issue16851

Issue 16851 - العدد Thursday - 2025/1/16 الخميس OPINION الرأي 14 موضوع الفكاهة في المجال الاجتماعي لـــو تــأمــلــنــا فـــي مـــوضـــوع الــضــحــك أو الــنــكــتــة، أو الـــفـــيـــديـــوهـــات الـــحـــيـــويّـــة الـتـي تـــصـــلـــنـــا، لــــوجــــدنــــا أنــــهــــا تـــضـــج بــالــحــيــاة وبــــالــــشــــيــــفــــرات المــــــركــــــزة، مـــعـــظـــم المــثــقــفــن يـــتـــجـــهّـــمـــون تـــــجـــــاه الــــحــــيــــاة الـــضـــاحـــكـــة، ويـــزدحـــمـــون بــالمــؤتــمــرات والــــنــــدوات. وإذا أردنا فحص موقع النكتة من الثقافة، فإنها تلتقي بشكلٍ فلسفي مع مواضيع الجمال وهي جزء من «نظرية الضحك». وأحسب أن من لا يرى كل يومٍ مشاهد ضاحكة، فإن في حيويته الدنيوية الكثير من الخلل. إن النكتة دائماً مكثّفة بموضوع أســـاســـي ولــكــنــه ضــمــن ســـيـــاقٍ ضـــاحـــك، إن الـنـكـتـة هــي حـمـولـة مـصـغّـرة مــن توصيف الــوقــائــع. الـفـاسـفـة الـكـبـار مـثـل أفــاطــون، وأرسـطـو، وكـانـط، وشبنهور، وبرغسون، ونيتشه، وغيرهم لهم إسهامات في إيضاح نظرية الضحك. ربما جاء الحديث عن نظرية الضحك عرضاً كما هي الحال لدى كانط في كتابه «نقد ملَكة الحُكم»، أو حتى لدى أفلطون، أو شبنهور، ومن قبلهم أرسطو، إذ تجيء كاستطراد داخل نظريات تتعلق بالجمال. أما برغسون فقد ألّف كتابه «الضحك» بحثاً في دلالتها وترجمه: سامي الدروبي، وعبد الله عبد الدايم بطريقةٍ متميزة. بينما كيركغارد دوّن أكثر مـن كتاب، وعـبـد الـفـتـاح إمـــام اسـتـعـاد بحثاً بعنوان «مفهوم التهكم عند كيركغارد». بينما شاكر عبد الحميد طرح كتابه النفيس «الفكاهة والضحك - رؤية جديدة»، وأسـتـعـيـد بـعـض مــقــولاتــه هــنــا. يــقــول في فصل «فلسفة الضحك»: «هناك ارتباط ما بي الفلسفة العامة للفيلسوف وبي أفكاره الـخـاصـة بعلم الـجـمـال (الاستطيقا) وبي أفكاره المتعلقة بالضحك، فالضحك وثيق الصلة بالإبداع والفن». برونو يكتب أن ثمة رابطة بي البكاء والسرور. إذ يقول: «إن أشكال الضحك تأتي ممزوجة بدرجة ما من الحزن والبكاء، وإن كل بكاءٍ إنما يخفي خلفه درجـة من المتعة والسرور». بـــيـــنـــمـــا شـــبـــنـــهـــور رأى أن الـــضـــحـــك «ينشأ نتيجة افتقار للتجانس أو حدوث التناقض بي الموجة العقلية المجردة وبي تـمـثـل أو تـمـثـيـل مـعـرفـي مـعـن يــقــوم على أساس الإدراك، أي إن الضحك ببساطة هو محصّلة لذلك الصراع أو التفاوت المعرفي الذي لا يمكن اجتنابه بي المتصوّر العقلي العام والمدرك الحسي الخاص»، و«إن سبب الضحك هـو ببساطة ذلـك الإدراك المفاجئ للتناقض بي تصورٍ معي، وبي المواضيع الـــواقـــعـــيـــة المــــحــــددة الـــتـــي تـــم الاعـــتـــقـــاد من قبل بوجود علقة معينة بينها وبـن هذا التصور». تحدث كيركغارد عن أن التهكّم عامةً: «يــحــرر مــن أعــبــاء الـــواقـــع المــعــاش والــواقــع الامـــبـــريـــقـــي (الـــتـــجـــريـــبـــي) الـــعـــمـــلـــي، ولــكــن هـذه الحرية تظل حرية من النوع السلبي نـسـبـيـ ، لـكـن الـتـهـكّـم لـــه جـانـبـه الإيـجـابـي أيـضـ الـــذي يـقـوم عـلـى أســـاس الاسـتـمـتـاع الــذي يتمثل فـي أن التهكم يوفر لصاحبه شكلً من أشكال الاكتفاء بـالـذات، أو نوعاً من الغلوّ بالثقة في النفس». الخلصة؛ أن النكتة بقدر ما هي فعل عـلـوّ مــن أعــبــاء الـــواقـــع، وبــقــدر مــا هــي نقد شـديـد أو حيوية اجتماعية رمـزيـة، فإنها التعبير الأكثر صدحاً والأكثر غموضاً. ثمة حــالــة تــواطــؤ اجـتـمـاعـي عـلـى الـضـحـك من مفارقة معينة تجاه صورة أو لفظة معينة. النكتة تتكثّف مع الوقائع الصاعدة، وهذا موجود عبر التاريخ وهي تبويب اجتماعي للتعبير عـن رأي فـي واقـعـة معينة، ولذلك أخـــذهـــا عــلــمــاء الاجـــتـــمـــاع بــعــن الاعــتــبــار والتحليل والتدقيق. النكتة تتكثّفمع الوقائع الصاعدة عبر التاريخ لذلك أخذها علماء الاجتماع في الاعتبار والتحليل والتدقيق فهد سليمان الشقيران تشرين»! 17« هبّترياح ثورة لبعض التواريخ رمزية تُبقيها في الذاكرة، تسكن وجــــدان الــنــاس، لا يُطفئها مـــرور الـزمـن. ، تـاريـخ الثورة 2019 ) أكتوبر (تشرين الأول 17 اللبنانية الأعمق التي أنجزت المصالحة الحقيقية الأولى بي الشرائح اللبنانية والأجيال. فتوحدوا حــــول حـــقـــوق ثــابــتــة لــهــم انــتُــهــكــت مـــن سـلـطـات الاســـتـــبـــداد، تــبــدأ بـاسـتـعـادة الــدســتــور والــدولــة التي تحتضن أبناءها وصولاً إلى أحقية المطالب الاجتماعية. فاستحضرت شعار «سان جوست» قـديـس الــثــورة الـفـرنـسـيـة، وتـبـنّـتـه: «كـلـن يعني كلن»، وراء انتهاك الحقوق وإذلال اللبنانيي. ظــــنّ المـتـسـلـطـون الـــذيـــن تـحـصـنـوا بـــ«نــظــام حــــصــــانــــات» و«قـــــانـــــون إفــــــات مــــن الــــعــــقــــاب» أن عمليات القمع واقــتــاع الـسـاحـات وحـــرق خيام الـنـقـاش الـتـي نـفّـذهـا مـنـاصـرون لــ «حـــزب الـلـه»، والافتراء والتجني والتشويه، ستجنّبهم الآتي، فحضرت الثورة بقوة في الانتخابات البرلمانية . ومـع تصويت عقابي 2022 ) مايو (أيــار 15 يـوم 12 ألفصوت حصلت الثورة على 430 وصل إلى 40 مقعداً نيابياً، كان يمكنها أن تصل إلى نحو مقعداً في البرلمان، لولا القانون المذهبي المفصّل عـلـى مـقـاس الــقــوى الـطـائـفـيـة. ورغـــم صـعـوبـات، أهمها ذاتـيـة، شكّلوا فـارقـ فـي الـبـرلمـان، عندما تشبثوا وحـدهـم بـالـسـيـادة والـحـقـوق برفضهم الترسيم البحري الجائر، الذي أعلن إطاره رئيس مـجـلـس الـــنـــواب نـبـيـه بــــري، وتـخـلـى عــن الــثــروة وتـــنـــازل عــن الــســيــادة والـــحـــدود لمصلحة الـعـدو الإسرائيلي. ، يــــــوم الــتــفــجــيــر 2020 ) أغـــســـطـــس (آب 4 الهمايوني لمـرفـأ بـيـروت الـــذي رمّـــد قلب بيروت وأنزل باللبنانيي إبادة جماعية وهجّر أكثر من ألف مواطن. غابت السلطة فانتظمت القوى 300 الشابة «التشرينية» عموماً في أكبر حملة لرفع الأنـقـاض وبلسمة الــجــراح. تـبـنّ أن المتسلطي، الــذيــن يـقـودهـم «حـــزب الــلــه»، كــانــوا يعلمون أن بيروت العصية على التطويع تنام على وسادة شبه نووية فتركوا الناس لمصيرهم، إنهم أدوات النظام الأســـدي القاتل. وكــان الــرد الشعبي يوم أغـسـطـس فــي مـظـاهـرة غـطّـت وســـط العاصمة 8 ورفـــعـــت مــجــســمــات تـــدعـــو لمــعــاقــبــة المـتـسـلـطـن، وتـعـرضـت لقمع وحـشـي تسبب فــي فـــقء عيون مئات المناضلي/ات بالرصاص المطّاط. تجاوز ظلمهم المدى؛ نهبوا الودائع، وسطوا عـلـى جـنـى الأعـــمـــار، وأفـــقـــروا الـبـلـد واستتبعوا القضاء، ومنعوا المساءلة والمـاحـقـة، ومـارسـوا الرشوة بحق الناس فمنحوهم بعض السنتات الشهرية من ودائعهم المنهوبة. وبلغ الظلم حد تقتير وجبات الغذاء عن الجيش. وتبقى أخطر الممارسات مصادرة الحقيقة في جريمة تفجير مـــرفـــأ بــــيــــروت وحـــجـــب الــــعــــدالــــة عــــن الــعــاصــمــة وأهــلــهــا. وعــنــدمــا وصـــل الـتـحـقـيـق الــعــدلــي إلـى مرحلة متقدمة وادّعــــى الـقـاضـي طـــارق البيطار عــلــى سـيـاسـيـن وأمــنــيــن «صــــف أول» بجناية «الـقـصـد الاحـتـمـالـي بـالـقـتـل» عـطّـلـوا التحقيق، وادّعوا على قاضي التحقيق وهم مَن عيّنوه! تـــغـــطـــيـــة اخــــتــــطــــاف «حــــــــزب الـــــلـــــه» لـــلـــدولـــة ومـــصـــادرة الـــقـــرار بـعـد جـعـل الــشــغــور الـرئـاسـي وتفريغ السلطة نهجاً، مكّنه من أخذ بلد موجوع جائع إلـى حـربٍ مدمرة، قررها النظام في إيـران لمــاقــاة حـــرب الــســنــوار فـتُـمـكـنـه مــن حـجـز موقع متقدم لهيمنته، والبقية معروفة. فاوَضوا على اتفاق وقف النار وحكومتهم بصمت عليه وبات مُلزماً ولم يعد ممكناً بقاء الشغور، فكان حدث يناير (كانون الثاني) الجاري، الذي التقت فيه 9 إرادات خارجية مع ضغط شعبي فـرض العماد جـوزيــف عــون رئـيـسـ ، الـقـائـد الـــذي حـفـظ وحــدة الجيش ومنع تجويعه. فوجئوا بخطاب القسم ومنحى التذكير بالشهابية، بانية الـدولـة التي لـم تنجح بعد معاولهم فـي تهديمها بالكامل. وبــدأت السلطة العميقة المتجذرة تُعدّ للنقلب على العهد الجديد وتطويعه بفرضبقاء الرئيس نجيب ميقاتي على رأس الحكومة... فيما راحت البقية إلــى ترشيح فـــؤاد مـخـزومـي، أحــد وجـوه المـاضـي. كانت الخطوة الفاصلة ترشح النائب التغييري إبـراهـيـم منيمنة، لـرئـاسـة الحكومة، في رفـضٍ لأن يكون الاختيار بي حامي السلح اللشرعي وتاجر السلح، وعنوان إطلق معركة الــبــديــل الــوحــيــد الــســيــاســي والأكـــاديـــمـــي نـــواف سلم رئيس محكمة العدل الدولية، وإلاّ سيعود ميقاتي الذي نسف جوهر خطاب القَسم عن «حق الدولة في احتكار السلح» عندما تبنّى ترّهات تقول بحصر الاتفاق في جنوب الليطاني! لــلــمــرة الأولــــــى تــكــتّــل نـــــواب الـتـغـيـيـر داخـــل مــــعــــارضــــة نــــظــــام المــــحــــاصــــصــــة وخـــــــارجـــــــه، مــع تــحــفــز «تـــشـــريـــنـــي» طـــــال كــــل الـــــنـــــواب. مـنـيـمـنـة جــاهــز لـانـسـحـاب لــنــواف ســــام، فــدخــل أطـــراف المنظومة، بعضهم في بعض، وفرطت توافقات ستكشف الأيام عن تفاصيلها، وفُرض انسحاب المـخـزومـي، والـبـرلمـان الـــذي كــان رافـضـ جوزيف عـون ثـم نــواف سـام انقلب على نفسه، وتنحّت الــجــاري تضافرت 13 تشكيلته الطائفية. يــوم جملة عوامل أبرزها إرادة داخلية عارمة للتغيير فــي الـقـلـب منها المــنــاخ «الـتـشـريـنـي» وكـــل نــواب التغيير. فرحت بيروت وابتهج لبنان واسـودّت وجـــوه، ووصـــل نـــواف ســام إلــى رئـاسـة السلطة الــتــنــفــيــذيــة، وهــــو الـــقـــائـــل إن «الـــثـــنـــائـــيـــة» الـتـي تُغريه هي «ضـــرورة الـتـازم بي الإصــاح المالي والاقتصادي والإصـاح السياسي» شرطاً لقيام دولـــــة حــديــثــة عـــادلـــة إنـــقـــاذيـــة، «دولـــــة عــلــى قــدر طموحات شابات وشبان بلدي». همّه «أن تعود مدينتي بـيـروت أمّـــ لـلـشـرائـع»، وأن ننجح «في إقامة دولـة القانون في بلدنا وأن يسود العدل بــن أبــنــائــه»، كـمـا «الــتــصــدي لعقلية الزبائنية وثقافة المحاصصة»! ســنــة أثـــمـــرت الــــثــــورة الـفـرنـسـيـة، 123 بــعــد فمنحت البشرية عصر الأنوار، أما «ثورة تشرين» سنوات، لكن 5 فها هي تُثمر اليوم بعد نحوٍ من ستبقى التحديات كبيرة وداهمة لإيجاد الأسس التي تحمي الانتصار «التشريني»! حنا صالح ستبقى التحديات كبيرة وداهمة لإيجاد الأسس التي تحمي الانتصار «التشريني»! السودان... انتصار مدني وفتنة الانتقام! «الـــعـــن بـــالـــعـــن... تــجــعــل الـــعـــالـــم كــلــه أعـــمـــى». تـــذكـــرت هــــذه الـــعـــبـــارة المــنــســوبــة لـلـمـهـاتـمـا غــانــدي خــــال مـتـابـعـتـي لـبـعـض الأحـــــــداث الـــتـــي وقـــعـــت في ولايـة الجزيرة وسط السودان، وكـادت تغطي تماماً على أجــواء الفرح الـعـارم بي السودانيي، أو فلنقل بي أكثريتهم الساحقة، بعد الانتصار الـذي حققته القوات المسلحة ومَـن يقاتل في صفوفها من القوات المـشـتـركـة والمـسـتـنـفـريـن، بــاســتــعــادة مـديـنـة مـدنـي، «صــرة الــســودان» ومعها الكثير مـن مناطق الولاية التي كانت تحت سيطرة «قوات الدعم السريع» لنحو عام ذاقـت خلله شتى صنوف المعاناة والانتهاكات الجسيمة. فـــي خـضـم أجـــــواء الـــفـــرح، انــتــشــرت عـلـى نـطـاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تـــصـــور مــنــاظــر بـشـعـة وصـــادمـــة لـعـمـلـيـات تصفية لأشخاص بالزي المدني على أيدي مسلحي بعضهم بزي القوات المسلحة، والبعض الآخر من المستنفرين. صحيح أن هذه الجرائم والموثق منها توثيقاً لا يقبل الشك، كانت محدودة، لكن أثرها كان كبيراً، وضررها بليغاً. فـالـسـودانـيـون بطبعهم ينفرون مـن القسوة التي ظهرت في المقاطع التيسجلت تصفية أشخاص عزل بشكل فوري وانتقامي بالإعدام بالرصاص، أو بالذبح، أو بالتعذيب والإهـانـة ثـم الـرمـي فـي النهر واتباع ذلك بإطلق زخات من الرصاص. إضافة إلى طبيعة الجرائم المروعة، كان مزعجاً أيضاً ما جرى تداوله، وتضخيمه في بعض الأحيان، عـن استهداف سكان «الكنابي» فـي ولايــة الجزيرة، وربط ذلك بدوافع عرقية. فقد أوردت بعض التقارير شخصاً قُتلوا على يد مسلحي في «كمبو 13 أن نحو طيبة»، وفسر الأمر على أنه بدوافع عرقية وجهوية، وهو أمر يطرق على وتر حساس يستغله الساعون لتأجيج خـطـاب الـعـنـصـريـة والـجـهـويـة والـكـراهـيـة. والـــكـــنـــابـــي (مـــفـــردهـــا كــمــبــو بـمـعـنـى المــعــســكــر) هي مناطق فقيرة يسكنها بالأساس متحدرون من غرب الـــســـودان وتـحـديـداً مــن إقـلـيـم دارفـــــور، اسـتـقـروا في ولايـــة الـجـزيـرة وعملوا بـالـزراعـة وصـــاروا جـــزءاً من مكوناتها. وقد استغل وضعهم أحياناً لإثارة المشاكل الجهوية وتأجيج خطاب الكراهية، لا سيما إبان هذه الحرب. فبينما سعت بعض الأطراف للصطياد في الماء العكر بتضخيم ما ورد عن الجريمة التي ارتكبت في «كمبو طيبة»، صدرت بيانات وتصريحات أخرى تــنــفــي وقـــــوع اســـتـــهـــداف واســـــع أو مـمـنـهـج لـسـكـان الــكــنــابــي، وتـــحـــذر مـــن مـــحـــاولات زرع الــفــن وإثــــارة الكراهية. الــواضــح لكثير مـن المتابعي أن الأحــــداث التي وقعت بعد تحرير مدني طغى عليها دافــع الانتقام نتيجة الانتهاكات الواسعة التي حدثت على أيدي «قوات الدعم السريع» منذ اجتياحها ولاية الجزيرة ولا تــزال مستمرة في مناطق وجـودهـا. فهناك عدد من سكان الكنابي وغيرهم من الأهالي انضموا إلى «قـــــوات الـــدعـــم الــســريــع» وشـــاركـــوا فـــي انـتـهـاكـاتـهـا، أو عـمـلـوا مـرشـديـن لـهـا، أو قــامــوا بـجـرائـم الاعــتــداء على البيوت والمـحـات التجارية ونهبوها. لكن في مقابل هـــؤلاء هـنـاك أيـضـ أعـــداد مـن سـكـان الكنابي الــــذيــــن شــــاركــــوا ضـــمـــن مــســتــنــفــري أبــــنــــاء الـــجـــزيـــرة الذين انضموا إلى صفوف القوات المسلحة وقاتلوا لاستعادة مناطقهم ودفاعاً عن مناطق أخرى. يُــحــمــد لـــقـــيـــادة الــجــيــش أنـــهـــا تــحــركــت سـريـعـ لإدانة هذه الأحـداث ومرتكبيها وتعهدت بالتحقيق فـيـهـا ومـحـاسـبـة المــســؤولــن عـنـهـا. كـمـا أن الـفـريـق عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة وقائد الـجـيـش، حـــرص عـلـى الـتـشـديـد عـلـى رفـــض سياسة الانتقام وأخــذ الحقوق باليد، قـائـاً إن كـل متهم أو مشتبه يثبت تـورطـه «فــي دعــم الميليشيا المتمردة» سيقدم لمحاكمة عادلة. المـــهـــم الآن أن يــتــحــرّك الــجــيــش فـــعـــاً لمـحـاسـبـة المـــســـؤولـــن عـــن هــــذه الـــتـــجـــاوزات لأنــــه قــــوة نظامية ولـيـس ميليشيا، كما قــال الـبـرهـان، وبـالـتـالـي لديه مسؤولية فـي تطبيق قوانينه والالـــتـــزام بالقواني الإنسانية الدولية. ومـا يضيف من أعبائه أن هناك قوات وكتائب غير نظامية، وأعـداداً من المستنفرين، يقاتلون فـي صـفـوفـه، وهـــؤلاء قـد يتصرفون بنهج مختلفخارج عن أسس الانضباط، وسبق أنصدرت من بعضهم تجاوزات شكا منها مواطنون، ما يعني أن هناك ضـــرورة لمبدأ المحاسبة حتى لا تنتشر أي مظاهر فـوضـى، أو يعتقد آخـــرون أنــه يمكنهم أخذ حقوقهم بأيديهم والانتقام جراء ما أصابهم ولحق بأهلهم من انتهاكات «قوات الدعم السريع». في ظل الأوضاع الصعبة التي يمر بها السودان، والاسـتـقـطـاب الـشـديـد الـــذي أحـدثـتـه الـــحـــرب، هناك أهــمــيــة أيـــضـــ لمــحــاربــة خـــطـــاب الــكــراهــيــة ومــحــاولــة إثارة الفت، والمسؤولية هنا تقع على عاتق الجميع. فــالــذيــن يـعـتـقـدون أنــهــم يـسـجـلـون نـقـاطـ سياسية بتضخيم حادثة في الكنابي واستخدامها للتأجيج وإثــــارة نـعـرات عنصرية أو جـهـويـة، إنـمـا يغرسون خنجراً آخـر في خاصرة البلد الممتحن بالجراحات والآلام، ولا يحتاج إلى المزيد. هـــذه الــحــرب ستنتهي عــاجــاً أم آجــــاً، وإذا لم يـــراعِ البعض أن يجعل للصراع سقفاً لا يتجاوزه، وهــو الـوطـن والـحـفـاظ على تماسكه، والابـتـعـاد عن كل ما يضعف وحدته، فإن هذه الحرب لن تكون آخر حروب السودان على الرغم من الكلم الإنشائي الذي يردده البعض ويفعل عكسه. إذا لم يراعِ بعضالأطراف أن يجعل للصراع سقفاً لا يتجاوزه فإن الحرب السودانية لن تكون الأخيرة عثمان ميرغني

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky