7 تحقيق FEATURES Issue 17144 - العدد Wednesday - 2025/11/5 الأربعاء التنظيمات المتطرفة لم تعد مجرد ميليشيات مسلحة، بل تحوّلت إلى «شركات ناشئة للشّر» تستثمر في أحدث التقنيات والتكنولوجيا وتعتمد «التجنيد السائل» ASHARQ AL-AWSAT و«ولايـة موزمبيق» أصغر حجما لكنها أشد وحشية، وتــهــدد مـصـالـح اقتصادية دولية كبرى تتعلق بالغاز الطبيعي، ما يجعلها محط أنظار العالم. بحيرة تشاد... اختبار للخلافة مـا يـجـري فـي الـسـاحـل لا ينفصل عن أغسطس الماضي 18 تشاد، التي وجّهت في ضـربـة مـوجـعـة لتنظيم «داعــــش» فـي غرب مـن قــادة خلية محلية 6 أفريقيا، باعتقال تابعة لـه، من بينهم مسلم يوسف، النجل الأصـغـر لمؤسس جماعة «بـوكـو حـــرام» في نيجيريا. وأفــــــــــاد تــــقــــريــــر لــــــ«مـــــركـــــز الــــــدراســــــات ) بــأن ACSS( » الاســتــراتــيــجــيــة الأفـــريـــقـــيـــة «بـــــوكـــــو حـــــــــرام» وفـــصـــيـــلـــهـــا «ولايـــــــــة غـــرب فـي المائة 66 أفـريـقـيـا» مــســؤولان عـن نحو .2024 من الوفيات العنيفة في نيجيريا عام ورغم أن تشاد تقع جغرافيا في وسط أفريقيا، فإن شمالها (إقليم بوركو - تبستي - إنـــيـــدي) يُــعــد امـــتـــدادا مـبـاشـرا للصحراء الكبرى، بينما جنوبها أقــرب إلـى أفريقيا الاستوائية، وهي عضو في «مجموعة دول .)G5( الساحل الخمس لـذا تحوّلت منطقة بحيرة تشاد، كما يرصد الأكاديمي حمدي عبد الرحمن، إلى «ساحة اختبار لخلافة (داعش) الجديدة»، وهـــــو تـــطـــور يــصــفــه بـــأنـــه «يــــرســــخ صــــورة قاتمة لصراع دموي تصاعد بهدوء ليصبح أعنف مسرح للجهاديين في العالم». يـــــــقـــــــول: «(داعـــــــــــــــــــش) يــــســــيــــطــــر عـــلـــى مساحات واسـعـة مـن الأراضـــي الريفية في المـنـطـقـة الأكـــثـــر فـــقـــرا واكــتــظــاظــا بـالـسـكـان فـي نيجيريا»، كما يـفـرض «ضــرائــب يُقال مليون دولار سنوياً؛ سعيا 190 إنها تُــدر لتوسيع نفوذه». ويـضـيـف أن «الـتـنـظـيـم بـنـى فــي غـرب أفريقيا بنية تحتية موازية للدولة؛ وأنشأ إدارات تـشـرف عـلـى العمليات العسكرية، وجمع الضرائب وتطبق الشريعة». وأدى الـصـراع بـن نيجيريا وحركات التمرد الإسلامية في شمالها الشرقي إلى ألــفــا حــتــى نـهـايـة 350 مـقـتـل مـــا يــقــرب مـــن ، وتـشـريـد أكـثـر مــن مـلـيـونـن، حسب 2020 «برنامج الأمم المتحدة الإنمائي». من يدير البحيرة؟ تـشـتـرك أربــــع دول فـــي إدارة بحيرة تــشــاد ومــــواردهــــا، بـــدايـــة مـــن تــشــاد الـتـي تضم معظم مساحة البحيرة، ونيجيريا مـــن الـــغـــرب والــجــنــوب الــغــربــي، والـنـيـجـر مـن الـشـمـال الـغـربـي، أمــا الـكـامـيـرون فمن الجنوب الغربي. ووفـــــق عــمــر المـــهـــدي بــــشــــارة، رئـيـس حركة «الخلاص الوطني» التشادية وأحد المتمردين السابقين على الحدود التشادية فــــي المــــائــــة مـن 70 - الـــلـــيـــبـــيـــة، فـــــإن نـــحـــو مساحة البحيرة الممتدة عبر شمال شرق نيجيريا، وجنوب شـرق النيجر، وشمال الــكــامــيــرون، وغــــرب تـــشـــاد، «بـــاتـــت خـــارج سيطرة هذه الدول». ويـــقـــول بـــشـــارة لــــ«الـــشـــرق الأوســـــط»: «لـــــــأســـــــف، أصــــبــــحــــت هـــــــذه الــــجــــمــــاعــــات الإرهابية تحظى بحاضنة شعبية واسعة بــــن الــــســــكــــان؛ وهـــــو مــــا يــفــســر اســـتـــمـــرار بقائها في معظم مساحة حوض تشاد». وهـــذا يـرجـعـه أيـضـا سـكـان محليون مثل الصومالي فارح والي إلى «الاحتواء بالمال» لتنفيذ «أجندة التنظيمات»، لكن ذلـــــك لا يـــغـــل يـــدهـــا عــــن «الـــبـــطـــش بـفـئـات المجتمع الأضعف، لا سيما المرأة». وتـتـحـمـل الــنــســاء والــفــتــيــات الــعــبء الأكـــبـــر، كـمـا تـؤكـد سيما بــحــوث، المـديـرة الـتـنـفـيـذيـة لـهـيـئـة الأمــــم المــتــحــدة لـلـمـرأة، خـــــــال جـــلـــســـة أمـــــــــام مـــجـــلـــس الأمـــــــــن فــي ، وتـضـيـف: «هـــذه منطقة 2025 أغـسـطـس تـُـمـحـى فيها الـنـسـاء بـالـكـامـل مــن الحياة العامة». وأشــــــــــارت بــــحــــوث إلــــــى أن أكــــثــــر مـن فـي المائة 60 ؛ مليون فتاة خــارج المـــدارس منهن لم يسبق لهن الالتحاق بالدراسة، وســـــط تــفــشــي ظــــواهــــر زواج الـــقـــاصـــرات والعنف الجنسي. الضرب بمسيّراترخيصة ينذر الـفـراغ الأمني في بعض مناطق الساحل، وتقاطع أجندات الإرهــاب المحلي الــتــدخــات الـــدولـــيـــة، بــتــحــوّل هـــذه المنطقة إلـى بـؤرة نـزاعـات طويل الأمـد تهدد شمال أفـــريـــقـــيـــا وأوروبـــــــــــــا، وذلـــــــك إثــــــر تــــطــــورات ملحوظة في أساليب العمليات الإرهابية. ويحذر الخبير المصري حمدي عبد الرحمن مــــن أن «مــــوجــــات الـــعـــنـــف الـــحـــالـــيـــة لـيـسـت كــســابــقــاتــهــا، فـــقـــد طـــــرأ تـــطـــور كــبــيــر عـلـى التكتيكات والقدرات». ، أطـلـق 2025 ) فــمــنــذ أبـــريـــل (نـــيـــســـان «داعــــــش» فـــي غـــرب أفـريـقـيـا حـمـلـة سُميت «إحـــــراق المــعــســكــرات»، اسـتـهـدفـت الـقـواعـد الـعـسـكـريـة المـحـصـنـة الـــتـــي طـــالمـــا اعــتُــبــرت آمــنــة، ويــقــول: «قـــد يـظـن المــراقــبــون أن هـذه مـــجـــرد غــــــــارات عـــــاديـــــة، لـــكـــن الـــــواقـــــع أكــثــر تعقيداً». ويـضـيـف أن «الإرهــابــيــن تعلموا في بحيرة تـشـاد كيف يشنون هجمات ليلية بــاســتــخــدام الـــطـــائـــرات المـــســـيّـــرة والمـنـاظـيـر الليلية»، محذرا من أن المنطقة «تحوّلت إلى ساحة معركة رئيسية لـ(داعش) (ولاية غرب أفريقيا)، وفصيله المنافس (بـوكـو حــرام). كما أن (داعش) اليوم يختلف عما كان عليه سابقاً؛ إذ حصل على معدات للرؤية الليلية مكنته من شن هجمات منسقة في ساعات الضعف الجوي النيجيري». وبـــــات الــتــنــظــيــم «يــتــســلــح بــمــســيّــرات تجارية رخيصة تُطلق مـن مسافات آمنة؛ وتلقي متفجرات صغيرة على معسكرات الـــجـــيـــش والــــقــــوى الأمــــنــــيــــة» مــــا عــــــدّه عـبـد الرحمن «تهديدا جويا مستمرا يصعّب على الدفاعات التقليدية التصدي له». 400 وسـجـلـت الأمـــم المـتـحـدة أكـثـر مــن هـجـوم إرهــابــي فـي بوركينا فـاسـو ومالي والنيجر فقط، ما بين أبريل ويوليو (تموز) قــتــيــا وفــــق مـــا نقله 2870 ، خــلّــفــت 2025 لـــيـــونـــاردو ســيــمــاو، رئــيــس مـكـتـب المنطقة لغرب أفريقيا والساحل، أمام مجلس الأمن .2025 أغسطس 8 في أمن الملاحة الدولية القلق من توسّع استخدام الجماعات المــتــطــرفــة لـلـتـقـنـيـات الــحــديــثــة طــغــى على 8 جــــلــــســــة مــــجــــلــــس الأمــــــــــن الأخـــــــيـــــــرة فــــــي ، فـــقـــد حــــــذر ســـيـــمـــاو مـن 2025 أغـــســـطـــس «الاســـتـــخـــدام المــتــزايــد لـلـطـائـرات المـسـيّــرة، وتـقـنـيـات الاتـــصـــالات المــشــفــرة، والــتــعــاون بين الجماعات الإرهابية وشبكات الجريمة المنظمة العابرة للحدود». وأبدى مخاوفه أيضا على أمن الملاحة البحرية، وقـــال سيماو إنــه «بـــات مـهـدداً»، كـمـا أن «الــشــبــاب أصــبــحــوا هــدفــا رئيسيا للتجنيد». وأمــــــــام هـــــذا الـــخـــطـــر، تــــحــــدث «مـــركـــز أفــريــقــيــا لـــلـــدراســـات الاســـتـــراتـــيـــجـــيـــة» عن «تصاعد التعاون بين حركة (الشباب) في الـصـومـال والـحـوثـيـن فـي الـيـمـن»، محذرا من «تفاقم المخاطر على حركة الملاحة في البحر الأحمر، وخليج عدن، وغرب المحيط الهندي». واســتــنــد المـــركـــز إلـــى تـقـريـر أمــمــي في بـــ«وجــود أدلـــة على 2025 ) فـبـرايـر (شــبــاط اتصالات بين الحوثيين وحركة (الشباب)، ،2024 بـــل واجـــتـــمـــاعـــات فـعـلـيـة جــــرت فـــي تتعلق بنقل العتاد العسكري والتدريب من الحوثيين إلى الحركة مقابل زيادة أنشطة القرصنة وتهريب الأسلحة». وتـــــحـــــدث الــــتــــقــــريــــر عـــــن أن الـــعـــاقـــة بـــن الــطــرفــن «قــائــمــة عـلـى المـنـفـعـة ولـيـس المذهبية»، وأفــاد بتدفق أسلحة من اليمن إلى المناطق التي سيطر عليها «الشباب»، بــن يـونـيـو (حـــزيـــران) وسـبـتـمـبـر (أيــلــول) ضــمّــت ذخــائــر ومـتـفـجـرات متنوعة 2024 عــبــر مــيــنــاءي مـــركـــا وبــــــراوة فـــي مـحـافـظـة شبيلي السفلى. وأشـــار إلـى أن «الشباب» كٌلِفت بزيادة عمليات القرصنة داخل خليج عدن وقبالة سواحل الصومال. «شركات الشر» زادت الــتــخــوفــات الأمــمــيــة مـــن لـجـوء التنظيمات الإرهابية إلى استخدام تقنيات مــتــطــورة، مـــن بـيـنـهـا الـــذكـــاء الاصـطـنـاعـي ووسائل التواصل الاجتماعي، وعدوا ذلك أمام جلسة لمجلس الأمن أغسطس الماضي «تحديا جديداً». وأكـــــــــــد عـــــلـــــى هـــــــــذه المــــــــخــــــــاوف رامـــــــي شــاهــن، الـخـبـيـر الـــدولـــي فــي تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وقـال: «تخيل مسرحا دول أفريقية، تلتقي 10 جغرافيا يمتد عبر خلالها الـرمـال الـحـارقـة بالتقنيات الأكثر بـــــــرودة فــــي عـــالـــم الــــذكــــاء الاصـــطـــنـــاعـــي»؛ ويرى شاهين أن التنظيمات لم تعد مجرد مــيــلــيــشــيــات مـــســـلـــحـــة، «بـــــل تـــحـــوّلـــت إلـــى شــركــات نـاشـئـة لـلـشّــر تستثمر فــي أحــدث التقنيات». وتحدث شاهين إلى «الشرق الأوسط» عما سماه «التجنيد السائل» لافتا إلى ما يــعــرف بـــ«المــحــتــويــات المــخــصــصــة»، وهــي أن «كـل مُستهدف يتلقى رسائل ترويجية مصممة خصيصا لضعفه وآماله». وضرب مـثـا على ذلــك «بـشـاب فـي النيجر يتلقى مقطع فيديو مـعـدلا بـالـذكـاء الاصطناعي يظهر مستقبلا مزهرا مع الجماعة». كـــمـــا تــــطــــرق شــــاهــــن إلــــــى مـــــا ســـمـــاه «الـتـمـويـه الــرقــمــي»، المـتـمـثـل فــي «شبكات اتـصـال ذاتـيـة الـتـدمـيـر»، وقـــال إنـهـا عبارة عن تطبيقات ترسل رسائل مشفرة تختفي بعد قراءتها في عملية وصفها بالانتقال «من البندقية إلى الخوارزمية» خصوصا لجهة الاعتماد على التمويل عبر «عملات رقمية معقّدة» يصعب تتبعها. ما طرحه شاهين أثاره أيضا فلاديمير فورونكوف، رئيس مكتب مكافحة الإرهاب بالأمم المتحدة، أمام مجلس الأمن الدولي، أغـــســـطـــس المـــــاضـــــي، ونـــقـــلـــه مـــكـــتـــب الأمــــم المـتـحـدة لـــدى لـيـبـيـا. وحــــذر مــن اسـتـخـدام التنظيمات للتقنيات الجديدة والناشئة، وقال: «تواصل استخدام منصات الرسائل المشفرة لتأمين اتصالاتها، والاستفادة من أنظمة التمويل الجماعي لجمع التبرعات، وتجربة الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد لتعزيز دعايتها». من أفريقيا إلى الهول في سوريا فككت السلطات في ليبيا «ثلاث خلايا إرهابية»، معلنة عن العثور على «كميات ضخمة ومتنوعة من الأسلحة، مدفونة في مخازن تحت أحد المنازل في مدينة سبها، مـن بينها قـذائـف وقنابل وعـبـوات ناسفة وذخائر متوسطة وثقيلة ومدافع مضادة للطائرات». ودلت التحريات على أن الخلية الأولى كـــانـــت مـكـلـفـة بـتـجـنـيـد الــعــنــاصــر وتـيـسّــر تنقلهم مــن شـمـال أفـريـقـيـا إلـــى الـصـومـال ومنطقة الساحل وتزويدهم بجوازات سفر مزورة ومساكن مؤمنة. أمــــا الــخــلــيــة الــثــانــيــة «فـــكـــانـــت تغسل الأموال من خلال شركات تمويهية لمساعدة المقاتلين وعائلاتهم على الهرب من مخيم الـــهـــول فـــي ســـوريـــا، والانـــتـــقـــال إلــــى ليبيا بحيث يتم إيواؤهم في مساكن ممولة من (داعـــــش)»، وسـعـت هــذه الخلية أيـضـا إلى القيام باستثمارات في دول المنطقة. وكانت الخلية الثالثة مسؤولة عن تحويل الأموال إلى «داعــش» باستخدام العملات المشفرة. وأطـلـع مـصـدر مـن النيابة الـعـامـة الليبية «الشرق الأوسط» على مجريات التحقيقات الـــجـــاريـــة مـــع عــنــاصــر تــلــك الـــخـــايـــا، وقـــال إنـهـا «أثـبـتـت تلقيهم دعـمـا لوجستيا من تنظيمات فــي الـسـاحـل الأفــريــقــي، وبعض الدول العربية المجاورة». وتـحـدث المـصـدر عـن تفكيك خلية في يقودها ليبي كانت على علاقة 2024 يوليو بــ«نـصـرة الإســـام والمـسـلـمـن»، وقـــال إنها متورطة في توريد أجهزة اتصالات تعمل عبر الأقمار الاصطناعية. وفـــــــي «اعــــــتــــــرافــــــات» لأحـــــــد المــتــهــمــن أوردها جهاز أمني بغرب ليبيا، تحدث عن «التخطيط لمهاجمة مواقع عسكرية وأمنية حساسة، والتواصل مع جزائريين لتدريب أفراد التشكيل على تصنيع المسيرات». طرد القوات الفرنسية تـــــعـــــددت الـــتـــفـــســـيـــرات لمـــــا يــــجــــري فـي الساحل الأفـريـقـي. فعلى المستوى الأممي، يعتقد السنغالي عبد الله مار ديي، منسق الأمــم المتحدة الخاص في منطقة الساحل، أن «تــدمــيــر لـيـبـيـا غــــذّى تــحــديــات مكافحة الإرهــاب في منطقة الساحل»، مستبعدا أن تــكــون الأزمـــــة نــتــاج الأحـــــداث الــتــي شهدها عاما ً. 13 شمال مالي منذ نحو وفـي تصريحات نقلتها وسائل إعلام سنغالية عن ديي، مطلع أغسطس الماضي، قـــــال: «الـــعـــالـــم لـــديـــه ديــــن ضــخــم تـــجـــاه دول الساحل، وهذا الدين لم يُسدّد بعد». بـمـوازاة ذلــك، يـرى سكان محليون في بعض دول الـسـاحـل، تـحـدثـوا إلــى «الـشـرق الأوســـــط»، أن مــا حـــل بـبـادهـم كـــان نتيجة حـتـمـيـة لـــــأداء الـحـكـومـي الـضـعـيـف، وهـو مــا يلفت إلـيـه بــشــارة، ويــقــول إن الـتـوتـرات الـــعـــرقـــيـــة أدت إلــــــى «تــــأجــــيــــج الــــصــــراعــــات وفتح الطريق أمــام النمو الجهادي العابر للحدود». لـــكـــن هـــنـــاك مــــن يـــــرى أن طـــــرد الـــقـــوات الـفـرنـسـيـة مـــن عــــدة دول فـــي الــســاحــل فتح الباب أمـام تغوّل الإرهـــاب. ويشير الدكتور قرني إلى أن «استهداف التنظيمات العديد مـــن الـــزعـــمـــاء والــــقــــادة الـشـعـبـيـن أدى إلــى إضعاف الحكم المحلي». ولــفــت إلـــى أن «غــيــاب الأطــــر التنموية الحقيقية وحـشـد المــــوارد الـوطـنـيـة لصالح الــجــهــود الـعـسـكـريـة أدى أيــضــا إلــــى تـفـاقـم الظاهرة الإرهابية». ما ذهـب إليه قرني، الخبير في الشأن الأفـــريـــقـــي، عـــــدّه بـــشـــارة مـــن أهــــم الأســـبـــاب الــــتــــي تــــدعــــم تـــــغـــــوّل الإرهـــــابـــــيـــــن، مــرجــعــا فـشـل حــكــومــات حـــوض تــشــاد فـــي مـواجـهـة الـتـنـظـيـمـات إلـــى «عــــدم إشـــــراك المجتمعات المـحـلـيـة فــي التنمية والأمـــــن»، لـكـنـه يـقـول: «إنجامينا جعلت الأمــن مسؤولية السكان أنفسهم». وتـواجـه مـالـي أزمـــة أمنية عميقة منذ ، يغذيها التمرد المسلح. ومع ذلك، 2012 عام طـالـبـت بـعـثـة حـفـظ الـــســـام الـتـابـعـة لـأمـم ، بمغادرة البلاد، 2023 المتحدة، فـي نهاية بعد عقد كامل من دعم الحكومة. وظلّت فرنسا اللاعب الأمني والعسكري الرئيسي في مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتـشـاد، ثم موريتانيا بدرجة أقــل، وقدمت لها دعما عسكريا واستخباراتيا قبل أن يتم إخـراجـهـا مـن هـنـاك. وحـلّــت روسـيـا «بـديـا جديداً» سعيا لملء الفراغ. الذهب قبل الآيديولوجيا يرى المنسق الخاص للأمم المتحدة في منطقة الساحل، ديي، أن هدف التنظيمات المتقاتلة لا يرتبط بالبعد الديني بقدر ما يسعى لتحقيق مكاسب اقتصادية. إذ قال مطلع أغسطس المـاضـي: «كــل مـا نــراه من إرهـاب ليس له علاقة بالآيديولوجيا؛ بل هو اقتصادي بحت». ويـــتـــفـــق الـــخـــبـــيـــر المــــوريــــتــــانــــي أيـــب مــع المـنــسّــق الأمـــمـــي: «الـبـعــد المــــادي لهذه الــجــمــاعــات دائـــمـــا أولــــويــــة»، مــفــســرا ذلــك بأن «نيجيريا بلد الغاز، والنيجر منطقة الـــــيـــــورانـــــيـــــوم، ومـــــالـــــي مـــنـــطـــقـــة الــــذهــــب؛ وبـالـتـالـي مــا تـعـانـيـه هـــذه الــــدول مرتبط بــمــواردهــا». وهـنـا يتحدث بـشـارة عـن أن «مــنــاجــم الـــذهـــب فـــي شــمــال مــالــي تـشـرف عليها جماعات إرهابية». وســبــق لــوزيــر المـــعـــادن فــي الحكومة الانتقالية المالية أمادو كيتا الكشف عن أن عـائـدات الذهب من عمليات التنقيب غير الـشـرعـي «تـسـهـم بشكل كبير فــي تمويل شبكات إرهابية وإجرامية». ويـــشـــيـــر مـــعـــهـــد الــــــدراســــــات الأمـــنـــيـــة بــــجــــنــــوب أفــــريــــقــــيــــا إلـــــــى أن الـــجـــمـــاعـــات الـجـهـاديـة مـثـل «ولايــــة الـسـاحـل» التابعة لـــ«داعــش» تـفـرض ضـرائـب على المنقّبين، وتسيطر على طرق التهريب. أسلحة القذافي مــــا يـــحـــدث فــــي الـــســـاحـــل الأفـــريـــقـــي، حـسـب رؤيـــة خــبــراء فــي الــشــأن الأفـريـقـي، لا يـنـفـصـل عـــن تــوجــهــات الـــقـــوى الـدولـيـة «صاحبة المصلحة والإرث التاريخي» في هذه المنطقة التي تعاني الفقر والحروب، رغم ما تمتلكه من ثروات. ويــــــــــــرى عـــــمـــــر المـــــــهـــــــدي بـــــــشـــــــارة أن «المستعمر الفرنسي لن يترك مستعمراته بـهـذه الـسـهـولـة، معتقدا أن دول الساحل الأفـريـقـي الغنية بــالــثــروات تُعتبر ضمن المـــخـــزون الاسـتـراتـيـجـي لــه ولأجــيــالــه من بعده». ويـوجّــه بـشـارة اتهامات إلـى فرنسا الــتــي سـبـق أن أُخـــرجـــت قــواتــهــا مــن دول الــــســــاحــــل، قـــــائـــــاً: «نــعــتــقــد أنـــهـــا تـــحـــرّك أذرعـهـا المتمثلة فـي الجماعات المتطرفة وعملاءها في المنظمات لزعزعة استقرار الدول التي طُردت منها بالأمس قواعدها العسكرية». وعـــقـــب الانـــقـــابـــات الــعــســكــريــة الـتـي ) وبوركينا فاسو 2021( وقعت فـي مالي )، جــــرى إخــــراج 2023( ) والــنــيــجــر 2022( القوات العسكرية الفرنسية من هذه الدول تباعاً، لتفقد باريس نفوذها التاريخي في مالي والنيجر وبوركينا فاسو. وسـريـعـا دخـلـت مـوسـكـو عـبـر بـوابـة ليبيا الجنوبية إلــى الـسـاحـل، خصوصا مـــالـــي، مـسـتـخـدمـة عـنـاصـر قــواتــهــا الـتـي أطـلـقـت عليها «الـفـيـلـق الأفــريــقــي»، لتملأ فراغا أمنياً، إلى جانب تنامي نفوذ الصين وتركيا أيضا في المنطقة. وســــبــــق أن تــــحــــدثــــت مـــجـــلـــة «مـــنـــبـــر الــدفــاع الأفــريــقــي»، الـتـابـعـة لــ«أفـريـكـوم»، عـن تحركات روسـيـا فـي الساحل. ونقلت عـــن الــبــاحــث فـــي الـــشـــأن الـعـسـكـري أنـــدرو مــاكــريــغــور، مـــن مــؤســسـة «جـيـمـسـتـاون» ، أن روسيا باتت 2025 البحثية، في يوليو تستخدم قاعدة «الخادم» الجوية «منصة متقدمة لعملياتها في المنطقة». وتقع قاعدة «الخادم» على بُعد نحو كــيــلــومــتــر شـــــرق بـــنـــغـــازي، ويـعـتـقـد 100 مــــاكــــريــــغــــور أن هــــــذه الــــقــــاعــــدة تـــحـــوّلـــت إلــــى «مـــركـــز لــتــخــزيــن الأســـلـــحـــة وتــهــريــب المــــوارد ذهـابـا وإيــابــا مـن منطقة الساحل الأفريقي». وأضــــــاف: «روســـيـــا تـــكـــرر إخــفــاقــات مـــعـــمـــر الــــقــــذافــــي فــــي ثـــمـــانـــيـــنـــات الـــقـــرن المـاضـي، عندما حـاول استخدام السلاح الــســوفــيــاتــي لــبــســط نـــفـــوذه فـــي منطقة الـسـاحـل؛ الـكـرمـلـن يعيد الآن استثمار القاعدة نفسها التي استخدمها القذافي للهجوم على تشاد». وروســـيـــا، الـسـاعـيـة لنسج تحالفات جـديـدة فـي أفريقيا، وقّــعـت مـذكـرة تفاهم دفـــاعـــيـــة مــــع الــنــيــجــر ومــــالــــي وبــوركــيــنــا .2025 أغسطس 14 فاسو، أُعلن عنها في غــيــر أن «مـــركـــز أبـــحـــاث الــتــســلــح في النزاعات»، المعني بتتبع إمدادات الأسلحة التقليدية والمواد العسكرية، قال في نهاية إن الأسلحة القادمة من ليبيا 2025 أبريل 7 إلـــى الـسـاحـل الأفـريـقـي «لا تمثل ســـوى فـي المـائـة مـن إجـمـالـي الأسـلـحـة المـتـداولـة هناك». وهـــكـــذا، يكشف المـشـهـد فــي الساحل الأفريقي عن معادلة معقدة تتصاعد فيها الـعـمـلـيـات الإرهـــابـــيـــة مـــع تـشـابـك الـنـفـوذ والــــتــــدخــــات الــــدولــــيــــة، حـــســـب أصـــحـــاب الأرض، فـيـمـا يـظـل الـــصـــراع عـلـى المــــوارد هدفا محوريا تسعى التنظيمات المسلحة إلى السيطرة عليه. أبرز التنظيمات المتطرفة المحلية التي تتبع «داعش» أو «القاعدة» في الساحل الأفريقي تعمل التنظيمات المتطرفة بنمط العصابات فتسرق الماشية وتبحث عن الذهب وتخطف مقابل فدية (الشرق الأوسط)
RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky