issue16847

أتـى انتخاب العماد جوزيف عـون رئيسًا للجمهورية الـلـبـنـانـيـة لــيــعــزّز املــســار اآلتــــي: ذهــــاب حــركــة الــتــاريــخ مـرة أخـــــرى، خــطــوة أخـــــرى، فـــي اتـــجـــاه املـــشـــروع الـلـبـنـانـي على حـسـاب املــشــروع اإلقـلـيـمـي فــي لـبـنـان، وذلـــك لـلـمـرة الـرابـعـة ، وعام 2025 خالل قرنني من الزمن. والصورة هي نفسها عام : يصل املشروع اللبناني إلى 1861 ، وعام 1918 ، وعام 2005 حال أشبه باالحتضار أمام املشروع اإلقليمي القابض عليه. لـكـن الـــجـــذوة اللبنانية تبقى مشتعلة فــي الـــداخـــل، فتأتي تحوالت خارجية كبرى، ال يد للمشروع اللبناني فيها، وال تأثير له عليها، فتصب في مصلحته وتساهم في إنقاذه. علمًا بأن كل تغيير حقيقي في مجتمع ما يرتكز حتمًا إلى لحظة االلتقاء بني العوامل الداخلية والعوامل الخارجية. وخالص املشروع اللبناني، املكرر نفسه في ظروف تاريخية معقدة وكثيرة االختالف، ليس مجرد صدفة. فهذا املشروع، املـسـتـنـد إلــــى مـعـطـيـات مــوضــوعــيــة، جــغــرافــيــة وتـاريـخـيـة راسخة، والتائق على الـدوام إلى اإلفـ ت من هيمنة املحيط السلطوي نحو أفق مختلف، عنوانه ثقافة الحرية واالنفتاح على العصر والتفاعل مع اآلخــر والـرهـان على العلم وعلى نوعية الـحـيـاة الـبـشـريـة، إنـمـا ينسجم بطبيعته مـع حركة الـــتـــاريـــخ. وهــــذا االنــســجــام كـــان هــو قــوتــه الـخـفـيـة فـــي وجـه املـشـروع العثماني، وفـي وجـه املـشـروع الـسـوري، الفيصلي والبعثي والسعادي واألسدي، وفي وجه املشروع الوحدوي الناصري، وفي وجه املشروع اإليراني. ومــع أن االنـتـخـابـات الـرئـاسـيـة اللبنانية شـهـدت على الـــدوام تـدخـ ت خارجية خفية، فانتخاب العماد جوزيف عـــون جـــاء نـتـيـجـة تـــدخّـــل غــربــي وعـــربـــي قـــوي ومــبــاشــر، ال ســـابـــق لـــه فـــي تـــاريـــخ لــبــنــان املــســتــقــل. ولـــــوال هــــذا الـضـغـط الشديد املعلن، ملا تـم االنتخاب. فأكثرية البرملان اللبناني الحالي هي في السر أو العلن ضد اختيار مثل هذا الرئيس الــقــوي، املستقيم الـسـيـرة، غـيـر املــحــب املــــال، غـيـر الخاضع لـتـقـاسـم املــصــالــح الـصـغـيـرة، وغــيــر املـــشـــارك فــي الصفقات طـــوال مــســاره. بـل هـو بالتمام نقيض مـا يستهوي غالبية هذا البرملان، املعلنة منها أو املقنّعة. ذلك أن الغالبية، على اخــتــ ف توجهاتها ومـشـاربـهـا ومـذاهـبـهـا، تمثل مصالح الذين خربوا لبنان وأوصلوه إلى القاع على مدى ثلث القرن األخير، من رجـال سياسة ومـال وإدارة وأعـمـال، ومـن رجال ازدواجـيـة الـدولـة الضعيفة والتنظيم املسلّح، املهيمن على مؤسساتها وواضـــع الـيـد على قـراراتـهـا لصالح «املـحـور». وجل ما كانت تطمح إليه هذه الغالبية النيابية هو رئيس مـشـارك بـصـورة أو بـأخـرى بمسيرة الــخــراب، يحمي نفسه ويحميها، أو «رئيس توافقي» ضعيف، «يدوّر الزوايا»، على حد تعبيرهم، ويحجم عن القرار وسط العواصف، فيبقى كل شيء على ما هو عليه في السنوات الست املقبلة. لـذلـك، خالفًا للمنطق الـوطـنـي، لـم يكن التدخل الغربي والـعـربـي الـقـوي، فـي هــذه االنتخابات الرئاسية، مستهجنًا أو مرفوضًا، بـل مقبول ومـرحّــب بـه، كبارقة أمـل ورجـــاء، في نظر األكـثـريـة العظمى مـن اللبنانيني فـي الـوطـن واملـهـاجـر، وكــعــ مــة اهــتــمــام عـمـيـق بـلـبـنـان مـــن املـجـتـمـع الـــدولـــي. ذلـك أن «صانعي الـخـراب» في الـداخـل اللبناني تـمـادوا إلـى أبعد الحدود في تجاهل االنهيار العظيم الذي أحدثوه، فلم يُقدموا خــــ ل خــمــس ســـنـــوات عــلــى أي قــــرار إصـــ حـــي، ولــــم يـتـركـوا وسيلة من وسائل التالعب والتأجيل والتمويه والتعتيم إال واعتمدوها، وسـط شلل الـداخـل ودهـشـة العالم، إضـافـة إلى الشعبية، 2019 ) أكتوبر (تشرين األول 17 خنقهم انتفاضة ومنع االنتخابات الرئاسية طـوال عامني وشهرين، للحؤول دون إعـادة تكوين السلطة على نحو مختلف، ولتركها ورقة تفاوض عابرة الحدود. لذلك، ويا للمفارقة التاريخية، نظر الرأي العام اللبناني إلى التدخل الخارجي، الغربي والعربي، في االنتخابات الرئاسية، كحبل خـ ص عجائبي من ظلمة الطبقة الحاكمة في الداخل. ولم يكن ذلك ممكنًا لوال التحوالت املتسارعة في املنطقة التي أضعفت كثيرًا سطوة «املـحـور»، خصوصًا في سوريا ولبنان، ولوال الحاجة اللبنانية املاسّة للدعم املادي للخروج من هول الركام. غير أن وصــول شخصية واعــدة إلـى سـدة الحكم ليس نـهـايـة الــطــريــق، بـــل بــدايــتــهــا. وهـــو طــريــق شـــاق سـيـحـاول «صـانـعـو الـــخـــراب» عـرقـلـتـه، خـطـوة خــطــوة، بـكـافـة وسـائـل التحايل املتاحة، ملنع العهد من اإلصالح الحقيقي، وللحفاظ قـــدر املـسـتـطـاع عـلـى نــفــوذهــم فـــي املـــؤســـســـات، ولـــعـــدم فتح امللفات وعدم الوصول إلى املحاسبة، التي تقض مضاجعهم. وهــم يـراهـنـون فـي ذلــك على عـوامـل عـديـدة محتملة، منها التناقضات املجتمعية في الداخل اللبناني، وتأثيرها على تأليف الحكومات وعرقلة برامج عملها، ومصاعب الوضع السوري وانعكاساته على لبنان، وتحوالت ما في الوضعني الـغـربـي والـعـربـي، يـأمـلـون منها، فـي مرحلة أو فـي أخــرى، إضعاف االهتمام باملسألة اللبنانية. لكن حركة التاريخ في مكان آخر. عـرفـت تــواريــخ األمـــم أيــامــ وشــهــورًا وســـنـــوات مثلت تحوالت كبرى وتغيرات عظمى كـان لها ما بعدها؛ ألنها حـصـدت مــا قبلها بـالـوعـي والـــرؤيـــة واالســتــشــراف، وهــذا الــشــهــر مـــن هــــذا الـــعـــام يـــبـــدو مــعــبــرًا عـــن واحـــــــدة مـــن تلك اللحظات التاريخية االستثنائية. شهر سيتذكره 2025 ) هذا الشهر يناير (كانون الثاني الـتـاريـخ طـويـ ألحـــداث رمـزيـة تعبر عـن نتائج صـراعـات طويلة تاريخيًا ودوليًا وإقليميًا، أما التاريخ فصراعاته السياسية شديدة التعقيد بمنطقتنا في العقود املاضية قد تمخضت عن هزيمة «محور املقاومة»، وهـذه الهزيمة هـي هزيمة لــ«تـوحـش األقـلـيـات» ميليشيات وتنظيماتٍ، وملـشـروع إقليمي ضخم ذي امـتـدادات وعـ قـات ومصالح دولية كبرى، ويشهد العالم آثـار هذه الهزيمة في سقوط «نـــظـــام األســـــد» فـــي ســـوريـــا، و«عـــــودة الـــدولـــة» فـــي لـبـنـان، والنهاية القريبة ألتباعه في فلسطني واليمن. أما دوليًا، فسيتم تنصيب الرئيس األميركي دونالد تـرمـب رئـيـسـ مـــرة أخـــرى ألمـيـركـا أقـــوى إمــبــراطــوريــة في الـــتـــاريـــخ، فـــي تـعـبـيـر رمـــــزي مـكـثـف عـــن هــزيــمــة تـاريـخـيـة لـ«اليسار الليبرالي» في أميركا آيديولوجيًا، واجتماعيًا، وثقافيًا، وسياسيًا. أمــا إقليميًا، فيجب أال يلهي الـفـرح بسقوط «محور املــــمــــانــــعــــة» الـــطـــائـــفـــي عـــــن انــــتــــعــــاش ســـيـــشـــهـــده «مـــحـــور األصولية». ما جرى في لبنان «انتصارٌ»؛ ألن الدولة هناك بدأت طريقًا جــادًا فـي الـعـودة لنفسها ولشعبها، ومـا جـرى في سوريا «انتصار» لسقوط نظام ليس له مثيل في بشاعته وديـــكـــتـــاتـــوريـــتـــه فــــي الــــقــــرن املــــاضــــي بــــأســــره، والــشــعــبــان اللبناني والسوري جديران بمستقبل زاه ال تتحكم فيه أي محاور إقليمية غير عربية إن طائفيًا أو أصوليًا. احتفى الشعب اللبناني بالتغيّر الدراماتيكي للتاريخ في دولتهم واملنطقة، وانتُخب قائد الجيش العماد جوزيف عـــون رئـيـسـ لـلـدولـة بـعـد عــقــود مــن اختطافها مــن بعض الــقــوى الـسـيـاسـيـة املسيحية والـشـيـعـيـة املنتمية ملــا كـان يُــعـرف بــ«مـحـور املـقـاومـة». ولئن كانت قــوة الـسـ ح الـذي حكم لبنان خـــارج الجيش وضــد الــدولــة جـــاءت مـن إيــران وســـوريـــا؛ فـقـد كـــان غــطــاء الـشـرعـيـة الـسـيـاسـيـة والـدولـيـة يأتي من تيار مسيحي معروف ال تقل مسؤوليته عن ذلك التاريخ األسود عن مسؤولية «حزب الله». لبنان كـان دولــة «مختطفة» أو دولــة «رهينة»، وبكل األحـــوال «شـبـه دولـــة» سياسيًا، وهــي عـاشـت حـربـ أهلية طاحنةً، وتدخل فيها سياسيًا وأمنيًا غالب دول املنطقة، واختلفت قــوة األطــــراف داخـلـهـا بحسب املــراحــل الزمنية، فمن «منظمة التحرير» الفلسطينية إلى الفصائل واألحزاب التابعة لسوريا أو إلسرائيل. ولئن كان جنوبها محتال من إسرائيل في مرحلة من املراحل؛ فلقد كانت بقيتها محتلة من سوريا األسد وإيران. اختطفها «حـــزب الـلـه الـلـبـنـانـي» وجـعـلـهـا «رهـيـنـةً» لــدى «مـحـور املـقـاومـة»، وأصـبـح قـرارهـا لعقود مـن الزمن رهنًا لغيرها؛ لــ«مـحـور املـقـاومـة» بلونه الـدمـوي القاني، ولـ«سوريا األسـد» املنخرطة معه في «توحش األقليات»، وهـو ما أوصـل دولـة لبنان أو «سويسرا الـشـرق» لتصبح غــيــر قــــــادرة عــلــى الــتــعــامــل مـــع «الـــقـــمـــامـــة» فـــي شــوارعــهــا وأحيائها، فضال عن التحكم في مصيرها السياسي. نور ثقافي أشع من دول الخليج العربي على املنطقة، وأشرقت «شمس ثقافة خليجية» بحسب مقال نشره كاتب ، وسطع نجاح تنموي جديد، غير 2007 هذه السطور في نفطيٍّ، بدأ من دبي وقال عنه األمير محمد بن سلمان: «إنه لـو ننظر للشرق األوســـط، كـانـت الـــدول الـتـي تعمل بشكل جـيـد تعتمد عـلـى الـنـفـط، لـكـن أتـــى رجـــل فــي التسعينات أعطانا نموذجًا أننا يمكننا أن نقدم أكثر... الشيخ محمد بن راشد». ومـع تولي امللك سلمان مقاليد الحكم في السعودية عـــــرف الـــعـــالـــم بــــأســــره «الـــســـعـــوديـــة الــــجــــديــــدة» سـيـاسـيـ واقتصاديًا وتنمويًا، عبر قيادة ولي عهده صاحب رؤية »، وعـبـر الـسـيـاسـات واالسـتـراتـيـجـيـات 2030 «الـسـعـوديـة والرؤى املتماسكة واإلدارة الواعية لكافة امللفات؛ ما شكَّل بالفعل «نموذجًا» بدأت تهتف له شعوب املنطقة حتى تلك التي تمثل محاور غير عربية. قــبــل عـــقـــد ونـــصـــف الــعــقــد مـــن الـــزمـــن وإبـــــان «الــربــيــع الــعــربــي» األســـــود، وقـفـت الـسـعـوديـة واإلمــــــارات والـكـويـت موقفًا تاريخيًا ضد كل القوى الدولية واملحاور اإلقليمية فـــي مــصــر والــبــحــريــن وعــــدد مـــن الـــــدول الــعــربــيــة غيرهما حـتـى انـقـشـعـت الـغـمـة، ولـــم تـسـتـخـدم قَـــط شـــعـــارات بالية وال آيديولوجيات مهترئة، ولكنها السياسة واالقتصاد والوعي املتقدم. أخيرًا، فلدى لبنان اليوم فرصة تاريخية بأن يكنس من بـ ده عقودًا كئيبة مضت مع كل ما يمثلها من رمـوز طائفيةٍ، وطبقة سياسيةٍ، ومواضعات اجتماعية، وعالقات خارجيةٍ، ليعود «دولــة مستقلة ذات سـيـادة» تمنح األمل لشعبها، وتــرص الصفوف ملستقبلها، وتتبصر طريقها جيدًا مع عمقها االستراتيجي العربي. فيما تستمرّ، ولو بوتيرة منخفضة قـــيـــاســـ بـــالـــســـابـــق، انـــتـــهـــاكـــات إســـرائـــيـــل الــــجــــرمــــيّــــة فـــــي غـــــــــزّة، وتــــتــــعــــرّض أراض ســوريّــة لـضـربـات إســرائــيــل، فيما ينتظر اللبنانيّون انتهاء االحـتـ ل ألرضـهـم في الجنوب، يُالحَظ تراجع هائل في االكتراث بـــمـــوضـــوع إســــرائــــيــــل. والــــتــــراجــــع هـــــذا ال يطال «الجماهير العربيّة» املـدعـوّة دائمًا إلـى االستنفار، أو األنظمة التي تتعرّض عادة لتشهير الراديكاليّني بسبب تجنّبها الــــحــــرب، بـــل يـــتـــركّـــز فـــي الــبــيــئــات نفسها التي تتلقّى األفـعـال اإلسرائيليّة وتتكبّد أكالفها. وهذا ليس مردّه، بطبيعة الحال، إلى تعاطف ما مع الـدولـة العبريّة وأعمالها، أو إلــــى ضــعــف مَــــرَضــــي فـــي حـسـاسـيّــتـنـا حيال مآسينا الذاتيّة. فأغلب الظن أن أحد األسـبـاب يتّصل بشعور، كثيرًا ما عزّزته الحرب األخيرة، مفاده أن هذا الصراع مع إسرائيل لم يعد موضوعًا مقفال على ذاته فحسب، بل بات موضوعًا ميّتًا، وأن معظم األكــــ ف الـنـاشـئـة عـنـه نـاجـمـة عــن تأخير إعالن موته. ونعلم جيّدًا أن قوى املمانعة، وألسباب تخصّها هي وال تخص معاناة الفلسطينيّني، دأبت على مدى عقود على نــفــخ الـــحـــيـــاة فـــي ذاك الــــصــــراع مـــن خــ ل الحؤول دون التوصّل إلى سالم، أي سالم. وبـــاملـــعـــنـــى هــــــذا فــــــإن الـــــصـــــد هـــــو مـا تلقاه رغبة الـنـاس فـي التدخّل واالقـتـراح والتأثير، خصوصًا بعدما لجأت القوى الـــراديـــكـــالـــيّـــة عــلــى اخــتــ فــهــا إلــــى تـديـ املـــــوضـــــوع الــفــلــســطــيــنــي – اإلســـرائـــيـــلـــي وتنزيهه عن السياسة. وقد ال يخطئ من يـتـوقّــع تــزايــد الـــعـــزوف عـنـد مــن يــــرون أن الحروب، بما فيها آخرها، ال تستطيع أن تـغـيّــر شيئًا فــي تــنــاول املــوضــوع املـذكـور وفــــــي وصـــــفـــــه. فــــالــــذيــــن عــــيّــــنــــوا أنــفــســهــم تـقـلـيـديّــ قـيّــمـ عـلـى الـــصـــراع والـقـضـيّــة، لــــم يـــدفـــعـــهـــم تــــضــــاؤل قـــدرتـــهـــم وتــــراجــــع صدقيّتهم واعتصامهم الحالي بالصمت، إلى أيّة مراجعة للهلوسات النضاليّة، بما يتيح املجال ملـرور بعض الـهـواء الصحّي قريبًا من تابوتها. هكذا يغدو واضحًا أن مسألة الصراع إيّــاه مسألة طـاردة: فهي من نظام عريض لـــلـــحـــيـــاة يـــقـــضـــي بــــإبــــقــــاء الـــبـــشـــر خـــــارج الــســيــاســة ويــمــنــع تــدخّــلــهــم أو يـلـغـي كــل فعاليّة له. لكنّها أيضًا محكومة بالتقلّص إلــى عمليّات عسكريّة مُصمتة ومعزولة عـن كــل شــيء آخـــر، ويـومـ بعد يــوم يبدو أن طـرفـ واحـــدًا هـو الـــذي يـشـن العمليّات ويتحكّم بمساراتها. لكن السبب اآلخر الذي قد يساعد في تفسير تــراجــع االكـــتـــراث مــصــدره الـحـدث السوريّ. فكائنًا ما كان املوقف من حظوظ الـنـجـاح والـفـشـل، والـنـهـايـة الـتـي ستؤول إليها املحطّة االنتقاليّة في دمشق، يبقى أن اللحظة السوريّة الراهنة مشرعة على أفعال ال حصر لها، ومعها كم ال حصر له من املواقف واآلراء التي تطال الشأن العامّ. وحتّى لو قيل إن التغيّرات الكبرى غالبًا ما تستنفر حيويّة هائلة مكبوتة، إال أنّها تُخمدها وتُخرسها في طور الحق، يبقى أن الحيويّة تلك لحظة سياسيّة مفتوحة يــخــتــبــئ فـــيـــهـــا انـــشـــغـــال عـــمـــيـــق بــــأحــــوال البلد ونـاسـه والـعـ قـة بـ هـــؤالء الناس ، حني انفجرت 2011 على اختالفهم. وفي الثورات العربيّة، كنّا رأينا شيئًا كثيرًا من هذا، إذ تراجع إلى أبعد الحدود االهتمام بــالــصــراع مــع إســرائــيــل لـتـحـتـل الـــصـــدارة مـسـائـل الـحـيـاة الـسـيـاسـيّــة واالجـتـمـاعـيّــة في بلدان «الربيع العربيّ». وكـــانـــت تــلــك الـــتـــطـــوّرات الـــكـــبـــرى، بما أكّــدتـه ومــا حذفته، قـد أوحــت لكثيرين بـأن مـا فعلته قــوى املمانعة هـو هــذا بالضبط: جـعـل الــصــراع مــع إسـرائـيـل شـغـل الشعوب التي ال شغل لها، أو باألحرى، التي مُنعت من أن يكون لها شغل، أي أن تكون لها حياة سياسيّة. وليس من دون داللة أن اللبنانيّني الـذيـن رُدعـــوا عمليًّا، وملـــدّة فـاقـت السنتني، عن إجراء انتخابات رئاسيّة، وجدوا في ما انتهى إليه النظام الـسـوري والقضيّة التي ارتبطت به فرصتهم إلجرائها. أبعد من هذا، باتت األمانة تستدعي الــــخــــروج مـــن املـــكـــابـــرة الـــتـــي درجـــــت على إلـــصـــاق الـــواقـــع الــجــديــد بــالــكــ م الـقـديـم. هـــكـــذا لــــم يـــعـــد فــــي اإلمــــكــــان فـــهـــم إطـــاحـــة النظام األســـديّ، وهـو فعل ال يرقى الشك إلــــى خـــيـــره، عـــن الـــوجـــهـــة الـــشـــرّيـــرة الـتـي أطلقتها إسرائيل ردًّا منها على «طوفان األقــصــى». والــحــال أنّـــه ضـــدًّا على النظرة الــديــنــيّــة املـعـلـمـنـة إلــــى الــســيــاســة، والــتــي تـرى أن كـل خير يقف إلـى جانب كـل خير فـــي مــواجــهــة شــــرور مــــتــــآزرة، وأن الـخـيـر ينبثق منه الخير انبثاق الشر من الشرّ، تقول الحياة إن األمور ال تعمل هكذا، وإن التقاطعات فيها أغنى من السيطرة عليها بـــالـــتـــوقّـــعـــات الــبــســيــطــة واالســـتـــنـــتـــاجـــات املسبقة. فأمام اختالف الظروف واختالف األوطـــــــان واخــــتــــ ف الــقــضــايــا واملــصــالــح والتجارب ممّا يبلغ أحيانًا حد التناقض، ومن داخل شبكة تلك االختالفات املعقّدة، ال بـــد مــن التفكير فــي الــحــق الفلسطيني كــشــأن ســيــاســيّ، قــابــل لـــلـــرأي واالجــتــهــاد والـتـأويـل، قبوله للتفاوت حياله، وليس كـمـوضـع إجــمــاع مــقــدّس نــتــســاوى أمـامـه تساوي أسنان املشط، وال تكون ترجمته الوحيدة إال الحروب. لكن خليطًا من ســؤال وتـحـدٍّ، وربّما لــعــنــة إغـــريـــقـــيّـــة، يــبــقــى مــعــنــا: مـــا الـعـمـل لـلـسـيـطـرة عــلــى حــركــة الـــتـــنـــازع الــداخــلــي واألهــلــي فـي كــل واحـــد مـن بـلـدان املـشـرق، وهــــــي مــــتــــصــــاعــــدة، بـــعـــدمـــا أصــــيــــب دور «الــــــصــــــراع» و»الــــقــــضــــيّــــة» فــــي تـأجـيـجـهـا وتصعيدها؟ OPINION الرأي 12 Issue 16847 - العدد Sunday - 2025/1/12 األحد لبنان العربي وعودة الدولة الدرس اللبناني مسألة «الصراع» و«القضيّة» اليوم! وكيل التوزيع وكيل االشتراكات الوكيل اإلعالني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] املركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 املركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى اإلمارات: شركة االمارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 املدينة املنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب األولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية املوجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها املسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة ملحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي باملعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com حازم صاغيّة عبد هللا بن بجاد العتيبي أنطوان الدويهي [email protected]

RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==