بعد نحو عامني مـن اشتعال نيرانها، طفت الــحــرب فــي الـــســـودان مــؤخــرًا عـلـى سـطـح وسـائـل اإلعـــــام الــغــربــيــة فـــجـــأة. فـــي بــريــطــانــيــا، صحيفة «التايمز» وصفتها بالحرب املنسية. يا إلهي! 150 اآلن، بــعــد «خــــــراب مـــالـــطـــا»، وأكـــثـــر مـــن ألــــــف قـــتـــيـــل وفــــــق إحــــــصــــــاءات مـــنـــظـــمـــات اإلغــــاثــــة الدولية، ومليني املشردين والنازحني واللجئني، والتهديد بحدوث مجاعة تشبه تلك التي حدثت فـي إثيوبيا خــال النصف األول مـن الثمانينات من القرن املاضي؛ تذكرت وسائل اإلعـام الغربية الحرب املهلكة في السودان. وبدأت تحذّر من مغبّة مصير املـوت جوعًا الـذي أكـدت أنه ينتظر الباقني من السودانيني، ممن لم يُقتلوا بعد، أو يشردوا، أو يصيروا الجئني في بلدان كثيرة. ليس من اإلنصاف وصف الحرب في السودان باألهلية، كما دأب البعض من املعلقني على ذلك. الـــوصـــف األصـــــح لــهــا، أنّـــهـــا حــــرب جـــنـــراالت على الـسـلـطـة والــنــفــوذ. هــم الــجــنــراالت أنـفـسـهـم الـذيـن قبل أشهر قليلة من اختلفهم، اتفقوا على ضرب التجربة الديمقراطية، والقضاء على الحكم املدني، بتدبير انقلب عسكري. وهـم الجنراالت أنفسهم الـذيـن كـانـوا يـصـدرون األوامـــر لجنودهم بإطلق النيران على املتظاهرين من الشباب السوداني من الجنسني، ممن كانوا يجوبون شــوارع الخرطوم وغـــيـــرهـــا مــــن مـــــدن الـــــســـــودان، يـــطـــالـــبـــون بـــعـــودة العسكر إلى ثكناتهم، وبعودة الحكم املدني. وهم الـــجـــنـــراالت أنـفـسـهـم الـــذيـــن فــتــحــوا األبــــــواب على مصارعها أمـام قـوى أجنبية كي تدخل السودان، وتــــحــــوّل الــــحــــرب إلـــــى حـــــرب بـــالـــوكـــالـــة، يــقــومــون بها نيابة عـن دول كثيرة أخـــرى. وهـم الجنراالت أنـفـسـهـم الـــذيـــن ســـيـــقـــودون الــــســــودان إلــــى هــاويــة التقسيم والتفتت. في ردّها على بيانات منظمات اإلغاثة الدولية بــســوء األوضـــــاع فــي الـــســـودان ومـــؤشـــرات حــدوث مــجــاعــة غــيــر مــســبــوقــة، أصــــــدرت إدارة الــرئــيــس األمـيـركـي بــايــدن مــؤخــرًا قــــرارًا بمنع قـائـد «قـــوات الـدعـم السريع» وأفـــراد أسـرتـه األقـربـ مـن دخـول الــــواليــــات املـــتـــحـــدة، بــعــد تــأكــدهــا مـــن قــيــام قــواتــه بعمليات وحشية ضد السكان. اإلدارة األميركية تـرسـل أسبوعيًا إعـانـات إلــى أوكـرانـيـا وإسرائيل بـمـايـ الــــــدوالرات، واكـتـفـت بـمـسـاعـدة الــســودان وإغــاثــة الـجـوعـى مــن الـنـسـاء والـشـيـوخ واألطــفــال بمنع الجنرال حميدتي وأسرته من دخول أميركا! كأنها بـذلـك أســـدت خـدمـة إنسانية غير مسبوقة لـلـشـعـب الـــســـودانـــي، وأنــقــذتــه مـــن كـــارثـــة املـجـاعـة املحيقة به. في الوقت الذي تستغيث فيه املنظمات الدولية لإلغاثة طالبة مساعدة من املجتمع الدولي مـلـيـار دوالر لتقديم 2.7 بـقـيـمـة تـصـل إلـــى نـحـو املساعدات اإلنسانية للسودانيني، ولم تحصل إال على أقل من نصف املبلغ املطلوب، حسب بياناتها. مراكز إيواء اللجئني في البلدان املجاورة لم تعد قـــادرة على تحمل مـزيـد مـن أعـــداد اللجئني السودانيني. والجنراالت في املعسكرين املتحاربني يصرون على عدم التفاوض وإيجاد تسوية تحفظ السودان والسودانيني من كارثة املجاعة والتقسيم، وتضمن عودة اللجئني والنازحني واملشردين إلى ديارهم. ولم يعد خافيًا على أحد الدور الذي تلعبه دول كـثـيـرة فــي الــحــرب بـحـرصـهـا عـلـى اسـتـمـرار إرسال األسلحة والذخائر إلى الطرفني. األخــــبــــار املــقــبــلــة مـــن الــــســــودان كـــل يــــوم غير 26 مطمئنة إطـــاقـــ. املـنـظـمـات الــدولــيــة تــؤكــد أن مليون سوداني معرضون للمجاعة، نتيجة الضرر الـــذي لحق بنظام الـــري وتـأثـيـره على املحاصيل الزراعية. ويــزداد انتشار وبـاء الكوليرا، وتتفاقم االغـــتـــصـــابـــات، والــتــنــظــيــف الـــعـــرقـــي والــتــعــذيــب. أضف إلى ذلك ارتفاع أعداد السودانيني في قوائم املهاجرين إلى بلدان أوروبا، فرارًا من املوت. لـسـوء حــظ الـــســـودان والـشـعـب الــســودانــي أن جنراالته لم يحسنوا حتى وقت اختيار الحرب؛ إذ اختاروا إشعال نيرانها في الوقت غير امللئم؛ أي فـي وقـت كـان املجتمع الـدولـي فيه منشغل وقلقًا مـن اشتعال نـيـران الـحـرب األوكـرانـيـة - الروسية. وزاد الطني بلّة اشتعال نـيـران حـرب إبـــادة أخـرى فـي قطاع غــزة. وفـي خضم الحربني أدار املجتمع الدولي ظهره إلى كارثة السودان. االتــــــحــــــاد األفــــريــــقــــي ســـعـــى قـــلـــيـــا ملـــحـــاولـــة تــهــدئــة املـــوقـــف وحــــث الـــطـــرفـــ عــلــى الـــتـــفـــاوض، ثـم حـ لـم تجد دعـواتـه وجـهـوده استجابة، أدار ظهره هو اآلخــر. ولـم نسمع بـأي جهود من طرف جامعة الـدول العربية للسعي لحث الطرفني على التفاوض. وما نسمعه ونقرأه في األخبار يقتصر عـلـى مــا يـصـدر مــن تـقـاريـر مــن جـهـات ومنظمات دولية مختلفة. Issue 16847 - العدد Sunday - 2025/1/12 األحد عاد الرئيس األميركي املنتخب دونالد ترمب يمأل العالم بمواقفه اللفتة ويشغل الناس، وهو لم يتسلم الحكم رسميًا بعد. ففي مؤتمر صحافي عقده هذا األسبوع هـدَّد ثلث دول بالضم: كندا جارته الضخمة في الشمال، وغرينلند الجزيرة املـهـمـة فــي الـقـطـب الـشـمـالـي والــتــي تـعـود لـلـدنـمـارك، ويحمل مواطنوها الجنسية الدنماركية على الرغم من إدارتها الذاتية، وبنما التي هدَّدها باالستيلء على القناة. فـعـنـدمـا ســئــل إذا مـــا كــــان يـمـكـنـه طــمــأنــة الــعــالــم أنــــه لن يستخدم القوة العسكرية أو االقتصادية للسيطرة على قناة بنما أجاب: «ال، ال أستطيع الطمأنة على أي من هاتني املسألتني. لكني أستطيع القول إننا نريدها لألمن االقتصادي». ، فإن هذا التهديد 51 ومع أنه ملَّح لفكرة جعل كندا الوالية الـ لكندا ال يحمله الكثيرون على محمل الـجـد. ومـوضـوع قناة بنما التي أعادتها أميركا لبنما فـي اتفاقية وقَّعها الرئيس ، وعـدّهـا ترمب «عـــارًا» ارتكبه 1977 األسبق جيمي كارتر عـام كارتر، له جانب اقتصادي وجانب أمني جيو-استراتيجي. اقـتـصـاديـ، تـرمـب يعبِّر عـن غضب أمـيـركـي؛ بسبب رفع بنما رســـوم مـــرور الـسـفـن األمـيـركـيـة فــي الـقـنـاة، وهـــو يطالب بخفض هذه الرسوم، وإال فإن أميركا ستستحوذ على القناة من جديد. أما السبب اآلخر األمني فهو اتهام ترمب بأن هناك نفوذًا صينيًا متزايدًا في القناة وهو أمر تنفيه بنما نفيًا تامًا. وتقول التقارير إن كل ما في األمر هو أن هناك شركة مركزها الرئيسي في هونغ كونغ، تقوم بإدارة مرفأين على القناة، وهو مــا يــعــدّه خــبــراء أمـيـركـيـون تـهـديـدًا؛ ألن هــذه الـشـركـات يمكن أن تـقـوم بالتجسس عـلـى الـسـفـن والــشــركــات األمـيـركـيـة. لكن السبب يمكن أن يكون أيضًا في غضب الرئيس ترمب من بنما اعترافها بتايوان، واعترفت بالصني، 2017 التي سحبت عام وأقامت علقات معها معترفة بـ«صني واحدة». لكن موضوع قناة بنما مثل موضوع كندا يمكن أن يكون صـفـحـة مــن كــتــاب الــتــفــاوض لـلـرئـيـس تــرمــب، ويـمـكـن أن يتم إيجاد حل له عبر تخفيض الـرسـوم، أو عـدم التوغل أكثر في علقة مع الصني. لكن املـوضـوع األهــم هـو مـوضـوع جـزيـرة غرينلند ذات املـوقـع الجغرافي واالسـتـراتـيـجـي املـهـم ألمـيـركـا فـي تنافسها على القطب الشمالي مـع روسـيـا والـصـ ، واملـاحـة الدولية. وخبراء السياسة الدولية هنا يلحون على واشنطن أن تحكم سيطرتها أكثر على غرينلند لضمان أمنها القومي. فمستشار الرئيس ترمب السابق عـد غرينلند «الطريق السريع (هـاي واي) إلـــى أمـيـركـا الـشـمـالـيـة والـــواليـــات املــتــحــدة. إنــهــا مهمة جـدًا استراتيجيًا للقطب الشمالي الـذي سيكون أرض معركة املستقبل؛ بسبب تغير املناخ الذي يجعل املنطقة دافئة، وربما يـكـون الـطـريـق الـــذي يُــخـفِّــض الـحـاجـة إلـــى قـنـاة بـنـمـا». ودعــا أوبـــرايـــن الــدنــمــارك إلـــى بـيـع غـريـنـانـد ألمـيـركـا لتضمها إلـى أالســكــا إذا كـانـت عــاجــزة عــن الــدفــاع عـنـهـا. والــجــزيــرة األكـبـر فـي الـعـالـم مهمة؛ بسبب مــواردهــا االقـتـصـاديـة الكبيرة التي تحتاجها أمـيـركـا، خصوصًا لصناعة الـبـطـاريـات للسيارات الكهربائية وغيرها من املعادن النادرة. واهتمام أميركا بغرينلند ليس جـديـدًا. فخلل الحرب ،1951 الـبـاردة وقَّعت أميركا اتفاقًا دفاعيًا مع غرينلند عـام والـذي أعطى واشنطن حقوق إقامة قواعد عسكرية ومنشآت لـــلـــدفـــاع؛ مـــمـــا أعـــطـــى غـــريـــنـــانـــد أهـــمـــيـــة داخــــــل حـــلـــف شــمــال األطــلــســي، وهـــذا سـمـح لـواشـنـطـن بـإقـامـة قــاعــدة «بيتوفيك» الفضائية، التي تعد حجر أسـاس في الـقـدرات االستراتيجية األميركية في القطب الشمالي، وهي قاعدة إنذار مبكر للحماية مـن أي صـواريـخ عـابـرة لـلـقـارات، أو أي تهديد جــوي ألميركا القريبة جدًا من الجزيرة. واهتمام الرئيس ترمب بها غير جديد أيضًا. فخلل والية حكمه األولـى، وحسب كتاب الصحافيَّني بيتر بيكر، وسوزان غليزر، حول ترمب، كشفا عن أن صديق ترمب رونالد الودر، صاحب شركة «إستي لـودر» للعطور اقترح على ترمب شراء الجزيرة، وعرض أن يلعب دور الوسيط مع الدنمارك. وأجرى فريق ترمب يومها اتصاالت بالسفير الدنماركي في واشنطن؛ لـلـحـديـث حــــول األمـــــر، وتــــم وضــــع عــــرض رفــضــتــه الـــدنـــمـــارك، وتسبب ذلك حسب الصحف بإلغاء زيارته للبلد. الغريب أنه يجري الحديث عن بيع وشراء غرينلند دون ذكر أصحابها األصليني املدعوين اإلينوي، وعددهم صغير ال ألـف نسمة، لكنهم ال يريدون أن يُعاملوا بوصفهم 56 يتعدى سلعة بني قوتني، واحدة أوروبية، وأخرى أميركية، على ملكية أرضــهــم. وكـانـت غرينلند قـد وضـعـت استراتيجيتها السنة املاضية تحت عنوان «ال شيء عنا دوننا»، ورد رئيس حكومتها على كلم الرئيس ترمب بالقول: إن بلده ليست للبيع. والرئيس ترمب الذي أرسل ابنه األكبر، رونالد جونيور، إلـــى غـريـنـانـد ليتحدث عــن اسـتـثـمـارات هــنــاك، كـــان يخاطب الدنمارك في مؤتمره الصحافي عندما شكك في قانونية حق الدنمارك بالجزيرة وقـال: «الناس ال تعرف إذا كان للدنمارك حق في غرينلند. لكن إذا كان لديهم حق بها فيجب أن يتنازلوا عنه، ألننا نحتاجها ألمننا القومي». مستشاره الجديد لألمن القومي أيضًا قال: «نحتاج غرينلند ألمننا القومي». وتزداد أهمية غرينلند االستراتيجية واالقتصادية كلما ازداد تأثير التغير املـنـاخـي الـــذي يـذيـب الثلج القطبي حول الجزيرة، ويفتح خطوط ملحة دولية تجارية تُخفِّض املسافة بني أوروبــا والشرق األقصى إلى النصف تقريبًا، مما سيحد مـن أهمية قـنـاة بنما للملحة والـتـجـارة الـدولـيـة. وواشنطن قلقة من التعاون الروسي الصيني في القطب الشمالي، وازداد هـذا القلق من خطط الصني التي تسمي نفسها «دولــة قريبة من القطب الشمالي»، ألنها تريد خلق «طريق حرير قطبي» ملحي. غرينلند، وحسب استراتيجيتها، تريد تقوية العلقة مع جيرانها في الواليات املتحدة وكندا. وكانت قد افتتحت مكتبًا ، وتعمل على افتتاح مكاتب 2014 تمثيليًا لها في واشنطن عام تمثيلية في األمم املتحدة، وتسعى لجلب االستثمار للبلد. بعد الـــرد الـصـارم للدنمارك على الرئيس تـرمـب، عــادوا وخـفـفـوا الـلـهـجـة، معترفني بـمـخـاوف واشـنـطـن األمـنـيـة. هـذا يعني أن أسـلـوب ترمب التفاوضي ينجح، ومـن املستبعد أن نرى الحليفني األطلسيَّني يتنازعان على منطقة حيوية للدفاع عن الحلف بأكمله. ربما نرى تقوية التفاق الدفاع بني واشنطن وغرينلند تترافق مع استثمارات تحتاج إليها البلد، فتصبح غرينلند كما قال ترمب «عظيمة من جديد»، فتدخل في فلكه دون الخروج من تحت جناح الدنمارك. املعلومات التي أمدَّنا بهَا ج. هيوارث دن في كتابه «االتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة» عمَّا حصل بـ حسن البنا وسيد قطب، حـ كــان األخـيـر يــرأس تحرير مجلة «الفكر الجديد» األسبوعية، هي أوسع وأدق مـــن املــعــلــومــات الــتــي بــــاح بـهـا الشيخ مـحـمـد الــغــزالــي لـلـبـاحـث شــريــف يــونــس في رسالته الجامعية عن سيد قطب. املــشــكــلــة الـــتـــي تـــواجـــهُـــنـــا فــــي اإلفـــــــادات الـتـي قـدَّمـهـا الشيخ محمد الـغـزالـي عـن نوع العلقة بني سيد قطب و«اإلخـــوان املسلمني» أن بينها 1953 قـبـل انـضـمـامِــه لـهـم فــي عـــام اخـتـافـات وتـبـايـنـات. فلنعالج هــذه املشكلة قبل أن نـقـارن بـ مـا قـالـه الـغـزالـي ومــا قاله هـــيـــوارث دن عـــن صــــدام الــبــنــا مـــع قــطــب عــام .1948 في ندوة «الحركات اإلسلمية املعاصرة فـــي الـــوطـــن الــعــربــي» املـطـبـوعـة أعـمـالـهـا في . قــــال الـــغـــزالـــي فـــي تعقيبه 1987 كـــتـــاب عــــام على بحث محمد أحمد خلف الله «الصحوة اإلســـامـــيـــة فـــي مـــصـــر» إنَّـــــه يـــذكـــر أن صـالـح عشماوي أرسله إلى سيد قطب ليكتب كلمة 1950 عن البنا في الذكرى األولــى ملقتله عـام - هذه الواقعة صحَّح شریف یونس تاريخها بأنَّها حـدثـت فـي الـذكـرى الثانية ملقتله عام - فـــقـــال لـــه ســيــد قـــطـــب: «أرجــــــو قــبــول 1951 اعتذاري فمن الخير أن أكون بعيدًا». عـــنـــوانـــه: 2012 فـــــي كـــــتـــــاب طُــــبــــع عــــــام «حـوارات الشيخ الغزالي: السيرة واملسيرة»، قال الغزالي فيه عن سيد قطب: «عرضت عليه أن ينضم إلـى جماعة اإلخـــوان املسلمني عام . فقال لي: األفضل أن أكون بعيدًا»! 1950 هـــــذا الـــكـــتـــاب كـــتـــب أســـئـــلـــتَـــه لـــفـــيـــف مـن الـــبـــاحـــثـــ اإلســـامـــيـــ مــــن مــــريــــدي الـشـيـخ الـــــغـــــزالـــــي، وقـــــدمـــــه إلـــــــى الــــــقــــــارئ طـــــه جـــابـــر العلواني. ومن إشارتني ناقصتني في تقديم العلواني خمَّنت أن حوارات الكتاب كانت في مطلع التسعينات امليلدية. مـــــن أولـــــئـــــك املــــريــــديــــن طــــــــارق الـــبـــشـــري الـــــــذي مــــع تـــحـــولـــه إلــــــى االتـــــجـــــاه اإلســــامــــي ظــــل املـــاركـــســـيـــون والـــيـــســـاريـــون املـــصـــريـــون، يصنفونه بــأنَّــه رجــــل مـحـافـظ عـلـى علميته ومـــوضـــوعـــيـــتـــه، بـــســـبـــب أنَّـــــــه كـــــان ذات يـــوم «رفــيــقــ » سـيـاسـيـ وآيــديــولــوجــيــ لــهــم. ومـن أولـئـك املـريـديـن فهمي هـويـدي، الــذي أمضى سنوات في خط «االستنارة اإلسلمية» قبل أن ينقلب إلى «ديماغوجي إسلمي حاذق». هذه الجملة: «من الخير أن أكون بعيدًا» واألخرى «األفضل أن أكون بعيدًا»، هل قالهما سـيـد قـطـب لـلـغـزالـي، مـعـتـذرًا عــن عـدم كتابة بمناسبة الذكرى 1951 كلمة عن البنا في عام الثانية ملقتله أم أنه قالهما له، معتذرًا عن عدم االنضمام لجماعة اإلخـوان املسلمني في ذلك العام؟ الصيغة األولى للجملة كتبها في تعقيبه على بحث العلماني محمد أحمد خلف الله، للتصدي لنقده لفكر «اإلخـوان املسلمني» في تلك الندوة التي كان أكثر املشاركني فيها من الـعـلـمـانـيـ . كـمـا أن الـجـهـة الــتــي نظمتها - وهي مركز دراسات الوحدة العربية - مصنفة بأنها جهة علمانية. الصيغة الثانية للجملة تضمنتها إجابة عـــن ســــؤال وجــهــه إلــيــه اإلســـامـــي اإلخـــوانـــي جــمــال الــديــن عـطـيـة فــي جـلـسـة مــن جـلـسـات، يـبـدو أنَّــهـا اسـتـمـرت على نحو غير منتظم، كــان يشهدها أصـحـاب الـغـزالـي وأحـبـابـه من اإلسلميني. إذا مــــــــــا أخــــــــــذنــــــــــا هــــــــذيــــــــن األمــــــــريــــــــن اآليديولوجيني بـاالعـتـبـار، أتــســاءل: هـل هو يكيّف روايـة الواقعة أو يتصرَّف بها بحسب الجمهور الذي أمامه؟ في إجابته عن سؤال جمال الدين عطية حني ذكر أنَّه عرض على سيد قطب االنضمام إلـــى جـمـاعـة «اإلخــــــوان املــســلــمــ »، فــقــال لـه: «األفــــضــــل أن أكــــــون بـــعـــيـــدًا»، أتــبــعــهــا بـكـام مـوصـول بـهـذه الجملة، هــو: «وكـــان األسـتـاذ صالح عشماوي بوصفه نائبًا للمرشد العام واملــــرشــــد غـــائـــب، فـــكـــان يـــديـــر أمــــر اإلخــــــوان، وكنا نصدر عـددًا بمناسبة ذكـرى استشهاد األستاذ البنا، ومن الخير أن أقول: إن الفترة ) كـانـت الـبـاد 1952( ) إلـــى 1949( بــ أعــــوام محكومة بدستور قائم». قـــد تـلـحـظـون مــعــي أنَّـــــه قـــد حــصــل قطع وحـــــــذف مـــــا بـــعـــد جـــمـــلـــة «بـــمـــنـــاســـبـــة ذكـــــرى استشهاد البنا». ومن الواضح أنَّه أورد بعد هذه الجملة خبر اعتذار سيد عن عدم كتابة كلمة عن البنا في الذكرى الثانية ملقتله. وهو الخبر الذي كان ذكره من سنوات في تعقيبه على بحث محمد أحمد خلف الله. اإلخــــــــــوة فـــــي املــــعــــهــــد الــــعــــالــــي لــلــفــكــر اإلســــــامــــــي بــــعــــد أن فُــــــرِّغــــــت تـــســـجـــيـــات الحوارات مع الغزالي لهم، وبعد أن قاموا بـتـحـريـر إجـــابـــات الــغــزالــي الـشـفـاهـيـة عن أسئلة كتبها مريدوه، رأوا أن يحذفوا من كلم الغزالي ما جاء بعد جملة «بمناسبة ذكرى استشهاد األستاذ البنا»، ألن ما جاء بعدها يظهر سيد قطب بمظهر الجبان. وجـلـيـة األمــــر أن سـيـد لـــم يـعـتـذر عـــن عـدم كـتـابـة كلمة عــن الـبـنـا، بــل هــو رفـــض ذلــك. ألنه - من األصل - كان متخشِّب الصدر على البنا، فلما منع البنا اإلعلنات عن مجلته «الفكر الجديد» وضيّق عليها في توزيعها مقته أشد املقت. وهذا أمر يعلم الغزالي به حق العلم. وثمة محذور رقابي آخـر، وهـو أن كتبة «اإلخــــــــوان املــســلــمــ » والـــكـــتـــبـــة اإلســامــيــ عـــمـــومـــ بـــــذلـــــوا جــــهــــدًا تــلــفــيــقــيــ جـــــبـــــارًا فـي مجلتهم وفي كتبهم في عقد أواصر التوافق واالنـــســـجـــام - عــلــى صـعـيـد شـخـصـي وعـلـى صعيد فكري - بني البنا وقطب. فـإن أجـازوا نــشــر تــلــك املــعــلــومــة عــلــى لــســان الــغــزالـــي في كـتـاب تكريمي لــه، يـكـونـوا بـهـذا الصنيع قد أفـــســـدوا عــلــى أنـفـسـهـم مـــا تــعــب رفــاقــهــم في تلفيقه من سنني طويلة. ومن حسن الحظ أن أولئك اإلخوة تركوا قرينة تثبت أنَّهم اقترفوا جنحة الحذف غير املقبول. يُــسـتـخـلـص مـــن هـــذا الــتــحــري أن واقـعـة . كتابة كلمة عن 1951 رفـض سيد قطب عـام الـبـنـا بمناسبة الـــذكـــرى الـثـانـيـة ملـقـتـلـه، هي واقعة صحيحة. تبقى املشكلة األخـيـرة، فلنعالجها هي األخرى. هذه املشكلة هي: هل عرض الغزالي على سـيـد قـطـب االنــضــمــام إلـــى جـمـاعـة اإلخــــوان ؟ وهل قدَّم له 1948 أم عام 1951 املسلمني عام هذا العرض بمبادرة منه أم بـ«أمر» من البنا؟! وللحديث بقية. آمال مدللي علي العميم جمعة بوكليب OPINION الرأي 14 جولة تحر مع إفادات للغزالي كندا وغرينالند وبنما في مرمى نيران ترمب ما يحدث في السودان؟ ليس من اإلنصاف وصف الحرب في السودان باألهلية
RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==