الــطــائــفــيــة هــــي انـــتـــصـــار األعــــمــــى لــفــئــة عـلـى حساب غيرها، ســواء كانت متوافقة أو مخالفة، وهـــــو انـــتـــصـــار ال يــــــراه إال مــــن يـــشـــاركـــه األهــــــواء واملصالح نفسها، إذ يجد فيه راحة وطمأنينة. مثل دول عـديـدة، عانى الـعـراق من الطائفية التي بــدأت بتنظيرات تــروج لتفضيل فئة معينة عــلــى غــيــرهــا، وأســـفـــرت عـــن شــبــه حــــرب طـائـفـيـة، اعتبرها البعض «حربًا أهلية»، وحصدت الجميع فــــي عــــــراق لــــم يــعــتــد أهـــلـــه حـــتـــى الـــنـــبـــز بـــاأللـــقـــاب الـطـائـفـيـة وجـعـلـهـا مــقــدمــة عــلــى الـــديـــن واألرض واملال. حــدث مـا حــدث وكـــان مـا كـــان، وأوصـــل القتل والــخــطــف واإلقـــصـــاء الــبــعــض، غــافــا أو قــاصــدًا، إلى الدعوة لتقسيم البلد، بحجة صنع جبل من نــار بـن طائفة وطـائـفـة، وقومية وقـومـيـة، وديـن ودين. فشل كل ذلك أيما فشل، ووئدت الفتنة التي أسميها دائمًا بـ«املنتنة». لقد مضت الطائفية التي عانيناها لسنوات، كـــمـــا مـــضـــى اإلرهــــــــاب وســيــمــضــي الـــفـــســـاد، لـكـن مـــا تــبــقــى مـــن تــلــك اآلثــــــار بــــدأ يــظــهــر مـــجـــددًا في أحاديث اإلعـام التقليدي، ويُــروج له عبر الذباب اإللـــكـــتـــرونـــي فـــي مـــواقـــع الـــتـــواصـــل االجــتــمــاعــي، بــدعــوى نـقـض مظلومية قـديـمـة بظلم جــديــد، أو مظلومية جديدة بظلم تاريخي، وينعق خلف ذلك من ينعق قائل إن الطائفة توازي األرض والقومية والتاريخ. تزايدت خطورة التحريض إلى حد التماهي مــع مـشـاريـع قـديـمـة تـدعـو لتقسيم الــبــاد، وبـات الـبـعـض يـسـعـى إلـــى تـحـقـيـق مـــا كـــان قـــد حـلـم به الرئيس األميركي السابق جو بايدن، عندما دعا قبل عقد مـن الـزمـن إلــى تقسيم الــعــراق، بتشكيل فيدراليات تهدد إحداها اآلخر. وفي هذه األجواء، يتحرك سياسيون ورجال أعمال وأشباه شيوخ قبائل ودعاة إسقاط النظام الـسـيـاسـي، وأصـــحـــاب مـشـاريـع لــضــرب األســـاس الدستوري للعملية السياسية القائمة، ألن كلمة الــطــائــفــيــة عــنــدهــم هـــي الــعــلــيــا، والــــعــــراق إذا ما نجحوا سيتحدر إلى الهاوية. لـــذا، وفــي الطريق إلــى انتخابات نهاية عام ، نــجــد فـــي هــــذا املـــشـــروع تـصـعـيـدًا خـطـيـرًا 2025 بينما يعصف التغيير باملنطقة التي نعيش فيها وتــحــدق بـهـا الــفــوضــى، وأقــــل مــا نـحـتـاجـه الـيـوم بعد سنوات من العمل على تثبيت االستقرار هو طائفية جديدة. وعــلــى الـفـعـالـيـات الـسـيـاسـيـة، واملــؤســســات الـتـي تشكل أركــــان الـنـظـام فــي الــعــراق مــن بـرملـان وحكومة وقضاء، أن تدير أزمة الطائفيي الجدد بتجفيف منابع خطابهم وأصل مشروعهم، إذ ال خيار سوى إسكات هذه األصوات. فـــي اجـــتـــهـــادنـــا الـــســـيـــاســـي، نــــرى أن تـجـريـم «الطائفية الـجـديـدة»، كما أسميها، يتم بقواني وتشريعات ورقابة ال تسلب حرية التعبير، بجملة خطوات نلخصها فيما يلي: أوالً: إصدار قانون «تجريم الطائفية» تتولى تنفيذه رئــاســة الـــــوزراء بـعـد إقــــراره بـرملـانـيـ ، مع رقابة قضائية. ثــانــيــ : الــطــلــب رســمــيــ مـــن مـــواقـــع الــتــواصــل االجـــتـــمـــاعـــي إغــــــاق وحـــجـــب وإزالــــــــة الــصــفــحــات واملـــنـــشـــورات والــفــيــديــوهــات والـتـسـجـيـات الـتـي تدعو للطائفية، كما فعلت دول كثيرة في طلبها من إدارات هذه املواقع باستخدام الحق السيادي ملواجهة الكوارث واملخاطر. ثالثًا: العمل مع املراجع الدينية لكل الطوائف عـلـى تـقـديـم رأيــهــا الــشــرعــي فــي حــرمــة الطائفية وتحريم الحض عليها. رابعًا: أن يعمل قادة األحـزاب ورؤسـاء الكتل البرملانية على توعية جمهورهم بـأن التحريض الـطـائـفـي ال يــنــدرج ضـمـن الـحـقـوق الديمقراطية والـحـريـات، بـل إنــه محرقة قـد تندلع بـشـرارة عن عمد أو دون ذلك. خامسًا: املضي فـي إزالـــة الظلم عـن أبـنـاء أي طـائـفـة فـــي الـــعـــراق، بـفـعـل خـلـل ســابــق أو بسبب تـــأثـــيـــرات اإلرهـــــــاب والـــفـــســـاد، لــتــكــريــس مـــبـــدأ أن الــطــائــفــة ال تــحــمــي أحـــــدًا كــمــا يـضـمـنـه الــقــانــون وتحميه الدولة. ســـادســـ : الـــدعـــوة إلــــى إطـــــاق حـمـلـة وطـنـيـة يـــــشـــــارك فـــيـــهـــا جـــمـــيـــع الــــعــــراقــــيــــن تــــحــــت وســــم #الطائفية_دعوها_فإنها_منتنة، على أن تتولى الحكومة صناعة برامج الحملة. هـــــذه خــــطــــوات بــســيــطــة نــــدعــــو لـــهـــا ويــمــكــن تطويرها بمساهمة الجميع، على أمـل أن تحمي الـعـراقـيـن مـن مخاطر الـفـن والـتـفـرقـة، وتكريس مبدأ أن العراق طائفة لجميع الطوائف، كما كان منذ بداية التاريخ. «رَب اجْـــعَـــل هَــــذَا بَـــلَـــدًا آمِــنًــا وَارْزُق أَهْـــلَـــه مِــن الثَّمَرَاتِ». *رئيس مجلس النواب العراقي ما بعد الطائفية الجديدة في العراق بعد العاصفة املفاجئة التي هبّت على غزة واندلعت فيها فقتلت املـئـات، نعت «حماس» عــشــرات املـسـؤولـن الـكـبـار مــن كـــوادرهـــا ومـن العاملي في املبادرات اإلنسانية. وللمرة املائة أو يزيد أعلن اإلسرائيليون أنهم سيتابعون القتل والقتال إلطـاق سـراح األســرى الباقي، ولتحقيق القضاء املبرم على «حماس». وفي الـوقـت نفسه تتحرك الـقـوات اإلسرائيلية في الضفة ضد املخيمات، وهذه املرة ليس بالقتل والتخريب فقط؛ بل وبالتهجير أيضًا وأيضًا. وال يقتصر األمــــر عـلـى الـتـدمـيـر فــي غـزة والـــضـــفـــة، بــــل هـــنـــاك الـــــغـــــارات الـــيـــومـــيـــة عـلـى سوريا وعلى لبنان، وهناك الهجمة األميركية على اليمن. وقد تضاءل الكلم عن وقف إطلق النار، والتهديد بأنه «ما حد أحسن من حدّ». وبعد الضربات وخللها يزعم اإلسرائيليون واألميركيون أنهم إنما يستهدفون أذرع إيران، ويوشكون على استهداف إيران نفسها! لـقـد كـنـا نـحـسـب ألول وهــلــة أن «أمـيـركـا تـرمـب» ستعمل على إحــال الـسـام؛ ولـو كان جــائــرًا وملصلحة طـــرف عـلـى حـسـاب اآلخــــر... إنـــمـــا الـــــذي يـــحـــدث اآلن أن الــطــرفــن يـنـشـران الـقـتـل والـــرعـــب، وعــنــد كـــل ضــربــة إسـرائـيـلـيـة يقول األميركيون إنهم أذنـوا إلسرائيل بذلك، كأنما كانت إسرائيل ال تشن الحرب إال بإذن الدولة العظمى. قال ستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس األميركي، إن الحروب لن تتوقف حتى تَأمن إسرائيل، فمتى تأمن إسرائيل؟ صـــحـــيـــح أن الـــطـــرفـــن يـــضـــربـــان فــــي كـل مكان وبذريعة ومن دون ذريعة، لكن ما ردود األفـعـال من املستهدَفي؟ قـال الحوثيون إنهم يتابعون الـضـربـات وال يخشون وال يأبهون لـلـعـواصـف األمـيـركـيـة. وال نـعـرف مــا رد فعل «حــمــاس» غـيـر الـشـكـوى مــن فــقــدان الـقـيـادات. ومــــا عــــاد «حـــــزب الـــلـــه» بـلـبـنـان مـعـنـيـ بــالــرد عـلـى اإلسـرائـيـلـيـن الــذيــن يهاجمونه يوميًا، بـل انـصـرف ملشاكسة السلطات الـجـديـدة في سـوريـا على الـحـدود مـع لبنان. لقد سـاعـدوا في األسبوع املاضي بالسلح الذي خزّنوه في سوريا في اضطرابات الساحل الـسـوري ضد السلطة الجديدة. لكنهم اآلن يحاولون سحب الـسـاح مـن سـوريـا إلـى لبنان فيشتبكون مع قـوات أمـن السلطات الجديدة ويسقط القتلى مــن الــطــرفــن. مــا عــــادوا يستطيعون الـحـركـة في جنوب لبنان، فيتحركون على الحدود مع سـوريـا، ويـدعـمـون بقايا النظام فـي الساحل وحـمـص، ويضغطون على الجيش اللبناني في الجنوب وفي الشرق بحجة أنه هو املسؤول عن السيادة! ويعلنون سرورهم عندما يقول رئيس الجمهورية اللبنانية، جوزيف عون، إنه أمـر الجيش بالرد على مصادر النيران ليس من إسرائيل؛ بل من سوريا، وهم الذين بادروا إلــــى الـــتـــحـــرش بـــالـــســـوريـــن. وإلـــــى تـحـرشـات «حـــــزب الـــلـــه» وعـــشـــائـــره ومـــهـــرّبـــيـــه، اسـتـطـاع اإلسرائيليون اختراق دروز الجوالن والحدود عبر رجـال الدين الذين اشتاقوا فجأة لزيارة أماكنهم املقدسة في فلسطي املحتلة. وهم ال يساملون سلطة أحمد الـشـرع، بينما يُــسَــرُّون لـــتـــصـــريـــحـــات رئـــيـــس الــــــــــوزراء اإلســـرائـــيـــلـــي، بـنـيـامـن نـتـنـيـاهـو، بـحـمـايـتـهـم! إنـــمـــا مـمـن؟ وســلــطــات ســوريــا الــجــديــدة ال تـتـعـرض لهم. تقول دول االتحاد األوروبي التي اجتمعت في بروكسل إن سوريا تعاني من أصعب املشكلت اإلنـسـانـيـة عـلـى اإلطــــاق وإنــهــا ستساعدها، لـــكـــنـــهـــا تــــريــــد أن يـــحـــافـــظ الـــــســـــوريـــــون عـلـى حقوق األقـلـيـات؛ وبينهم العلويون واألكـــراد! وبــعــد اتـــفـــاق أولــــي لـــأكـــراد مــع الــشــرع عـــادوا للشكوى من اإلعـان الدستوري الجديد الذي لم يحفظ حقوقهم، التي ال تنساها إسرائيل أيضًا! إن الواضح أن إيـران و«الحزب» املسلح بلبنان وشيعة إيـران فـي الــعــراق... كـل هـؤالء ال يـنـظـرون إلـــى الـسـلـطـات الـسـوريـة الـجـديـدة بعيون الرضا، ومعهم إسرائيل التي تلتمس موافقة أميركا على تقسيم سوريا إلى دويلت طائفية. ولـــذلـــك لـــم يــعــد الــــســــؤال اآلن مــتــى تـأمـن إسرائيل فقط، بل: ومتى تأمن إيران؟ إسرائيل لـن تـأمـن إال بتفكيك لبنان وســوريــا والـعـراق لكي تصبح الساحة من حولها فارغة، وإن كان مَثَل «حماس» في غـزة يشير إلـى أن ذلـك غير ممكن. أمــا إيـــران، فـــإن الـنـووي يـعـد حـــزام األمــان . وقد كانت أذرُعُها هي خط 2004 لها منذ عام الدفاع األول، أو هي أمنها االستراتيجي. بيد أن تلك األذرع الـتـي تـهـدد إسـرائـيـل مـا عـادت تـسـتـطـيـع ذلـــــك، وقــــد ارتــــــدّت لـــلـــدواخـــل تــهــدّد بسلحها أمن الـدول وسيادتها واستقرارها. ولــن يتغير األمـــر حتى لـو ضــرب األميركيون إيــــــران، وهـــو غـيـر مـــرجَّـــح؛ إذ إن امليليشيات ستظل تتحرك بـالـدواخـل، وستظل إسرائيل حـــــاضـــــرة، وتـــقـــع كــــل الــــضــــربــــات عـــلـــى الـــــدول الـثـاث، الـتـي تقع بـن إسـرائـيـل وامليليشيات والدعاوى اإليرانية. الـــســـؤاالن اآلن هــمــا: مـتـى تــعــد إسـرائـيـل أن أمنها صـار متحققًا؟ ومـا مـآالت سياسات ترمب إلنـهـاء الـحـروب؟ إسرائيل واضـحـة في هذا الصدد: األمن ال يتحقق حاال إال بالقضاء على الـقـدرات العسكرية لسائر الخصوم. أما فـي االسـتـراتـيـجـيـات املـسـتـقـبـلـيـة، فـا بـد من تفكيك الدول من حول الكيان، وهو األمر الذي لم توافق عليه «أميركا ترمب» حتى اآلن. أما ســيــاســات تـــرمـــب فــتــزعــم أن مــصــالــح أمـيـركـا االســـتـــراتـــيـــجـــيـــة وأمـــنـــهـــا أعــــــم مــــن طــمــوحــات إسـرائـيـل. بيد أن حربها الحالية على اليمن تُــشــعــر بــــأن الــــحــــروب تـــدخـــل فـــي الــســيــاســات السلمية املدّعاة أيضًا. ال يفكر األميركيون كثيرًا في ردود األفعال بوصف قوتهم هي املطلقة. كما أنهم ال يقلقون لتناقض األقوال مع األفعال؛ فل أحد يستطيع مساءلتهم أو محاسبتهم. وفي النهاية: متى تـــأمـــن إســــرائــــيــــل، ومـــــا حــــــدود عـــقـيـــدة تـرمــب: «أميركا أوالً؟». متى تأمن إسرائيل؟ OPINION الرأي 13 Issue 16915 - العدد Friday - 2025/3/21 الجمعة محمود *المشهداني رضوان السيد الرئيس التنفيذي جمانا راشد الراشد CEO Jomana Rashid Alrashid نائبا رئيس التحرير زيد بن كمي Assistant Editor-in-Chief Aidroos Abdulaziz Saud AL Rayes Deputy Editor-in-Chief Zaid Bin Kami مساعدا رئيس التحرير محمد هاني Mohamed Hani األمير أحمد بن سلمان بن عبد العزيز عيدروس عبد العزيز سعود الريس 1987 أسسها سنة 1978 أسسها سنة هشام ومحمد علي حافظ رئيس التحرير غسان شربل Editor-in-Chief Ghassan Charbel
RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==