الرئيس التنفيذي جمانا راشد الراشد CEO Jomana Rashid Alrashid نائب رئيس التحرير Managing Editors Editorial Consultant in KSA Aidroos Abdulaziz Camille Tawil Saud Al Rayes Deputy Editor-in-Chief مديرا التحرير مستشار التحرير في السعودية محمد هاني Mohamed Hani الأمير أحمد بن سلمان بن عبد العزيز عيدروس عبد العزيز كميل الطويل سعود الريس 1987 أسسها سنة 1978 أسسها سنة هشام ومحمد علي حافظ رئيس التحرير غسان شربل Editor-in-Chief Ghassan Charbel قـــال الـرئـيـس 2023 فـــي شـهـر مــــارس (آذار) عـــام الصيني شي جينبينغ وهـو يغادر موسكو للرئيس الروسي فلاديمير بوتن: إن تغييرات لم يشهدها العالم منذ مائة سنة، هي آتية في الطريق. الصينيون لهم عدادهم الخاص للزمن. سُئل الزعيم الصيني ماو تسي تونغ، عن رأيه في الثورة الفرنسية، رد بسؤال على ذلك السؤال: متى كانت تلك الثورة؟ أجابه السائل: حدثت منذ أكثر من مائتي سنة. قال ماو تسي تونغ: إن الوقت مــا زال مـبـكـرا لـكـي نحكم عـلـى تـلـك الـــثـــورة. هـنـاك من ينسب هذا الحديث إلى رئيس الوزراء الصيني الأسبق شـويـن لاي. الــوقــت يـتـحـرك بـسـرعـة غـيـر مسبوقة في التاريخ. الوضع الجيو-اقتصادي العالمي يتغير بشكل جــــذري. لـقـد عـــاش الـعـالـم لمـــدة خمسة قـــرون فــي نظام كــان مـحـوره أوروبــــا، سياسيا واقـتـصـاديـا وعسكريا وثقافيا وعلمياً. فرضت أوروبـا قوتها على مساحات شاسعة من العالم، واستعمرت أغلب بلدان الدنيا. بعد مرحلة الاسـتـقـال كــان الـنـمـوذج الأوروبــــي هـو الحلم والـنـمـوذج الــذي تتطلع إليه الأمــم الـجـديـدة. الـيـوم لم تعد أوروبا، هي النموذج المنشود. بعد الحرب العالمية الأولى تفككت الإمبراطوريات الكبيرة القديمة، وبرزت الولايات المتحدة الأميركية، قوة جديدة تقدم منظومة تفرض نفسها على العالم في مجالات مختلفة. الفاشية التي حكمت إيطاليا والنازية في ألمانيا كانتا مطرقة نـــار جنونية عـلـى وقـــت قـلـق. مـوسـولـيـنـي الصحافي الفاشل، عاش في وهم المجد الروماني الغابر، وهتلر العريف امتلأ خياله بتفوق الجنس الآري، وأينما وُجد مـن يتحدث اللغة الألمـانـيـة، هناك تكون حــدود رايخه الثالث. احتل تشيكوسلوفاكيا، وضـم النمسا، وأبـاد الـيـهـود وشـــن حملته عـلـى الآيـديـولـوجـيـا الشيوعية التي يعاديها، وعلى أرض روسيا الغنية بالمحاصيل والــنــفــط. انـضـمـت الــيــابــان الإمـــبـــراطـــوريـــة إلـــى ألمـانـيـا الــنــازيــة وإيـطـالـيـا الـفـاشـيـة. حــاربــت أوروبـــــا نفسها، ودخلت الولايات المتحدة الأميركية في تحالف ضد ما عُرف بدول المحور. بعد انتصار الحلفاء بدأ زمن جديد في كل شيء. احتفل العالم في الأيام الماضية، بالذكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية. جزم كثر من الساسة والمفكرين بأن الويلات التي حاقت بالبشر في الحرب العالمية الثانية، ستقتلع نزعة العنف والحروب من رؤوس البشر. تأسست منظمة الأمم المتحدة التي جمعت شعوب العالم في اتحاد هدفه تكريس السلام العالمي، وسـد بـاب الحرب بقوة الـحـوار والتفاهم بين الشعوب. واجه العالم اختبارات واختيارات، فقد اشتعلت الــــحــــروب الــصــغــيــرة والـــكـــبـــيـــرة، وانـــتـــشـــرت الأوبـــئـــة الــقــاتــلــة، وتـخـطـف الـفـقـر والمـــــرض حـــيـــوات المــايــن، والعنف العقدي اخترق حـدود الـدول، وأسـال الدماء وقــتــل الأبـــريـــاء. فــي الــســنــوات الأخـــيـــرة، ضـــرب وبــاء الكورونا عشرات الملايين من البشر، وكان الامتحان الكبير لحالة العالم. لقد كشف ذلك الوباء عن ضعف الــدول المتقدمة، عن اجـتـراح ترياق الحياة، في وجه جائحة الموت. أمـــر الرئيس 2022 فـبـرايـر (شـــبـــاط) عـــام 24 فــي بوتين جيشه بغزو أوكرانيا. أفاق العالم على انفجار هــــزَّه. تـحـركـت آلات الـسـيـاسـة بــمــبــادرات ووســاطــات من أجـل إطفاء الحريق الـذي كـان من الصعب تحديد خـريـطـة تـــمـــدده. بــوتــن عـــاش فـــي شـبـابـه أيـــامـــا شهد فيها تصدع العملاق السوفياتي. كان ضمن منظومة المــــخــــابــــرات الــســوفــيــاتــيــة فــيــمــا كـــــان يـــعـــرف بــألمــانــيــا الشرقية، المحكومة بقوة موسكو، وانتهت بتوحيد ألمانيا. تحررت دول شرق أوروبا من القبضة الروسية وانـــضـــمـــت إلــــى حــلــف «نــــاتــــو» والاتــــحــــاد الأوروبـــــــي. التاريخ حمولة ثقيلة لا تغادر العقول، وتبقى محفورة فـــي ألــــــواح ذاكــــــرة الـــســـاســـة والمـــفـــكـــريـــن. غــــزو جـيـوش التي أطلق عليها 1812 نابليون بونابرت لروسيا عام الـــروس الـحـرب الوطنية، دفـعـت فيها روسـيـا ملايين القتلى، وسببت دمـــارا هـائـا فـي إمـبـراطـوريـة كانت تعمل على بـنـاء قـدراتـهـا لتضاهي الـــدول الأوروبــيــة الـتـي دخـلـت عـصـر الـتـقـدم الـشـامـل. انـتـصـرت روسـيـا عـــلـــى جـــيـــش بـــونـــابـــرت وألـــحـــقـــت بــــه هـــزيـــمـــة مـاحـقـة بعدما وصلت جيوشه إلى مشارف موسكو. في شهر أمــر أدولـــف هتلر الزعيم 1941 يونيو (حــزيــران) عــام النازي الألماني أكثر من ثلاثة ملايين من جيشه بغزو أرض الاتــحــاد السوفياتي، فـي أكـبـر عملية عسكرية عـرفـهـا الــتــاريــخ بــاســم عـمـلـيـة «بــــاربــــاروســــا». جيش ألمـانـي مدجج بسلاح حـديـث، وتكتيك عسكري يفوق الــخــيــال. كـــان بــن هـتـلـر وسـتـالـن اتــفــاق عـــدم اعــتــداء عُرف باتفاق روبنتروب وزير خارجية ألمانيا النازية ومولوتوف وزير خارجية الاتحاد السوفياتي، واتفق الطرفان على تقاسم أرض دولة بولندا. في أيام قليلة اجتاح الجيش الألماني مساحات واسعة من الأراضي الروسية، وقتل الملايين ودمــر مدنا والبنية التحتية حــيــثــمــا وصــــــل. خـــــاض جـــيـــش الاتــــحــــاد الــســوفــيــاتــي مــــعــــارك واســــعــــة وطـــويـــلـــة ضــــد جـــيـــش هــتــلــر إلـــــى أن وصـل إلـى برلين. للتاريخ جــروح لا يضمدها الزمن. أوروبـــا بشرقها وغربها، ودول البلطيق التي عانت طــويــا مــن الــســطــوة الــروســيــة، لـهـا قــراءتــهــا الأمـنـيـة الاستراتيجية للحرب الروسية على أوكرانيا. ألمانيا وفرنسا والسويد، ومعها دول أوروبية أخرى شرعت في تعبئة عسكرية، ودخلت في حالة طوارئ استعدادا لآت يـنـذر بمواجهة مرعبة قـادمـة. الــولايــات المتحدة الأميركية، لها حسابات متحركة، والصين لها وقتها الـــخـــاص، الــــذي يـحـسـب الـسـلـم والـــحـــرب، بـــأرقـــام شي ٍجينبينغ، وقبله ماو تسي تونغ وشوين لاي. على شفا وقت هار جــــــاء الــــبــــيــــان الـــخـــتـــامـــي لـــلـــقـــمـــة الــخــلــيــجــيــة السادسة والأربـعـن فـي البحرين، بوصفه وثيقة سـيـاسـيـة شـامـلـة تـعـكـس لـحـظـة نـضـج فـــي مـسـار الــعــمــل الـخـلـيـجـي المـــشـــتـــرك، وتــكــشــف فـــي الــوقــت نفسه عن إدراك عميق لحجم التحولات الإقليمية والــدولــيــة المحيطة بـــدول المـجـلـس. لــم يـكـن البيان مجرد سرد بروتوكولي للمواقف؛ بل كان أقرب إلى خريطة طـريـق متكاملة تمس الأمـــن، والاقـتـصـاد، والحوكمة، والعلاقات الخارجية، وقضايا المنطقة المشتعلة، وهو ما يمنحه بعدا استراتيجيا يتجاوز لغة التمنيات المعتادة في مثل هذه البيانات. أول ما يلفت في البيان هو تأكيده الصارم عــلــى مـــبـــدأ وحـــــدة الأمـــــن الــخــلــيــجــي: «أمـــــن دول المجلس كل لا يتجزأ». هذه العبارة، التي تكررت بصيغ مـتـعـددة، تعكس وعـيـا خليجيا متراكما بأن التهديدات لم تعد محصورة في حدود دولة بعينها، بل باتت عابرة للجغرافيا، سواء تمثلت في اعـتـداءات مباشرة، أو في اخـتـالات إقليمية مزمنة، أو في تهديدات الملاحة والطاقة. هذا المبدأ لا يُطرح نظريا فقط، بل يسنده البيان باتفاقيات الدفاع المشترك، وبمواقف سياسية واضحة من إيـــران، ومــن الاعـــتـــداءات على دول المجلس، ومن أمـن المـمـرات البحرية، بما يعكس انتقال مفهوم الأمن الجماعي من مستوى الشعار إلى مستوى السياسة المعلنة. اقتصادياً، يعكس البيان انسجاما واضحا مع التحول الخليجي الكبير نحو ما بعد النفط، وهو ما يتقاطع زمنيا مع إعلان الميزانية السعودية التي أكــــدت المــضــي فــي الـتـنـويـع الاقـــتـــصـــادي، واعـتـمـاد مــنــصــات تـــبـــادل الـــبـــيـــانـــات الــجــمــركــيــة، وتــســريــع مـتـطـلـبـات الاتـــحـــاد الــجــمــركــي، وتــوســيــع الــســوق الخليجية المشتركة، وإنشاء هيئة الطيران المدني، وربـط دول المجلس بمشروع السكة الحديد، كلها مؤشرات على أن الاندماج الاقتصادي لم يعد حلما مـؤجـاً؛ بـل أصبح مـسـارا تنفيذيا بـجـدول زمني. ويـكـتـسـب هــــذا المـــســـار زخــمــا إضــافــيــا حـــن يُــربــط بـتـنـمـيـة الــصــنــاعــات الـخـلـيـجـيـة، كـمــا فـــي مـنـتـدى «صُـــنـــع فـــي الــخــلــيــج»، وبــالــتــحــولات الــطــاقــيــة في مـجـال الـهـيـدروجـن والاقـتـصـاد الــدائــري للكربون والطاقة المتجددة. فــي بُــعــد الـحـوكـمـة، يــخــرج الــبــيــان بـلـغـة غير مسبوقة من حيث التركيز على النزاهة ومكافحة الــــفــــســــاد، واعــــتــــمــــاد أدلــــــــة مـــــوحـــــدة لــلــمــســؤولــيــة الـقـانـونـيـة والـتـحـقـيـقـات المــالــيــة، والاسـتـراتـيـجـيـة الأمــــنــــيــــة لمـــكـــافـــحـــة غـــســـل الأمـــــــــــوال. هــــــذا الـــتـــوجـــه يعكس أن دول الخليج لم تعد تنظر إلى الحوكمة بــوصــفــهــا مـطـلـبـا خـــارجـــيـــا؛ بـــل بــوصــفــهــا شـرطـا داخليا للتنمية المستدامة والاستقرار الاجتماعي. كما أن استحضار الذكاء الاصطناعي، وسياسات اسـتـخـدامـه، ومـعـوقـات تـكـامـل الــخــدمــات، كــل ذلـك يعكس إدراكا بأن التحول الرقمي لم يعد ترفاً؛ بل ضـرورة سيادية واقتصادية، تخدم المواطن وتلج إلى العصر الرقمي. سياسياً، يحتل الملف الفلسطيني مركز الثقل فـي الـبـيـان، ليس فقط مـن حيث الإدانـــة الصريحة لـــلـــعـــدوان الإســـرائـــيـــلـــي؛ بـــل أيـــضـــا مـــن حــيــث دعــم المـــســـارات السياسية والاقـتـصـاديـة لإقــامــة الـدولـة الفلسطينية. الإشـارة إلى «مجلس السلام» لإدارة المرحلة الانتقالية في غـزة، والـدعـوة إلـى صندوق دولي لأيتام غزة، ودعم إعادة الإعمار، والاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية، كلها عناصر تعكس انــتــقــال الــخــطــاب الـخـلـيـجـي مـــن مــجــرد الـتـضـامـن إلى الاشتغال العملي على ما بعد الحرب. اللافت أن البيان يــوازن بين الإدانــة القانونية والأخلاقية للاحتلال، ودعــم المـسـارات الدبلوماسية الدولية، مـا يمنحه مصداقية سياسية أوســـع فـي الساحة الدولية. فــي المــقــابــل، يــأتــي المــوقــف مــن إيــــران واضـحـا فـــي ثـــوابـــتـــه: احــــتــــرام الـــســـيـــادة، وحـــســـن الـــجـــوار، ورفــــــض الــــتــــدخــــل، مــــع إدانــــــــة الاحـــــتـــــال الإيــــرانــــي للجزر الإماراتية، والمناورات العسكرية، والتغيير الديموغرافي في الجزر المحتلة. هـذا الـتـوازن بين الــدعــوة إلــى الــحــوار مـن جـهـة، والــحــزم فـي قضايا السيادة من جهة أخرى، يعكس نضجا في المقاربة الــخــلــيــجــيــة لــلــمــلــف الإيـــــرانـــــي، بـــمـــا لا يــغــلــق بـــاب الدبلوماسية ولا يفرّط في الحقوق السيادية. أما في الملفات العربية الساخنة، فيظهر البيان كـأنـه خريطة اسـتـقـرار إقليمي تتقاسم فيها دول الخليج أدوار الوساطة والدعم وإعادة الإعمار. في الـسـودان، يبرز الـدور السعودي والدعم الخليجي المشترك لإنهاء الحرب والانتقال إلـى حكم مدني. وفي سوريا، يتجسد التحول الكبير في دعم إعادة دمجها عربياً، ورفــع العقوبات، ودعــم الاستثمار والــطــاقــة وإعــــــادة الإعـــمـــار، مـــع مــوقــف واضــــح من الاعـتـداءات الإسرائيلية. وفي لبنان، يميل البيان إلــــى دعــــم مـنـطـق الـــدولـــة وحــصــر الـــســـاح بـيـدهـا، والتمسك بـالإصـاح الاقـتـصـادي، ورفــض تحويل لبنان إلى ساحة صراعات إقليمية. الــــــــافــــــــت أيـــــــضـــــــا هــــــــو الــــــحــــــضــــــور الــــكــــثــــيــــف لدبلوماسية الوساطة الخليجية في ملفات عالمية: مــن أوكــرانــيــا وروســـيــا، إلـــى أذربــيــجــان وأرمـيـنـيـا، وإلى باكستان والهند. هذا الحضور يعكس انتقال دول الخليج من موقع التأثر بالتحولات الدولية إلى موقع المساهمة في إدارتها، وهو ما يعزز من ثقلها الـسـيـاسـي الــعــالمــي، ويـعـيـد تـعـريـف دورهـــا بوصفها قوى استقرار لا قوى نفط فقط. بيان القمة في البحرين لا يُقرأ بوصفه حصيلة دورة عادية من دورات المجلس؛ بل بوصفه وثيقة انتقالية في مسيرة الخليج. هو بيان يؤكد أن دول الخليج أصبحت أكثر واقعية في إدارة الاقتصاد، وأكـــثـــر مــؤســســيــة فـــي الـــحـــوكـــمـــة، وأكـــثـــر جـــــرأة في المواقف السياسية، وأوسع حضورا في الدبلوماسية الدولية. والأهم أنه يعكس فلسفة جديدة في صنع الـــقـــرار الـخـلـيـجـي: لا تــــردد فــي المــراجــعــة، ولا تــردد في التعديل، ولا تـردد في الانتقال من الخطط إلى التنفيذ. مــن هـنـا يمكن الــقــول إن «قــــراءة فــي بيان القمة» ليست قراءة في نص سياسي؛ بل في مرحلة خليجية جـــديـــدة تُـــعـــاد فـيـهـا صـيـاغـة الــعــاقــة بين الدولة والتنمية، وبـن الأمـن والدبلوماسية، وبين الداخل والخارج، على أسس أكثر اتزانا ونضجاً. آخر الكلام: البيان لا يتحدث عن الغد؛ بل يبدأ بصياغته. قراءة في بيان القمة الخليجية OPINION الرأي 15 Issue 17175 - العدد Saturday - 2025/12/6 السبت عبد الرحمن شلقم محمد الرميحي
RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky