفــاق والاخــتــاف، يـطـرحـان إشكالية مَن سيتحمل مـسـؤولـيـة أمـــن الــقــطــاع فــي حـــال انسحب جــيــش الاحـــتـــال تــدريــجــيــا كــمــا تــعــد خــطــة الـرئـيـس تـــرمـــب؟ ويــظــل المــنــظــور المـــصـــري كـمـا أوضـــحـــه وزيـــر الـخـارجـيـة، أن حـكـم غـــزة سـيـكـون فلسطينيا وليس خارجيا بأي حال. والواضح أن تعدد تلك البدائل، وما فيها من تناقضات، يقف حجر عثرة أمام التوصل إلى خطة عمل يمكن تطبيقها عملياً، كما يؤجل اليقين بشأن اليوم التالي لغزة ولأهلها المنهكين. الرئيس التنفيذي جمانا راشد الراشد CEO Jomana Rashid Alrashid نائب رئيس التحرير Managing Editors Editorial Consultant in KSA Aidroos Abdulaziz Camille Tawil Saud Al Rayes Deputy Editor-in-Chief مديرا التحرير مستشار التحرير في السعودية محمد هاني Mohamed Hani الأمير أحمد بن سلمان بن عبد العزيز عيدروس عبد العزيز كميل الطويل سعود الريس 1987 أسسها سنة 1978 أسسها سنة هشام ومحمد علي حافظ رئيس التحرير غسان شربل Editor-in-Chief Ghassan Charbel OPINION الرأي 13 Issue 17178 - العدد Tuesday - 2025/12/9 الثلاثاء حسن أبو طالب جمعة بوكليب الصراع على غزة... بدائل متضاربة ويقين غائب هل يجرؤ الاتحاد الأوروبي على مصادرة الأموال الروسية؟

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky