issue17177.1

الرئيس التنفيذي جمانا راشد الراشد CEO Jomana Rashid Alrashid نائب رئيس التحرير Managing Editors Editorial Consultant in KSA Aidroos Abdulaziz Camille Tawil Saud Al Rayes Deputy Editor-in-Chief مديرا التحرير مستشار التحرير في السعودية محمد هاني Mohamed Hani الأمير أحمد بن سلمان بن عبد العزيز عيدروس عبد العزيز كميل الطويل سعود الريس 1987 أسسها سنة 1978 أسسها سنة هشام ومحمد علي حافظ رئيس التحرير غسان شربل Editor-in-Chief Ghassan Charbel OPINION الرأي 13 Issue 17177 - العدد Monday - 2025/12/8 الاثنين بشار مر من هنا الفلسطينيون... مأزق السلاح والسياسة لـيـس صحيحا أن الـغـيـاب يعفي مــن الــعـذاب. القبر لا يحصن الحاكم مـن أعاصير بـــاده. يمكن لـجـثـتـه أن تــتــعــرض لــطــعــنــات كـــثـــيـــرة؛ لـلـشـمـاتـة، والسخرية، والإذلال، وفيض الكراهيات. ويمكن أن يصاب القبر بالذعر، وبــالإحــراج، وبـالـخـوف، وأن يحاول الهرب كمرتكب يبحث عن مخبأ للنجاة من غضب الناس ومحكمة التاريخ. هـــذا حـــدث قـبـل عــــام. تــــردد مــديــر مكتبه «أبــو سليم» في إيقاظه لكنه فعل. الخطب جلل. شاهد على الشاشة عبارة رهيبة؛ «فرار الأسد». لم يصدق حافظ عينيه. كيف يكون أسدا من يفر؟ وبعد دقائق وقعت الـفـأس فـي الـــرأس. قـالـوا إن طـائـرة مـن بلاد ستالين حملت السيد الرئيس مع عائلته وحقائب مثقلة إلى بلاد الثلج والنسيان. أسعفه «أبـو سليم» بكوب من المــاء. هـذا النبأ يفوق قدرته على الاحتمال. ما أفدح الخسارة. كيف سـيـنـظـر إلـــى صــــدام حـسـن إذا رتـــب الـــقـــدر مـوعـدا بينهما في عالم النهايات؟ تخيل صـدام يستيقظ على النبأ، تصوره يطلق ابتسامته الشامتة. سمعه يـقـول: «هـــذه مـدرسـة حـافـظ الأســـد. قلت لكم مــرارا ولـم تصدقوني. مـدرسـة عشاق السلطة لا مدرسة أصحاب القضية». خيل إليه أنه سمعه يقول: «قاتل ولـداي وحفيدي الأميركيين حتى نفدت ذخائرهم. قـاتـلـوا وقـتـلـوا بـعـدمـا طـردتـهـم ســوريــا الأســـد من أراضيها وقدمتهم لقمة للاحتلال». كــل شـــيء إلا شـمـاتـة صــــدام. يـتـمـتـم. لا يمكن إنكار أن حاكم بغداد برع في تدبيج قصته. طالبه جـــــورج بــــوش الابـــــن بـــمـــغـــادرة الـــعـــراق مـــع عـائـلـتـه فـاخـتــار الإقـــامـــة فــي تــــراب الـــعـــراق. وقـــع فــي الأســر وتــحــدى سـجـانـيـه. حـــاول الـقـاضـي محاكمته فـرد بـمـحـاكـمـة الــقــاضــي ومــــن نــصــبــوا المــحــكــمــة. الـتـف الـحـبـل حـــول عـنـقـه فـأطـلـق عـلـى أهـــل الـحـبـل نظرة احتقار. يتابع. صدام مرتكب كبير لكنه أجاد صوغ حـكـايـة لــتــتــردد عـلـى ضــفــاف دجـــلـــة، أو فـــي ذاكـــرة أنصاره مهما تقلصوا وتضاءلوا. يعتصره الألم. هذه سوريا الأسد. وإلى الأبد. وخـــيـــار ســيــدهــا صـــريـــح؛ الــقــصــر أو الـــقـــبـــر. كيف يـسـقـط المــؤتــمــن عـلـيـهـا فـــي خــيــار الــســامــة؟ خـيـار زيــن الـعـابـديـن بـن عـلـي. يشعر بـحـرج قـاتـل. سقط علي عبد الله صالح مضرجا برصاص الحوثيين. رفض ذل المنفى وفضل إنقاذ سمعة الملاكم. فضل المــوت على الحلبة. معمر القذافي رفـض الانحناء للعاصفة. قتلوه وتـوزع أبناؤه بين قتيل وشريد. كـــان بـاسـتـطـاعـة حـسـنـي مــبــارك أن يستقل طـائـرة تعمل عـلـى خــط المـنـفـى. خـــاف مــن لسعة الـتـاريـخ. تـداولـتـه الـسـجـون والمـحـاكـم لكنه مـــات عـلـى أرض مصر. لا عـزاء للخاسر غير أن يكتب قصته بحبر العناد والمـكـابـرة. عمر قصير أفضل بكثير من ذل طويل. فـــاجـــأت الــعــاصــفــة ســيــد الــقــصــر وحــــزب «إلـــى الأبــد». كـان الانطباع أن الرجل المتحصن في إدلب غير موعود إلا بنهاية مؤلمة. كانت مخابرات الأسد تبحث عنه، وكانت طائرات بوتين تبحث عنه. وقال محللون إن مــن عـرفـتـه سـجـون بــغــداد بـاسـم «أبــو محمد الـجـولانـي» سيلقى مصير رفـاقـه الـقـدامـى. أخطأ المحللون. كـــانـــت الــســنــة طــويــلــة ومــــريــــرة. جــلــس أحـمـد الـــشـــرع فـــي قـصـر الــرئــاســة عـلـى كــرســي الأســـديـــن. فجأة فتحت أمامه الأبـواب. كأن العالم كان يتحين الــفــرصــة لــلــثــأر مـــن ســـوريـــا الأســـــد، كــأنــه تــعــب من حـــروبـــهـــا ومـــنـــاوراتـــهـــا وتــحــالــفــاتــهــا. رجــــل اسـمـه دونالد ترمب يمد يده في الرياض ويصافح الشرع. ستسقط الجدران وستنهار السدود. سيدخل الشرع البيت الأبيض في استقبال دافــئ. سيدخل أيضا قصر الكرملين وسيلتقي القيصر الذي منح بــشــار الــلــجــوء الإنـــســـانـــي. سـتـهـب أوروبـــــا لإعـطـاء الــرئــيــس الــجــديــد فــرصــة. وسـيـظـهـر الــشــرع بـراعـة غير عادية. خطاب معتدل ومقنع. سوريا ستنهمك بتضميد جروحها. سوريا أولاً. ولن تكون مصدر خطر على جيرانها وبينهم إسـرائـيـل. استفزازات نتنياهو واعتداءاته لن تدفعه إلى الانزلاق نحو ما يعيق مشروعه. بـعـد عـــام أيـقـظـه «أبــــو سـلـيـم» مـــجـــدداً. أســـرار عهد الأسـد الثاني منشورة على حبال «العربية». رحـلـة فـي الـسـيـارة نحو الـغـوطـة. حـــوار شـفـاف مع المــســتــشــارة لــونــا الــشــبــل يـكـشـف أســـلـــوب الـرئـيـس وارتباكه. لم يحدث أن كان القصر سابقا بلا أسوار وبلا أســرار. كانت عبارات الرئيس صعبة ومثيرة ومخيفة. عـبـارات تساعد فـي فهم الانهيار الكبير الـــــذي ضــــرب ســـوريـــا الأســــديــــن. ضـــاعـــف مـنـسـوب الإثــــارة مصير الـرئـيـس الــغــارق فــي صـمـت المنفى. ضاعفه أيضا مصير المستشارة التي تخطى ظلها في القصر حدود مكتبها. المستشارة التي شُطبت بـعـدمـا اتـهـمـت بـالـلـعـب عـلـى خــطــوط الـتـمـاس بين كبار اللاعبين على المسرح السوري. تذكرت عبارات سمعتها يـوم كانت المعارضة الـــســـوريـــة تــقــتــرب مـــن قــصــر بـــشـــار. قـــصـــدت وزيـــر الخارجية اللبناني الراحل جان عبيد. سألت الرجل المتحفظ عن بشار فقال: «الله يرحم والــده». ولأنه كان يثق بقدرتي على الكتمان قال: «للأسف الإرث أكبر من الوريث... ورث بشار سوريا لاعباً، وها هي تتحول في عهده ملعباً». وفي تلك الأيام روى لي الزعيم اللبناني وليد جنبلاط، ما قاله له حكمت الشهابي رئيس أركان الجيش السوري، في عهد الأسد الأب. قال الشهابي: «هذا (بشار) شخص مجنون. سيأخذ سوريا إلى الـــحـــرب الأهــلــيــة والــتــقــســيــم». ويــضــيــف جـنـبـاط: «قدم لي وصفا دقيقا لما فعله (الضابط القريب من بشار) عاطف نجيب مع أطفال درعـا، وكيف انتزع أظفارهم واستدعى رؤساء العشائر وهددهم بهتك أعراضهم». وذات يـوم سـأل جنبلاط بشار لمـاذا لم يـعـاقـب عـاطـف نـجـيـب، فـكـان رده: «لـــم يـتـقـدم أحـد بدعوى ضده». إنه أسلوب بشار. قـــبـــل عــــــام غـــــــادر بــــشــــار الأســـــــــد. ســـقـــط نـــظـــام الأســــديــــن. ســقـط جــــدار المــمــانــعــة وتــغــيــرت أحــجــام الـاعـبـن فـي الإقـلـيـم. انتقلت المنطقة مـن «طـوفـان السنوار» إلى المطالبة بنزع السلاح في غزة ولبنان. تغيرت حدود إيران في الإقليم، ولا بد من الاتصال بـــالـــبـــيـــت الأبــــيــــض لــــوقــــف اســـتـــبـــاحـــات نــتــنــيــاهــو للخرائط والحدود. مـن قبره يـواكـب الأســد الأول مـا حـل بسوريا. يواكب فيديوهات الأسد الثاني. أقام بشار نحو ربع قرن. فاضت أوجاع سوريا والتقت بأوجاع لبنان. بحر أحـــزان وجــنــازات كـثـيـرة. ذهــب زمــن الأسـديـن إلى محكمة التاريخ. قامر الوريث بإرث بحجم بلاد وخسره. ما أصعب إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. الزمن صفحات. وبشار مر من هنا. لجأ الفلسطينيون إلى السلاح في وقت كانت فيه قضيتهم عُــرضـة للتبدد والانــدثــار، وفـي عهد رمــــز الـــثـــورة والـــســـاح والــســيــاســة يـــاســـر عـــرفـــات، وبعد رحلة طويلة غزيرة الدم، لجأ الفلسطينيون إلـى المـفـاوضـات، حـن لاحـت فـرصـة جـديـة، تبناها العالم بكل أقطابه، للوصول إلى هدفهم في الحرية والاســــتــــقــــال، وكــــــان الــتــخــلــي عــــن الــــســــاح شــرطــا لإنجاح المفاوضات. فــشــلــت المـــحـــاولـــة وعــــــاد الــفــلــســطــيــنــيــون إلـــى السلاح من جديد... وحدث ما حدث. والآن؛ وقد تحوّل السلاح إلى سبب أو ذريعة لـقـتـل الـفـلـسـطـيـنـيـن، وتــراجــعــت الأهـــــداف المُــجـمـع عــلــيــهــا وطـــنـــيـــا إلـــــى مــــا دون الــــحــــد الأدنـــــــــى؛ مـمـا اضـطـر حمَلة الـسـاح إلــى الـتـفـاوض على مصيره ومــصــيــرهــم... وجـــد الـفـلـسـطـيـنـيـون أنـفـسـهـم أمـــام حتمية مراجعة مرحلة طويلة ودموية من حياتهم السياسية المعاصرة. الانــقــســام عـلـى الأهــــــداف كـــان بـــن مـــن يطالب بفلسطين بوصفها أرض وقــف إسـامـي وتتوجب استعادتها كاملة مهما طال الزمن وبلغت الخسائر، وبـــن مــن يـطـالـب بـمـا هــو أقـــل مــن ذلـــك بـكـثـيـر؛ أي قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وذلك يعني الموافقة على أن تكون منقوصة السيادة. الـقـوى المـتـصـارعـة داخـــل الـحـالـة الفلسطينية وصلت إلى أن تتشارك في مأزق يكاد يكون وجوديا بالنسبة إليها، فأهل الـسـاح لا يملكون مـا يكفي للتقدم نحو الأهداف، بل ولا حتى حماية الذات من التصفيات المــاديــة والـسـيـاسـيـة... وأهـــل السياسة والــشــرعــيــة المــعــتــرف بـهـا خــيــارهــم فـــي الــتــفــاوض، الـــذي ذهـبـوا إلـيـه بعد إلـقـاء الــســاح، مــرفــوض من الطرف الآخر الذي لا يُخفي أجنداته، وأهمها لاءاته الـكـثـيـرة، وهـــذه عـيـنـة مـنـهـا: لا لــدولــة فلسطينية، ولا لتفكيك الاستيطان، ولا لعودة اللاجئين، ولو لبعض منهم، إلى المدن والقرى التي أُخرجوا منها ، وفـــي أفــضــل الأحـــــوال يـمـكـن أن 1948 جـــــرّاء حـــرب يُسمح بعودة البعض منهم إلى مناطق السلطة أو ما يتبقى منها تحت الإدارة الذاتية. أهــل السياسة والشرعية المعترف بها، وأهـل القتال وشرعية الأمر الواقع، يتّحدان الآن في العجز عن حكم ما بين أيديهم، بفعل تناقص مواردهم إلى حد الصفر، كما يعجزان عن إثبات حضور سياسي فـعّــال فـي كـل شــأن يتصل بمستقبلهم وبمستقبل شعبهم وقضيتهم... فما المخرج إذن؟ حين تفشل قيادة أو قيادات في تجربة أدّت إلى كل هذه الخسارات، من دون تحقيق برامجها التي وفّــــرت لـهـا شـرعـيـة الــقــيــادة، وحـــن يـكـون التشبث بالبقاء في موقع الحكم والتحكم موجودا رغم كل ذلـــك، فــا مـخـرج لـهـا ولشعبها ولقضيتها سـوى إخلاء موقعها، وإحالة الأمر كله إلى صاحب الأمر، وهو الشعب؛ الذي من المفترض أن يكون هو مصدر السلطات وشرعيتها. ولكيلا يكون ما أقول مجرد مخرج نظري أو رغائبي، فآلية ذلك هي الانتخابات العامة التشريعية والرئاسية... وبالمناسبة، فهذا المـخـرج - رغــم خــوف الـقـيـادات التقليدية المتشبثة منه ووضـعـهـا الـعـصـي فـي دوالـيـبـه - يظل الأعلى واقعية وإمكانية. الــشــعــب الـفـلـسـطـيـنـي كــلــه يـــريـــدهـــا، والإقــلــيــم والــعــالــم يــريــد قـــيـــادة مــوثــوقــة ومـنـتـخـبـة مـــن قِــبـل شعبها، كي يعمل معها على ما تبقى من الطريق نـحـو الـــهـــدف، ولـــو لــم تـكـن كــذلــك لمــا وعـــد الـرئـيـس محمود عـبـاس الـعـالـم بـإجـرائـهـا فـي غـضـون سنة تحت إشراف دولي مباشر لضمان نزاهتها وحسن أدائها. أمّـــــا إســـرائـــيـــل، الـــتـــي تـمـسـك بــالــقــدس رهـيـنـة لإبقاء الحالة الفلسطينية ممزقة ومشتتة، وسط صــــــراع داخـــلـــي لا نـتـيـجـة لـــه ســــوى الـــنـــزف المــــادي والمـــعـــنـــوي الـــــذي يـجـعـل الـــيـــد الـعـلـيـا فـــي كـــل شـــأن فلسطيني لإسرائيل، فلن تستطيع فرض أجندتها الـتـخـريـبـيـة إذا مــا وجــــدت قــــرارا فلسطينيا جديا وحاسما في هذا الاتجاه، وإذا كانت لا تـزال - رغم الضغط الدولي - مصممة على عدم السماح بإجراء الانــتــخــابــات فـــي الـــقـــدس الــشــرقــيــة، فـلـتـكـن مـعـركـة مـواجـهـة بـن بندقية الاحـتـال وصـنـدوق الاقـتـراع الفلسطيني المدعوم من العالم كله. والفلسطينيون في هذه الحالة سيكسبون. ومـــن دون قــــرار حــاســم فــي هـــذا الاتـــجـــاه، فلن تــــغــــادر الـــطـــبـــقـــة الـــســـيـــاســـيـــة الــفــلــســطــيــنــيــة دائـــــرة المراوحة في المكان، مع نزف متواصل للقدرات على كل المستويات. أهل السلاح في مأزق، وأهل السياسة كذلك، ودافع الثمن دائما هو الشعب الواقع تحت حكمهما. غسان شربل نبيل عمرو

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky