issue17177.1

5 تحقيق FEATURES Issue 17177 - العدد Monday - 2025/12/8 الاثنين ASHARQ AL-AWSAT كيف تحولت سوريا من «عمق استراتيجي» إلى «عبء مكلف» لطهران؟ روايات إيرانية عن انهيار «خيمة المقاومة» 4 يــومــا فـصـلـت بـــن الــلــقــاء الأخـيـر 192 الـــذي جمع المـرشـد الإيــرانــي علي خامنئي بــالــرئــيــس الـــســـوري المــخــلــوع بــشــار الأســـد فــي طـــهـــران، وســقــوط الــنـظــام الــســابــق بيد المـــعـــارضـــة. هــــذا الـــفـــاصـــل الـــزمـــنـــي لـــم يكن تفصيلا عابرا في روزنامة الحرب السورية، بــــل تـــحـــول إلـــــى مــــــرآة حــــــادة داخــــــل طـــهـــران عكست حجم الرهان الذي وضعته القيادة الإيــــرانــــيــــة عـــلـــى شـــخـــص الأســـــــد، وكــشــفــت عـــن حــــدود قــدرتــهــا عـلـى اســتــشــراف مـسـار الصراع وتحولات ميزان القوى في الإقليم. فـي ذلــك الـلـقـاء، قــدم خامنئي خلاصة «عقيدته» السورية على ضـوء المستجدات فــي ســاحــات «مــحــور المـــقـــاومـــة». فـــسـوريـا، فـي نـظـره، ليست دولــة عـاديـة، بـل صاحبة «مـكـانـة خــاصــة»؛ لأن هويتها - كما رأى - تتشكل من دورها في هذا المحور. ولأن «المـــقـــاومـــة هـــي الـــهـــويـــة المــمــيــزة لسوريا وينبغي الحفاظ على هذه السمة»، خاطب خامنئي الأســد بوصفه شريكا في هذه الهوية لا مجرد حليف سياسي، وأثنى على عبارتيه: «كلفة المقاومة أقـل من كلفة المـسـاومـة»، و«كـلـمـا تراجعنا تـقـدم الطرف المقابل». هكذا ثبّت خامنئي رهانه الكامل والمتأخر في الوقت نفسه على بقاء النظام، فـــي لـحـظـة كــانــت مـــؤشـــرات الانــهــيــار فيها تتراكم بـوضـوح فـي المــيــدان، كما أقــر بذلك لاحقا بعض المسؤولين الإيرانيين. بعد أقـل من سبعة أشهر، كـان النظام قد سقط، لكن سقوط نظام بشار الأسـد لم ينتج رواية إيرانية واحدة، بل عدة روايات مــتــوازيــة: روايــــة المــرشــد، وروايــــة «الـحـرس الثوري»، ورواية جهاز السياسة الخارجية، إلـى جانب أصـــوات مـن داخــل النظام نفسه عـادت إلـى الواجهة لتطرح أسئلة صريحة عن كلفة المغامرة الإيرانية في سوريا. فـي أول خطاب لـه بعد سقوط الأسـد، قدم خامنئي تفسيرا حادا لما جرى، عارضا الــــحــــدث بـــوصـــفـــه «نــــتــــاج مــخــطــط مـشـتـرك أميركي - صهيوني» بمساندة بعض الدول المــــجــــاورة. وتـــحـــدث عـــن عـــوامـــل - قـــال إنـهـا منعت طهران من تقديم المساندة المطلوبة - من بينها الضربات الإسرائيلية والأميركية عـلـى الأراضــــــي الـــســـوريـــة، وإغـــــاق المــمــرات الـجـويـة والـبـريـة أمـــام الإمــــداد الإيــرانــي، ثم خـلـص إلـــى أن الـخـلـل الــحــاســم وقـــع داخـــل سوريا نفسها، حين ضعفت «روح المقاومة» فــــي مـــؤســـســـاتـــهـــا. وشــــــدد عـــلـــى أن ســقــوط الـنـظـام لا يـعـنـي ســقــوط فــكــرة «المــقــاومــة»، مـــتـــوقـــعـــا أن «يـــنـــهـــض الــــشــــبــــاب الــــســــوري الـغـيـور» يوما مـا لإعـــادة إنتاجها بصيغة جديدة. هــــــذه الــــــروايــــــة تـــنـــفـــي عـــمـــلـــيـــا مــفــهــوم «الــــهــــزيــــمــــة الاســــتــــراتــــيــــجــــيــــة»؛ فـــمـــا جـــرى بالنسبة لخامنئي، ليس نهاية المعركة، بل مرحلة قاسية في مسار أطول، ولذلك يصر على أن «الوضع لن يبقى على حاله». رواية «الحرس الثوري» فــــي المـــقـــابـــل، بـــــدا «الــــحــــرس الــــثــــوري» أقـــرب إلـــى لـغـة الأمـــن الـقـومـي مـنـه إلـــى لغة العقيدة الخالصة، وإن استعان بالقاموس الآيــديــولــوجــي نـفـسـه. فــي فـبـرايـر (شـبـاط) ، صــــاغ مـــهـــدي طـــائـــب، رئـــيـــس «مـقـر 2013 عمار» المكلَّف بـ«الحرب الناعمة»، المعادلة بــأوضــح مــا يــكــون: «ســـوريـــا هــي بالنسبة لـنـا المـحـافـظـة الـخـامـسـة والـــثـــاثـــون، وهـي ذات أهـمـيـة اسـتـراتـيـجـيـة. وإذا شـــن الـعـدو هجوما وحـــاول الاسـتـيـاء على سـوريـا أو خـوزسـتـان (الأحـــــواز)، فــإن الأولــويــة لدينا ستكون الإبقاء على سوريا». بهذه الجملة الصادمة داخلياً، رُفعت سوريا عمليا إلى مرتبة جزء من الجغرافيا الأمنية الإيرانية، يتقدّم أحيانا على أجزاء من التراب الإيراني نفسه. وكـــان الــلــواء قـاسـم سليماني، القائد الـــســـابـــق لـــ«فــيــلــق الــــقــــدس»، هـــو المــهــنــدس الميداني لهذه المقاربة: مواجهة التهديدات خـــــــارج الــــــحــــــدود، عـــبـــر بــــنــــاء شـــبـــكـــات مـن الميليشيات المـتـعـددة الـجـنـسـيـة، وتحويل «حـمـايـة الـعـتـبـات والأمـــاكـــن المــقــدســة» إلـى شعار تعبوي يغطي فـي آن واحــد الـدوافـع الآيديولوجية وحسابات الأمن القومي. وفـــي خــطــاب الـــذكـــرى الـخـامـسـة لمقتل سليماني، بـعـد أقـــل مــن شـهـر عـلـى سقوط الأسـد، أعـاد خامنئي تثبيت هذه المدرسة؛ فــــربــــط بــــن حـــمـــايـــة الـــعـــتـــبـــات فــــي دمــشــق والـــــعـــــراق وبـــــن حـــمـــايـــة «إيــــــــران بـوصـفـهـا حرماً» نفسها، في محاولة لتوحيد كل هذه الساحات ضمن إطار واحـد: صراع أمني - مذهبي عابر للحدود. بعد سقوط النظام الـسـوري، حافظت هــــذه الــــروايــــة عــلــى جـــوهـــرهـــا: الـــنـــجـــاح أو الفشل لا يُقاس بهوية من يجلس في قصر الشعب في دمشق، بل بما إذا كانت شبكات النفوذ التي نسجها الحرس ما زالت قابلة للحياة، وبما إذا كان «العمق السوري» ما زال مفتوحا أمام النفاذ الإيراني. الانسحاب الـــــكـــــامـــــل مــــــن ســــــوريــــــا يــــعــــنــــي، وفــــــــق هــــذا المنطق، الاعـتـراف بـأن «المحافظة الخامسة والــــثــــاثــــن» ســقــطــت مــــن الـــخـــريـــطـــة؛ لــذلــك سـيـظـل «الـــحـــرس» يـبـحـث عــن طـــرق لإبـقـاء موطئ قدم (مهما كان ضيقاً) في الجغرافيا السورية. رواية الجهاز الدبلوماسي حاول جهاز السياسة الخارجية تقديم قـصـة أكـثـر نـعـومـة لـلـداخـل والـــخـــارج. قبل السقوط بأسابيع، أوفد خامنئي مستشاره الــــــخــــــاص عــــلــــي لاريــــــجــــــانــــــي إلــــــــى دمـــشـــق وبيروت، حاملا رسائل سياسية تطمينية إلـــى بــشــار الأســــد وحــلــفــاء آخـــريـــن. تـحـدث لاريجاني علنا عن أن ما يجري في سوريا ولــبــنــان «يـتـصـل مــبــاشــرة بـــالأمـــن الـقـومـي الإيراني»، وكأن طهران ما زالت قادرة على ضبط التوازنات. بــــعــــده بـــــأيـــــام، زار وزيـــــــر الـــخـــارجـــيـــة الإيــرانــي عـبـاس عراقجي دمـشـق قبل ستة أيـــام فـقـط مــن الانــهــيــار، واخــتــار أن يلتقط صـــــورة وهــــو يـــتـــنـــاول الـــشـــاورمـــا فـــي أحــد مطاعم العاصمة، في إشـارة مقصودة إلى أن «الــــوضــــع طــبــيــعــي»، وأن الـــحـــديـــث عن انهيار وشيك جـزء من «الـحـرب النفسية». كـــان ذلـــك ذروة الـفـجـوة بــن الـــصـــورة التي تـــحـــاول الـدبـلـومـاسـيـة تـسـويـقـهـا والـــواقـــع المتفكك على الأرض. بـعـد الــســقــوط، لــجــأت الــخــارجــيــة إلـى صيغة دفـاعـيـة مـألـوفـة: إيــــران «استجابت لــطــلــب حـــكـــومـــة حــلــيــفــة، وقــــدّمــــت المـــشـــورة والدعم»، لكنها «لا تستطيع أن تقرر نيابة عن الشعوب». هكذا خففت مسؤولية القرار عـــن كـــاهـــل الـــدبـــلـــومـــاســـيـــة، وأُحــــيــــل الــجــزء الأكــــبــــر مــــن الـــفـــشـــل إلـــــى الــــداخــــل الـــســـوري و«الـــــتـــــآمـــــر الـــــخـــــارجـــــي» الـــــــذي يـــتـــكـــرر فـي خطابات خامنئي. هذه الرواية تكشف عن قـــراءة تعد سـوريـا ملفا مـن بـن مـلـفـات، لا ساحة وجودية كتلك التي يراها «الحرس الثوري» والمرشد. مـــن الــنــاحــيــة الــجــيــوســيــاســيــة، كـانـت سـوريـا بالنسبة لـطـهـران أكـثـر مـن حليف؛ كـانـت مـمـرا إلــى لبنان وفلسطين، وساحة اشتباك مع إسرائيل، وخط دفاع متقدما في مواجهة الولايات المتحدة. وتلخص عبارة - «إذا اضــطــررنــا 2013 مـــهـــدي طـــائـــب فـــي للاختيار فإن الأولوية تكون لحماية سوريا قبل خوزستان» - هذه العقيدة بوضوح. اليوم، مع سقوط النظام الذي ارتبط بـــهـــذه الــعــقــيــدة، تـــواجـــه إيــــــران فـــراغـــا في عمقها الإقليمي لا يمكن ملؤه بالشعارات وحـــدهـــا. وهــنــا يـصـبـح الـــســـؤال المـــركـــزي: كـــيـــف تـــتـــصـــرف طـــــهـــــران بـــعـــد أن فـــقـــدت النسخة التي صاغتها لنفسها من «خيمة المقاومة» في دمشق؟ الإجابة لا تأتي من خـطـاب واحــــد، بــل مــن مـــوازنـــة بــن دوافـــع آيـديـولـوجـيـة راســخــة، وقــيــود اقتصادية خــانــقــة، ومـــوازيـــن قـــوى مـيـدانـيـة لـــم تعد تميل لها كما في السابق. رواية «الحساب المفتوح» الـــــروايـــــة الـــرابـــعـــة جــــــاءت مــــن حـــيـــث لا يُفترض أن تأتي: من داخل المؤسسة نفسها؛ إذ خـــــرج لـــلـــمـــرة الأولـــــــــى، مــــن قـــلـــب الـبـنـيـة الـرسـمـيـة تـوصـيـف شـبـه علني بـــأن العائد الاقـــتـــصـــادي مـــن المـــغـــامـــرة الـــســـوريـــة يـكـاد يكون معدوماً، وأن «الاستثمار» السياسي والأمــــنــــي انـــتـــهـــى إلـــــى مــــا يــشــبــه الـــخـــســـارة الصافية. ، قال حشمت الله 2020 ) في مايو (أيار بيشه، الرئيس السابق للجنة الأمن ‌ فلاحت القومي والسياسة الخارجية فـي البرلمان، مليار دولار» 30 و 20 إن إيـــران أنفقت «بـن فــي ســـوريـــا، وإن «هـــذا مـــال الـشـعـب ويجب استرداده». بيشه ‌ بعد خمس سنوات، عـاد فلاحت لـيـطـلـق اتــهــامــا أكــثــر مــــــرارة: ديــــون ســوريــا لإيران - كما قال - سُويت عمليا عبر «أراض بــا نـفـط، ومــــزارع أبــقــار بــا أبــقــار، ووعـــود فارغة». هذا الصوت ليس استثناءً. على مدى عقد، ربطت شعارات الاحتجاجات الداخلية بين «غزة ولبنان وسوريا»، والخبز والوقود في المدن الإيرانية. ومع سقوط الأسد، صار من الأسهل على المنتقدين القول إن النظام أنـفـق عـشـرات المـلـيـارات، ودفـــع كلفة بشرية ملموسة بين مقاتليه وحلفائه، لينتهي إلى نفوذ شبه معدوم تقريبا في دمشق. بالنسبة لصانع الــقــرار، تتحول هذه الرواية إلى عامل ضغط داخلي ضد أي قرار بـالـعـودة إلـــى ســوريــا بالحجم نفسه الــذي كان عليه التدخل السابق. عــنــد جــمــع هــــذه الـــــروايـــــات المـــتـــوازيـــة، يـتـضـح الــتــنــاقــض الـــجـــوهـــري فـــي المــقــاربــة الإيــــــرانــــــيــــــة بــــعــــد ســـــقـــــوط الأســـــــــــد: المــــرشــــد و«الـحـرس» لا يعترفان بـأن إيــران «خسرت سوريا»، بل يتعاملان مع ما جرى كمرحلة عـــابـــرة فـــي مـــســـار صـــــراع أطــــــول، ويـــصـــران على أن «جبهة المقاومة» قــادرة على إعـادة إنتاج نفسها، وأن سوريا ستعود، بطريقة ما، إلى هذا المدار. في المقابل، تكشف رواية الـدبـلـومـاسـيـة الـرسـمـيـة وروايــــة «الـحـسـاب المـــفـــتـــوح» عــــن إدراك ضــمــنــي بـــــأن نـــمـــوذج الـتـدخـل الـــذي طبق خــال العقد المـاضـي لم يعد قابلا للاستمرار بصيغته السابقة، لا سياسيا ولا مالياً. السيناريوهات: هل تعيد طهران دمشق للمحور؟ فـي ضــوء مـا سـبـق، يمكن رســم أربعة ســـيـــنـــاريـــوهـــات رئــيــســيــة، لــيــســت مـتـنـافـيـة بــــالــــضــــرورة، بـــل يــمــكــن أن تـــتـــداخـــل زمـنـيـا وجغرافيا ً. الـــســـيـــنـــاريـــو الأول هــــو «الـــــعـــــودة عـبـر الـوكـاء». وهـو الأقــرب إلـى منطق «الحرس الـــثـــوري» ومــدرســة سليماني. هـنـا تـحـاول طـهـران إعـــادة بـنـاء نـفـوذهـا فـي سـوريـا من أســفــل، عـبـر شـبـكـات محلية مسلّحة كانت نـــواتـــهـــا مــــوجــــودة أصـــــــاً، أو عـــبـــر تـجـنـيـد مجموعات جـديـدة تحت شـعـارات مذهبية أو آيـــديـــولـــوجـــيـــة. الــــهــــدف لــيــس اســتــعــادة نظام شبيه بـالأسـد، بـل تكوين قـوة ضغط دائمة على أي سلطة قائمة في دمشق، وأداة استخدام ضـد الخصوم الإقليميين. نجاح هـذا السيناريو يتوقف على عاملين خارج السيطرة الكاملة لإيران: مآل معادلة الحكم فـــي دمـــشـــق، واســـتـــعـــداد المـجـتـمـع الـــســـوري لتحمل دورة عنف جديدة أيا كان اسمها. الـــســـيـــنـــاريـــو الـــثـــانـــي هــــو «الــتــمــوضــع الإقليمي من دون سوريا». وفق هذا المسار، تقبل طهران ضمنا بأن دمشق لم تعد محور ارتــكــاز لنفوذها كما كـانـت، فتُعيد توزيع مواردها على الساحات الأربع التي ما زالت تمسك ببعض خيوطها فيها، رغــم تراجع دورها النسبي: لبنان، العراق، اليمن، وغزة. تـتـحـول ســوريــا هـنـا إلـــى ســاحــة اسـتـنـزاف ثـانـويـة، يقتصر الـــدور الإيــرانــي فيها على مـــنـــع الـــخـــصـــوم مــــن تــحــويــلــهــا إلـــــى مـنـصـة تهديد مباشر، من دون الدخول في مشروع جديد لإعادة هندسة النظام السياسي. وينسجم هذا المسار مع ضغوط الكلفة المالية والبشرية التي راكمها التدخل خلال الــعــقــد المـــاضـــي، لـكـنـه يــصــطــدم بحقيقتين أساسيتين: حاجة «حـزب الله» إلـى سوريا بوصفها ممرا لوجيستياً، واستمرار خطاب خامنئي في التعامل معها على أنها عنصر بنيوي في «جبهة المقاومة». الـــســـيـــنـــاريـــو الــــثــــالــــث هـــــو «الـــتـــســـويـــة الــرمــاديــة». هـنـا لا تسعى إيــــران إلـــى فـرض عـودة صاخبة، بل إلى تسلل محسوب عبر اتفاقات موضعية مع القوى المسيطرة على مناطق مختلفة من سوريا، وعبر مشاريع اقـتـصـاديـة أو أمـنـيـة مـــحـــدودة. الـخـطـابـات الـتـي يتحدث فيها خامنئي عـن أن «الأيـــام لا تبقى على حالها»، وأن «الشباب السوري سـيـعـيـد الــــتــــوازن» يـمـكـن قــراءتــهــا كتهيئة لــــعــــودة تـــدريـــجـــيـــة وغـــيـــر صـــدامـــيـــة، تـتـيـح لطهران الـقـول إنها مـا زالــت «حـاضـرة» من دون أن تتحمل كلفة الرهان على نظام واحد كما فعلت مع الأسد. الــــســــيــــنــــاريــــو الـــــــرابـــــــع هــــــو «مـــأســـســـة الـخـسـارة». فـي هـذا المـسـار، تتعامل طهران مـــع فـــقـــدان ســـوريـــا عــلــى أنــــه أمــــر واقـــــع، من دون محاولة جدية لاستعادة نفوذ ميداني، لكنها تـحـولـه إلـــى مـلـف داخــلــي - عـقـائـدي أكثر منه جيوسياسي، خصوصا في ضوء يوماً 12 السردية التي تبنتها بعد الحرب الـ .2025 ) مـــع إســرائــيــل فـــي يـونـيـو (حــــزيــــران تـعـاد تجربة سـوريـا وتـؤطـر ضمن خطاب «المــؤامــرة على جبهة المـقـاومـة»، وتستخدم ذريـــعـــة لـتـشـديـد الـقـبـضـة الأمــنــيــة، وتقييد الـنـقـاش حـــول كـلـفـة الــتــدخــات الـخـارجـيـة، وتجريم الربط بين الإنفاق الإقليمي والأزمة المعيشية. فــي المـقـابـل، تبقي إيــــران عـلـى حضور رمـــــزي مـنـخـفـض فـــي المـــلـــف الــــســــوري (لـغـة الـــــشـــــهـــــداء، الــــعــــتــــبــــات، حـــــــراك دبـــلـــومـــاســـي شكلي)، فيما تطوى عمليا صفحة «المشروع الـــســـوري» بـوصـفـه عمقا اسـتـراتـيـجـيـا، من دون إعلان هزيمة صريحة، بل عبر تغليفها بلغة «الابتلاء والصمود»، ودفعها تدريجيا إلى هامش أجندة صنع القرار. فــــي كــــل هـــــذه الـــســـيـــنـــاريـــوهـــات تـبـقـى حـقـيـقـة واحـــــدة ثــابــتــة: ســـوريـــا، الـــتـــي نظر إلــيــهــا يـــومـــا عــلــى أنـــهـــا أهــــم مـــن «الأحــــــواز» و«الــهــويــة المـمـيّــزة لـلـمـقـاومـة»، لــم تـعـد، في مــيــزان الـــواقـــع، مــا كــانــت عـلـيـه قـبـل الـثـامـن . يمكن 2024 ) مـــن ديـسـمـبـر (كـــانـــون الأول للمرشد أن يراهن على الزمن، ولـ«الحرس» أن يفتش عن فتحات جديدة في الجغرافيا السورية، وللخارجية أن تلمّع لغة بياناتها، ولـلـمـنـتـقـديـن أن يـتـحـدثـوا عـــن «أراض بلا نفط». لكن الــســؤال المعلق فــوق كـل نـقـاش في طـــهـــران سـيـظـل واحــــــداً: هـــل تـسـتـطـيـع إيـــران أن تتحمل مــغــامــرة ثـانـيـة بــهــذا الـحـجـم في ســــوريــــا، بــعــد أن خـــرجـــت مـــن الأولــــــى وهــي تحاول إقناع نفسها بأن «خيمة المقاومة» ما زالت قائمة، فيما عمودها السوري مكسور؟ (رويترز) 2024 القنصلية الإيرانية في دمشق مُدمرة في أعقاب الغارة الجوية الإسرائيلية في الأول من أبريل لندن: عادل السالمي الانسحاب الإيراني الكامل من سوريا يعني الاعتراف بأن المحافظة الخامسة والثلاثين سقطت من الخريطة (فارس) 2016 الجنرال قاسم سليماني يجري مكالمة هاتفية قرب قلعة حلب التاريخية شتاء

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky