issue17176

الثقافة CULTURE 17 Issue 17176 - العدد Sunday - 2025/12/7 الأحد من أفلاطون إلى برغسون «فلسفة الضحك» عبر التاريخ كما يرويها العقاد رغـم أن الطبعة الجديدة التي صدرت عن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة من كتاب «جحا الضاحك المضحك»، توحي بعمل مخصص لأشـهـر شخصية ساخرة فـــي الــــتــــراث الـــعـــربـــي، فــــإن عـــبـــاس مـحـمـود ) اخـــتـــار كـمـفـكـر من 1964 – 1889( الــعــقــاد طـراز خـاص أن يكرس المساحة الكبرى من كتابه لمناقشة «فلسفة الضحك» عبر حقب زمنية مختلفة. الـــبـــدايـــة كـــانـــت مـــن عــنــد أفــــاطــــون؛ إذ ذكـــر المـضـحـكـن والمـضـحـكـات وهـــو يبحث عــــن مــكــانــهــم فــــي «مـــديـــنـــتـــه الـــفـــاضـــلـــة» أو جمهوريته المثالية الـتـي أراد أن يقصرها عــلــى الأفــــاضــــل والمــــأمــــونــــن، وأن يجنبها عوارض النقص والرذيلة، فبدا له أن الشعر موكل بالجانب الضعيف من الإنسان، بغير تفرقة بين شعر المأساة وشعر الملهاة. ويــــرى الـفـيـلـسـوف الـيـونـانـي الأشـهـر أن الإنسان الكريم يأبى أن يستسلم للبكاء إذا أصيب في عزيز عليه بشكل شخصي، لكنه لا يبالي أن يبكي أو يحزن إذا رأى هذا المنظر معروضا عليه في مسرحية مفجعة؛ لأن البكاء يخدعه في هذه الحالة ويوقع في روعـه أنه يبكي لغير مصابه فيتغلب على نـفـسـه فـــي سـبـيـل غـــيـــره. والإنـــســـان الـكـريـم يــأبــى أن يـتـفـوه بــالــعــبــارات الـكـومـيـديـة أو الــتــراجــيــديــات المـضـحـكـة، ولـكـنـه يستسلم للضحك إذا سمعها محكية في رواية هزلية يمثلها المسرحيون أمامه. ولـــيـــس بــالــشــيء الــجــيــد، وفـــقـــا لــــه، أن يــكــون فـــي «الـجـمـهـوريـة الــفــاضــلــة» إنـسـان يغلب عـلـى وقــــاره الـضـحـك أو الـبـكـاء على نحو يـحـط مـن منزلة البشر فـي صورتهم المـــثـــالـــيـــة. إن نـــــزلاء جــمــهــوريــتــه «يـــجـــب أن يتساموا على مشاهد الـهـزل التي لا تليق إلا بالعبيد والأجــراء». ومن هنا أثنى على المصريين؛ لأنهم يعلمون الأبناء الموسيقى والـــرقـــص قـيـامـا بـالـشـعـائـر والــطــقــوس في المـــعـــابـــد، ولــكــنــهــم لا يــســمــحــون لــلــشــعــراء بخلط الألحان بالأغاني المبتذلة، أو تركيب الـــقـــصـــائـــد المـــــوزونـــــة عـــلـــى رقـــــص الــخــاعــة والمجون. وكـــــــانـــــــت خــــــاصــــــة رأيـــــــــــه فـــــــي كــــتــــاب «الجمهورية» وكتاب «القوانين» أن الشعراء يـحـسـنـون صـنـاعـة الـقـصـائـد ويستحقون من أجل ذلك أكاليل الغار «ولكن ليلبسوها ويـخـرجـون مـن المـديـنـة الفاضلة إلــى حيث يشاءون». ولم يذكر أفلاطون سبب الضحك إلا في كلمات قليلة خلال هذه المباحث الأخلاقية، وهـــــو يـــــرى فــــي تـــلـــك الـــكـــلـــمـــات أن الـضـحــك مرتبط بالجهل الـذي لا يبلغ مبلغ الإيــذاء، وأن الـــشـــعـــراء يـضـحـكـونـنـا حــتــى يــحــاكــوا أولئك الجهلاء، ولكنهم «إذا طرقوا موضوع الملحمة أو المأساة عظموا الطغيان وجعلوا رواياتهم حكاية لأعمالهم، فلا أمان لهم في محاكاة الجهل ولا في محاكاة الطغيان». وكــــــان أرســــطــــو أدق مــــن أســـــتـــــاذه فـي تعبيراته وتصنيفاته لأقسام الشعر؛ لأنه وضـــع فـيـهـا مبحثا خــاصــا بــ«المـسـرحـيـات المضحكة» التي تتبع تطورها منذ أن كانت نوعا من الهجاء والأغـانـي الشهوانية إلى أن أصبحت موضوعا للإضحاك والتسلية. وهـــــــو يـــــــرى أن الــــضــــحــــك نـــــــوع مـــــن أنـــــــواع الدمامة أو التشوّه، لكن بدرجة لا تبلغ حد الإيــام. وفي نبذة منسوبة إليه من رسالة ،1899 مـقـطـوعـتـه، طُــبـعـت فـــي بــرلــن سـنـة يؤكد على الدور التطهري للضحك قائلاً: «إن الملهاة تطهر النفس كما تطهرها المأساة؛ لأن النفس المطبوعة على الرحمة أو على حسن الـذوق تجد في المأساة والملهاة مـــنـــصـــرفـــا لمـــــا تـــنـــطـــوي عـــلـــيـــه مـــــن الــعــطــف والشوق إلى الكمال واجتنابه التشويه». ويــــرى الـعـقـاد أن كــا الـفـيـلـسـوفـن قد أخطأ في فهم المأساة والملهاة على أنها نوع من التقليد والمحاكاة؛ لأن «الشعر المسرحي يــعــرض الــفــواجــع بتمثيل أنــــاس يـحـاكـون المـــصـــابـــن بـــهـــا فــــي حـــركـــاتـــهـــم وأقــــوالــــهــــم، وكــــذلــــك يـــفـــعـــل بـــالمـــضـــحـــكـــات والمـــلـــهـــيـــات. ويـــنـــدر بـــن فــاســفــة الـــقـــرون الــوســطــى من نظر إلى الضحك نظرة جدية ورآه يتضمن حـكـمـة تـجـعـلـه جـــديـــرا بـالـبـحـث عــنــه وعــن أسبابه، لانصرافهم إلى البحث في الأصول الـديـنـيـة وأســـــرار مـــا وراء الـطـبـيـعـة. ولـعـل فـاسـفـة الـيـونـان الأقــدمــن كــانــوا عـلـى هـذا الــــرأي، ولــم يبحثوا ولــو بعض البحث في الضحك وأسبابه إلا في طريق بحثهم عن الــتــراجــيــديــا والــكــومــيــديــا مـــع رجـــــوع هــذه فـــي أســـاســـهـــا إلــــى ســيــر الأربـــــــاب وطــقــوس المعابد». ويــرى العقاد أنـه «إذا كنا نعيب على الــثــقــافــة الــقــديــمــة قــلــة الــبــحــث فـــي الـضـحـك وأســــبــــابــــه، فـــــإن الـــثـــقـــافـــة الـــحـــديـــثـــة كــانــت على النقيض، حيث اهتمت بـه على نحو يــكــاد يــكــون مـبـالـغـا فـيـه بـاعـتـبـاره مـؤشـرا على مـــزاج هــذه الأمـــة أو تـلـك، ويكشف عن طــبــيــعــتــهــا بـــاعـــتـــبـــاره مـــكـــونـــا أصــــيــــا مـن مكونات الثقافة العامة، ولا يقل أهمية في ذلـك عن الأدب والـتـراث الشعبي. ومـن أبرز الأمـثـلـة لـذلـك كـتـاب (الــضــحــك) الـــذي صـدر للفيلسوف الفرنسي هـنـري برغسون عام ، والذي تجاوز عدد مراجعه الأربعين 1911 مرجعا ً». ويـــعـــود هــــذا الإفــــــراط فـــي الــكــتــابــة عن الـضـحـك، كما يــرى الـعـقـاد، إلــى سبب مهم يتمثل في نشأة علم الـذوق أو علم الجمال الذي ينظر في الفروق بين الجميل والجليل والمضحك كما تعرضها الفنون الجميلة، لا سيما الأدب المسرحي؛ إذ أصبح البحث عن المضحك والمبكي والحسن والقبيح مقرونا بالبحث فلسفيا عـن المـقـدس والـقـداسـة في شعور الإنسان وممارساته. ويـــرى بـرغـسـون، كما يضيف العقاد، أننا «لا نضحك إذا رأيـنـا إنسانا يتصرف تـصـرف الآلـــة ويقيس الأمـــور قياسا آلـيـا لا محل فيه للتميز المنطقي، ولكننا نضحك فــي الـجـمـاعـة عـامـة ولا نضحك مـنـفـرديـن؛ لأن الــضــحــك تـنـبـيـه اجــتــمــاعــي أو عـقـوبـة اجـــتـــمـــاعـــيـــة لمــــن يـــغـــفـــل عــــن الــــعــــرف المــتــبــع فـــي المــجــلــس أو فـــي المــحــفــل أو فـــي الـهـيـئـة الاجـــتـــمـــاعـــيـــة بــــأســــرهــــا. والـــضـــحـــك عــنــده إنــســانــي بـمـعـانـي الـكـلـمـة، فــا يُــشــاهَــد في غير الإنــســان، ولا يستثيرنا فـي غير عمل إنساني أو عمل نربطه بالإنسان». كما أننا لا نضحك مـن منظر طبيعي أو مــن جـمـاد كـائـنـا مــا كـــان، إلا إذا ربطناه بصورة إنسانية وجعلناه شبيها بإنسان نعرفه أو منسوبا إلى عمل من أعمال الناس، وقـــــد نــضــحــك مــــن قــبــعــة نــــراهــــا، فــــا يــكــون الضحك منها نفسها، بل من الإنسان الذي يلبسها ونتصور هيئته فيها، كما يقول. ومــــــــن شـــــــــروط الأمـــــــــر المــــضــــحــــك عــنــد الــــفــــيــــلــــســــوف بـــــرغـــــســـــون أن يــــحــــصــــل فــي جــمــاعــة أو يــرتــبــط بــالــتــصــرف الـجـمـاعـي، فقلما يضحك الإنــســان على انــفــراد إلا إذا استحضر الـعـاقـة الاجـتـمـاعـيـة فــي ذهـنـه. وقلما ننظر إلى أحد يضحك على انفراد إلا خامرنا الشك فـي عقله، مـا لـم يكن لـه عذر نعلمه! القاهرة: رشا أحمد عباس محمود العقاد الأعمال التي تباع بأسعار خيالية لا تعكس «ذوقاً» أو «تعبيرا فنياً» الفن المعاصر من الجمالية إلى صناعة القيمة لعل من أهم سمات الكتابات النقدية المــــواكــــبــــة لـــتـــحـــولات الــــفــــن المـــعـــاصـــر عـبـر الـــعـــالـــم، تــلــك الـــتـــي تــقــرنــه دومـــــا بمسعى الانزياح الجذري بدلالات كلمة «فن»، على نحو يجعله معاكسا في كثير من الأحيان لـــتـــقـــالـــيـــد الـــتـــشـــكـــيـــل الــــبــــصــــري الـــخـــاضـــع لـلـقـواعـد، فـي الـرسـم والـصـبـاغـة والنحت، ومـنـاهـضـا لـثـقـافـة الـتـحـفـة المــرتــكــزة على مـفـاهـيـم فـلـسـفـيـة، مـتـصـلـة بــــــأذواق نخب محدودة ذات تكوين فني متين. لتنتقل إلى كونها شاملة لـ«أغراض» تجارية متباينة، مــــوجــــهــــة لـــطـــبـــقـــة جـــــديـــــدة مـــــن الأثــــــريــــــاء، منفصلة عن المعايير الجمالية والأكاديمية المـــســـتـــقـــرة، وخـــاضـــعـــة لــــنــــوازع اســتــهــاك المنتج الـفـاخـر، ومــا يتصل بـه مـن رغائب إبــراز الـرفـاه. وهـو الفهم الـذي يبرز للنظر انتقال الفن مـن وضــع «التعبير الثقافي» إلى كونه تمثيلا «لانتماء طبقي». في هذا السياق، يتموضع كتاب «الفن المعاصر، التلاعب والجغرافيا السياسية» - )2025 ، (مـــــنـــــشـــــورات إيــــــــــرول، بـــــاريـــــس Art contemporain, manipulation et - وهو الإصدار الأخير للناقدة géopolitique ومــؤرخــة الـفـن الفرنسية أود دو كـيـروس ، الـتـي اكتسبت شهرتها Aude de Kirros عبر العقود الثلاثة الأخـيـرة بوصفها من أكــبــر الــبــاحــثــات المـــرتـــابـــات فـــي واقــــع الـفـن اليوم، ومن أشد المعترضين على اختراقات الـفـن المعاصر لقواعد التشكيل البصري، ومن أكثر النقاد تشددا في تحليل معايير تـــصـــنـــيـــف الأعــــــمــــــال ومـــنـــحـــهـــا مــــعــــادلات مـــالـــيـــة. هـــي الـــقـــادمـــة إلــــى عـــوالـــم الأروقـــــة والمـــتـــاحـــف ومــــــــزادات الأعــــمــــال الــفــنــيــة من مسار تعليمي تـوزع بين معهد الدراسات الـسـيـاسـيـة، وكـلـيـة الــحــقــوق، ومـحـتـرفـات الحفر (الغرافيك) في باريس، لتنتج أعمالا بنكهة فلسفية لا تخفي تولعها بالسياسة والاقـتـصـاد والسوسيولوجيا، مـن قبيل: «الفن الخفي، المنشقّون عن الفن المعاصر»، – 1983 : و«الـــــســـــنـــــوات الـــــســـــوداء لـــلـــرســـم »، و«قـداسـة الفن المعاصر، الأساقفة 2013 والمفتشون والمــفــوّضــون»، و«خـديـعـة الفن المـــعـــاصـــر، طـــوبـــاويـــة مـــالـــيـــة». إصـــــــدارات جعلت إسهاماتها المكثّفة في الحياة الفنية تتجلى عبر إدراك ناضج لعمق التحوّلات التي شهدها الفن عبر أصقاع الكون. يتناول الكتاب موضوع الفن المعاصر فـــي صـــاتـــه بــمــا يـمـكـن وســـمـــه بــ«صـنـاعـة الــقــيــمــة»، عــبــر تـحـلـيـل نـــقـــدي لـــســـوق الـفـن المــــعــــاصــــر، يـــضـــع تـــحـــت مــجــهــر الاخـــتـــبـــار الــســيــاقــات الـجـيـوسـيـاسـيـة والاقــتــصــاديــة الـعـالمـيـة، مــتــجــاوزا الـتـحـلـيـل المـسـتـنـد إلـى قــراءة وتأويل مرتكزات الخطاب الجمالي الــبــحــت؛ إذ تــنــاقــش أود دو كـــيـــروس تلك المــــرتــــكــــزات بــوصــفــهــا عـــتـــبـــات لمــــا بــعــدهــا، انــطــاقــا مـــن افـــتـــراض نــقــدي يــــرى أن الـفـن المعاصر، خاصة الأعمال التي تباع بأسعار خيالية، لا تعكس في وضعها ذاك «ذوقاً» أو «تعبيرا فنياً» فقط، عبر صور لا تخلو من تطرف، بل إنها غدت، على نحو ظاهر، تتخطى منطلقات الأسـلـوب «المفاهيمي»، الـــــزاهـــــد فــــي أشــــكــــال الــــلــــوحــــة والمـــنـــحـــوتـــة المأثورتين، لتتحول إلى أداة نافذة شديدة التأثير في أيدي النخب والمؤسسات المالية والـــجـــهـــات الــحــكــومــيــة، تــوظــفــهــا بـحـرص ووفــــق شــــروط مــعــقــدة لــخــدمــة مصالحها الـــخـــاصـــة. وبــتــعــبــيــر الـــبـــاحـــثـــة فــــي إحــــدى فـقـرات الـكـتـاب: «لـقـد تـوقّــف الـفـن المعاصر عن أن يكون مجرد مفهوم صرف، محصور تــــداولــــه فـــي دائــــــرة صــغــيــرة مـــن (الـــســـعــداء المـعـدوديـن) الـذيـن يـتـغـذّون على غموضه. وأصـبـح فنّا (جامعا لكل شـــيء)، يضم كل المفاهيم: الفن، والمـوضـة، والتصميم، وما .)16 سوى ذلك» (ص فصول، ومقدمة، 4 يمتد الكتاب على 350 وخــــاصــــات، وفــــهــــارس، فـــي أزيــــد مـــن صفحة، تتخذ العناوين الفرعية التالية: «فــــنــــون فــــي زمــــــن الـــــحـــــرب» وهــــــو الــفــصــل الأول المـشـتـمـل عــلــى مـبـحـثـن، تــــدرس في الأول «الــبــدايــات الـطـوبـاويـة للفن العالمي »، وتعالج فـي الثاني 1991 - 1917 مـا بـن «التحوّل ذو الطابع الهيمني للفن ما بين »، وتخصص الفصل الثاني: 2000 - 1990 »2020 -2000 لـ«الحقبة العالمية في عقدي وتـتـنـاول فـيـه عـبـر مبحثين قـضـايـا: «أوج الـــنـــمـــوذج الــهــيــمــنــي»، ثـــم «بــــــزوغ الـعـصـر متعدد الأقطاب»، وتتناول في فصل ثالث: «خرائطية الفن المعاصر: من الهيمنة إلى الــتــنــافــس»، وفــــي الــفــصــل الـــرابـــع والأخــيــر الموسوم بـ«قوى جديدة وتقنيات جديدة: ثــــورة الــفــن عــالمــيــا»، تــخــوض فـــي تـحـولات الـــعـــقـــود الـــفـــنـــيـــة الأخـــــيـــــرة عـــبـــر مــبــحــثــن، أولـــهـــمـــا عــــن: «آخـــــر حـــــروب الـــفـــن، ســنــوات »، والـــثـــانـــي عـــن «الـــتـــحـــولات 2020–2010 .»2024–2020 النسقية للفن المعاصر ما بين والـحـق أن التحليل الـنـقـدي فـي هذا الكتاب، الــذي لا يخلو مـن نبرة سجالية مـلـحـوظـة، يــذهــب فـــي مـجـمـلـه إلـــى تبني نـظـرة تـاريـخـيـة محكومة ببنية الـصـراع السياسي - الاقتصادي، حيث يوَظَّف الفن المـــعـــاصـــر، مـــن جــهــة، مـــن حــيــث هـــو نـتـاج لقضايا العنصرية والعولمة وتغير المناخ والــتــحــول الــجــنــســي... ومـــن جـهـة ثـانـيـة، بــوصــفــه حـصـيـلـة لـلـتـحـكـم المــؤســســاتــي، وهــو مـا يـبـرر الانـتـشـار الـسـريـع لتيارات الــــفــــن المـــعـــاصـــر المـــتـــفـــاقـــمـــة عـــبـــر الـــعـــالـــم، وسعيها لإخـضـاع مـا سـواهـا. ولا غرابة بــعــد ذلــــك أن لا تـــالـــو الــبــاحــثــة جـــهـــدا في إبـراز أن عالما يفيض بالصور والعروض والاحــــتــــفــــالات الــفــنــيــة، الـــتـــي روّجــــــت لها إقـــامـــات فـنـيـة وأروقــــــة ومــتــاحــف شهيرة عــبــر الــعــالــم مـــن نـــيـــويـــورك إلــــى سـيـدنـي، ومــــن لـــنـــدن إلــــى بـــاريـــس ومــــن داكــــــار إلــى دبي،... أصبح معها الفن المعاصر المدعوم مؤسساتيا والمسنود مالياً، عبر سياسات حكومية شتى، الأكثر حضوراً، على نحو يغمر المشهد بشكل شبه كلي، حيث بات يـشـكـل واجـــهـــة بـــراقـــة تـحـجـب خـلـفـهـا ما تبقى من تجارب فنية أخرى. وغير عصي عن البيان أن هذا الوهج المتصل لا يكشف حقيقة الـفـن، بـل يخلق واجــهــة مكتفية بــذاتــهــا، بـحـيـث يــبــدو كل مــــا يـــقـــع خــــــارج دائـــــــرة الــــضــــوء كـــأنـــه غـيـر موجود أصلاً. وشيئا فشيئا تنزلق أعمال اسـتـثـنـائـيـة كـثـيـرة مـــن داخــــل هـــذا المشهد المزدحم إلى منطقة العتمة، لا لأنها تعجز عن التأثير، بل لكونها تفتقد لمجال يسمح لها بالتجلي. ومع مرور الوقت، لا تتوارى هذا التجارب إلى الخلفية فحسب، بل تُدفَع إلـــى حــالــة مـــن الانــمــحــاء تـجـعـل وجــودهــا نفسه موضوعا للشك، ويحتاج من يشتغل عليها إلى إثبات أنها ما تزال حية. ولا يــــنــــفــــصــــل الــــــــــــــــدور الــــتــــحــــكــــمــــي لــلــمــؤســســات الـفـنـيـة الــكــبــرى مـــن إقـــامـــات وأروقـــــــة ومـــتـــاحـــف، الـــتـــي تــســلــط أود دو كـــــيـــــروس عـــلـــيـــهـــا الــــــضــــــوء، عـــــن وظــــائــــف المُـــمـــوِّلـــن الــــخــــواص، وبـــعـــض الـحـكـومـات في تشكيل الــذوق الـعـام، والتلاعب بقيمة الأعـــمـــال الـفـنـيـة، مــا يُــرســخ هيمنة المـركـز الـــغـــربـــي عــلــى المــشــهــد الــفــنــي الـــعـــالمـــي من جهة، ولا يترك لمفاهيم من قبيل «الجمهور الفني» و«جامعي الأعمال الفنية» و«تلقي المــــــعــــــارض»، دلالات واضـــــحـــــة، خــــــارج مـا تكسبها إياه تلك المؤسسات والسياسيات المتصلة بها، بحيث يتجلى الأمر كما تبرزه الباحثة فـي أكـثـر مـن مـوضـع فـي الكتاب، مـن حيث هـو «صناعة» لاعبين كـبـار، لهم قدم في الواجهة البراقة لأعمال «التركيب الـــفـــنـــي» و«الـــــهـــــوت كـــوتـــيـــر» و«تـــصـــامـــيـــم المـــجـــوهـــرات» و«أعـــمـــال الـــديـــكـــور»... وقــدم فــــي الــخــلــفــيــة المـــعـــتـــمـــة لـــلـــمـــال ورهـــانـــاتـــه ومضارباته ومآزقه. ولا جـــرم بـعـد ذلـــك أن تـكـون «صناعة الـقـيـمـة» تعريفا مـهـذبـا لمــا يمكن أن يكون عليه «الـتـاعـب بسوق الـتـحـف»، وسرعان مــا تـكـشـف الـبـاحـثـة الــفــرنـسـة، الــتــي تعلن عــــن نــفــســهــا كـــأحـــد أصـــــــوات مـــقـــاومـــة هـــذا الـــدور التحكمي، عـن آلـيـات الـتـاعـب التي تُمارس في هـذا القطاع، من خـال وسطاء يـجـعـلـون الـقـيـمـة تــبــدو غـيـر طـبـيـعـيـة، بل «مُؤمَّنة» من خلال شبكة مغلقة، يتم فيها تحديد الأسعار وتضخيمها، عبر تكتلات من جامعي التحف والمستشارين وصالات المزادات الكبرى، ما يخلق نوعا من التداول )؛ إنــهــا شبكة délit d’initiés( مــن الـــداخـــل الـوسـطـاء نفسها الـتـي تنتهي إلـــى قولبة «الـــعـــمـــل الـــفـــنـــي» وأصـــحـــابـــه، بــاعــتــبــارهــم «منتجات» يتم الترويج لهم، وفقا لمنطق الـسـوق، بــدلا من الـجـدارة الفنية. ما دامت أعمال الفن المعاصر لم تعد تقيَّم، بناء على معايير جمالية أو فنية، بل أصبحت تدار باعتبارها منتجا ماليا مشتقاً، داخل سوق يمكن وسمها حسب الباحثة بـ«يوتوبيا ) تُــنــتــج قيمة Utopie financière( » مــالــيــة لأشياء قد لا تمتلكها في الأصل. شرف الدين ماجدولين المؤرخة أود دو كيروس يتبنى الكتاب في مجمله نظرة تاريخية محكومة ببنية الصراع السياسي ــ الاقتصادي تاريخ العرب في الأندلس من منظور إنساني فــــي روايـــــتـــــه الــــجــــديــــدة «ولا غـــالـــب» الــــــــصــــــــادرة أخــــــيــــــرا عــــــن دار «الـــــــشـــــــروق» بـــالـــقـــاهـــرة، يـــقـــدم الـــكـــاتـــب الـــكـــويـــتـــي عـبـد الــوهــاب الـحـمـادي معالجة فنية ودرامـيـة جـــديـــدة لـــتـــاريـــخ الـــعـــرب فـــي الأنــــدلــــس من منظور إنساني يعلي مـن قيمة التسامح وقبول الآخر ويستنكر منطق الإقصاء بين الشرق والغرب. عــــلــــى تــــــــال غـــــرنـــــاطـــــة تـــلـــتـــقـــي أربــــــع شـخـصـيـات مــعــاصــرة تـــطـــاردهـــا أزمــاتــهــا الشخصية فـي زمـانـنـا الـحـالـي وقــد دلفت عــبــر «بــــوابــــة الــــزمــــن» لـتـسـتـيـقـظ فــــي عــام عشية سـقـوط المـديـنـة حيث وجــدوا 1492 أنــفــســهــم أمــــــام مــهــمــة إنــــقــــاذ غـــرنـــاطـــة مـن مـصـيـرهـا المـحـتـوم كـآخـر قـــاع الــعــرب في بـاد الأنـدلـس. تمنح الـروايـة الشخصيات أحـــد خــيــاريــن: تـغـيـيـر مــجــرى الــتــاريــخ أو أن يـصـبـحـوا ضـحـايـاه الـــجـــدد، لـكـن كيف لأربـــــعـــــة غـــــربـــــاء يـــحـــمـــل كـــــل مـــنـــهـــم نـــــدوب صدمته الـخـاصـة أن يـغـيـروا مصير الأمـة الأندلسية؟ وسـبـق أن صــدر للمؤلف عــدة أعمال منها «سنة القطط السمان» التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة كتارا للرواية الــــعــــربــــيــــة، كـــمـــا صــــــدر لـــــه كــــتــــاب «دروب أندلسية» في أدب الرحلات. من أجواء الرواية نقرأ: عــــلــــى تـــــل أخـــــضـــــر أمــــــامــــــي، اســــتــــوى قــصــر الـــحـــمـــراء مــثــل شــيــخ شـــاحـــب مـمـدد عـلـى ســريــر مـسـتـشـفـى، لــم يـقـتـص المــرض مــن وســامــة تــالــدة. لطخت الـشـمـس الآفـلـة غــــيــــومــــا، تــلــتــحــف ســــمــــاء غــــرنــــاطــــة بــلــون النارنج. نظرت إلى الساعة في معصمي، قـاربـت السابعة أعـــدت لـف الـشـال المغمور بعطرها حــول رقبتي أحميها مـن صقيع نهايات ديسمبر فغمرتني رائحة الليمون. أغــــمــــدت كـــفـــي فــــي جـــيـــبـــي، ضــحــكــة شــبــان ورائي ونغمات عازف غيتار يصدح بغناء إسـبـانـي مـكـلـوم. جـمـيـع الأعــــن وفـرقـعـات آلات الـتـصـويـر تــحــاول أن تقتنص جمال الشيخ على سريره الأخضر، لولا الحمراء لمـــا أمــســى لــهــذا المـــكـــان مـعـنـى لـهـم ولـــولاك ياصاحبة العطر، لمـا كــان للحمراء معنى لي. فهمت الآن لمـــاذا كنت يــاغــادة تحبين هذه المدينة الواقعة خارج خريطة السياحة الـــعـــربـــيـــة غــــرنــــاطــــة، ولمــــــــاذا كـــنـــت تــقــرئــن قـــبـــل الــــنــــوم كــتــبــا مــــصــــورة عــــن الأنـــدلـــس أو تــنــصــتــن لــــبــــرامــــج إذاعـــــيـــــة تــاريــخــيــة وتـتـنـهـديـن فـــي أواخـــــر أبـــيـــات الــشــعــر، أو ترهفين لوديع الصافي وفيروز يتناجيان موشحاً، غصة في قلبي لن تزول لفتوري عن تحقيق رغبتك في زيارة هذا المعلم. تـغـافـلـت أن الـــقـــدر قـــد يـسـلـب مـنـا من نــحــب وقــــد يـسـلـبـنـا أنــفــســنــا. كــنــت أؤجـــل وكــنــت تــرضــن بـــأعـــذار انــشــغــالــي: عــيــادة مــكــتــظــة، ســـعـــال مــــرضــــي، حــــــالات طـــارئـــة تنزف، خفارات ليلية مرهقة، نحيب أطفال، إعــداد أوراق مؤتمرات طبية، بل وتجدين أعذارا تقنعك أو هكذا كنت تتظاهرين لأنك تدركين أن التاريخ لا محل له في تلافيف دمـاغـي.أحـب تنفس عطر الليمون عندما تـــدنـــن مــنــي وتـلـقـبـيـنـي هــامــســة بـصـانـع المعجزات، صانع المعجزات الذي رحلت يا غـادة بين يديه، أغمضت عينيك إلـى الأبد دون أن يقدر على فعل أي شيء». القاهرة: «الشرق الأوسط» النص الكامل على الموقع الإلكتروني

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky