Issue 17177 - العدد Monday - 2025/12/8 الاثنين الإعلام 17 MEDIA د. ياسر عبد العزيز حبّه للعربية الفصحى كان يسري في دمه، فأبحر في مجالها الواسع وغاص في معانيها حتى صارت جزءا لا يتجزأ من شخصيته ترند استخدام الذكاء الاصطناعي في «واتساب» يُعمق الخلاف القانوني بين أوروبا و«ميتا» أثــــار اســـتـــخـــدام شــركــة «مــيــتــا» لـلـذكـاء الاصطناعي فـي تطبيق «واتــســاب» معركة قـانـونـيـة جـــديـــدة بـــن شــركــة الـتـكـنـولـوجـيـا الأمـــيـــركـــيـــة والاتــــحــــاد الأوروبـــــــــي، لا سيما بـــعـــدمـــا أعـــلـــنـــت أوروبــــــــــا فـــتـــح تــحــقــيــق مـع «مـــيـــتـــا» بـــشـــأن احـــتـــمـــال انــتــهــاكــهــا قـــواعـــد المنافسة المتعلقة بميزات الذكاء الاصطناعي فـــي «واتـــــســـــاب»، مـــا اعــتــبــر بــحــســب خــبــراء «تصعيدا لنزاع قانوني قائم، وتأكيدا على اتجاه أوروبا لتنظيم مواقع التواصل»، رغم ضـغـوط الــولايــات المـتـحـدة، واتـهـام الرئيس دونالد ترمب لأوروبا بـ«استهداف الصناعة الأميركية بشكل غير عادل». ووفـــــــــق المــــفــــوضــــيــــة الأوروبـــــــــيـــــــــة، فــــإن «السياسة الجديدة التي أعلنتها (ميتا) قد تمنع مــــزودي خــدمــات الــذكــاء الاصطناعي الــــخــــارجــــيــــن مـــــن تــــقــــديــــم خــــدمــــاتــــهــــم عــبــر (واتـسـاب)، ما يعد إســاءة استخدام لوضع مــهــيــمــن». وقـــالـــت نــائــبــة رئــيــســة المـفـوضـيـة الأوروبــــيــــة المــســؤولــة عـــن المــنــافــســة، تـيـريـزا ريــــــبــــــيــــــرا، فــــــي بـــــيـــــان صــــحــــافــــي الأســـــبـــــوع الماضي، إن «بروكسل تريد ضمان استفادة المواطنين والشركات بشكل كامل من الثورة الــتــكــنـولـوجــيــة المـتـعـلـقـة بــــزيــــادة اســتــخــدام الـــذكـــاء الاصــطــنــاعــي، وذلــــك مـــن خــــال منع أصـــحـــاب المــــراكــــز المـهـيـمـنـة مـــن اسـتـغـالـهـا لإقصاء المنافسين». ويـــتـــيـــح «واتـــــســـــاب» حـــالـــيـــا لــلــشــركــات الـــــتـــــواصـــــل مـــــع الــــعــــمــــاء عــــلــــى الـــتـــطـــبـــيـــق، وبـــعـــض هــــذه الـــشـــركـــات يــســتــخــدم تـقـنـيـات ذكـــــاء اصــطــنــاعــي لإجــــــراء المــــحــــادثــــات، لكن مـع الـقـواعـد الـجـديـدة الـتـي أعلنتها «ميتا» فـإن هـذه الشركات قد لا تستطيع استخدام تقنيات الـذكـاء الاصطناعي الـتـي طورتها، مــا يـصـب فــي صـالـح خـدمـة «مـيـتـا إيـــه آي». لكن «واتـــســـاب» تــرى أن «انـتـشـار روبـوتـات الـدردشـة عبر التطبيق يثقل كاهل أنظمته غــيــر المـصـمـمـة لـتـحـمـل هــــذا الـــعـــبء، ولــذلــك كــان ينبغي الإعـــان عـن تغييرات»، بحسب «وكالة الصحافة الفرنسية». الــــصــــحــــافــــي وعـــــضـــــو مـــجـــلـــس نـــقـــابـــة الـــصـــحـــافـــيـــن الأردنــــــيــــــن، خــــالــــد الـــقـــضـــاة، رأى أن «هـــــــذا الـــتـــحـــقـــيـــق جــــــزء مـــــن صـــــراع قــانــونــي مـتـصـاعـد بـــن الاتـــحـــاد الأوروبــــــي وشركات التكنولوجيا الكبرى وعلى رأسها (مـــيـــتـــا)». وأوضــــــح لــــ«الـــشـــرق الأوســــــط» أن «الــــصــــراع مـتـعـلـق بـــأمـــور عـــــدة؛ مـــن بينها حماية البيانات الشخصية للمستخدمين، ومـنـع المـحـتـوى المــســيء، واســتــخــدام الـذكـاء الاصطناعي». وقال إن «استخدام الذكاء الاصطناعي يــضــر بــالـخـصـوصـيـة، ويــتــيــح مـعـالـجـة كم هائل من البيانات في وقت قصير»، مرجحا اســـتـــمـــرار تــصــاعــد الــــصــــراع الـــقـــانـــونـــي بين الاتحاد الأوروبي و«ميتا». وكانت «ميتا» قد بدأت في مارس (آذار) المـــاضـــي دمــــج روبــــــوت المـــحـــادثـــة والمــســاعــد الافـــــتـــــراضـــــي «مـــيـــتـــا إيــــــه آي» فـــــي تـطـبـيـق «واتـــســـاب» داخـــل الأســــواق الأوروبـــيـــة. وفي يوليو (تموز) الماضي، فتحت هيئة مكافحة الاحتكار الإيطالية تحقيقا بشأن اتهامات لـــ«مــيــتــا» بــاســتــغــال قــوتــهــا الــســوقــيــة عبر دمـــج أداة ذكـــاء اصـطـنـاعـي فــي «واتـــســـاب»، وتــــوســــع الــتــحــقــيــق فــــي نـــوفـــمـــبـــر (تـــشـــريـــن الثاني) الماضي لفحص ما إذا كانت «ميتا» قد انتهكت قواعد المنافسة والاحتكار. المـــتـــخـــصـــص فـــــي الـــــرصـــــد والـــتـــحـــلـــيـــل الإعــــــامــــــي والــــصــــحــــافــــي المــــــصــــــري مــحــمــد الــــصــــاوي قــــال إن «الــتــحــقــيــق الأخـــيـــر الـــذي أطلقه الاتــحــاد الأوروبــــي ضـد (مـيـتـا) ليس مــجــرد خـــاف تـقـنـي، أو قــانــونــي، بــل نقطة تــحــوّل حقيقية فــي كيفية تـعـامـل المنظمين مـــع هـيـمـنـة الـــشـــركـــات الـــكـــبـــرى عــلــى أدوات المـسـتـقـبـل، وتـحـديـدا الــذكــاء الاصـطـنـاعـي». وأضـــــاف لــــ«الـــشـــرق الأوســــــط» أن «مــحــاولــة (ميتا) حصر استخدام الذكاء الاصطناعي ضـمـن منظومتها فـقـط قــد تُــفـهـم عـلـى أنها محاولة لبناء (بوابة مغلقة) تقيّد الابتكار، وتــمــنــع المـــنـــافـــســـة، مـــا يــتــنــافــى مـــع المـــبـــادئ الأســـاســـيـــة الـــتـــي يـــحـــرص عــلــيــهــا الاتـــحـــاد الأوروبي». وأشار إلى أن الخلافات القانونية بـــــن الاتـــــحـــــاد الأوروبـــــــــــي و(مــــيــــتــــا) لـيـسـت ولـــيـــدة الـلـحـظـة، بـــل تـمـتـد لــســنــوات مـضـت، بـــــدءا مـــن قــضــايــا حــمــايــة الـــبـــيـــانـــات، مــــرورا بالتحقيقات المرتبطة بالاحتكار واستغلال الهيمنة السوقية، وانتهاء بالخلافات حول الإعلانات الموجهة، والمحتوى السياسي. وقـال الصاوي إن هـذا «الـنـزاع المستمر بـــــن الاتـــــحـــــاد الأوروبـــــــــــي و(مــــيــــتــــا) يـحـمـل وجــــهــــن؛ فـــمـــن جـــهـــة، يــمــكــن أن يــــــؤدي إلـــى مزيد من الحماية للبيانات، والخصوصية، وفــــرض مـعـايـيـر أكــثــر شـفـافـيـة عـلـى كيفية اسـتـخـدام أدوات الــذكــاء الاصـطـنـاعـي. ومن جـهـة أخـــــرى، قـــد يـتـسـبـب فـــي تـقـيـيـد بعض الـخـدمـات، أو تعقيد تجربة الاسـتـخـدام في حـال قـررت (ميتا) تقليص بعض المزايا في أوروبا للامتثال للقوانين». القاهرة: فتحية الدخاخني شعار «ميتا» (رويترز) الصحافة المؤسسية... والبحث عن مستقبل في عالم الإعــام، لم يعد السؤال المُهم اليوم هـو: من يملك المنبر؟ بـل: من يتحكم بمصادر بقائه. فالصحافة المؤسسية، في عالم يتبدّل بسرعة الضوء، أضحت كسفينة تُــبـحـر فــي بـحـر تعصف بــه الــريــاح مــن جـانـبـن: ريـــاح الــســوق الـتـي تـدفـعـهـا منصات التكنولوجيا الـعـمـاقـة، وريـــاح السياسة الـتـي تهب مـن عـواصـم الــــدول، ومــن قـــرارات المُمولين من رجال الأعمال. لقد انهار أنموذج الإعـان الكلاسيكي، الذي موّل الصحافة قرنا كاملاً، وتحولت عائدات الإعـان الرقمي إلى أرخبيل تحتكر ممراته شركات قليلة؛ فـ«غوغل» و«ميتا» لا تزالان تستحوذان على جزء ضخم من الإنفاق الإعلاني الرقمي، وتحدد خوارزميات البحث والتواصل مقدار ما يصل إلى القارئ، ومن ثم مقدار ما يعود إلى الخزينة. وبينما يـــزداد جمهور الأخـبـار عبر الهواتف والمـنـصـات، تتناقص الحصة التي تـعـود إلــى الـنـاشـر، وزاد المشهد تعقيدا مـع صـعـود أدوات الــذكــاء الاصـطـنـاعـي، التي تتغذى من الأخـبـار، لتعيد إنتاجها في واجـهـات جـديـدة. وقـد بــدأت المنصات نفسها تعقد صفقات ترخيص محتوى لأجل تدريب نماذجها وتغذية «روبوتاتها»، ما يفتح بابا جديدا للتفاوض، لكنه لا يغيّر حقيقة اختلال ميزان القوة بين صُناع المحتوى، والمُتحكمين في ممرات توزيعه. أمام هذا الاختناق، راحت تجارب عالمية تبحث عن مخارج لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. ففي أوروبا الشمالية والولايات المتحدة الأميركية، تَرسّخ نموذج الاشتراكات الرقمية والعضويات، لا بوصفه جدار دفع فقط، بل عقد ثقة: القارئ يدفع، لأنه يشعر بأنه شريك في خدمة عامة، وأن المال يذهب إلى تحقيق عميق ومعلومة مُدقَّقة، لا إلى صخب عابر. وقــــد بـيـنـت الـــخـــبـــرة أن الاســـتـــدامـــة تــــــزداد حـــن تــتــنــوع المــــــــوارد؛ بـــن اشـــتـــراكـــات وعـضـويـات، وخـدمـات بحثية متخصصة للشركات والـجـامـعـات، وفعاليات مدفوعة تجمع الـخـبـراء والـجـمـهـور حـــول مـلـفـات حـيـة، ومـنـتـجـات صـوتـيـة ومـرئـيـة ذات قيمة مضافة، ثم مِنح خيرية منضبطة بحوكمة شفافة تمنع الجهة المانحة من التحول إلى غرفة تحرير بديلة. وفي الاتحاد الأوروبــي ودول مثل أستراليا وكندا، اتجهت التشريعات إلى إلزام المـنـصـات الـكـبـرى بـالـتـفـاوض عـلـى مـقـابـل لــأخــبــار، بـعـدمـا صـــار الاحــتــكــار الإعـانـي والوسيط الخوارزمي يهددان معا بقاء المهنة نفسها. هذه النماذج لم تُلغ الأزمة، لكنها قدمت أدوات لتخفيفها؛ عبر توسيع قاعدة التمويل الشعبي، وتعظيم حـس السوق بالمسؤولية الاجتماعية، من خلال سن قوانين المنافسة العادلة. أمــــا فـــي مـنـطـقـة الـــشـــرق الأوســــــط؛ فــالمــعــادلــة أكــثــر تــعــقــيــداً، لأن الــحــكــومــة ورجـــل الأعمال كثيرا ما يجلسان على المقعد نفسه. فسوق الإعلان محدودة نسبياً، والإنفاق الاستهلاكي على الأخبار ضعيف تاريخياً، وهنا تبرز الإعانات الحكومية، والإعلانات الرسمية، والموارد ذات الخلفية السياسية، لتصير شريانا حيويا للبقاء. وهكذا، تُصبح الاستدامة المالية مُمكنة من حيث الأرقــام، لكنها مُهددة من حيث المعنى؛ لأن المال حين يأتي من جهة ذات أهداف سياسية مُحددة، يتحول إلى قيد ثقيل فوق الكلمات. ومــع ذلــك تـلـوح فــرص جـديـدة فـي فـضـاء المنطقة؛ فنمو الـسـوق الرقمية بوتيرة سريعة، والارتـفـاع النسبي في عـائـدات الإعـــان، وتوسع قاعدة الشباب الباحثين عن محتوى مـوثـوق يتجاوز الـدعـايـة والاسـتـقـطـاب؛ كلها عـوامـل تـقـدم فـرصـا كما تطرح تحديات. هـذه الفرص لا تُثمر تلقائياً، لكنها تمنح الصحافة المؤسسية مــادة أولية لإعادة البناء. وأما الحلول الفعّالة، فلا تبدأ من تبني أنموذج واحد، بل من هندسة توازن مرن. أولاً، على المؤسسات الصحافية أن تُعيد تعريف مهمتها لجمهورها؛ بوصفها صحافة إبلاغ وتفسير وتحقيق، لا مجرد إعادة تدوير لما تفيض به «الشبكات الاجتماعية». هذا التحول شرط لتوسيع الاشتراكات والعضويات حتى في بيئات لا تعتاد الدفع، عبر عروض مرنة وأسعار متدرجة، وحزم مهنية للطلاب والباحثين، وربط الاشتراك بمنافع معرفية وتعليمية تجعل الدفع استثمارا في الذات لا ضريبة على الفضول. ثانياً، يجب تنويع الدخل بعيدا عن المُمول الواحد، عبر وحدات بيانات وتقارير قطاعية، واستشارات تحريرية، وذراع تدريب مهني مُعتمدَة، واستوديوهات إنتاج للمنظمات والأســواق، مع إقامة جدار أخلاقي صلب بين الإيـرادات والتحرير، كي لا يتحول المُمول إلى رئيس تحرير مُستتر. ثالثاً، من الضروري سن تشريعات تكفل شفافية الملكية وتوزيع الإعلان الحكومي على أسس مُعلنة تحد من التركز الاحتكاري، لأن سوقا مُغلقة بيد قلة تمنح التمويل ستؤدي إلى فرض أجندات تحريرية مُعينة. رابعاً، وعلى مستوى العلاقة مع عمالقة التكنولوجيا، لا مفر من التفاوض الجماعي والاتحادات الإقليمية، التي تفرض حضور الناشر في معادلة الأرباح، وتطالب بمقابل واضح لاستخدام المحتوى، سواء في محركات البحث أو في منصات الذكاء الاصطناعي، بحيث تتوازن حرية الوصول مع عدالة العائد. نبوغه في الفصحى شكّل ميزته الإعلامية بلبنان بسّام برَّاك... عاشق العربية وحارسها أوصى بتكريمها في جائزة أقـفـل الإعـامـي اللبناني الـراحـل بـسّــام بـــرَّاك باب العربية الفصحى وراءه ومـشـى. أصـدقـاؤه وزمـــاؤه، عندما تسألهم مـن يـرشـحـون لحمل إرثـــه، يــــردّون: لا أحد. حبّه للعربية الفصحى كان يسري في دمه. أبحر في مجالها الواسع وغـاص في معانيها حتى صارت جــزءا لا يتجزأ مـن شخصيته. ألقابه ترتبط ارتباطا مـبـاشـرا بـهـا، وهــي كـثـيـرة. فهو «الأســـتـــاذ» و«المـعـلّــم» و«عاشق اللغة» و«حارسها». كثيرون من أهل الإعلام والصحافة يعدّونه شخصية لن تتكرر في لبنان. وكان 53 برَّاك قد رحل بعد صراع مع المرض عن عمر ناهز الـ عاما في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. حالة العشق هذه لم يكن يخفيها عن أحد. يفتخر بإجادة العربية وبالتحدث بها في أي مكان ومناسبة. حتى عندما يحاور أولاده في البيت كان يتكلّم معهم بالفصحى، وهو على يقين بأن زرع بذور العربية في أعماقهم، لا بد أن تتفتّح براعمها عند الكبر. جائزة بسام برَّاك للغة العربية حـلـم الإعـــامـــي الـــراحـــل بـتـنـظـيـم جـــائـــزة يـــكـــرّم من خـالـهـا الـلـغـة المــغــرم بـهـا. فـهـو تــربّــى فــي مـنـزل يهوى أفـــــراده، مــن والــديــن وأخــــوة، الـعـربـيـة. نـشـأ عـلـى حبها والإعجاب بها. حاول أكثر من مرة إطلاق الجائزة، غير أن ظروفا عاكسته. وعندما أصابه المرض وبدأت صحته تتراجع، أوصى زوجته دنيز بأن تنفذها بعد مماته. تـــقـــول دنـــيـــز لــــ«الـــشـــرق الأوســــــــط»: «كـــــان يـطـرب للعربية فيقرأها بنهم، ويتحدث بها بشغف. كانت فكرة الجائزة تراوده دائماً. وعندما مرض أوكل هذه المـهـمـة لـــي. وسـنـعـلـن عـــن هـــذه الــجــائــزة فـــي الــذكــرى السنوية الأولى لوفاته، ونقدمها لمن يستحقها». المناسبة الثانية الـتـي سيتم تكريم بـسـام بــرَّاك ديسمبر (كانون الأول)، ويصادف 18 خلالها تقام في الــيــوم الـعـالمـي للغة الـعـربـيـة. تـنـظّــم مــدرســة العائلة المقدسة التي كان أستاذ الصفوف العربية فيها، يوما كاملا لاستذكاره. بسام الزميل الخلوق عـنـدمـا تــســأل أصـــدقـــاء الـــراحـــل بــســام بــــرَّاك عنه تأتيك أجـوبـة متشابهة، وجميعها تصب فـي خانة «الزميل الخلوق». يؤكدون كذلك أنـه إعلامي متميّز بشدة حبّه للعربية الفصحى. الإعلامية لينا دوغان التي رافقت برَّاك في مشوار مهني طويل، تعدّه مثلها الأعلى في اللغة العربية. وتـضـيـف لــــ«الـــشـــرق الأوســــــط»: «كــــان دقـيـقـا جـــدا في ملاحظاته للأخطاء في العربية. فعندما تسمع أذنه أي لفظ أو إلقاء أو خطأ يقترفه مذيع أخـبـار، يبادر إلى تصحيحه بشكل تلقائي». وعـــــن الـــتـــأثـــيـــر الــــــذي تـــركـــه بـــســـام عـــلـــى الــــذاكــــرة الـجـمـاعـيـة مـــن خـــال الــلــغــة، تـــــردّ: «لــقــد قـــام بخطوة استثنائية في هذا الخصوص. أطلق مسابقة (الإملاء باللغة العربية). ووضع حجر الأساس للغة نحكيها، ولا نجيد قواعدها ولا كتابة ألفاظها. حتى أنه كان مـن الـنـادر جـدا فـي المسابقة المــذكــورة، أن ينجح أحد فيها، مع أن المتسابقين من الطراز الأول، ويتألفون من دكاترة واختصاصيين في العربية، إضافة إلى أدباء ووزراء ونواب». تروي لينا دوغان أنه لبالغ ولعه بالفصحى، كان يتكلمها مع أطفاله. «تخيلي كان عندما يتوجه لابنه الصغير الذي يؤدي بالفرنسية أغنية طفولية معروفة ) يقول له: (صفّق صفّق). كان حارسا Tape les mains( للغة، يعدّها أساسية في هويتنا العربية». وتضيف: «لقد كان إعلاميا مثقفا جدا ومهذباً، خلوقاً. وهو ما بتنا نفتقده اليوم في مهنتنا». وعـمـا تعلّمته منه تـــردّ: «الكثير وأهـمـهـا الـدقّــة مرات 10 في العمل. ولا سيما قــراءة النص أكثر من كي أتقّن إذاعته. كما تعلمت منه المثابرة في العمل. فبسام كــان يملك تقنية إلـقـاء مثالية. ومـــرات كثيرة يرتجل مباشرة على المسرح في مناسبة يطلب منه تقديمها». فيروز ألهمته فرحل وهو يردد «إيماني ساطع» عــــاقــــة وطــــيــــدة كــــانــــت تــــربــــط بــــن بــــســــام بــــــرَّاك والـسـيـدة فـيـروز. وكــان يــردد بأنه عشق العربية من خـالـهـا. كــان صوتها يلهمه للبحث فـي هــذه اللغة، وكذلك إتقان مخارج الحروف وعملية تحريك النص. آخر مشوار للقائها، قام به بمناسبة تقديم التعازي لفيروز بوفاة نجلها زياد الرحباني، رافقه فيه زميله وصـديـقـه الإعــامــي جـــورج صليبي. وتـشـيـر زوجـتـه دنيز إلـى أنـه كـان على علاقة وثيقة بـ«سفيرتنا إلى النجوم». «كانا يتبادلان الهدايا في المناسبات، ومن بينها ربطة عنق أوصاني بأن يرتديها عندما يرحل. وكــان يـزورهـا بـن وقــت وآخـــر. أمــا أغنيتها (إيماني سـاطـع) فقد بقي يسمعها حتى لحظاته الأخــيــرة». وتتابع: «صـوت فيروز كان يرافقنا دائماً، في البيت كما في السيارة، وفي أي مناسبة أخرى. فلا يتعب ولا يمل من سماعه وكأنه خبزه اليومي». ولـكـن مــن تــرشّــح زوجــتــه ليكمل طـريـق بـسـام في العربية؟ تـجـاوب: «فـي الحقيقة لا أعــرف مـن يمكن أن يحمل هـــذا الإرث. بـسـام كـــان يـبـدي إعـجـابـه بكثيرين يجيدون العربية الفصحى قـــراءة ولفظاً، ومـن بينهم زملاء كالإعلاميين يزبك وهبي وماجد بو هدير وجورج صليبي ومنير الحافي والمؤرّخ الدكتور إلياس القطار وغيرهم، وجميعهم ضليعون بالعربية ويحبونها». أصدر بسّام برَّاك كتابا واحدا من تأليفه بعنوان «توالي الحبر»، وتضمن صورا أدبية كثيرة، وضعها تحت عنوان الحبر، ومن بينها «حبر الحب» و«حبر الـــوطـــن» و«حـــبـــر فــــيــــروز». كــمــا كــتــب مــؤلــفــا بـعـنـوان «أســطــورة المـــال والأعـــمـــال»، يحكي فيه سـيـرة عدنان الـقـصـار كـرجـل أعــمــال وسـيـاسـي. والـجـديـر ذكـــره أن الإعـــامـــي الـــراحـــل تـأثـر كـثـيـرا بــأســتــاذه الـــراحـــل عمر الزين. فهو من وضعه على سكة الفصحى المتقنة خلال عمله الإذاعي عبر أثير «صوت لبنان». وعندما رحل الزين أوصـى بمنح بـرَّاك مكتبته المؤلفة من مجلدات ومـؤلـفـات عـربـيـة، وكـذلـك مـن مــدونــات، وقـصـاصـات، ورقــيــة وخـــواطـــر. والـــيـــوم يــتــرك بــســام خـلـفـه، إرثـــن، أحدهما يخصه، والآخر ورثه عن عمر الزين. صداقة وزمالة وذكريات مع بسام برَّاك كـــل مـــن عــــرف الــــراحــــل بـــســـام بــــــرَّاك عـــن قــــرب من زمــــاء وأصـــدقـــاء، يـحـدثـك عـنـه بـحـمـاس. فـالإعـامـي يزبك وهبي يعتبره نابغة فـي مجاله، وكـذلـك زافـن قـيـومـجـيـان الـــذي قـــال عـنـد رحـيـلـه إن الـلـغـة العربية أصــبــحــت يـتـيـمـة، بـيـنـمـا وصـــفـــه الــرئــيــس الـلـبـنـانـي العماد جوزيف عون بأنه كان «الصح دوماً». من جهته، يقول زميله جورج صليبي الذي بقي على اتـصـال بـه حتى لحظاته الأخــيــرة، بـأنـه الزميل الــصــديــق والــــوفــــي. كـــانـــت تــربــطــه بـــه عـــاقـــة مـمـيـزة، سنة، منذ عملهما سويا في إحدى الإذاعات 33 عمرها الـلـبـنـانـيـة فـــي أوائــــــل الــتــســعــيــنــات. يـــقـــول لـــ«الــشــرق الأوسط»: «بالنسبة لجيلنا كان الراحل برَّاك مرجعنا الوحيد للعربية. نتصل به ونستفهم منه حول كيفية تحريك عـبـارة مــا. وحـتـى عـن معنى كلمة تصادفنا لأول مرة. كان موسوعة متنقلة للغة العربية. وأعتبره مقاتلا شرسا في سبيلها». ويـــســـتـــطـــرد صــلــيــبــي: «كــــــان يـــبـــالـــغ أحـــيـــانـــا فـي اعـتـمـاده الفصحى فــي أي زمـــان ومــكــان. وأذكــــر مـرة عندما أهداني ربطة عنق، اتصلت به لأشكره، قال لي: لا نسميها كرافات أو ربطة عنق، بل (الإربة). فلا أحد يضاهيه في ثقافته وغوصه في هذه اللغة». بيروت: فيفيان حداد أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط) الإعلامي جورج صليبي كان رفيق دربه في المهنة وفي حب فيروز (الشرق الأوسط)
RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky