issue17176

فــــي الـــثـــاثـــن مــــن شـــهـــر نـــوفـــمـــبـــر (تـــشـــريـــن ، في زيارة تاريخية استقبل «لبنان 2025 ) الثاني الرسالة»، كما وصفها قداسة البابا يوحنا بولس الــثــانــي، قــداســة الـحـبـر الأعــظــم الــــذي نـــذر الـفـقـر، البابا ليو الرابع عشر. منذ تولّي منصبه البابوي في مايو (أيــار) ، وفــــي أول زيــــــارة حـــبـــريّـــة رســمــيــة خـــارج 2025 أوروبــــــــا، وجّـــــه الـــبـــابـــا وجـــهـــه شــطــر لـــبـــنـــان، بلد الـتـنـوّع الثقافي والــروحــي والـتـعـدّديـة الطائفية والتآخي والتلاقي والانفتاح والـسـام، بلد على مفترق طـرق يتخبّط بين أزمـة وأخــرى، سياسية واجـــتـــمـــاعـــيـــة واقـــتـــصـــاديـــة ومــــالــــيــــة... وأهــمــهــا تهديدية من قِبَل العدو الإسرائيلي. إن هـــذه الـــزيـــارة أكــثــر مــن زيــــارة رعـــويّـــة، إذ تُعد لفتة بالغة الأهمية تجاه شعب صامد، رغم كـل الـصـعـاب الـتـي يـمـر بها بـلـدنـا، وتـذكـيـرا بأن الـــســـام لــيــس قـيـمـة روحـــيـــة فـــقـــط، بـــل هـــو أيـضـا مـحـفّــز حـقـيـقـي لـانـتـعـاش الاقـــتـــصـــادي، وإعــــادة البناء الاجتماعي، وإعـــادة الثقة بين شعبه أولا وثـــقـــة دول الـــعـــالـــم بـــه ثـــانـــيـــا. لـــــذا، تـكـتـسـب هــذه الـزيـارة بُعدا رمزيا واستراتيجيا حيث إن قدوم الـــبـــابـــا إلــــى لــبــنــان بــمــثــابــة دعـــــوة قـــويـــة لـلـسـام والاســتــقــرار والمـسـؤولـيـة الجماعية. ففي كلمته بالقصر الجمهوري في بعبدا، شـدّد البابا على أن بإمكان لبنان، «بلد الأرز»، أن يطوّر مجتمعا مدنيا نابضا بالحياة قائلا للبنانيين بما معناه «التزموا بالسلام والحفاظ على الحياة»، مشيدا بالذين يخدمون السلام بصمت... علينا ضمان ألا يشعر الـشـبـاب بأنهم مـجـبـرون على مـغـادرة وطنهم، وذلك بصناعة السلام في بلدهم وتشكيل رسالة إنسانية إلى العالم. كما تحمل هذه الزيارة بُعدا اقتصاديا مهما إذ تساهم فـي إعـــادة تسليط الـضـوء على لبنان بوصفه وجهة آمنة ومنفتحة أمــام المستثمرين وإقامة المشاريع الإنتاجية، وتعزيز ثقة المجتمع الـــــدولـــــي بــــقــــدرتــــه عـــلـــى الــــنــــهــــوض والاســــتــــقــــرار والازدهــار. فهل ستكون زيـارة البابا بارقة رجاء للبنان واقتصاده، البلد الذي شَهِد انهيارا نقديا وهـــجـــرة شــبــابــيــة مـــدفـــوعـــة بـــعـــوامـــل اقــتــصــاديــة وسياسية واجتماعية؟ لــزيــارة الـبـابـا إلـــى لـبـنـان تـأثـيـرات إيجابية حـالـيـا ومـسـتـقـبـا فــي نــــواح مختلفة مــن أهمها التوقعات الاقتصادية التي يعوّل عليها القطاع الـسـيـاحـي والمــرتــبــطــة بـــه. فـمـنـذ الـلـحـظـة الأولـــى الــتــي حــطّــت فـيـهـا الــطــائــرة الــبــابــويــة عـلـى أرض مطار رفيق الحريري الـدولـي ومـا قبلها، ظهرت زيــــادة تـدريـجـيـة فــي أعــــداد الــوافــديــن مــن زائـريـن وصحافيين لبنانيين وأجانب، الأمر الذي يعتبر تطورا إيجابيا في حركة القطاع السياحي، ومن المــتــوقــع أن تـمـتـد هـــذه الـــزيـــادة إلـــى فــتــرة أعـيـاد المـــيـــاد ورأس الـــســـنـــة، وتـــشـــكّـــل عـــامـــا إضــافــيــا لتنشيط حركة السفر والإقامات. وأوضح رئيس المــطــار، إبــراهــيــم أبـــو عـلـيـوة، أن نسبة الـوافـديـن في المائة. 186 ارتفعت هذا العام بنسبة وفـــــي مـــــــــوازاة حــــركــــة المـــــطـــــار، أشـــــــار رئــيــس الـنـقـابـات الـسـيـاحـيـة ونـقـيـب أصــحــاب الـفـنـادق، بـيـار الأشــقــر، إلــى أن نسب التشغيل فـي القطاع 80 و 60 الفندقي في بيروت سجّلت ارتفاعا ما بين في المائة، أما في المناطق خارج العاصمة بيروت في المائة. 50 و 35 فتراوحت بين إن مبادرة البابا زيارة لبنان انعكست إيجابا عــلــى الـــوضـــع الاقـــتـــصـــادي، فـــي وقــــت لــبــنــان فيه بأمس الحاجة إلـى كل مـبـادرة تعيد الحياة إلى شرايينه، فالقطاع الاقتصادي يعاني من تباطُؤ بسبب التطوّرات الإقليمية والداخلية، أعطت هذه الزيارة بارقة أمل لفتح مجال جديد من التعاون والـدعـم وتشجيع الاستثمارات وتعزيز التنمية المستدامة التي هذا البلد بأمس الحاجة إليها. وتـــــوجّـــــه الـــبـــابـــا إلـــــى الـــشـــبـــاب فــــي الـــصـــرح الـــبـــطـــريـــركـــي، والمــــرضــــى فــــي بـــيـــت راهــــبــــات ديـــر الصليب، وإلــى أهـالـي شـهـداء مرفأ بـيـروت، بكل خــشــوع ومــحــبــة، مـــؤكـــدا الاهــتــمــام بـهـم فـــي قلبه وعقله. نــأمــل أن تــكــون زيــــارة الـبـابـا إلـــى هـــذا البلد «الــصــغــيــر بـمـسـاحـتـه والــكــبــيــر بـــرســـالـــتـــه»، كما وصــــفــــه فـــخـــامـــة رئــــيــــس الــــبــــاد جــــوزيــــف عــــون، ميمونة وتــأتــي بـالـخـيـر، لـيـعـم الــســام والــوئــام، وتعيد لبنان إلـى الـذاكـرة والخريطة العالمية من جـديـد، ليستعيد «عـصـره الـذهـبـي» و«سـويـسـرا الـــــشـــــرق» مــــدعــــومــــا بـــقـــطـــاع مـــصـــرفـــي ذي ثـــقـــة، ليرتفع ويــرقــى بقطاعاته الإنـتـاجـيـة والـزراعـيـة والصناعية والاستثمارية، وينعم هذا البلد الذي ضاق ذرعا بوضعه الراهن بازدهار ورخاء. فمتى سيكون ذلك؟! Issue 17176 - العدد Sunday - 2025/12/7 الأحد كــان فـي أجـــواء مجلس العموم الأربـعـاء المـــاضـــي، يــــوم المــســـاءلــة الأســبــوعــيــة لـرئـيـس الـحـكـومـة، مــا يشبه شحنة كهربائية خفية توحي أن شيئا ما على وشك الاحتراق. كيمي بيدنوك، زعيمة المعارضة المحافظة، في أداء قـــوي، وجـهـت سـهـامـهـا لـرئـيـس الـــــوزراء كير ستارمر، ووزيرة ماليته رايتشل ريفز. اتهمت الــوزيــرة «بغياب الـكـفـاءة»، وبتعمد تضليل الأمــــة بــاخــتــراع فــجــوة مـالـيـة وهـمـيـة لتبرير فرض الضرائب، وتحويل رئيس هيئة الرقابة المالية المستقلة «لدرع بشرية». بــوصــفــهــا 2010 الـــهـــيـــئـــة أُنـــشـــئـــت عــــــام رقيبا محايدا على الخزانة وإعـداد الميزانية، بسبب الحاجة لمنع الــــوزراء مـن التعامل مع أرقـــام المـالـيـة الـعـامـة كما يتعامل المـقـامـرون، وتكون عينا يقظة تحرس قواعد الانضباط المالي وتكشف الخدع الحسابية قبل أن تضر باقتصاد البلاد. وبالتالي، كانت مهمة رئيس الهيئة، ريـتـشـارد هـيـوز، مـراجـعـة التوقعات وإبلاغ الخزانة بالحقيقة. غير أن الحقيقة صـارت عبئا سياسيا عــلــى ريـــفـــز. وفــــي الـلـحـظـة الــتــي تـعـارضـت فيها حسابات الحقائق الباردة مع الرواية الساخنة الـتـي اخترعتها الـــوزيـــرة، تحول هــــيــــوز إلــــــى كـــبـــش فــــــــداء. اســـتـــقـــالـــة هــيــوز الاثـــنـــن، كــانــت طــــوق نــجــاة مــؤقــت لـريـفـز، فهو لم يضلل أحداً؛ بل لغلطة تقنية بنشر 40 الـهـيـئـة تـقـريـر المــيــزانــيــة عـلـى مـوقـعـهـا دقيقة قبل إعلان بيان الموازنة في البرلمان. خــطــأ إجــــرائــــي، لــكــن ريـــفـــز ومــســتــشــاروهــا يلوحون إلى أن الخطأ يربك الأسـواق، لكن الأسـواق ارتبكت بسبب ما صدر عن ريفز، لا بـسـبـب تــقــريــر نُـــشـــر بــالــخــطــأ. اسـتـقـالـة هيوز استثنته من المثول أمام لجنة المالية الــبــرلمــانــيــة، مــمــا أنـــقـــذ الــــوزيــــرة مــؤقــتــا من تحمل عواقب روايتها. الــتــواريــخ تـنـاقـض ســرديــة الـحـكـومـة. سبتمبر (أيـــلـــول) المـــاضـــي، أبلغت 17 فـــي الهيئة الخزانة بتقلص العجز الذي زعمت مــلــيــار جــنــيــه، إلــــى نحو 26 الــحــكــومــة أنــــه أكتوبر 31 مليارين ونصف مليار جنيه. في (تـــشـــريـــن الأول) المــــاضــــي، عـــدلـــت الـهـيـئـة مليارات 4 التقرير إلى وجود فائض يفوق جنيه في دفتر الحساب، مما يقوض أسس تحذيرات الوزيرة. بعد أربـعـة أيـــام مـن معرفتها بحقيقة الأرقام استدعت ريفز، المراسلين إلى مؤتمر في الصباح الباكر لتهدد البلاد بإجراءات تـقـشـفـيـة وضـــرائـــب جـــديـــدة، مـــكـــررة ادعــــاء هاوية غير موجودة إلا في خطابها. عادة لـــو حــــدث هــــذا فـــي شـــركـــة خـــاصـــة، لفتحت الــجــهــات الــرقــابــيــة تـحـقـيـقـا. فــــالأســــواق لا تحب الدراما، والحديث العلني عن العجز (الـــوهـــمـــي) يــهــز الـــثـــقـــة، ولــــم يــخــفــض بنك إنـجـلـتـرا أســعــار الــفــائــدة، وتـأجـلـت قـــرارات الاسـتـثـمـار ودفـعـت الأســـر والـشـركـات ثمن القلق من أزمة مختلقة. زعـيـمـة المـعـارضـة هـاجـمـت ريـفـز بقوة فـــي الـــبـــرلمـــان: «لمـــــاذا نــصــدق امــــــرأة، ليست عديمة الكفاءة فحسب؛ بل زيفت سيرتها الذاتية، وضخّمت المناصب التي شغلتها، وارتــــكــــبــــت الــــســــرقــــات الأدبـــــــيـــــــة؟». وكـــانـــت «فاينانشال تايمز» كشفت أن كتاب «النساء اللاتي صنعن الاقتصادات الحديثة»، الذي نشرته ريفز عندما كانت وزيرة مالية الظل ، امتلأ بسرقات من مؤلفين آخرين. 2023 في بـيـدنـوك رفـعـت حـــدة الـنـقـد الـسـيـاسـي يـوم الأربـعـاء، إلـى هجوم شامل على شخصية ريفز، وعلى تكامل نزاهتها: «عجز الميزانية فبركته الوزيرة، وكتابها مزيف، وسيرتها الذاتية مزيفة، وادعاؤها بإجادة الشطرنج مـــفـــبـــرك. إنـــهـــا تـنـتـمـي إلــــى عـــالـــم الـتـزيـيـف والفبركة، لا المالية». الـــــســـــؤال الـــــــذي يــــــــردده الـــصـــحـــافـــيـــون والمـعـلـقـون: مـتـى يصبح الـتـاعـب بالسرد المالي والشخصي، الذي يؤثر على الأسواق وعـــلـــى ســـلـــوك المــســتــثــمــر، مــســألــة تـتـجـاوز الـسـيـاسـة إلـــى عـالـم المـخـالـفـات الجنائية؟ وهـل يحق لمسؤول في «المالية» أن يعرض أرقـامـا يعلم أنها مخالفة للحقيقة، بينما يرفع شعار الشفافية؟ المدافعون عن ريفز يكررون أن إقصاءها ســــيــــزعــــزع الــــحــــكــــومــــة، وكــــــــأن الـــــبـــــاد تـنـعـم بالاستقرار حالياً! الواقع أن الضرر الحقيقي لـيـس فـــي أرقـــــام المــــوازنــــة؛ بـــل فـــي الـثـقـة الـتـي تآكلت. لقد أصبح الـدفـاع عن الـوزيـرة دفاعا عـــن روايــــــة لـــم تــعــد قــابــلــة لـــاســـتـــمـــرار، وعــن حكومة تجد نفسها رهينة صراعات داخلية، تخشى فيها زعامات العمال أن يكون سقوط ريفز شرارة لسقوط أكبر. الـسـبـب أن سـتـارمـر، الـــذي بـنـى صـورتـه عـــلـــى وعــــــد بــــالــــنــــزاهــــة، تــــــــورط فـــــي الـــــروايـــــة «المــــزيــــفــــة». لـــم يــكــن مـــجـــرد مـــتـــفـــرج؛ بـــل كــرر التحذيرات وتـرديـد الأرقـــام التي اتضح أنها «مـفـبـركـة»؛ فــإن سقطت ريـفـز، لـن يتمكن من الـــهـــروب مـــن دخـــــان الـــحـــريـــق؛ فـالـحـبـل الـــذي يـربـط مصيريهما واحــــد، وإذا انـقـطـع بفعل الحقائق، فسيسقط الاثنان معاً. لـــقـــد حـــفـــرت ريـــفـــز حــــفــــرة، لا فــــي مـالـيـة الدولة؛ بل تحت مكتبها. وما يظهر الآن ليس عجزا مالياً؛ بل عجز في الأمـانـة السياسية. كانت تنوى إنقاذ نظام العمال، فإذا بها تهز أركانه. والمفارقة أن الوزيرة التي أرادت إحكام السيطرة على الـبـاد بالضرائب، قـد تُصبح نفسها ضريبة نهاية هذه المرحلة السياسية. الـــــذي جــــاء تحت 2025 مــنــتــدى «مـــســـك» الـــعـــالمـــي شعار «بـإبـداع الشباب»، وبرعاية مؤسسة محمد بن سلمان «مسك»، كان هذا العام مختلفا واستثنائياً، لا ألف مشارك 30 من حيث عدد المشاركين الذي بلغ نحو دولـة، ولا من حيث تنوع الورش 80 متحدث من 300 و ورشــة وجلسة حــواريــة. هذا 150 التي بلغت أكثر مـن الــحــراك الشبابي الحقيقي فـي مدينة «مـسـك» يكشف عـــن مــامــح الـــــدور الــســعــودي الــجــديــد فـــي عــالــم يـمـوج بـالـتـحـولات السريعة والـتـحـديـات غير المـسـبـوقـة. وأن الشباب لم يعودوا مجرد محور للنقاش، بل أصبحوا شركاء حقيقيين في صياغة رؤيـة أوسـع لـدور المملكة في النظام الدولي المقبل. ،2016 فمنذ انــطــاق مـنـتـدى «مــســك» الـعـالمـي فــي ، تبلور دوره 2025 ووصـــولا إلــى نسخته الأخـيـرة فـي كمنصة تنموية لتعزيز الحوار وتبادل الأفكار، وتمكين الشباب لصناعة تغيير إيجابي. وهنا تعيد الرياض من خلال منتدى «مسك» العالمي بناء أحد أهم عناصر قــوتــهــا الــحــديــثــة، وهــــي الـــقـــوة الــنــاعــمــة الــقــائــمــة على الـشـبـاب والمــعــرفــة والابـــتـــكـــار. فـبـعـد عـشـر ســنــوات من النجاحات المتواصلة تشكَّل لدى المنتدى تراكم معرفي واســتــراتــيــجــي جـعـلـه جــــزءا مـــن أدوات الـدبـلـومـاسـيـة الـسـعـوديـة، عـبـر قـــوة الأفـــكـــار، والاسـتـثـمـار فــي الجيل الـــجـــديـــد، وصـــيـــاغـــة صــــــورة المــمــلــكــة دولــــيــــا، وتــعــزيــز اقتصاد معرفي متنوع. ومــن هنا يمكن فهم المـحـاور التي تجعل المنتدى عنصرا فاعلا في تعزيز الحضور الدولي للسعودية وتوسيع دبلوماسيتها الحديثة. فالمنتدى أصبح منصة تساعد المملكة على توسيع حضورها عبر إنتاج خطاب عالمي جديد حول الابتكار والمعرفة والتنمية البشرية، وبناء تأثير هادئ، متوازن، غير صـدامـي يعيد تقديم الـسـعـوديـة للعالم كنموذج يُستفاد منه. فمن خلال جلسات وحوارات حول الذكاء الاصطناعي والمبادرات الشبابية والشراكات الدولية، تتحول الــريــاض إلــى محطة لصناعة المـعـرفـة. وهكذا يصبح المـنـتـدى قــوة معرفية تبني روابـــط وتحالفات تتشكل مــع الـــوقـــت، وتـسـبـق فــي أثــرهــا الـدبـلـومـاسـيـة الرسمية، مما يمنح المملكة تأثيرا أطــول مـدى مـن أي بيان سياسي عابر. ونــعــود ونــقــول إن مــصــدر هـــذه الــقــوة هــو الجيل الجديد من الشباب. فمن خلال المنتدى يتعزز الحضور الدولي للسعودية عبر ما يمكن تسميتها «دبلوماسية الجيل الـجـديـد». فحسب الإحــصــاءات العالمية؛ العالم اليوم يعيش أكبر كتلة شبابية في تاريخه، حيث يضم مليار شاب، أغلبهم في الدول النامية، مع 1.2 أكثر من . وبالتالي يصبح 2030 تـوقـع زيـــادة نسبتهم بحلول الاستثمار في الشباب في وقت مبكر عبر منصات دولية مثل منتدى «مسك» العالمي، رافدا ورصيدا دبلوماسيا لـلـمـمـلـكـة. فـالـشـبـاب المـــشـــاركـــون مـــن دول مختلفة في مــــبــــادرات «مـــســـك» ســــوف يـــعـــودون إلــــى بــلــدانــهــم وقــد خـلـقـوا روابـــــط مـهـنـيـة وثـقـافـيـة مـــع الــســعــوديــة. وهـــذا سوف يؤدي مع الوقت إلى توسيع شبكة العلاقات غير الرسمية، ويتشكل ما يشبه «جيلا عالمياً» على صلة مبكرة بالمملكة، من المرجح أن يصل جزء كبير منه إلى مواقع القرار في العقود المقبلة، وهو تأثير لا تصنعه البيانات الدبلوماسية بل التجارب الإنسانية المباشرة. وهــنــاك تــجــارب دولــيــة أثـبـتـت عـمـق هـــذا الـتـأثـيـر؛ على سبيل المثال برنامج «فولبرايت» الأميركي الذي أُطلق ألف 400 . خــرج مـن هــذا الـبـرنـامـج أكـثـر مـن 1946 عــام مشارك، كثير منهم أصبحوا إما رؤساء دول وإما وزراء خارجية أو مسؤولين حكوميين، وأصبح لديهم ارتباط بـالـنـمـوذج الأمـيـركـي لـسـنـوات طـويـلـة. والــشــيء نفسه ينطبق على مِنَح مثل «تشيفنينغ» البريطانية وبرامج » اليابانية وغيرها. وأنا شخصيا قبل سنوات JICA« عـــدة كـانـت لــي تـجـربـه مـمـاثـلـة عـبـر بـرنـامـج الباحثين Young Sinologists« الـشـبـاب فـي الــدراســات الصينية »، الـــذي منحني فـرصـة الاحـتـكـاك Research Program المباشر بالثقافة الصينية ومراكزها البحثية، وبناء عـاقـات مهنية وإنـسـانـيـة مـا زلــت على تـواصـل معها حتى الـيـوم. وبالتالي فهذه الـتـجـارب تثبت أن الــدول التي تستثمر مبكرا فـي الشباب تبني نـفـوذا وتأثيرا هادئا يصعب كسره. وهـذا بالضبط ما يفعله منتدى «مسك» العالمي؛ يصنع تجربة إيجابية تربط الشباب عالميا بالمملكة، ويخلق علاقات تمتد لعقود، ويؤسس شبكة دعم مستقبلية للدبلوماسية السعودية... المسار نفسه الـــذي بنت عليه كـبـرى الـقـوى الـدولـيـة نفوذها، ولكن بنكهة سعودية حديثة ورؤية أكثر عالمية. ومــــــن الـــقـــصـــص الـــطـــريـــفـــة الــــتــــي رواهــــــــا لــــي أحـــد الدبلوماسيين العرب عن حفل رسمي في لندن، يقول: دخـــــل ســفــيــر إحــــــدى الـــــــدول الـــعـــربـــيـــة فــــي لـــنـــدن ومــعــه موظف شـاب يرتدي ربطة عنق بـدت غريبة، إلـى حفل الاســتــقــبــال الـــرســـمـــي. لـــم يـلـتـفـت الــحــضــور كــثــيــرا إلــى السفير نفسه بقدر التفاتهم إلـى الموظف الصغير ذي ربـطـة الـعـنـق. فما إن تـقـدم الـشـاب خـطـوة حتى بــادره كبار المسؤولين البريطانيين بـاحـتـرام وحـفـاوة لافتة، وكان السّر يتلخص في ربطة العنق، فلم يكن السّر في شكلها، بل في معناها، فقد كانت ربطة خريجي إيتون، المـدرسـة التي تُــخـرِّج نخبة بريطانيا وصـنـاع قـرارهـا. رمز صغير لكنه يفتح أبوابا واسعة في مجتمع يعرف قيمة تلك الإشارة. وهذا ما يفعله المنتدى اليوم؛ يبني جيلا وشبكة عالمية من القادة الجدد، يحملون رموزه الخاصة، وتربطهم بالمملكة علاقة لا تُشترى بل تُبنى عبر الزمن. وهـــــذا كـــلـــه؛ أي الـــقـــوة الــنــاعــمــة الـــجـــديـــدة، ســوف تــنــعــكــس بــــا شــــك عـــلـــى الــــصــــورة الـــدولـــيـــة الـحـقـيـقـيـة ،»2030 للمملكة، الصورة التي أرست ملامحها «رؤيـة والقائمة على الإبـداع والانفتاح وتنوع مصادر القوة. ويــظــهــر ذلــــك فـــي حـــضـــور المــــواهــــب الـــســـعـــوديـــة داخـــل جـلـسـات المـنـتـدى، وفـــي اخـتـيـار «مـديـنـة مـسـك» فـضـاء إبــداعــيــا غـيـر ربـحـي يعتمد عـلـى حـلـول مـبـتـكـرة، مما يعطي الـعـالـم صـــورة عملية للتحول الـوطـنـي ويـعـزز سردية سعودية جديدة أمام الرأي العام العالمي. وهو تحول يمثل أحد أبرز مكاسب الدبلوماسية السعودية الحديثة وانعكاسا لطموحات الرؤية. ولــكــي يــكــون هـــذا المـــســـار مــســتــدامــا، تــبــرز أهمية المنتدى بوصفه منصة اقتصادية صـاعـدة تسهم في » نحو 2030 بناء شـراكـات واسـعـة تتماشى مـع «رؤيــة اقـــتـــصـــاد مــعــرفــي مـــتـــنـــوع. فــهــو يـجـمـع بـــن الــشــركــات الـــســـعـــوديـــة الـــنـــاشـــئـــة ورواد الأعــــمــــال والمــســتــثــمــريــن الدوليين، ليصبح مساحة لتوليد الفرص وتقاطعات رأس المـــــال مـــع الابـــتـــكـــار. ومــــا يــعــلَــن عــلــى هــامــشــه من اتـــفـــاقـــيـــات تــــعــــاون فــــي مــــجــــالات الـــتـــقـــنـــيـــة والــتــنــمــيــة والاقـــتـــصـــاد الــرقــمــي يــعــزز مـكـانـتـه كـجـسـر اقـتـصـادي يربط المملكة بالأسواق العالمية. وهكذا يتحول المنتدى مــــن فــعــالــيــة شــبــابــيــة إلـــــى نــــافــــذة اقـــتـــصـــاديـــة تـعـكـس ملامح السعودية الجديدة وتدعم حضورها في عالم اقتصادي متعدد الأقطاب. وفي الختام يمكن القول إن منتدى «مسك» العالمي أثبت اليوم أن الاستثمار في الجيل الجديد هو الطريق الأسرع لصناعة تأثير عالمي طويل المدى، وأن الرياض الـــيـــوم عــبــر «مـــســـك» تـبـنـي جــســور المـسـتـقـبـل مـــع جيل سيقود العالم غداً. الرياض اليوم تبني جسور المستقبل عادل درويش إبراهيم العثيمين سعاد كريم OPINION الرأي 14 السعودية تعيد تعريف نفوذها الدولي عبر منتدى «مسك» العالمي ميزانية بريطانيا: حقيقية أم «فبركة»؟ لبنان... بلد السلام نأمل أن تعيد زيارة البابا لبنان إلى الذاكرة والخريطة العالمية من جديد

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky