ذكاء اصطناعي يشارك الأطباء قراءة فحوصات التصوير المقطعي المحوسب علوم SCIENCES 16 Issue 17177 - العدد Monday - 2025/12/8 الاثنين باستهداف بروتين محدد وتوظيف تقنية الحمض النووي الريبي مسار جديد لعلاج سرطان الكبد العدواني حـــــــدد فـــــريـــــق مــــــن الــــعــــلــــمــــاء الــــدولــــيــــن استراتيجية جــديــدة واعــــدة لـعـاج سـرطـان الـــقـــنـــوات الـــصـــفـــراويـــة، وهــــو شــكــل نـــــادر من ســـرطـــان الــكــبــد ولــكــنــه عــــدوانــــي، وخـــيـــارات علاجه محدودة جدا حالياً. سرطان صامت ومقاوم ويشتهر ســرطــان الـقـنـوات الـصـفـراويـة بــــتــــأخــــر تـــشـــخـــيـــصـــه وضـــــعـــــف اســـتـــجـــابـــتـــه للعلاجات المـتـاحـة. وكـذلـك فــإن أقــل مـن ثلث المـرضـى مؤهلون للجراحة، وتبقى معدلات النجاة ضئيلة حتى بعد إزالة الأورام. ودفـع هذا الواقع القاسي الباحثين إلى دراســــــة طــــرق جـــديـــدة لمــكــافــحــة هــــذا المــــرض. ووجدوا أن حجب بروتين يسمى «سي إن إن ) بالاقتران مع طرق توصيل CNNM4( »4 إم متقدمة تعتمد على الحمض النووي الريبي، يـمـكـن أن يـــوفـــر عـــاجـــا آمـــنـــا ومــوجــهــا لـهـذا المرض المدمر. وتـأتـي هـذه النتائج مـن دراســـة قادتها الـدكـتـورة مـاريـا لــوز مارتينيز شـانـتـار، من مركز دراسة أمراض الكبد والجهاز الهضمي، بمعهد كارلوس الثالث الوطني للصحة، في مدريد بإسبانيا، ونُشرت في المجلة الطبية .2025 ) سبتمبر (أيلول 17 » في Gut« ومـــــــع قــــلــــة خــــــيــــــارات الــــــعــــــاج المـــتـــاحـــة لمـــــــــرض ســـــــرطـــــــان الــــــقــــــنــــــوات الـــــصـــــفـــــراويـــــة )- وبـقـاء CCA( » -أو cholangiocarcinoma« معدلات النجاة منخفضة بشكل كبير، يُقدم هـــذا الـبـحـث أمـــا جــديــدا للمرضى والأطــبــاء على حد سواء. وينشأ سـرطـان الأقنية الصفراوية في الـقـنـوات الـصـفـراويـة بـالـكـبـد، ومـــن المـعـروف أن مــــن الـــصـــعـــب عــــاجــــه. ولأن الأعــــــــراض لا تظهر عـــادة إلا فـي المــراحــل المـتـأخـرة، فعادة ما يتم تشخيص المرض في وقت متأخر جدا لإجراء عملية جراحية، وهو الخيار العلاجي الــــوحــــيــــد المـــحـــتـــمـــل. وحــــتــــى عـــنـــدمـــا تـــكـــون الـــجـــراحـــة مـمـكـنـة تــكــون مـــعـــدلات الانــتــكــاس مرتفعة. وغالبا ما يكون للعلاج الكيميائي في 30 إلى 20 تأثير محدود. ولا يتأهل سوى المـائـة فقط مـن المـرضـى للخضوع للجراحة، ولا يـــزال الـبـقـاء على قيد الـحـيـاة على المـدى الطويل نادراً. وقد دفعت هذه التوقعات القاتمة فريق مسارات بيولوجية xz البحث إلى استكشاف جديدة يمكن استخدامها في العلاج. استهداف بروتيني »4 وكـــــــــــان بــــــروتــــــن «ســـــــي إن إن إم 4 ) هدفا جـديـداً؛ إذ حــددت الـدراسـة CNNM4( هــذا الـبـروتـن مـسـؤولا عـن نقل المغنيسيوم داخــــل الــخــايــا وخــارجــهــا، كـمـحـرك رئيسي في تطور سرطان القنوات الصفراوية. ففي المــــرضــــى الــــذيــــن يـــعـــانـــون ســــرطــــان الـــقـــنـــوات الـــصـــفـــراويـــة، وُجـــــد أن هـــنـــاك زيــــــادة مـفـرطـة ومستمرة في إنتاج هذا البروتين. وتمكَّن الباحثون من إبطاء نمو الـورم من خلال منع البروتين، وبذلك قللوا أيضا من مقاومة العلاج الكيميائي، ومنعوا الخلايا الـسـرطـانـيـة مــن الانــتــشــار. كـمـا أن اسـتـعـادة الـــــتـــــوازن المـــنـــاســـب لـلـمـغـنـيـسـيـوم أدى إلـــى )ferroptosis( تحفيز عملية التسمم الحديدي (هــو نــوع مـن المـــوت المبرمج للخلايا يعتمد على الحديد، ويتميز بتراكم البيروكسيدات الـدهـنـيـة) وهـــي آلـيـة طبيعية تـدمـر الخلايا السرطانية بشكل انتقائي، ما يجعل الأورام أكثر حساسية للعلاجات التقليدية. وتـشـرح الـدكـتـورة نـــاروا غويكوتكسيا مـــن جـمـعـيـة مـــركـــز الـــبـــحـــوث الــتــعــاونــيــة في الـــعـــلـــوم الــبــيــولــوجــيــة الإســـبـــانـــيـــة، والمــؤلــفــة الأولى للدراسة، قائلة إن هذه النتائج تسلط الــضــوء عـلـى كيفية اسـتـهـداف نقطة ضعف التمثيل الـغـذائـي للخلايا السرطانية التي يمكن أن تصبح استراتيجية علاجية قوية. مسار علاجي واعد وبـــــالإضـــــافـــــة إلـــــــى تــــحــــديــــد الـــحـــمـــض الـــــنـــــووي الــــريــــبــــي الــــدقــــيــــق هـــــدفـــــا، اخــتــبــر الباحثون نظام توصيل مبتكر يقوم على الــحــمــض الـــنـــووي الـــريـــبـــي، ويـــعـــرف بـاسـم » وهــو نـظـام ذكي GalNAc siRNA« تقنية لتوصيل الدواء. ويــوصــل الـنـظـام جــــزيء سـكـر صغيرا ) إلــــى الــحــمــض الـــنـــووي الـريـبـي GalNAc( »Small interfering RNA« المتداخل الصغير )- (هو فئة من جزيئات الحمض siRNA( -أو الـنـووي الريبي غير المشفرة ذات السلسلة المـــــــزدوجـــــــة) بـــحـــيـــث يـــتـــم تـــوجـــيـــه الـــعـــاج مباشرة إلى خلايا الكبد، وكأنه مثل «الرمز الــبــريــدي» لـــلـــدواء. وهـــذا يجعل الـعـاجـات أكثر دقة وفعالية، وبآثار جانبية أقل. وبـــنـــاء عـلـى قـــول الـــدكـــتـــورة مـارتـيـنـيـزتـــشـــانـــتـــار، فــــإن عــمــل الـــفـــريـــق لا يــكــشــف عن مسار علاجي واعد فحسب؛ بل يوضح أيضا إمـكـانـيـة الـجـمـع بــن البيولوجيا الجزيئية وتقنيات توصيل الأدوية المتطورة، للاقتراب من الطب الشخصي. وتــضــمــن المــــشــــروع تـــعـــاونـــا وثــيــقــا بين كثير من المؤسسات الدولية. كما أنـه يشكل جـــزءا مـن شبكة العمل الأوروبــــي الـتـي تعزز الـــتـــعـــاون فـــي مــكــافــحــة ســـرطـــانـــات الــقــنــوات الصفراوية. ومــــــن خــــــال الـــجـــمـــع بـــــن الــــخــــبــــرة فـي بيولوجيا الأورام والتمثيل الغذائي الخلوي والتقنيات العلاجية المتقدمة، تمثل الدراسة تـقـدمـا كـبـيـرا فــي مـعـالـجـة أحـــد أكــثــر أشـكـال سرطان الكبد فتكاً. وتـــشـــيـــر الـــنـــتـــائـــج إلــــــى مــــســــار واضـــــح لتطوير علاجات مستهدفة لسرطان الخلايا السرطانية في الكبد، رغم وجود حاجة إلى إجراء مزيد من البحوث والتجارب السريرية. ويمكن أن يـــؤدي الجمع بـن حجب بروتين » واستخدام أنظمة توصيل 4 «سي إن إن إم الحمض الــنــووي الـريـبـي الدقيقة، إلــى منح المرضى علاجات أكثر أمانا وفاعلية، مصممة خصيصا لبيولوجيتهم. وبالنسبة لسرطان تكون فيه الخيارات محدودة، ونتائج النجاة منه ضعيفة، يقدم هـــذا الاكــتــشــاف الــجــديــد خــطــوة حـيـويـة إلـى الأمام. والأمل مع استمرار مثل هذا التعاون الدولي، هو أن السرطانات النادرة والعدوانية -مثل سرطان القنوات الصفراوية- لن تبقى بعيدة عن متناول الطب الفعال. لندن: د. وفا جاسم الرجب يتفوق في الرعاية الوقائية حين يرى ما تغفل عنه عين الإنسان الذكاء الاصطناعي يكشف هشاشة العظام قبل بدء الألم لـم تكن الأشـعـة المقطعية التي تُـــــعـــــرف طـــبـــيـــا بــــاســــم «الـــتـــصـــويـــر ) يــومــا CT( » المــقــطــعــي المـــحـــوســـب مــــصــــمّــــمــــة لـــلـــكـــشـــف عــــــن هـــشـــاشـــة الـــعـــظـــام؛ إذ كــانــت فــحــوصــا عــابــرة تُــجـرى للصدر أو البطن أو الكلى، ثم تُنسى في الأرشيف، كما تُنسى تفاصيل يوم مزدحم. لـكـن جـامـعـة نــيــويــورك كشفت هـــــذا الـــشـــتـــاء أن فــــي هـــــذه الـــصـــور أســــــرارا أخــــــرى... أســــــرارا لـــم تُخلق عـــن بـشـريـة لــرؤيــتــهــا، لـكـن الــذكــاء الاصـــطـــنـــاعـــي يــلــتــقــطــهــا بــســهــولــة مدهشة. صورة قديمة ترصد المرض فـــــي الـــــــدراســـــــة الـــــــرائـــــــدة الـــتـــي أطــــلــــقــــهــــا مـــــركـــــز لانــــــغــــــون هــيــلــث NYU Langone بجامعة نيويورك نــوفــمــبــر (تــشــريــن 11 فـــي Health الـــثـــانـــي) المـــاضـــي حــلّـــل الـبـاحـثـون فـــحـــصـــا مــقــطــعــيــا لــعــدد 538946 283499 ضـــخـــم مــــن المــــرضــــى بـــلـــغ شخصا ً. وبــــاســــتــــخــــدام نـــــمـــــوذج ذكـــــاء اصــــطــــنــــاعــــي مُـــــــــــدرَّب عــــلــــى قـــــــراءة الـــــفـــــقـــــرات الـــــصـــــدريـــــة والـــقـــطـــنـــيـــة، استطاع الفريق اكتشاف علامات مبكرة لهشاشة الـعـظـام مـن صور لم تُلتقط أصلا لهذا الغرض. والــــفــــكــــرة بــســيــطــة وصــــادمــــة: الفحص الذي أجريته قبل عامين... قــد يـحـتـوي إنـــــذارا لــم يلتفت إليه أحد. ومـــــا تــقــتــرحــه الـــــدراســـــة لـيـس تــقــنــيــة جــــديــــدة فــــقــــط، بــــل طــريــقــة جـــــديـــــدة لـــــرؤيـــــة الإنــــــســــــان؛ إذ إن الـــــصـــــورة الـــطـــبـــيـــة لـــــم تـــعـــد حـــدثـــا لـحـظـيـا، بــل أرشــيــفــا صـحـيـا قـابـا للتحليل كلما تطور العلم. وهـــــذا الـــتـــحـــوّل هـــو مـــا يجعل الــــذكــــاء الاصـــطـــنـــاعـــي يـــتـــفـــوق فـي الــــرعــــايــــة الـــوقـــائـــيـــة؛ إنـــــه لا يـعـيـد قراءة الصورة فقط، بل يعيد قراءة الماضي كله. العظام تتكلم والخوارزمية تنصت تكشف الـدراسـة أن عــددا كبيرا مــن المــرضــى الــذيــن ظـهـرت هشاشة الـعـظـام لديهم لاحـقـا، كـانـت لديهم دلائل واضحة للضعف في فحوص قديمة. لـــم يـــرهـــا أحـــــد، لا لأن الأطـــبـــاء قـــصّـــروا، ولــكــن لأن الــعــن الـبـشـريـة - مهما بلغت خبرتها - ليست آلـة مسح للآلاف من الطبقات الصورية. وهنا يأتي الـسـؤال الـذي يفتح بــاب المستقبل: كـم مـن الأمــــراض ما زالت مختبئة في صور لم تُقرأ بعد؟ وكـــم مــن الـصـحـة يمكن إنـقـاذهـا لو أعدنا قراءة الماضي بعقل رقمي؟ تصريح حصري وفـــــي حـــديـــث خـــــاص لــــ«الـــشـــرق الأوســــط»، يـقـول الـبـروفـسـور مايكل )، رئيس Michael P. Recht( ريـخـت قسم الأشعة في مركز لانغون هيلث: «مــا نـــراه هنا يـتـجـاوز هشاشة العظام... نحن نعيد قــراءة التاريخ الصحي للمريض. كـــــل فـــحـــص قــــديــــم هـــــو فـــرصـــة ذهبية للكشف المبكر، لو أُتيح للذكاء الاصـطـنـاعـي أن يــراجــع الأرشـــيـــف». ويضيف: «خــال السنوات القادمة، ســـــيـــــكـــــون لـــــكـــــل مــــــريــــــض أرشــــــيــــــف يُـــعـــاد تـحـلـيـلـه دوريـــــا دون فـحـوص إضافية أو تكاليف جديدة... الذكاء الاصطناعي سيحوّل الماضي الطبي إلى مستقبل قابل للإنقاذ». لماذا يهم هذا الاكتشاف العالم الـــــعـــــربـــــي؟ لأن هــــشــــاشــــة الـــعـــظـــام تُــصـيـب واحــــدة مــن كــل ثـــاث نساء وواحــــدا مــن كــل خمسة رجـــال فـوق سـن الخمسين فـي الـعـالـم العربي، ولأن مــعــظــم المــــرضــــى لا يُــكـتـشـف مرضهم إلا بعد الكسر الأول... حين يفوت الأوان. تــــصــــوّر لــــو أن أنـــظـــمـــة الـصـحـة لدينا تعيد تحليل فحوص المرضى تلقائيا وتـبـعـث لـهـم رســالــة مبكرة: «عظامك تضعف... تعالج الآن قبل الألم». هـــــذا هــــو الـــــذكـــــاء الاصـــطـــنـــاعـــي الذي لا يزاحم الطبيب... بل ينقذ ما يضيع في الصمت. وتفتح هذه الدراسة الباب أمام ثــــورة أوســــع لـتـدقـيـق صـــور الأشـعـة الـــســـيـــنـــيـــة، الـــــرنـــــن المـــغـــنـــاطـــيـــســـي، الـــتـــصـــويـــر المـــقـــطـــعـــي، الــــســــونــــار؛ إذ إنــــهــــا كــلـــهــا يــمــكـــن أن تـــتـــحـــوّل إلـــى «ذاكـــــــــــرة صــــحــــيــــة» تــــعــــاد قــــراءتــــهــــا سنويا للكشف المبكر عـن السرطان وأمــــــراض الــقــلــب وهــشــاشــة الـعـظـام والاضطرابات العصبية. إنـــهـــا فـلـسـفـة رعـــايـــة جــــديــــدة... رعاية تتذكّر ما ينساه الإنسان. إن الــــذكــــاء الاصـــطـــنـــاعـــي يــوفــر قدرة غير مسبوقة: سرعة بلا حدود، ذاكرة لا تُنسى، ودقة تتجاوز العين البشرية. لكن يبقى السؤال الأخلاقي حـــــــــاضـــــــــراً: هـــــــل نــــمــــلــــك الــــشــــجــــاعــــة لاستخدام هذه القوة بحكمة؟ وهل تستطيع الأنظمة الصحية التقليدية أن تتسع لهذا المستقبل؟ فــــالــــصــــور الـــقـــديـــمـــة لا تـكـشـف هـــشـــاشـــة الـــعـــظـــام فـــقـــط، بــــل تـكـشـف أيـضـا هـشـاشـة الـنـظـام الـــذي يعتمد على ذاكرة بشرية محدودة. وقــــــد أعــــــــادت دراســــــــة جــامــعــة نــــيــــويــــورك صـــيـــاغـــة الــــعــــاقــــة بـن الـطـبـيـب والـــصـــورة الـطـبـيـة؛ إذ لم تـــعـــد الـــــصـــــورة لـــحـــظـــة ولا وثــيــقــة مـــنـــســـيـــة، بــــل بـــيـــانـــات حـــيّـــة يُـــعـــاد تحليلها كلما تطور العلم. وهـذه بـدايـة عصر جديد يــرى فيه الطب الماضي... لينقذ المستقبل. نيويورك: د. عميد خالد عبد الحميد الشعور بالعظمة والسعي المستمر لنيل الإعجاب وانعدام التعاطف أهم سماتهم العلم يسلِّط الأضواء على حقيقة النرجسيين كــــــان مــصــطــلــح الـــنـــرجـــســـيـــة -فـــي الـــســـابـــق- مـــحـــصـــورا فـــي عــلــم الـنـفـس والأساطير الكلاسيكية، ولكنه اليوم أصبح متداولا في الأحاديث اليومية. وانتقل هذا المصطلح من كونه مفهوما يغلِّفه الغموض إلى أن أصبح شائعا في الثقافة العامة ووسائل التواصل الاجتماعي؛ إلا أنه غالبا ما يُستخدم بــــصــــورة مـــفـــرطـــة فــــي الـــتـــبـــســـيـــط، أو بصورة خاطئة. فــــــي هـــــــذا الـــــســـــيـــــاق، نـــســـتـــعـــرض اضــــــطــــــراب الـــشـــخـــصـــيـــة الـــنـــرجـــســـيـــة ) وفقا لما يطرحه العلم، ونشرح NPD( الـــفـــروقـــات بـــن أنــــواعــــه، ومــــا إذا كــان بإمكان النرجسيين التغيير. من الأسطورة إلى التشخيص الحديث يـــرجـــع الاهــــتــــمــــام بــــالإعــــجــــاب المـــفـــرط بالذات إلى قصة نرجس في أعمال أوفيد؛ حيث وقع نرجس في حب انعكاس صورته حد المــوت. وقـد بـدأ المصطلح يأخذ طابعا طبيا فـي أواخـــر الـقـرن التاسع عـشـر، حين اســتُــخــدم مـصـطـلـح «الــنــرجــســيــة» لـوصـف الإشباع الذاتي المفرط بالرضا. وبــحــلــول عــشــريــنــات الـــقـــرن المـــاضـــي، اســـتـــعـــان الأطــــبــــاء الــنــفــســيــون بـالمـصـطـلـح لــــإشــــارة إلـــــى اضــــطــــراب فــــي الـشـخـصـيـة، ولـكـن لـم يتم الاعــتــراف رسميا باضطراب narcissistic( الـــشـــخـــصـــيـــة الـــنـــرجـــســـيـــة ،1980 ) حــتــى عــــام personality disorder عـــنـــدمـــا أُدرج فـــــي الــــدلــــيــــل الــتــشــخــيــصــي والإحــــــصــــــائــــــي لـــــاضـــــطـــــرابـــــات الـــنـــفـــســـيـــة .)DSM( في المجمل، يتسم اضطراب الشخصية الـنـرجـسـيـة بـالـشـعـور بـالـعـظـمـة، والـسـعـي المستمر لنيل الإعجاب، وانعدام التعاطف. ويــمــيــل المـــصـــابـــون إلــــى المــبــالــغــة فـــي إبــــراز مـواهـبـهـم وإنــجــازاتــهــم، ويـشـعـرون بأنهم يـسـتـحـقـون مـعـامـلـة خـــاصـــة، ويـحـتـاجـون بـاسـتـمـرار إلــى الـتـقـديـر. ومــع أن مظهرهم يوحي بالثقة، فإن هذا القناع يخفي خلفه هشاشة عاطفية وحساسية مفرطة تجاه النقد. ويمكن أن يمارس النرجسيون دور التلاعب بالآخرين دون إحساس بالذنب، وأحـــيـــانـــا يـــتـــجـــاوزون الــــحــــدود بـــالإســـاءة العاطفية أو الجسدية. وتشير العالمة النفسية سارة ديفيز -مؤلفة كتاب «نشأت على يد نرجسيين»- إلى أن ليس كل النرجسيين مسيئين، إلا أن تلاعبهم وقيامهم ) يجعل من gaslighting( » بــ«الـتـاعـب النفسي الصعب أحيانا رصد الأضـرار التي يسببونها. وتُعد النرجسية أحـد أضـاع «الثالوث المظلم» مـــن الــســمــات الاجـتـمـاعـيـة الـــضـــارة، إلـــى جـانـب ) (الافـــتـــقـــار psychopathy( » «الـــســـيـــكـــوبـــاتـــيـــة إلـــى الـتـعـاطـف مــن جـهـة والانــدفــاعــيــة مــن جهة ) (التلاعب psychopathy( » أخرى) و«المكيافيلية الاستراتيجي). قياس النرجسية وانتشارها تــــســــاعــــد أداة «اخـــــتـــــبـــــار الــشــخــصــيــة Narcissistic Personality( » الـــنـــرجـــســـيـــة ) في قياس الميول النرجسية Inventory– NPI لـــــــدى عــــامــــة الــــــنــــــاس. ومـــــــع ذلــــــــك، يــتــطــلــب التشخيص الرسمي تقييما سريرياً، وهو أمر نادر الحدوث؛ لأن معظم النرجسيين لا يسعون لتلقي الـعـاج. وحسبما أوضحت ديفيز: «النرجسي الحقيقي دائما ما يعتقد أن المـــشـــكـــات ســبــبــهــا الآخــــرون».وتــــشــــيــــر بــحــوث واســـعـــة فـــي الــــولايــــات المــتــحــدة إلــى في المائة من الناس يستوفون 6.2 أن نحو مـعـايـيـر اضـــطـــراب الـشـخـصـيـة الـنـرجـسـيـة، بينما تشير دراسات أخرى إلى متوسطات فــــي المــــائــــة. ورغــــــم الــتــبــايــن 1 أقــــــل، تــــقــــارب فـــي الأرقـــــــام، يــــرى مـعـظـم عـلـمـاء الـنـفـس أن الـــنـــرجـــســـيـــة تــشــكــل طـــيـــفـــا. وهــــنــــا، تــوضــح إيـمـي كوسكينن، مـن جامعة هلسنكي، أن الثقة الصحية بالنفس، والطموح، يمكن أن يكونا أمرين مفيدين، ولكن حين يبلغان حد المبالغة، فإنهما يؤديان إلى تدمير العلاقات الاجتماعية وإلى العزلة العاطفية. مفارقة التعاطف في حين يُعرف النرجسيون بافتقارهم إلى التعاطف، فإن الواقع في حقيقته أشد 2023 تـعـقـيـداً. وكــشــف تحليل أُجــــري عـــام أنهم قد يحتفظون بالتعاطف المعرفي -أي القدرة على إدراك مشاعر الآخـريـن- لكنهم يفتقرون إلى التعاطف العاطفي، أي القدرة على الشعور بهذه المشاعر. * مجلة «نيوساينتست» ـ خدمات «تريبيون ميديا» *لندن: ديفيد روبنسون البروفسور مايكل ريخت: نعيد قراءة التاريخ الصحي للمريض من خلال كل فحص قديم النص الكامل على الموقع الإلكتروني
RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky