issue16851

كـــان يــومــا مـشـؤومـا 1975 ) أبــريــل (نــيــســان 13 عقود 5 في لبنان؛ اشتعلت فيه حرب استمرّت نحو مـــن الــــزمــــن، وســـادتـــهـــا فـــتـــرات مـــن الــــهــــدوء والأمـــــل، ســرعــان مــا كـانـا يـتـبـخـران لـيـعـود الـتـوتـر والــيــأس. وصفها كثيرون بأنها «حروب الآخرين على الأرض اللبنانية»، والـبـعـض قـالـوا إن سببها هـو مشروع كيسنجر لتوطين الفلسطينيين في لبنان، وآخرون قالوا إن أساس الحرب هو النظام الطائفي البغيض الـذي يقف حاجزاً أمـام التقدم والحداثة، وهناك من وضـــع المـسـؤولـيـة لـــدى الطبقة الـسـيـاسـيـة الـفـاسـدة الـــتـــي تـــؤجـــج الــطــائــفــيــة حــفــاظــا عــلــى مـــراكـــزهـــا في الـنـظـام... ولعل الحقيقة هـي أن الانـفـجـار اللبناني كان نتيجة هذه الأسباب مجتمعة. بداية 1975 ولـقـد كـانـت الـحـرب اللبنانية عــام عاما حدثت تباعا في معظم 50 لتقلبات على مدى بـاد المنطقة، فاهتزت الأنظمة التي كانت تتصارع في لبنان بواسطة اللبنانيين، وسقط قادتها سقوطا مدويا، وعمّت الفوضى في مجتمعاتها، فكان إنهاء النظام البعثي وإعدام صدام حسين في العراق، وقتل معمر القذافي في ليبيا، وخلع حسني مبارك وكذلك خليفته... واستمرت التقلبات، وكان آخرها السقوط المذل لحكم آل الأسد. اندثرت أنظمة وصعدت أخرى، والـــبـــعـــض اكـــتـــفـــى مــــن تـــصـــرفـــات الأنـــظـــمـــة الـــبـــائـــدة وتوجه نحو معالجة التحديات الداخلية والنهوض بمجتمعه بعد طول معاناة وقهر وتهجير. فـــــي المـــحـــصـــلـــة أصــــبــــح واضـــــحـــــا أن المــــشــــروع الإيراني التوسعي حاول فيه النظام، على مدى أكثر عقود، أن يسيطر على دول بواسطة ميليشيات 3 من تـابـعـة لـــه دفــعــت غـالـيـا ثـمـن تسليحها وتـدريـبـهـا، ومـــا لبثت أن انـــهـــارت سـريـعـا أمـــام تـفـوق إسـرائـيـل العسكري ووهن الأنظمة الحاضنة. وتنقل مصادر مطلعة أخباراً عن اتجاه تغييري في إيران يعمل بهدوء وثبات ويرمي إلى وقف كامل لــلــمــشــروع؛ تــمــويــاً وتـسـلـيـحـا، وعـــــودة الـــبـــاد إلـى المجتمع الــدولــي وإنــهــاء الـعـزلـة والـعـقـوبـات المـؤلمـة. ويُنقل عن أحد قادة هذا الاتجاه؛ وهو محمد جواد ظريف، قوله إن الإقـدام على التغيير طوعا لا فرضا هو رأس الحكمة، ويُنقل أيضا عن الرئيس الإيراني، مسعود بيزشكيان، قـولـه إن الشعب الإيــرانــي كان أولى بالمليارات التي دُفعت للأذرع وتمويل الحروب الـــعـــبـــثـــيـــة. ومـــــن هـــنـــا، فــعــلــى الأقــــــــل، فــــي المـسـتـقـبـل المتوسط والبعيد، لم يبقَ على الأرض اللبنانية من لديه الرغبة في التقاتل؛ وربما المقدرة أيضا. وهذا يـشـكـل فــرصــة حقيقية، ولأول مـــرة مـنـذ سبعينات الـقـرن المـاضـي، لكي تنهض الـدولـة فـي لبنان بعيداً عن تأثيرات وتدخلت الدول الإقليمية. من ناحية أخـرى، أصبح من الواضح أن اتفاق وقـف إطــاق الـنـار الأخـيـر بـ إسرائيل ولبنان هو عمليا موافقة على إنـهـاء حـال المواجهة العسكرية مـع إسـرائـيـل ولأول مــرة منذ «اتــفــاق الـقـاهـرة» عام ، الـذي في المحصلة وافـق لبنان بموجبه على 1969 الـسـمـاح للفلسطينيين وحـلـفـائـهـم بـحـمـل الـسـاح ضد إسرائيل انطلقا من الأراضـي اللبنانية. ورغم إلغاء الـدولـة اللبنانية «اتـفـاق القاهرة» في يونيو ، فـــإن «حـــزب الــلــه» اسـتـمـر في 1987 (حـــزيـــران) عـــام الالــتــحــام الــعــســكــري، مــتــذرعــا بــعــدة مـــبـــررات، مثل تحرير مـــزارع شبعا وتــال كفرشوبا مـن الاحتلل الإسرائيلي، وابتداع نظام «ثلثية الشعب والجيش والمـقـاومـة» الــذي لا وجــود لـه فـي أي دولــة بالعالم. وبعد مغامرة إسناد غـزة والــرد الإسرائيلي المدمر الــــــذي جـــعـــل جـــنـــوب لـــبـــنـــان أرضــــــا مـــحـــروقـــة ودمــــر معظم قــــدرات «حـــزب الــلــه»، منهيا أســطــورة الـــردع الـــتـــي تــغــنــى بـــهـــا، قُـــضـــي عــلــى مـــا سُــمــيــت «قـــواعـــد الاشتباك» لتُستبدل بها حال «اللاشتباك». وتقول مـصـادر غربية مطلعة جــداً إن المنطقة المـمـتـدة من نهر الليطاني جنوبا حتى الـنـاقـورة باتت منطقة خاضعة للمراقبة المـشـددة، وإنها ستبقى منزوعة الــــســــاح، ربـــمـــا مـــا عــــدا لـلـجـيـش الــلــبــنــانــي وقــــوات الـ«يونيفيل». ومـــع عملية فــك الاشـتـبـاك المـسـتـدام مــع الـعـدو انـطـاقـا مـن لـبـنـان، وانــســداد طــرق الإمــــداد بــراً عبر الـحـدود الشمالية والشرقية، وبحراً وجــواً، تنتفي أسباب حمل السلح لمواجهة إسرائيل، ومن ضمنه السلح داخل المخيمات الفلسطينية، ويصبح حمل الـــســـاح بــيــد الـــدولـــة حـــصـــراً، الــتــي هـــي مـــن تحمي وتدافع عن الشعب والمقيمين على أراضيه وتحرس حدود البلد وتذود عن مصالحه. انـــــتـــــخـــــاب الـــــعـــــمـــــاد جـــــــوزيـــــــف عـــــــــون رئـــيـــســـا للجمهورية اللبنانية أحد مؤشرات التغيير المقبل على لبنان والمنطقة. وإذا أردنا التأكد من ذلك، ولمن خانته الذاكرة، فلنسترجع كيف عارض «حزب الله» بـشـدة وصـــول جــوزيــف عـــون إلـــى الـرئـاسـة بوصفه مقربا من الـولايـات المتحدة الأميركية، وبالتالي لا يحمي ظهر المقاومة. وشن «الحزب» حربا ضروسا على العماد عـون عبر موفدين تـصـادم عـون معهم كـامـيـا وبمكتبه فــي الـــيـــرزة، ثــم عـبـر وزيـــر الـدفـاع الموالي لميشال عون الذي حاول جاهداً عدم التجديد لـــلـــقـــائـــد وبـــــث الــــخــــاف فــــي المـــؤســـســـة الــعــســكــريــة، وجعلوا من النائب جبران باسيل رأس حربة لمنع قائد الجيش من الوصول إلى سدة الرئاسة، وكان هــــذا قــبــل الــــزلــــزال الـكـبـيـر الــــذي قــامــت بـــه إســرائــيــل وقـضـى عـلـى هيمنة «حـــزب الــلــه» ومــشــروع إيـــران، فتغير موقف «الـحـزب» ووافـــق على انتخاب عـون. ثبت جوزيف عون أمـام الضغوط، وعمل فقط وفق يمليه عـلـيـه الـــواجـــب الـوطـنـي والـضـمـيـر، وأصـبـح رئــيــس الــجــمــهــوريــة. فـــي خــطــاب الـقـسـم قـــال كـامـا كبيراً لـم يسمعه اللبنانيون منذ عـشـرات السنين، تعهد فيه بأن يكون السلح بيد الدولة حصراً، وأكد أن الجيش هو من يحمي الحدود، وأن القانون هو سيد الأحكام، وأن الالتزام بالدستور أمر مصون ولا يمكن أن يُمس. التغيير الذي يحدث في المنطقة فاق في سرعته تصور الغالبية العظمى مـن الـنـاس، ونحن نشهد الآن قيام شرق أوسط جديد، وهو ليس بالضرورة أسوأ مما مضى؛ على الأرجح سيكون أكثر استقراراً وأمنا ورخاء للشعوب. وصول عون للرئاسة ينعشلبنان والمنطقة حــــاول الــرئــيــس الأمـــيـــركـــي المـنـتـخـب دونــالــد تـرمـب إحـــداث جغرافيا جـديـدة للعالم غير التي عــرفــهــا الـــعـــالـــم، إذ يـــبـــدو أن تـــرمـــب يـــريـــد إيــجــاد «ســـايـــكـــس - بـــيـــكـــو» جــــديــــدة، ولـــكـــن فــــي خـــرائـــط الأميركتين وليس الشرق الأوسط. مطالبات ترمب الاستفزازية بضم كندا ليست حديثة، بل هي دعوات أو أطماع تعود إلى القرون الأولــى من تأسيس الـولايـات المتحدة، للستيلء على مقاطعة كيبيك منذ الحملة العسكرية الأولى فـي أثـنـاء فـتـرة الـحـرب الـثـوريـة الأمـيـركـيـة، وبعد سلسلة من الـحـروب بين كندا والـولايـات المتحدة عبر الـتـاريـخ. رُسـمـت الــحــدود الحالية بـ كندا ، التي 1812 والـولايـات المتحدة نتيجة حـرب عـام ضمنت بقاء كندا مستقلة عن الـولايـات المتحدة، ،1840 رغـم أن كندا العليا والسفلى توحدتا عـام في المائة 90 تحت مسمى مقاطعة كندا، حيث إن من سكان كندا يعيشون داخــل الشريط الأخضر على الـحـدود مع الـولايـات المتحدة. وتُـعـرف كندا أشـخـاص 4 بـانـخـفـاض كـثـافـتـهـا الـسـكـانـيـة إلـــى 39 لكل كيلومتر مربع فقط وعــدد سكانها نحو في المائة منهم قرب 90 مليون نسمة، يعيش نحو الـحـدود الأميركية، فيما تظل المناطق الشمالية مثل نونافوت ويوكون شبه خالية بسبب قسوة المناخ وطبيعتها البرية. غــازل ترمب الكنديين بالقول: «إذا اندمجت كـــنـــدا مــــع الـــــولايـــــات المـــتـــحـــدة، فـــلـــن تـــكـــون هــنــاك تعرفات جمركية، وستنخفض الـضـرائـب بشكل كبير، وستكون كندا آمنة تماما من تهديد السفن الروسية والصينية التي تحيط بها باستمرار»، كـــمـــا اتـــهـــم الـــصـــ بـــالـــســـيـــطـــرة عـــلـــى قـــنـــاة بـنـمـا وتسيير الـرحـات خللها، ودعــا إلـى ضمها إلى الـولايـات المـتـحـدة، الخطوة التي قـد تشعل حربا معلنة مباشرة مع الصين. الـــدعـــوات لـضـم كــنــدا أو حـتـى شــــراء جـزيـرة غـريـنـانـد الـتـابـعـة لـلـدنـمـارك أو قـنـاة بـنـمـا، تعد سابقة في الـعُـرف السياسي رغـم أن ترمب طالب بالاستفتاء في كندا، حيث دعاها إلى الاتحاد مع ، حيث قال: 51 بلده لتصبح الولاية الأميركية رقم «معا! يا لها من أمـة عظيمة سنشكّلها!»، إضافةً إلى عرض شراء جزيرة غرينلند التي يرى فيها امـــتـــداداً لـ مـن الـقـومـي لـلـولايـات المـتـحـدة بسبب موقعها الجغرافي. ضم كندا لا أظنه بالأمر الهّ أو السهل، ولا أعـتـقـد أن تـرمـب يـريـد حـربـا أو احــتــالاً لـكـنـدا أو استحضار حروب القرون الوسطى، وهذا ما أكده بالدعوة إلى الاستفتاء، وهو مرهون بمدى رغبة الكنديين في الاتحاد أو الانضمام ونوعيته، حيث سيكون التخلي عن التاج البريطاني عقبة أخرى في نجوم 51 أمام الاتحاد والتحول إلى الولاية رقم العَلم الأميركي، خصوصا أن جغرافيا كندا ضمن القارة الأميركية وجارة للولايات المتحدة وبعيدة عن جغرافيا التاج البريطاني العجوز في القارة الأوروبية، مما سيجعل لدعوة ترمب صدى لدى فئة الشباب في كندا ممن يحلمون بنمط العيش الأمـيـركـي، خـافـا لكبار الـسـن ممن اعــتــادوا على نمط العيش الكندي الشبيه بنظام رعاية الدولة لـلـخـدمـات ومـنـهـا الـصـحـيـة، فــالأمــر مختلف عن رأسمالية أميركا، في مقابل كندا المنقسمة حتى لغويا بين إنجليزية وفرنسية، مما يشكل عائقا آخر لم يحتسبه ترمب في جغرافيته الجديدة. قــــد يــتــفــهــم الـــبـــعـــض مــــحــــاولــــة ضــــم جـــزيـــرة غـــريـــنـــانـــد أو قـــنـــاة بـــنـــمـــا، نـــظـــراً إلـــــى مـوقـعـهـمـا الـــجـــيـــوســـيـــاســـي والمــــــؤثــــــر عـــلـــى الأمــــــــن الـــقـــومـــي الأمـــيـــركـــي، رغــــم اســتــهــجــان فـــكـــرة عــــرض الـــشـــراء لـلـجـزيـرة أو الــقــنــاة، حـيـث قـــال تــرمــب فـــي بيانه إنــه «لأغــــراض الأمـــن الـقـومـي والـحـريـة فـي جميع أنحاء العالم، تشعر الولايات المتحدة بأن امتلك غرينلند والسيطرة عليها ضرورة ملحة». رغـــــــم أن الــــحــــجــــة المـــعـــلـــنـــة لــــضــــم جــــزيــــرة غرينلند أو شرائها تبدو واقعية من الناحية الـلـوجـيـسـتـيـة عـسـكـريـا وأمـــنـــيـــا، وكـــذلـــك قـنـاة في المائة من 70 بنما حيث يمر منها أكثر من الـبـضـائـع الأمــيــركــيــة، فـــإن مــحــاولــة ضـــم دولـــة بحجم كندا لا يمكن تفسيرها بعيداً عن أطماع تاريخية تعود لحروب القرون الوسطى ومنها الأراضي الشاسعة والبكر في ثرواتها. صـــحـــيـــح أن الـــــــــــدول تـــتـــغـــيـــر جـــغـــرافـــيـــتـــهـــا وحــــدودهــــا، إذ قـــد تـخـتـفـي كــيــانــات، كـمـا اختفى الاتـــــحـــــاد الـــســـوفـــيـــاتـــي والاتـــــحـــــاد الــيــوغــســافــي وانـقـسـم الـــســـودان، أو تـتـوحـد أخــــرى، كـمـا جـرى فــي الـيـمـن وألمــانــيــا، وظــهــرت دول جـــديـــدة... لكن فـــي كـــل هــــذه الـــحـــروب كــانــت بــدايــتــهــا ونـهـايـتـهـا لأنها تشكلت أو اختفت في ظــروف خاطئة، مما أنـتـج واقــعــا غـيـر قـابـل للتعايش فـيـه. ومـــا يعلن عنه الرئيس ترمب ويطرحه يمكن أن يكون قابلً للتطبيق والتعايش معه إذا كانت ظروف نشأته سليمة وبالتراضي والاندماج، فكندا مثلً ليست بالدولة الصغيرة ولا الضعيفة ولا هي بالقليلة، وبالتالي ضمّها إلـى الـولايـات المتحدة على أنها مـــجـــرد رقــــم غــيــر لائــــق بــحــقــهــا، ولا بـــد أن يـكـون خـيـار ضمها عبر الاستفتاء الشعبي الـعـام وإلا سيكون مصير ضمها كمصير ضم الكويت على من عراق صدام حسين، هذا 19 أنها المحافظة رقم الضم الـذي انتهى بالحرب والدمار لكونه مجرد تهور وغطرسة وعبث في لحظات غياب الحكمة والواقعية السياسية. هلسيقبل العالم بجغرافيا ترمب الجديدة؟ OPINION الرأي 13 Issue 16851 - العدد Thursday - 2025/1/16 الخميس هدى الحسيني جبريل العبيدي الرئيس التنفيذي جماناراشد الراشد CEO Jomana Rashid Alrashid نائبارئيسالتحرير زيد بن كمي Assistant Editor-in-Chief Aidroos Abdulaziz Saud AL Rayes Deputy Editor-in-Chief Zaid Bin Kami مساعدا رئيس التحرير محمد هاني Mohamed Hani الأمير أحمد بنسلمان بن عبد العزيز عيدروسعبدالعزيز سعودالريس 1987 أسسها سنة 1978 أسسها سنة هشام ومحمد عليحافظ رئيسالتحرير غسانشربل Editor - in-Chief Ghassan Charbel

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky