issue16909

OPINION الرأي 14 Issue 16909 - العدد Saturday - 2025/3/15 السبت وكيل التوزيع وكيل االشتراكات الوكيل اإلعالني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com editorial@aawsat.com املركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: info@arabmediaco.com موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 املركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: info@saudi-disribution.com موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى اإلمارات: شركة االمارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 املدينة املنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب األولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية املوجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها املسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة ملحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي باملعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: revenue@srmg.com srmg.com هل دخل السودان عصر الميليشيات؟ الفاتيكان في رمضان... معا على دروب السالم ترمب ــ أوروبا: نحو نظام عالمي جديد هـــنـــاك أكـــثـــر مـــن ســـرديـــة لـــبـــدايـــة الـــحـــرب فـــي الــــســــودان، ومـن هـو صاحب املصلحة فـي إشـعـال الـحـرب، لكن السردية الحكومية الرسمية تقول إن ميليشيا «قـوات الدعم السريع» تمردت على سلطة الدولة وحاولت االستيالء على السلطة، فــاضــطــر الــجــيــش لـلـتـصـدي لــهــا. لــكــن حــتــى مـــن يــقــول بتلك السردية يعترف بـأن «قــوات الدعم السريع» تكونت في عهد حكومة اإلنقاذ اإلسالمية، وكانت مهمتها هي القيام باألعمال التي ال يمكن للجيش أن يقوم بها، بخاصة في دارفــور التي كانت مشتعلة. وصدر قانون «الدعم السريع» في ظل حكومة اإلنـقـاذ، وتـم السماح لها بالتمدد مـن ناحية الـعـدد ونوعية التسليح حتى صــارت تشكل خطرًا حقيقيًا، ثـم جـاء الفريق عبد الفتاح البرهان وعــدّل قانون «الدعم السريع» ليمنحها مـزيـدًا مـن الـصـ حـيـات، ويعطيها قـــدرًا مـن االستقاللية عن القوات املسلحة السودانية. إذا افترضنا حسن النية فـي كـل مـا حـــدث، إن كــان ذلك ممكنًا، فالطبيعي أن يتعلم الـنـاس مـن التجربة، ويمتنعوا عن تكرارها، على األقل في املستقبل القريب، ويتجهوا ناحية تقوية الجيش الرسمي، وإعـــادة تأهيله وتسليحه وتدريبه ليكون القوة الوحيدة الحاملة للسالح، ولكن ما حدث عكس ذلك تمامًا. أعــلــنــت الــحــكــومــة االســتــنــفــار، وكــــان املــفــهــوم هـــو قـبـول متطوعي مــن املـدنـيـن لـ لـتـحـاق بـالـجـيـش. وفــعــ بـــدأ هـذا الــعــمــل فـــي عــــدد مـــن الــــواليــــات، لــكــن فـــي الـــوقـــت ذاتـــــه ظـهـرت «كتيبة البراء بن مالك» التابعة للحركة اإلسالمية، وبدأت من جانبها فتح بـاب التجنيد وسـط الشباب، واتـخـذت لنفسها شعارًا وراية مختلفي، وأدبيات مستوحاة من تاريخ الحركة اإلسالمية وفصائلها املسلحة في العهد املـاضـي، ثم أعلنت حـركـات دارفــــور املتحالفة مـع الحكومة تخليها عـن الحياد وانضمامها لصفوف الجيش، مـع فتح معسكرات للتجنيد والتدريب داخل وخارج السودان، وبالتحديد في دولة إريتريا املـــجـــاورة، ثــم ظـهـر نـحـو خمسة فـصـائـل مــن شـــرق الــســودان فتحت معسكراتها فــي إريـتـريـا وبــــدأت تـخـريـج املتطوعي. وكـان امللمح الظاهر لكل هذه املجموعات املسلحة، بما فيها حـركـات دارفـــور وشــرق الــســودان، هـو الطابع القبلي للحشد والتعبئة والتجنيد. االختالف الوحيد ظهر في منطقة البطانة، شرق الجزيرة، وواليتَي سنار والنيل األزرق، حيث ظهرت مجموعات مسلحة انضمت لـ«الدعم السريع»، بقيادة أبو عاقلة كيكل في منطقة الـبـطـانـة، والـبـيـشـي فــي منطقة ســنــار، والـعـمـدة أبـــو شـوتـال في النيل األزرق. وبالطبع كان الطابع القبلي لـ«قوات الدعم السريع» أظهر من أن يتم إخفاؤه؛ فقد اعتمدت بشكل أساسي على القبائل العربية في واليات دارفور. كانت التحذيرات تتردد من دوائر كثيرة، ليست فقط بي املجموعات املدنية التي وقفت ضد الحرب، ولكن حتى من بي صفوف السلطة والقوات املسلحة، واتفقت كلها على أن تمرد ميليشيا ال يمكن محاربته بتكوين عشرين ميليشيا أخرى ال تخضع بشكل مباشر لسلطة القوات املسلحة، وإنما لسلطة القبيلة. بعد االنقالب الكبير الذي قاده أبو عاقلة كيكل في أكتوبر ، وانضمامه للقوات املسلحة مع قواته 2024 ) (تشرين األول املسماة «درع السودان»، شنت «قوات الدعم السريع» حمالت انتقامية على مدن وقرى منطقة البطانة وشرق النيل، وقتلت املئات من املدنيي، وشــردت مئات اآلالف من قـراهـم، ونهبت مـتـاجـرهـم ومـمـتـلـكـاتـهـم. ورغــــم الـسـخـط الـكـبـيـر عـلـى كيكل باعتبار أنه كان مسؤوال عن استيالء «قـوات الدعم السريع» عـلـى واليــــة الــجــزيــرة، فــإنــه اسـتـفـاد مــن التعبئة القبلية في املنطقة وضاعف حجم قواته، واستطاع أن يحقق انتصارات كبيرة ضد «الدعم السريع». مـع تـقـدم الجيش وتحقيق االنـتـصـارات سـرعـان مـا بدأ صراع الفصائل يظهر على السطح، بخاصة من خالل صفحات «السوشيال ميديا»، بي مجموعات «القوات املشتركة» املكونة أساسًا من حركات دارفـــور املسلحة، وقــوات «درع الـسـودان» الـتـي تـمـددت فـي منطقتَي شــرق وغـــرب الـجـزيـرة حتى غطت على ما عداها، ومجموعات الكتائب اإلسالمية التي أحست بوجود منافسة مبنية على األسـاس القبلي واملناطقي تحد مـن تـمـددهـا فـي املـنـاطـق املختلفة. وتـحـولـت االنـتـقـادات إلى اتـهـامـات بالفساد وارتــكــاب الـجـرائـم والـتـصـفـيـات، ووصلت ملـرحـلـة تــبــادل اتـهـامـات الـخـيـانـة والـعـمـالـة. وتــزامــن ذلـــك مع تبني البرهان وأركان الحكومة ملا يُعرف بـ«خريطة الطريق» ملرحلة ما بعد الحرب، والتي أعدتها قوى سياسية ومسلحة متحالفة مع البرهان لم تشرك الحركة اإلسالمية في إعدادها. وتضمن «الخريطة» للبرهان حكمًا مطلقًا خالل فترة انتقالية قادمة، رأت فيها بعض الفصائل إنكارًا لدورها في الحرب. الـــخـــطـــر الــــــذي يـــخـــشـــاه الــــســــودانــــيــــون هــــو تـــحـــول هـــذه الـــصـــراعـــات اإلســفــيــريــة إلــــى صــــراعــــات مـيـلـيـشـيـات مسلحة على األرض، وهـو ما بـدا ظاهرًا اآلن؛ إذ تحول الـسـودان إلى «كـانـتـونـات» تدخل الـبـ د فـي دوامـــة ال يعرف أحــد حدودها وخطوط نهايتها. فـي هــذه األجـــواء الـتـي يـصـادف فيها شهر رمضان الفضيل، الصوم الكبير الذي يسبق عيد الفصح، وجهت - كعادتها - دائــرة الفاتيكان للحوار بي األديـــان، رسالة تهنئة وتبريكات، تأمل وتفكير عميق، إلى العالم العربي واإلســـــ مـــــي، حــمــلــت تــوقــيــع عــمــيــد الــــدائــــرة الـــكـــارديـــنـــال جـــاكـــوب كـــوفـــاكـــاد، وجــــــاءت تــحــت عـــنـــوان «مـسـيـحـيـون ومسلمون... ما نأمل أن نصبح عليه». يـبـدو واضــحــ أن الــهــدف مــن الــرســالــة الفاتيكانية الرمضانية هذا العام ليس التفكير في ما سبق وكان، بل التطلع إلــى املستقبل، إلــى األمـــام، حيث التحديات التي تجمع املؤمني معًا من أدنى املسكونة إلى أقصاها. تــــؤكــــد الــــرســــالــــة عـــلـــى أن فــــكــــرة الـــــصـــــوم والــــصــــ ة واإلحسان في رمضان تعد فرصة ثمينة للتقرب إلى الله، والتمسك بالقيم الجوهرية لإليمان والرحمة والتضامن. ولـعـلـهـا مـــن مــصــادفــات الـــقـــدر هـــذا الـــعـــام أن يـصـوم املسيحيون حــول العالم أربـعـن يومًا وليلة، فـي توقيت مـــواكـــب لـثـ ثـيـنـيـة الـــصـــوم الـــرمـــضـــانـــي، وكـــــأن الـتـدابـيـر الـعـلـويـة تـقـدم لـنـا فـرصـة فــريــدة للسفر جنبًا إلـــى جنب، مسيحيي ومسلمي، فـي مسيرة مشتركة مـن التطهير والصالة واملحبة. يعتبر الـكـارديـنـال جـاكـوب أنــه بالنسبة للكاثوليك حول العالم، الذين يعدون قرابة مليار وأربعمائة مليون، متحدين مع الكرسي الرسولي، أن وقـت الصوم املشترك فرصة ملشاركة الفرحة، ألنه يذكرنا بأننا جميعًا حجاج عــلــى هــــذه األرض، حــجــاج فـــي طــريــق الــــرجــــاء، والـسـعـي نحو الـدار اآلخـرة، تلك التي تبدأ من على األرض بالعمل الصالح والكلم الطيب. رسالة هـذا العام تدعو الجميع للتفكير، ليس فقط في ما كان، بل ما يمكن فعله وتحقيقه معًا، وكيف للجميع أن يمهدوا دروب الحياة من أجـل حياة أكثر رحابة، وأن يجعلوا األمل هو سيد املوقف. هل نريد أن نكون مجرد متعاوني لبناء عالم أفضل، أم أشــقــاء حقيقيي لنشهد مـعـ عـلـى محبة الـلـه لجميع البشر؟ هـــذا الـتـسـاؤل املـثـيـر للتأمل يـدعـونـا فــي واقـــع األمــر للتفريق بي مستويي من العيش، األول هو النسق النفعي البراغماتي، والثاني هو األخــوي، اإليماني والوجداني، القافز فوق سدود وحدود الربح باملفهوم الضيق. تبدو رسالة دائـرة الحوار بي األديــان في الفاتيكان هذا العام، أكثر أخوية، ال سيما أنها تحمل مقاربة أكثر إيمانية، جـديـدة وجميلة فـي الـوقـت ذاتــه على بساطتها وعمقها. يعد القائمون على الرسالة أن شهر رمضان بالنسبة للكاثوليك ليس مجرد شهر صيام فحسب، بل هو مدرسة للتغيير الداخلي، ألن في امتناعه عن الطعام والـشـراب، يتعلم املسلم السيطرة على رغباته والتوجه نحو األمور الجوهرية في حياته، وتصف الرسالة الشهر بأنه «زمن االنـضـبـاط الــروحــي»، حيث الـدعـوة لتنمية الـتـقـوى، تلك الـفـضـيـلـة الـتـي تـقـربـنـا إلــــى الـلـه تــعــالــى وتــفــتــح قـلـوبـنـا لآلخرين. يلفت صاحب الرسالة إلى أن زمن الصوم الكبير في املسيحية يـضـاهـي بــصــورة تـقـتـرب مــن الـتـطـابـق مفهوم الــصــوم فــي رمــضــان الــكــريــم، حـيـث تـدعـونـا تـلـك املـسـيـرة األربـعـيـنـيـة مـــن خـــ ل الــصــيــام والـــصـــ ة واإلحــــســــان، أي الــصــدقــة عــلــى الـفـقـيـر واملــــحــــروم واملـــحـــتـــاج، إلــــى تطهير قلوبنا والتركيز على ما ينعش حياتنا ويمنحها املعنى. هــذه املـمـارسـات الـروحـانـيـة، وإن كــان يُعبر عنها بطرق مختلفة، إنما تذكرنا بأن اإليمان ليس مجرد أمر يقتصر على األفـعـال الخارجية، بـل هـو طريق للتغيير الداخلي العميق والفاعل واملؤثر. تنقلنا رسـالـة الفاتيكان إلــى املسلمي فـي رمضان، من عالم التنظيرات اآليديولوجية، إلى حيز الواقع الفعلي والعملي على األرض. ففي عالم تكتنفه الظالم والصراعات وانعدام الثقة، ال يـمـكـن أن تـقـتـصـر دعــوتــنــا املــشــتــركــة عــلــى مــمــارســات روحية متشابهة، ذلك أن عاملنا متعطش لألخوة والحوار الـحـقـيـقـي، حـيـث يـمـكـن للمسلمي واملـسـيـحـيـن مـعـ أن يـكـونـوا شـهـودًا لـهـذا الــرجــاء، وبـرهـانـ على أن الصداقة ممكنة رغـم ثقل التاريخ واآليديولوجيات التي تجعلنا ننغلق عـلـى ذواتـــنـــا، فــي حــن يبقى الــرجــاء لـيـس مجرد تفاءل عابر، بل فضيلة متجذرة في اإليمان. تــرى الـرسـالـة أن شهر رمـضـان فـرصـة رائـعـة لنظهر مجددًا للعالم مسلمي ومسيحيي أن اإليمان يغير البشر واملجتمعات وأنه قوة للوحدة واملصالحة. والشاهد أنه في عالم تتصاعد فيه التيارات اليمينية، الــداعــيــة لتشييد الـــجـــدران وهـــدم الــجــســور، تـأتـي رسـالـة الفاتيكان ساعية ال فقط فـي طريق التعايش السطحي، بل السعي نحو الحياة الصادقة املتبادلة، عبر قيم خالقة تخدم اإلنسانية جمعاء كالعدالة والرحمة وحماية البيئة ورفض الظلم وعدم املباالة. الـعـالـم متعطش لـلـسـ م واألخــــــوة... عـسـى األصـــوام تجمعنا في الدعاء معًا لتحقيقهما. مع الوالية الثانية للرئيس األميركي دونــــــالــــــد تـــــرمـــــب، دخــــــل الــــنــــظــــام الـــعـــاملـــي فـــي حـقـبـة جـــديـــدة، ودخــلــنــا فـــي تـغـيـرات جــيــوســيــاســيــة واســـعـــة فـــي أوروبـــــــا وفــي أهـداف حلف الناتو، ولربما سنصبح في كـتـل فـــي الـعـالـم 3 حـقـبـة تـتـمـأسـس فـيـهـا «أميركية وروسية وصينية» إال أنه قد تعم الـفـوضـى والـــصـــراعـــات الـسـاحـة الـدولـيـة، وسـتـتـكـيـف كــل مـنـطـقـة فـي الــعــالــم بشكل متزعزع مع التكوين الجديد للقوة... ال أحـد كـان يتكهن أن الرئيس ترمب سيحدث شـرخـ عظيمًا فـي جـــدار النظام الـــعـــاملـــي الـــجـــديـــد بـــهـــاتـــه الــــحــــدة، وال كـل هاته التغييرات االستراتيجية في العالم، وباألخص في أوروبا، إلى درجة أن القادة األوروبـــيـــن بـــدأ ينتابهم خـــوف وجـــودي شــديــد، وهـــم يـعـيـشـون الــيــوم بــن سـنـدان ضـــــرورة املــحــافــظــة عــلــى الـــــود األمــيــركــي، ومـــــطـــــرقـــــة االســــــتــــــقــــــ ل االســــتــــراتــــيــــجــــي العسكري األوروبي. اســـتـــفـــاقـــت أوروبـــــــــا عـــلـــى وقـــــع واقــــع جـــديـــد، كــــان الـــرئـــيـــس األمـــيـــركـــي الـسـابـق بـــــايـــــدن يــــرســــل األســــلــــحــــة والــــعــــتــــاد إلـــى أوكــرانــيــا بــكــرم وحــمــاس شـديـديـن ودون مـقـابـل مـــالـــي، وكــــان يـطـمـئـن حــلــفــاءه في أوروبــــــا عــلــى أن الــحــلــف األطــلــســي مظلة عسكرية تحميها العيون االستخباراتية األمـــيـــركـــيـــة، وتــغــذيــهــا آخــــر االخـــتـــراعـــات العسكرية األميركية. وكـان األوروبـيـون بذلك في مأمن من أن يؤخذوا في تقلبهم فما هم بمعجزين أو على تخوف، لكن مع الرئيس األميركي تـرمـب كــل شـــيء تـغـيـر. وجـــد األوروبـــيـــون أنـــفـــســـهـــم مـــــع رجــــــل يـــجـــلـــس عـــلـــى عـــرش البيت األبيض، وهو يملك مقاليد السلطة التنفيذية بأكملها؛ كل يوم يأتي بقرارات يـــوقـــعـــهـــا دون اكـــــتـــــراث بــــأدبــــيــــات فـصـل السلطة في التاريخ األميركي، وفي صمت عجيب وغـيـر مـسـبـوق مــن الديمقراطيي الـــــذيـــــن ال يــــحــــركــــون ســـــاكـــــنـــــ ... وجـــــــدوا أنفسهم مــع رجـــل أعــمــال ذكـــي ومــاهــر في املـــفـــاوضـــات وال يـــخـــاف الـــعـــواقـــب؛ ينظر إلـى املساهمة البخسة ألوروبـــا في مجال تسلحها ودفــاعــهــا، وكـــأن أمـيـركـا وصية عـــلـــى وجـــــودهـــــا بــــن األمـــــــم. بـــــدأ بـعـمـلـيـة التأديب والترويض لألوكرانيي، وكانت املشادة العلنية الالمسبوقة بي الرئيس األوكراني زيلينسكي والرئيس األميركي تـرمـب فـي البيت األبــيــض، وهــي مواجهة عــلــى املـــبـــاشـــر تـنـاقـلـتـهـا وســـائـــل اإلعــــ م الدولية في تعجب وذعر أصاب العديد من الــدول، وباألخص الحلفاء األوروبــيــون... غـــيّـــرت واشـــنـــطـــن فـــي الـــحـــن مــوقــفــهــا من الــــحــــرب الـــروســـيـــة األوكــــرانــــيــــة، وجـــمـــدت مــســاعــداتــهــا الــعــســكــريــة لـكـيـيـف وتـــبـــادل املعلومات االستخباراتية معها... لم تمر تلك الليلة حتى بدأت اجتماعات متتالية للقادة األوروبـيـن، يحركهم أحد جناحي االتــحــاد األوروبـــــي، أي فـرنـسـا فـقـط، بعد أن أصــيــب الـجـنــاح الــثــانــي، وأعــنــي بذلك أملانيا بمشاكل سياسية داخلية صعبة... والنتيجة اتــفــاق قـــادة االتــحــاد األوروبــــي على خطة إلعــادة تسليح أوروبـــا، تقضي مليار يـورو، وبالتأكيد 800 برصد نحو سيخصص جزء كبير منه لشراء السالح األمـيـركـي، ألن املشكلة ليست فـي املـــوارد املالية التي سيجود بها عن مضض دافعو الـــضـــرائـــب فـــي أوروبـــــــا، ولـكـنـهـا مـرتـبـطـة بـالـقـدرة اإلنـتـاجـيـة، فــأوروبــا ال تستطيع إنــــتــــاج الــــســــ ح بــشــكــل كـــبـــيـــر؛ فـمـصـانـع األســـلـــحـــة قــلــيــلــة مـــقـــارنـــة مــــع نــظــيــراتــهــا األمـــيـــركـــيـــة أو الــــروســــيــــة أو الــصــيــنــيــة، وهــــنــــاك حـــاجـــة لـــبـــنـــاء مـــنـــشـــآت جـــديـــدة، وتطوير سلسلة اإلمدادات، وصناعة مواد أولـيـة ملواكبة الطلب. كما أن األوكرانيي سـيـسـمـحـون ألمــيــركــا بـاسـتـغـ ل مـعـادن أوكــــرانــــيــــا الـــــنـــــادرة لــتــغــطــيــة املـــصـــاريـــف العسكرية إلدارة الرئيس السابق بايدن لصالح األوكـرانـيـن... وحسب معهد كيل األملــــانــــي، فــــإن واشــنــطــن قـــدّمـــت بـمـفـردهـا نـحـو نـصـف قـيـمـة املــســاعــدات العسكرية .2024 إلـى 2022 ألوكرانيا في الفترة من الـــرابـــح الــيــوم هــو أمـيـركـا الـرئـيـس ترمب بـامـتـيـاز، والــخــاســر األكــبــر هــو أوكــرانــيــا وأوروبــــــــا، وســتــطــول هـــاتـــه املـــعـــادلـــة، ألن أوروبـــــا لـــو أنـفـقـت مـــا فـــي األرض جميعًا في تسلحها، فال يمكنها أن تستغني عن أميركا وعـن سالحها وعـن استخباراتها وعـــن أقــمــار تجسسها وأنـظـمـة مراقبتها وعــــــن هــيــمــنــتــهــا وعــــــن دورهـــــــــا املــــركــــزي والدركي في الحلف األطلسي وفي العالم. وهـــنـــاك مــشــكــل آخــــر يـــــؤرق الـحـلـفـاء األوروبـــــــيـــــــن، هــــو أن الـــعـــالـــم دخـــــل أكــثــر مـــن أي وقــــت مــضــى فـــي مــرحــلــة املـجـهـول والــتــوجــس والــغــمــوض والــ يــقــن. ومــرد ذلــــك أنـــهـــم ال يــــــدرون مـــا يـخـفـيـه الـرئـيـس تـرمـب فــي نفسه كــل ليلة وال يـبـديـه لهم؛ وهــــــو كـــــل مــــــرة يـــطـــلـــب املــــــزيــــــد، ألنَّــــــــه فـي مرحلة قوة وال يبالي باألعراف والتقاليد الـدبـلـومـاسـيـة واالقـتـصـاديـة والـتـجـاريـة؛ وهـو يقدس قـاعـدة «أميركا أوالً»، ويريد تغيير الـنـظـام الـعـاملـي الـــذي ألفته الـــدول، ونـــظـــر لـــه املـــنـــظـــرون مــنــذ عـــقـــود؛ ويــأخــذ قـــــرارات غـيـر مـسـبـوقـة ومـتـتـالـيـة. ويكفي يــومــ، أصــدر 40 أن نستحضر أنـــه خـــ ل أمــــرًا تـنـفـيـذيـ ، أي 79 الــرئــيــس األمــيــركــي مــا يــعــادل مـجـمـوع مـراسـيـم بــايــدن خـ ل عامه األول بالبيت األبيض. كل هذا يدخل فـــي إطـــــار الــعــقــيــدة األمـــيـــركـــيـــة الـتـرمـبـيـة القائمة على «إحياء الحلم األميركي» وما تتبعها مــن سـيـاسـات صــارمــة فــي مجال الـــهـــجـــرة، وأخــــــرى اقــتــصــاديــة تـــقـــوم على فـــرض الــرســوم الجمركية ضــد دول، مثل كندا واملكسيك واالتـحـاد األوروبـــي، وهي مجتمعة تغير الـنـظـام الـعـاملـي، وتـزعـزع األســـــواق والـــبـــورصـــات، وتــســرح الـعـمـال، وتؤثر على مستقبل األحزاب الحاكمة في تلكم البلدان. عبد الحق عزوزي فيصل محمد صالح إميل أمين

RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==