issue16849

على الرغم من أن فترة حكم الرئيس الأميركي الأسـبـق جيمي كـارتـر لـم تــدم ســوى أربــع سنوات )، فـــإنـــهـــا شـــهـــدت كـثـيـراً 1981 - 1977( مــــن عـــــام مـــن الأحـــــداث الـجـيـوسـيـاسـيـة الــتــي هــــزّت منطقة ، الـتـي 1979 الـخـلـيـج، مـثـل الـــثـــورة الإيــرانــيــة عـــام أطــاحــت الـنـظـام المـلـكـي، وأعـلـنـت قـيـام جمهورية إســـامـــيـــة بـــخـــطـــاب ثــــــوري، والــــغــــزو الــســوفــيــاتــي ، والحرب الإيرانية العراقية 1979 لأفغانستان عام ، وجــعــلــت الــخــلــيــج مـــحـــوراً لـلـسـيـاسـة 1980 عــــام الدولية، وساحةً لصراعات كُبرى ستُشكل ملمح المنطقة لعقود مقبلة. وكـــان لـهـذه الـتـغـيـرات الـكـبـرى دور كبير في تشكيل دوافع تأسيس مجلس التعاون الخليجي، إذ شكّلت الثورة الإيرانية شرارة لتصاعد التوتر الإقليمي مـن خـال مـحـاولات تصدير الـثـورة إلى دول الخليج والمنطقة، مما أثـار مخاوف حقيقية بـــشـــأن الاســـتـــقـــرار الـــداخـــلـــي والإقـــلـــيـــمـــي. كــمــا أن اشتعال الحرب العراقية - الإيرانية التي امتدت إلى حــدود الخليج، كانت كفيلً بتهديد أمـن المنطقة واستقرار الملحة النفطية في ممرات حيوية. وقد أكدت تلك التهديدات لدول الخليج ضرورة تبني إطـــار جـمـاعـي يـعـزز قــدراتــهــا الـدفـاعـيـة، ويـوحـد ســـيـــاســـاتـــهـــا الإقـــلـــيـــمـــيـــة لمـــواجـــهـــة الاضــــطــــرابــــات الإقليمية والتحولات الجيوسياسية، التي كشفت عن هشاشة الوضع الأمني في المنطقة. الأمر الذي جعل تأسيس المجلس خياراً استراتيجياً لا بديل عنه لحفظ أمن دول الخليج واستقرارها. ومــــع الـــغـــزو الــســوفــيــاتــي لأفــغــانــســتــان عــام ، أصــبــحــت مـنـطـقـة الـخـلـيـج جــــزءاً مـحـوريـ 1979 مـن معادلة الـحـرب الـبـاردة بـن الـولايـات المتحدة والاتــحــاد الـسـوفـيـاتـي، حـيـث فـتـح هــذا الاجـتـيـاح المجال لاحتمال تمدد الدب الروسي باتجاه منطقة الخليج لـلـوصـول للمياه الـدافـئـة ومـنـابـع النفط قبل الـولايـات المتحدة، وبالتالي أصبح استقرار الخليج لا يـؤثـر فقط على الاقـتـصـاد الـعـالمـي، بل يـحـدد أيـضـ تـــوازن الــقــوى بــن الـقـطـبـن. وبـذلـك، أصـبـحـت المـنـطـقـة، بـمـخـزونـهـا الاسـتـراتـيـجـي من الطاقة، وموقعها الجيوسياسي الحسّاس، محور اهـتـمـام الــولايــات المـتـحـدة، لضمان أمــن إمـــدادات النفط، ومواجهة النفوذ السوفياتي المتصاعد. واستجابةً لذلك، أعلن جيمي كارتر في يناير ما عُرف لاحقًا بـ«مبدأ كارتر» خلل خطاب 1980 حالة الاتحاد، وهو إعلن يعكس التحول العميق فـي استراتيجية الــولايــات المـتـحـدة تـجـاه منطقة الخليج. نصّ المبدأ على أن أي محاولة للسيطرة على منطقة الخليج من قِبل قوى خارجية ستُعد اعـتـداءً على المصالح الحيوية للولايات المتحدة، وسيتم الرد عليها بكل الوسائل الممكنة، بما في ذلـــك الــقــوة الـعـسـكـريـة. هـــذا الإعــــان رسّــــخ الــتــزام واشنطن بحماية الخليج، مـؤكـداً أهمية المنطقة بصفتها ركيزة أساسية للأمن القومي الأميركي في خضم التوترات الدولية الزائدة. وتـــنـــفـــيـــذاً لــــ«مـــبـــدأ كــــارتــــر»، اتــــخــــذت الإدارة الأمـيـركـيـة خــطــوات عـمـلـيـة عـبـر تـعـزيـز وجــودهــا الـــعـــســـكـــري فــــي مــنــطــقــة الـــخـــلـــيـــج، حـــيـــث شــرعــت فـــي بـــنـــاء قــــوة الانـــتـــشـــار الـــســـريـــع الـــتـــي أصـبـحـت .)CENTCOM( لاحقاً القيادة المركزية الأميركية بــالإضــافــة إلـــى ذلــــك، وسّــعــت مــن انــتــشــار الــقــوات البحرية الأميركية فـي الخليج العربي والمحيط الهندي لتعزيز قدرتها على الرد السريع في حال وقوع أي تهديد. استمر تطبيق هذه العقيدة مع وصـــول الـرئـيـس رونــالــد ريــغــان إلــى السلطة عـام ، حــيــث أضـــــاف مـــا عُـــــرف بــــ«إضـــافـــة ريــغــان 1981 لمبدأ كارتر»، التي وسّعت نطاق الالتزام الأميركي ليشمل تـأمـن الاسـتــقــرار الـداخـلـي لـــدول الخليج مـــن أي تـــهـــديـــدات خـــارجـــيـــة، مــمــا عــكــس الأهـمـيـة الاستراتيجية التي اكتسبتها المنطقة في العقيدة العسكرية الأميركية. بــــهــــذا، تــــحــــول الـــخـــلـــيـــج الـــعـــربـــي مــــن مــجــرد منطقة لإمــــدادات الـطـاقـة إلــى مـحـور استراتيجي لـ مـن الـقـومـي الأمــيــركــي، وقـــد تــعــززت الـعـاقـات الــخــلــيــجــيــة - الأمـــيـــركـــيـــة بـــشـــكـــل غـــيـــر مـــســـبـــوق، حيث أدرك الـطـرفـان أهمية الـشـراكـة فـي مواجهة التحديات المشتركة، مثل تأمي استقرار المنطقة، وضـمـان التدفق الآمــن لإمـــدادات النفط، واحـتـواء النفوذ السوفياتي المتصاعد. وشـهـدت تلك الـفـتـرة توسيع نـطـاق التعاون الــــعــــســــكــــري، كــــمــــا تــــوســــعــــت مـــــجـــــالات الــــتــــعــــاون الاقـــتـــصـــادي والـــســـيـــاســـي، وعـــــزّز ذلــــك مـــن تــرابــط المصالح بي الجانبي. لم تكن هذه الشراكة قائمة عـلـى الــدفــاع المـشـتـرك فـحـسـب، بــل امــتــدت لتشمل ضـــمـــان الأمــــــن الإقـــلـــيـــمـــي كـــكـــل، مــــا مـــهـــد الــطــريــق لــتــأســيــس تــحــالــفــات اســتــراتــيــجــيــة طــويــلــة الأمـــد استمرت لعقود، وأثبتت أهميتها خـال الأزمـات اللحقة. تــشــهــد الـــعـــاقـــات الاســـتـــراتـــيـــجـــيـــة بــــن دول الخليج والولايات المتحدة اليوم تطوراً ملحوظاً، بـفـضـل إنــشــاء «مـنـتـدى الــتــعــاون الاسـتـراتـيـجـي» ، الـذي وضـع إطــاراً رسمياً 2012 ) في مـارس (آذار لـلـتـعـاون فـــي المـــجـــالات الـسـيـاسـيـة، والـعـسـكـريـة، والأمــــنــــيــــة، والاقــــتــــصــــاديــــة. وقـــــد أســـهـــم المــنــتــدى فـــي تــعــزيــز الــــحــــوار المــنــتــظــم بـــن الــجــانــبــن عـبـر اجتماعات وزاريـة ومناقشات متخصصة شملت مــلــفــات حــيــويــة، مــثــل مـكـافـحـة الإرهـــــــاب، والأمــــن الـبـحـري، والأمـــن الـسـيـبـرانـي، إلــى جـانـب قضايا الصحة العامة، وإدارة الموارد، والإغاثة الإنسانية. وتـــعـــززت هـــذه الــشــراكــة عـبـر الــتــعــاون الـعـسـكـري والأمــنــي مــن خـــال مـجـمـوعـات عـمـل متخصصة، فـــضـــاً عــــن تـــوســـيـــع الــــعــــاقــــات الاقـــتـــصـــاديـــة مـن خـــــال مـــنـــتـــديـــات نـــاقـــشـــت الـــتـــنـــوع الاقــــتــــصــــادي، والاسـتـثـمـار، والـطـاقـة الـنـظـيـفـة. ومـــن خـــال هـذه الأطــــر المـتـكـامـلـة، أصـبـحـت الــشــراكــة الـخـلـيـجـيـة - الأميركية اليوم نموذجاً استراتيجياً يعزز الأمن الإقليمي، ويواكب التحولات الجيوسياسية، مع الــتــزام الـطـرفـن بـالـحـفـاظ عـلـى اسـتـقـرار المنطقة، ومواجهة التحديات المشتركة. وأخيراً يمكن القول إن العلقات الخليجية - الأميركية تمثل شراكة استراتيجية راسخة تقوم على المـصـالـح المشتركة والأمـــن الإقليمي. وتأتي رؤيـــــة مـجـلـس الـــتـــعـــاون لــتــعــزيــز الأمـــــن الإقـلـيـمـي تأكيداً لحرص دول الخليج على جعل التعاون مع الحلفاء ركـيـزة أسـاسـيـة؛ لـدعـم اسـتـقـرار المنطقة، وتحقيق التنمية المستدامة. Issue 16849 - العدد Tuesday - 2025/1/14 الثلاثاء تـــنـــفـــس الـــلـــبـــنـــانـــيـــون الــــصــــعــــداء وهــــــم يـــشـــاهـــدون عــلــى شـــاشـــات الــتــلــفــزة وقـــائـــع انـــتـــخـــاب رئـــيـــس جـديـد لجمهوريتهم المتعثرة، بعد أكثر من عامي ونيف على الشغور الـرئـاسـي، عقب انتهاء ولايـــة الرئيس السابق ، دون 2022 ) أكتوبر (تشرين الأول 31 ميشال عـون فـي اختيار خلف له. جـــاء انـتـخـاب الـرئـيـس الـجـديـد جــوزيــف عـــون بعد تطورات مفصليّة وبالغة الأهميّة على مستوى المنطقة بـرمـتـهـا، وعـلـى المـسـتـوى الـلـبـنـانـي أيــضــ ، وقـــد تمثلت بـالانـكـسـارات الـتـي تـعـرّض لها «مـحـور المـقـاومـة» عقب الـضـربـات المتتالية لـــ«حــزب الــلــه» الـلـبـنـانـي، بـمـا فيها اغـتـيـال أمينه الـعـام السيد حسن نصر الـلـه، وعـــدد من قـيـاداتـه العليا وكــــوادره الـوسـطـى، وصـــولاً إلــى سقوط نظام حـزب البعث في سوريا بقيادة بشار الأســد، بعد أكثر من خمسي عاماً على قيامه. ويـواجـه العهد الجديد جملة مـن الـتـحـديـات، لعلّ أبرزها يتمثّل في ردع إسرائيل عن مواصلة انتهاكاتها للسيادة اللبنانيّة، والالتزام بقرار مجلس الأمن الدولي ، وبمضمون اتفاقية وقف إطلق 2006 الصادر عام 1701 النار التي تم التوصل إليها في السابع والعشرين من نـوفـمـبـر (تـشـريـن الــثــانــي) المـــاضـــي. وبـــمـــوازاة الـتـحـدي الـــخـــارجـــي، ثـمـة تــحــديــات أخــــرى تـتـصـل بـبـسـط سلطة الـدولـة ونشر الجيش، وسحب الـسـاح مـن جنوب نهر الليطاني وشماله إنفاذاً للتفاق. إن أي قــــراءة متأنية فــي خـطـاب الـرئـيـس جـوزيـف عـــون الــــذي ألـــقـــاه فـــي المـجـلــس الـنـيـابـي الـلـبـنـانـي عقب انتخابه، تؤكد -بما لا يقبل الشك- أن لبنان أمام منعطف جديد، وأن تشديد الرئيس المنتخب (وتـكـراره العبارة مرتي متتاليتي) فيما يخص احتكار الدولة للسلح، هو خطاب رسمي لبناني، يكاد يكون الأول من نوعه من أعلى رأس الهرم، ولم يحدث أن أٌعلن عنه سابقاً. والـــتـــحـــوّل الــســيــاســي الــكــبــيــر الـــــذي تـعـكـسـه هــذه الــعــبــارة يـمـكـن مـقـارنـتـه مــع المـــواقـــف الــتــي كـــان يعلنها الـرئـيـس الـسـابـق مـيـشـال عـــون، مــن تـأيـيـد لـبـقـاء سـاح «حزب الله»، ومن عدم امتلك الجيش اللبناني القدرات الدفاعيّة الكافية لمواجهة إسرائيل، وقد أدّى إلى تطابق كـامـل بــن خـطـاب الــدولــة اللبنانيّة -إذا صــح التعبير- وخطاب «حزب الله»، وهو ما ولّد الاضطراب الكبير في علقات لبنان العربيّة، وأدى إلى فقدان هامش المناورة السياسيّة التي كان يُعوّل عليها في فترة من الفترات. الرئيس جوزيف عون خاطب اللبنانيي من خلل الـــتـــعـــرّض لـلـقـضـايـا الـــتـــي تـــؤرقـــهـــم، ومــــن خــــال تـقـديـم الـــوعـــود للمسائل الـتـي لـطـالمـا كــانــوا يتطلعون إليها: قـيـام دولـــة قـويـة وقــــادرة، تمتلك وحـدهـا الـسـاح وقــرار الــحــرب والــســلــم، قــضــاء نــزيــه ومـسـتـقـل، الـجـمـيـع تحت سقف القانون، الحفاظ على الحريات العامة، مكافحة المخدرات والبؤر الأمنيّة والتهريب، الشراكة مع الطرف الآخـــــر فـــي الــســلــطــة الــتــنــفــيــذيّــة -أي رئـــيـــس الــحــكــومــة- ولــيــســت الـــخـــصـــومـــة، كــمــا كــــان يــفــعــل بــعــض الـــرؤســـاء السابقي، ترشيق الإدارة العامة وتحولها نحو الرقمنة الإلكترونية، دعم المدرسة الرسمية والجامعة اللبنانيّة والــحــفــاظ عـلـى الـتـعـلـيـم الـــخـــاص، الـتـركـيـز عـلـى العلم (كـــررهـــا ثـــاث مـــــرات)، إعــــادة الإعـــمـــار وتـوطـيـد عـاقـات لبنان العربيّة، الحوار الندّي مع سوريا وبناء علقات جـديـدة، معالجة مسألة الـنـزوح الـسـوري، التأكيد على حق العودة للفلسطينيي ومنع التوطي، وبسط سلطة الدولة على المخيمات. هــذه أبـــرز الـعـنـاويـن الـتـي تضمّنها خـطـاب القَسَم الـرئـاسـي، والـتـي تُشكّل خريطة طريق للعهد الجديد، وهـــي تـمـثّـل تـحـديـات يُـعـتـبـر الـبـعـض منها مـزمـنـ ولـم يجد حـلـولاً لـه على مــدار السني، إن لـم نقل على مدى عقود، بسبب التعقيدات الداخليّة والتدخلت الخارجيّة والظروف التي لم تكن يوماً مواتية لتغيير الواقع القائم في لبنان. ما يحصل في لبنان راهناً ممكن أن يُشكّل فرصة جـديّـة بالفعل لإصـــاح الـبـاد، وفـتـح الآفـــاق أمـــام حقبة جـديـدة بالفعل لطالما تــاق إليها اللبنانيون بمختلف تـاويـنـهـم ومـشـاربـهـم، وهـــم الــذيــن تـعـبـوا مــن الـحـروب العبثيّة المتكررة. والرهان أن يعود العرب إلى لبنان وأن يعود لبنان إلى العرب، فهوية لبنان العربيّة حُسمت في اتفاق الطائف، والآن آن الأوان لللتحاق بركب الحضارة الذي كان لبنان متقدماً فيه بصورة دائمة، وتخلّف عنه لمائة سبب وسبب. يُــنــســب إلــــى ســعــد الـــلـــه ونـــــوس (الأديـــــب السوري الكبير) أن نظام الأسد حاول تضخيم سـوريـا بتقزيم الـسـوريـن، وبعد انتهاء هذه الحقبة المظلمة التي قزّمت الاثني معاً وجثمت عـلـى قـلــوب الــســوريــن لـنـصـف قــــرن، يـجـب أن يــســعــى الـــســـوريـــون لــبــقــاء تــنــوعــهــم وبــلــدهــم عظيماً يتمتع بـالـسـيـادة الـكـامـلـة، والتمثيل لكل مكونات مجتمعه الثري والمتنوع. بـــالأمـــس، بــــرز مـلـمـح مــتــجــدد فـــي عـاقـة المملكة العربية الـسـعـوديـة المتميزة بسوريا مــنــذ نـشـأتـهـا وعــبــر حـقـبـهـا المـخـتـلـفـة؛ حيث نـقـطـة الــتــمــاس بـــن الـبـلـديـن بــــدأت حـتـى قبل الدولة السعودية الأولى؛ لكنها توثقت بشكل مختلف يمكن أن نجد امتداده اليوم مع بدايات عهد الموحد الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه- إذ كان الاهتمام بسوريا جزءاً من استراتيجية التضامن العربي، وكانت تحتل مكانة مهمة بسبب الارتباط التاريخي والجوار الجغرافي والــــــديــــــن والــــلــــغــــة والارتــــــبــــــاطــــــات الــقــبــائــلــيــة والأسرية. تجذّرت العلقة مبكراً في عهد الملك عبد ، وهي الفترة التي شهدت 1914 العزيز في عام الـــحـــرب الـعـالمـيـة الأولـــــى؛ حـيـث كـــان المــشــروع الاستعماري يخطط لاحتلل الولايات العربية الــعــثــمــانــيــة وتـــجـــزئـــتـــهـــا، وقـــــد تــمــخــض عـنـه ، وكانت 1916 مـعـاهـدة «سـايـكـس بيكو» عــام ســــوريــــا مــــن نــصــيــب الاســـتـــعـــمـــار الــفــرنــســي. وبينما مضى الملك عبد العزيز في بناء دولته الــتــي لـــم تُـصـبـهـا نـــيـــران الاســتــعــمــار، كـــان قد تحول إلى أيقونة في مخيلة السوريي وعموم الشام والعرب قدوة وبطلً. وحيتبلورت فكرة الثورة على فرنسا، وتم التواصل مع الملك عبد العزيز من أجل التشاور وطلب المساعدة منه، هـنـا ذهـــب رئــيــس الـحـركـة الـوطـنـيـة الـسـوريـة ) لمد جسور 1954 -1873( الشيخ كامل القصاب التواصل مع الملك عبد العزيز، فأرسل محمد حمدي حمودة، والمهندس خالد الحكيم، وكان هذا اللقاء الأول بي الحركة الوطنية السورية والملك عبد العزيز. كانت السعودية تحتل مكانة عظيمة في نفوسالثوار العرب المناضليضد الاستعمار؛ لأنــــهــــا الـــــبـــــاد الــــوحــــيــــدة المـــســـتـــقـــلـــة الــــتــــي لـم تستعمرها القوى الأجنبية في المنطقة. وكان مما قاله الملك عبد العزيز: «يهمنا أمر إخواننا الــســوريــن. تهمنا حـالـتـهـم، ويـهـمـنـا أمـرهـم؛ لأنــنــا نـــرى أنــهــم مـنـا ونــحــن مـنـهـم، فـالاتـفـاق العربي روح طيبة وعمل طيب، وأقل مراتبه أن يجمع الكلمة... العرب جسد واحــد، والجسد الواحد يعني الاتحاد، والعرب يحتاجون إلى التضامن؛ خصوصاً في هذا الوقت». وعـــــنـــــد انــــــــــدلاع الــــــثــــــورة الـــــســـــوريـــــة عــــام ضــد الاسـتـعـمـار الـفـرنـسـي، لـجـأ بعض 1925 السوريي مجدداً إلى الملك عبد العزيز يطلبون العون والمـاذ، بعد أن قامت القوات الفرنسية بــطــردهــم مـــن ســـوريـــا، فـــرحّـــب بـهـم المــلــك عبد العزيز، وقال: «إنّ نجداً ترحب بكل عربي أبي، وتعد أرضها وطناً لكل عربي سوري». اجتمع حول الملك عبد العزيز شخصيات عربية هـربـت مـن جــور المستعمر، وكـــان عدد كبير منهم من السوريي، منهم: يوسف محمد ياسي، وخالد حكيم، وخير الدين الزركلي. وفي لحظة فارقة في تاريخ سوريا، يوم ، تحقق الاستقلل بعد 1946 ) أبريل (نيسان 17 نضال كبير، وكـان أن أرسـل الملك عبد العزيز وفداً رسمياً كبيراً نيابة عنه لتمثيله في حفل الاسـتـقـال، بـقـيـادة ابـنـه الأمـيـر فيصل رحمه الله. وحي ظهرت المشاريع الوحدوية، ومنها مــشــروع ســوريــا الـكـبـرى، والــهــال الخصيب، كــــان المـــلـــك عــبــد الـــعـــزيـــز واضـــحـــ فـــي مــوقــفــه، كـــمـــا تــعــكــســه الــــرســــالــــة الــــتــــي بـــعـــث بـــهـــا إلـــى نـــوري السعيد: «أهـــل سـوريـا اخــتــاروا الحكم الجمهوري لبلدهم، ونحن نرى أن هذا الأمر لهم، وهم أحق ببلدهم من أي شخص آخر... سياستنا التي نستهدفها في البلد العربية هـــي أن تــكــون مـسـتـقـلـة، مـــع مـحـافـظـة كـــل من الـبـلـدان العربية على مكانتها ومنزلتها، لا يعتدي بعضها على بعض، حفظاً لكيان كل بلد منها، وحفظاً لـلـتـوازن، ومنعاً للشحناء والبغضاء بينها». وحـــن شـجـعـت الـــولايـــات المـتـحـدة تركيا على شن ضربة عسكرية ضد سوريا، نتيجة لـرفـضـهـا «مـــبـــدأ آيـــزنـــهـــاور» وبـــــدأت الـحـشـود الـــتـــركـــيـــة عـــلـــى الـــــحـــــدود الــــســــوريــــة؛ تــدخــلــت السعودية معبّرة عن استيائها، وأعلن الملك ســـعـــود -رحــــمــــه الــــلــــه- وســـاطـــتـــه لـــحـــل الأزمـــــة السورية- التركية. ومع احتلل الجولان كانت السعودية أول من دعـا إلـى عقد مؤتمر القمة العربية الرابع ، وقامت حينها 1967 «مؤتمر الخرطوم» عام بتسخير جـــزء مــن عـوائـدهـا النفطية لخدمة الأهداف العربية ضد الكيان الإسرائيلي؛ لكن الــافــت فــي تـلـك الـقـمـة أن المـلـك فيصل -رحـمـه الـــلـــه- أصــــر عــلــى تـسـمـيـة الــعــقــد بــــ«الالـــتـــزام» وليس «المساعدة». وفـــي أكــثــر الـلـحـظـات قـتـامـة فــي الـتـاريـخ الــــســــوري كـــانـــت الـــســـعـــوديـــة مــــع الـــســـوريـــن، وأعـــطـــت الــكــثــيــر مـــن الـــفـــرص تـجـنـبـ لــلــدمــاء والتقسيم والــفــوضــى، وكــانــت مــن بــن الـــدول التي بادرت منذ سقوط النظام إلى التموضع حـول مصلحة السوريي، وضمان سيادتهم، وعدم التدخل في شؤونهم، ورفض محاولات تقزيمهم والإملء عليهم عبر المشاريع العابرة للحدود، وما أكثرها. سوريا كانت في كل حقباتها التاريخية مــطــمــعــ لمـــشـــاريـــع شـــمـــولـــيـــة تـــهـــدد وحــدتــهــا وسيادتها، ومع أفول المشروع الإيراني أطلت مشاريع أخـــرى برأسها لمحاولة استثمار ما حدث من انهيار النظام. بهذه الطريقة عادت السعودية مجدداً إلـى السعي لإنقاذ سوريا، عــبــر حـكـمـتـهـا الأولــــــى الـــتـــي لا تــتــبــدل؛ لأنـهـا لــيــســت صـــاحـــبـــة مــــشــــروع، ولا مــصــلــحــة لـهـا ســـوى فــي بـقــاء ســوريــا عـربـيـة مــوحــدة وذات ســــيــــادة، لـــكـــل الــــســــوريــــن، رغـــــم كــــل المـــخـــاوف الكبيرة والمشروعة لدول المنطقة والعالم تجاه ما يحدث، وهي مخاوف مبنيّة على مشاريع مـحـدثـة، فــي ظــل أن نـصـف شـعـب ســوريــا بي نـازح ولاجــئ، وهناك أراضٍ محتلة ومجتزأة مـــن دول مـخـتـلـفـة، وقـــواعـــد عـسـكـريـة، وأكـثـر مــن مـائـة فصيل وتنظيم مسلح عـلـى رأسـهـا «داعش» و«القاعدة»، وفوق ذلك البلد في حالة متدهورة، يقدر أكثر المتفائلي أنه بحاجة إلى مليار دولار لإعادة إعماره. 70 مـــا حــــدث فـــي الـــريـــاض أول مـــن أمــــس لم يكن مـجـرد اجتماع بـروتـوكـولـي، أو محاولة لـــحـــضـــور يــســتــغــل لــحــظــة فــــارقــــة فــــي تـــاريـــخ سـوريـا والمنطقة؛ بـل محاولة جــادة وصادقة لإنـــقـــاذ ســـوريـــا والـــســـوريـــن مـــجـــدداً مـــن دون مـصـلـحـة أو مـــنّـــة، وهـــو الـــتـــزام بـأمـنـهـا وأمـــن المــنــطــقــة واســـتـــقـــرارهـــا ووحـــدتـــهـــا. فـــهـــذا هو مشروع السعودية بالأمس واليوم وغداً. ما حدث في الرياض محاولة جادة وصادقة ًلإنقاذ سوريا والسوريين مجددا ما يحصل في لبنانراهناً يمكن أن يُشكّل فرصة جديّة بالفعللإصلاح البلاد رامي الريّس يوسف الديني إبراهيم العثيمين OPINION الرأي 14 سيادة سوريا وأمنها فوق كل اعتبار قراءة فيخطاب القَسَم للرئيساللبناني المنتخب كارتر والعلاقات الخليجية ــ الأميركية أعلن جيمي كارتر 1980 في يناير ما عُرفلاحقاً بـ«مبدأ كارتر»

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky