issue16843

Issue 16843 - العدد Wednesday - 2025/1/8 األربعاء OPINION الرأي 14 السعودية والطريق إلى كأس العالم دراما أبو ماضي لبنان يسير نحو السيادة الموعودة يـجـد الــبــاحــث فـــي تـــاريـــخ املــلــك عـبـد الــعــزيــز، أن املــؤســس - وفـــي زمـــن مـبـكـر مــن عـمـر مملكته - أولــى اهتمامه بكل مؤسسات الـدولـة وقطاعاتها؛ بما في ذلـــك الــريــاضــة الــتــي شـجـعـهـا ورعـــاهـــا وكــــان يحضر فعالياتها ومسابقاتها، ومن ذلك حضوره في الظهران مباراة بطولة في كرة القدم بني فريقني من فرق رابطة ، واستمر االهتمام 1947 موظفي شركة «أرامكو» عام بـــالـــريـــاضـــة عــمــومــا وكـــــرة الـــقـــدم خــصــوصــا مـــن قبل قــادة اململكة العربية السعودية. غير أن السعوديني اســتــيــقــظــوا عـــلـــى تــغــيــر غـــيـــر مـــتـــوقـــع فــــي مـشـهـدهـم الرياضي، وإن كان آتى ضمن تحول في املشهد العام إثر تولي امللك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم، ، تضمنت الرؤية 2016 في عام 2030 ومع إعالن رؤية مبادرات لنشر الرياضة وتعزيز ممارستها وتطوير منظومتها وتحقيق التميز إقليميا وقـاريـا وعامليا، وتــــزامــــن ذلــــك مـــع تــحــويــل الـــرئـــاســـة الـــعـــامـــة لــرعــايــة الـــشـــبـــاب إلــــى الــهــيــئــة الـــعـــامـــة لــلــريــاضــة لــتــركــز على تحقيق مستهدفات الرؤية، ومنها تحويل البالد إلى مركز رياضي عاملي. كـان األمير عبد الله بن مساعد ، صدر أمر 2020 أول رئيس لهيئة الرياضة، وفي عام ملكي بتحويل الهيئة إلـى وزارة وتعيني األمير عبد العزيز بـن تركي الفيصل وزيـــرًا لها. هـذه التحوالت أسهمت فـي هيكلة قطاع الرياضة وتطوير كياناته ومؤسساته وبـنـاه التحتية بما يعزز مكانة اململكة عامليا، ويسهم في النمو االقتصادي ويحول الرياضة إلى صناعة واستثمار، وأدت إلى استضافة وتنظيم عــــشــــرات الـــفـــعـــالـــيـــات الـــدولـــيـــة الـــكـــبـــرى فــــي مـخـتـلـف الرياضات. خالل األعوام املاضية، استثمرت الحكومة الـســعـوديــة مـــئـــات املـــ يـــ فـــي الـــريـــاضـــة، مـــا أحـــدث تغييرًا جذريا في املشهد الرياضي عموما، وكرة القدم خصوصا. وعندما ترشحت اململكة الستضافة كأس العالم تضمن ملف الترشح: إنشاء مالعب حديثة ومستدامة في 8 ملعبا مقترحا إلقامة املباريات؛ منها 15 عددها مدينة الــريــاض، وبـمـقـارنـة عــدد املـ عـب الـكـبـرى في مدينة واحدة مع مثيالتها في املدن العاملية ذات البنى التحتية املتطورة لكرة الـقـدم، يعد هـذا الـرقـم كبيرًا، وقـــد يــؤســس لـتـكـون الـــريـــاض وجــهــة لــهــذه الـريـاضـة منشأة تدريب، 134 على املستوى العاملي. إضافة إلى ألـــف وحـــدة فـنـدقـيـة فــي املـــدن الخمس 230 مــع تـوفـر املستضيفة (الــريــاض وجــدة ونـيـوم والخبر وأبـهـا)، واملـــــدن الـعـشـر املــســاعــدة (املــديــنــة املـــنـــورة والـطـائـف والــبــاحــة وجـــــازان والــعــ وتــبــوك وبـــريـــدة واألحــســاء وحائل وأملج)، كما يشمل ذلك تطوير شبكات النقل مـطـارًا 16 واملـــرافـــق وتــوســعــة املـــطـــارات (فـــي املـمـلـكـة دوليا)، وتحسني منظومة النقل العام. لهذا كله وغيره ،)500( ) من 419.8( حصل امللف السعودي على تقييم وهو أعلى تقييم فني في تاريخ االتحاد الدولي لكرة القدم. وتعكس ذلـك جـودة البنى التحتية، والقدرات التنظيمية، وااللتزام والرؤية الطموح التي تتبناها القيادة السعودية التي حظي امللف بدعمها لتقديم نسخة استثنائية من كأس العالم. هــــذه الــثــقــة بـتـنـظـيـم الـنـسـخـة األكـــبـــر فـــي تــاريــخ الــبــطــولــة الـــتـــي تـسـتـضـيـفـهـا دولـــــة واحــــــدة ويـــشـــارك منتخبا ألول مرة، وااللتزام بتحقيق تجربة 48 فيها فريدة للمشاركني والجمهور على حد سواء، يعكسان الـــقـــدرات التنظيمية الـسـعـوديـة واإلمــكــانــات العالية والـخـبـرات املتراكمة التي اكتسبتها، فخالل األعــوام الـعـشـرة املـاضـيـة اسـتـطـاعـت، وبــكــل اقـــتـــدار ونــجــاح، تنظيم مــئــات الـفـعـالـيـات واملــنــاســبــات الــكــبــرى؛ بــدءًا من مؤتمرات القمم املختلفة، مـرورًا بباقي املؤتمرات واملـــنـــتـــديـــات واملــــعــــارض واملـــهـــرجـــانـــات وغـــيـــرهـــا من الـــفـــعـــالـــيـــات الـــســـيـــاحـــيـــة والــــريــــاضــــيــــة والــتــرفــيــهــيــة والثقافية. ويـبـرز هنا تـسـاؤل عـن الـفـوائـد والعوائد الـتـي ستجنيها الـسـعـوديـة مــن تنظيم كـــأس العالم تــحــديــدًا، خـصـوصـا أنــهــا تـتـطـلـب اســتــثــمــارات تـقـدر مليار ريال). 100( مليار دوالر 26.6 بـ فهذا اإلنفاق سيوجه إلنشاء املنشآت الرياضية الـــجـــديـــدة وإعـــــــادة تــأهــيــل الــقــائــمــة واالســـتـــثـــمـــار في تطوير وبناء الوحدات الفندقية وغيرها من املرافق. كـمـا سـيـسـرع فــي اسـتـكـمـال املــشــروعــات الـتـي يجري تـــنـــفـــيـــذهـــا، مـــمـــا قــــد يــتــطــلــب زيـــــــادة اإلنـــــفـــــاق لـيـصـل 187.5( مليار دوالر 50 إجمالي االستثمارات إلى نحو مليار ريـــال) وقـد يـزيـد، األمــر الــذي سيحفز قطاعات املـــقـــاوالت والـبـنـاء والتشييد السـتـكـمـال املـشـروعـات الجاري تنفيذها وتطوير املالعب، والبنية التحتية، واملــــرافــــق الــســيــاحــيــة، كــمــا سـيـحـفـز قــطــاعــات أخـــرى مثل النقل والـخـدمـات اللوجيستية وغيرها، ويولد وظائف وفــرص عمل جديدة للمواطنني في مجاالت كثيرة. هذا عدا انعكاسه على تحسني البنية التحتية املستضيفة واملــســاعــدة، مـمـا سيعزز 15 فــي املـــدن الـــــ مــــن قــــــدرة املـــنـــاطـــق الـــتـــي تـــقـــع فــيــهــا تـــلـــك املــــــدن عـلـى الـجـذب السياحي واسـتـدامـة عـوائـدهـا االقـتـصـاديـة، خــصــوصــا أن تــوزيــعــهــا الـــجـــغـــرافـــي اخــتــيــر بـعـنـايـة لـتـعـم أرجـــــاء املـمـلـكـة. كـمـا يـسـاعـد فـــي تـحـقـيـق كثير ، ويحقق استدامة 2030 من مستهدفات رؤيـة اململكة مشروعات قطاعات الرياضة والسياحة والترفيه، مما سينمي تلك القطاعات ويعزز صورة اململكة العربية السعودية دوليا وقوتها الناعمة ويــروج لها وجهة عاملية، من خـ ل تقديم ثقافتها وضيافتها وقيمها األصـيـلـة، إضـافـة إلــى تقديم إمكاناتها االقتصادية وحجم أسواقها وفرص االستثمار فيها، مما يساعد في جذب مزيد من االستثمارات الدولية. أمـا العوائد املباشرة، فتشير التقديرات األولية ماليني سائح، 4 إلـى أن هـذه الفعالية ستجذب نحو وسيسهم إنفاقهم في قطاعات النقل واإليواء واملطاعم والتسوق والترفيه، مع العوائد األخرى في ضخ أكثر مليار ريال) بقنوات االقتصاد 75( مليار دوالر 20 من الــســعــودي. كــل ذلـــك سـيـرفـع مـسـاهـمـة األنـشـطـة غير النفطية في الناتج املحلي اإلجمالي. لن 2034 إن االستضافة السعودية لكأس العالم تكون تنظيم بطولة رياضية عاملية فحسب؛ بل تاريخ يُكتب وحـكـايـات تــروى عـن قصة النجاح األعـظـم في القرن الحادي والعشرين (سعودية املستقبل)، فهذا التنظيم في تقديري ليس غاية الطموح وإنما منصة انـــطـــ ق السـتـقـطـاب فـعـالـيـات ريــاضــيــة عــاملــيــة، مما سيعزز النمو السياحي واستدامة العوائد االقتصادية ويدعم تنافسية املدن السعودية املستضيفة. يـصـعـب حــصــر كـــل الــتــفــاصــيــل، لــكــن املـــؤكـــد أنــه استثمار للمستقبل ال تقاس عـوائـده بـاألرقـام فقط، كما يأتي في سياق الرؤية السعودية؛ ليس الزدهار املـمـلـكـة الــعــربــيــة الــســعــوديــة فــحــســب؛ بـــل الســتــقــرار املنطقة ونـمـاء دولـهـا ورخـــاء شعوبها، وذلـــك ضمن األهــــــداف الـــتـــي يـعـمـل عــلــى تـحـقـيـقـهـا األمـــيـــر محمد بـــن ســلــمــان، مــنــفّــذًا تــوجــيــهــات والـــــده املــلــك سـلـمـان، ومستلهما تاريخ جده امللك املؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن. امتاز الشاعر املهجري الشهير إيليا أبو ماضي بخاصيتني ميزتاه من كثير من الشعراء املعاصرين؛ األولـــى تـسـاؤالتـه التأملية الـتـي ال تـعـرف الـحـدود، ومـــن أبــــرز أمـثـلـتـهـا قـصـيـدة «الـــطـــ ســـم». والـثـانـيـة تشبيهاته الـدرامـيـة الـتـي تخلق حيوية فـي النص تــرتــفــع بـــه عـــن الـتـقـلـيـديـة الــتــي ســــادت فـــي بــدايــات القرن العشرين، ومن أبرز أمثلتها تلك األبيات التي يرددها كثير من الناس دون أن يعرفوا هوية قائلها - أبو ماضي - وهي: إن حظّي كدقيق فوق شوك نثروه ثم قالوا لحفاة يوم ريح اجمعوه فـلـو نـظـرنـا لـهـذيـن البيتني مــن نـاحـيـة فنية، فـــهـــمـــا مـــــن الـــنـــاحـــيـــة الـــبـــ غـــيـــة مـــــجـــــرّد تــشــبــيــه. ولـكـن بـتـعـمـيـق الــنــظــرة سـنـجـد أن الـكـفـتـ غير مـــتـــوازنـــتـــ ، فــاملــشــبــه (حــــظّــــي) يـــواجـــه غـــــوال هو املـشـبـه بـــه (بـقـيـة الـبـيـتـ ) وهــــذا مـــا يـخـتـلـف عن تشبيه التمثيل الــذي يشبه حالة بحالة (مشهدًا بمشهد). هنا ينصرف ذهــن الـقـارئ عـن املشبه/ الغارق إلى املشبه به/الخضم الذي يدخل سلسلة من التوهان والتعاطف مع الحالة، رغم أن املعنى املـراد مستهلك جـدًا! فالشاعر يريد أن يوصل لنا رســـالـــة مــفــادهــا أن حـظـه بــالــغ الـتـعـاسـة إلـــى حد اليأس. ورغم الصور الحسية التي استخدمها أبو ماضي؛ الدقيق املنثور فوق الشوك/الحفاة الذين يجمعونه/الريح، فـإن املـزاوجـة بينها قـد أحالت املستهلَك إلى جديد! لــقــد بــــدأ الــبــيــتــان بـتـشـبـيـه عـــــادي بـــ شيئني الحظ/الدقيق، إال أنه قد نجح في صرف ذهن املتلقي عن الطرف األول ليحوّله للطرف اآلخــر ليعود به - دون أن يشعر - للتعاطف مع الطرف األول! املتلقي هــنــا يــتــعــاطــف مـــع الـــطـــرف األول (الــــحــــظ) بصفته مظلوما، ليس ألنــه مـجـرد حـظ تعيس، بـل ألنــه قد غـرق في بحر الطرف اآلخــر (الدقيق) الــذي جـاء في األساس ليخدمه، فإذا هو يسرق األضواء منه! أراهـن على أن معظم من قرأ هذين البيتني ركّز جل تفكيره على الدقيق ثم تنبّه بعدها للحظ ليهبه بعضا من تعاطفه ثم يمضي وليس في الذهن سوى صـورة الدقيق. أما ذلك الحظ التعيس فليس له إال أنه قد تحوّل إلى ذريعة لذكر هذه الصورة الدرامية التي تثير فـي ذهـن املتلقي االشـمـئـزاز مـن األشغال الشاقة التي حُكم بها على الحفاة بفضل ذلك الدقيق. ولــنــتــذكــر مــعــا قــصــيــدة أبــــو مـــاضـــي الـشـهـيـرة (املساء)، والتي يقول في أحد مقاطعها: إنّـــي أراك كسائح فـي القفر ضــل عـن الـطّــريـق... يرجو صديقا في الفالة، وأيـن في القفر الصديق... يهوى البروق وضوءها، ويخاف تخدعه البروق... بـــل أنــــت أعـــظـــم حـــيـــرة مـــن فـــــارس تــحــت الـــقـــتـــام... ال يستطيع االنتصار... وال يطيق االنكسار. بعد الكافني - الضمير املتصل املشبّه به وحرف التشبه - يُطلق أبو ماضي العنان ملشهد درامي بطله املشبّه به (السائح) الذي يبتلع ك املخاطبة/سلمى؛ بطلة النص، والتي يدور مجمل النص حولها! يسترسل في وصف الحالة: في القفر (وحدة) ضل عن الطريق (وحشة) نجد بعدها شيئا يبدو للوهلة األولـــى شرحا تقريريا للحالة، حينما يقول: يرجو صديقا في الفالة، وأين في القفر الصديق مـن املمكن نعت هــذا البيت بالحشو حـ نقرأ البيت التالي بطريقة تقريرية: يـــهـــوى الـــــبـــــروق وضـــــوءهـــــا، ويــــخــــاف تــخــدعــه البروق ولــكــن هـــل هـــذا هـــو املـــأمـــول مـــن شــاعــر مـعـروف بتأمالته؟ مـاذا سيحصل لو تعاطينا مع املقطع بوصفه بنية واحدة وليس مجرّد أبيات متفرقة؟ ماذا لو حاولنا املزاوجة بني البيتني املتتاليني: يرجو/يهوى (فعل مضارع يدل على الرغبة في) صديقا/البروق وضوءها (مفعول به يدل على املرغوب فيه) وأين في القفر الصديق/ويخاف تخدعه البروق (الصوت الداخلي لفاعل الرغبة في). هــنــا نـلـتـمـس أن الــقــفــر لــيــس مـــجـــرد الــصــحــراء املـــقـــفـــرة الـــتـــي ال تــحــتــوي عــلــى الـــحـــيـــاة فــهــو يـرجـو (صديقا) وليس (رفيقا)، فما يبحث عنه شيء متميز على األرض كما هي الحالة في البيت الثاني (البروق وضوءها) شيء متميز في السماء. إن النص يسير في حالة من التأمل في الخيار الصعب، وهذا ما تشير إليه خاتمة املقطع: بل أنت أعظم حيرة من فارس تحت القتام... ال يستطيع االنتصار... وال يطيق االنكسار. هـــــذه الـــــصـــــورة وإن بـــــدت بــســيــطــة وتـــقـــريـــريـــة مباشرة، فالفارس تحت القتام (غبار الحرب) عندما يـواجـه معركة قـويـة ترهقه لـدرجـة أنــه يـواجـه أحد مصيرين ال ثالث لهما: االنتصار/االنكسار. لم تأت هـــذه الـــصـــورة وحـــدهـــا، ولـــو كـــان ذلـــك لـكـانـت نظما وليست شعرًا. لقد جـاءت هذه الصورة تحديدًا في ختام املقطع لتكمل مسيرة الثنائيات املتقابلة لتنير للمتلقي طريق قراءة النص. وعـلـيـه لــو بــدأنــا الـــقـــراءة مــن جـديـد فسنجد أن املعنى قد فُتح لنا من جديد من خالل صورة الفارس الـذي جاء مشبّها به للضمير املنفصل/أنتِ، لينير لنا الـصـورة السابقة للسائح الــذي جــاء مشبها به للضمير املتصل/كاف املخاطبة. ونـــعـــود مـــرة أخــــرى لـنـشـهـد صــــورة يستعطف فيها الـشـاعـر املتلقي لصالح ذلــك الـفـارس الحائر، اســـتـــحـــوذت صـــورتـــه عــلــى ذهــــن املــتــلــقــي، وإن كــان مجيئه - أساسا - لتبيني حالة الحيرة عند سلمى، ولكن أبــو ماضي يأبى أن يخرج نصه عـن الطريق الذي رسمه منذ البداية. هذه ملحة من ملحات الشعر في العصر الحديث، والــتــســاؤل هــنــا: ملــــاذا انـحـسـر الـشـعـر املـــــراوغ الــذي يعطيك التلميح تـارة والتصريح تـارة أخـرى ليحل محله الشعر الذي يصر على مراوغتك طيلة الوقت؟! أعتقد - وإن كنت أحب قـراءة الصنف اآلخر من الشعر شـديـد املــراوغــة - أن الشعر الـــذي يـــراوح بني التصريح والتلميح هو األقدر على مخاطبة املتلقي الـعـادي، ولعل في اتجاه القارئ العربي للرواية ما يدلل على ذلك؛ فالرواية تصرّح تارة وتلمّح أخرى، فهي ال تستسلم للقارئ من الوهلة األولــى، ولكنها في الوقت نفسه ال تجعله يلهث وراءها لينتظر من يكشفها له. لقد تحررت سوريا من نظام األسد، كما أن الحملة العسكرية العنيفة التي شـنـتـهـا إســـرائـــيـــل ضـــد جــمــاعــة «حـــزب الـلـه» حـــررت لبنان بشكل فـعَّــال أيضا، ولكن على عكس دمشق، فإن بيروت لم تستوعب هذا التحرر بعد. ومـــــن املــــؤســــف أنـــــه إذا لــــم تـغـتـنـم الـــنـــخـــبـــة الـــســـيـــاســـيـــة فــــي بــــيــــروت هـــذه اللحظة، فإن هذه الفرصة العابرة للبنان ليتحول إلى دولة ذات سيادة ومستقرة ستضيع، وسيكون االختبار األول الذي ستواجهه الـبـ د فـي التاسع مـن يناير (كانون الثاني) الحالي، عندما يجتمع نواب البرملان اللبناني النتخاب رئيس جديد للبالد، وهو املنصب الشاغر منذ .2022 ) أكتوبر (تشرين األول وعـــلـــى مـــــدى الــــســــنــــوات الـخـمـسـ املـــاضـــيـــة، كــــان لــبــنــان نـــمـــوذجـــا للخلل ، عـــانـــت 1975 الــــوظــــيــــفــــي، فـــمـــنـــذ عـــــــام 15 بيروت من حرب أهلية استمرت ملدة عـامـا أشعلها إرهــابــيــون فلسطينيون، واحتالل عسكري وحشي من قبل نظام األســـــد الــــســــوري، فـــضـــ عـــن الــتــوغــ ت والغزوات املتكررة من قبل إسرائيل، كما ،2005 أنه بعد انسحاب سوريا في عام عانى لبنان أيضا ملا يقرب من عقدين من االحتالل اإليراني من خالل وكيل طهران هناك (حزب الله)، الذي كان يروع ويقتل معارضيه املحليني بشكل روتيني. لكن العديد من مشاكل لبنان كانت نـاتـجـة عــن أفـعـالـه الــخــاصــة، إذ وصـف بـرملـان االتــحــاد األوروبــــي األزمـــة املالية املستمرة فـي بـيـروت بأنها «كــارثــة من صُــنـع اإلنــســان تسببت فيها مجموعة مــن الــرجــال فــي مختلف أنــحــاء الطبقة السياسية في البالد». وقد تجاهلت الحكومات اللبنانية 3 املـتـعـاقـبـة الـتـخـزيـن اإلجـــرامـــي لـنـحـو آالف طن من نترات األمونيوم في مرفأ بـــيـــروت، وهــــو مـــا تـسـبـب فـــي االنــفــجــار الهائل واملميت الـذي شهدته البالد في ، وعــنــدمــا انتهى 2020 ) أغـسـطـس (آب االحتالل السوري للبالد، فإنه بـدال من تــعــزيــز هــــذا الـــنـــصـــر، دخــــل الـــعـــديـــد من السياسيني اللبنانيني الـذيـن يُفترض أنهم موالون للغرب في تحالف انتخابي مـع «حـــزب الــلــه»، مما عــزز األخـيـر على املستوى السياسي. إن املشكلة الـكـبـرى الـتـي يواجهها لـبـنـان الــيــوم تتمثل فــي الــقــيــادة، وذلــك ألن معظم النخب السياسية في البالد، املعروفة باسم «الـزعـمـاء»، تستفيد من الوضع الراهن وال ترحب بالتغيير، فهم فــي الــواقــع مـعـروفـون بـالـفـسـاد وضيق األفق والطائفية. وعـــلـــى الـــرغـــم مـــن سـجـلـهـم املـــــروّع فــي الـحـكـم وتـجـاهـلـهـم الـــدائـــم لرفاهية الـشـعـب الـلـبـنـانـي، فـقـد أُتـيـحـت لـهـؤالء الـسـيـاسـيـ فـرصـة الـعـمـر اآلن لتغيير الـــوضـــع الـــراهـــن وإنـــهـــاء هـيـمـنـة «حـــزب الله»، وهذه الفرصة النادرة جاءت على أيدي إسرائيل. فـــفـــي ســبــتــمــبــر (أيـــــلـــــول) املـــاضـــي، وبـــعـــد عـــــام مــــن هـــجـــمـــات «حــــــزب الـــلـــه» بالصواريخ والـطـائـرات من دون طيار، شـنّــت إسـرائـيـل هجوما مــضــادًا، وعلى مــــــدى شـــهـــريـــن، تــمــكــنــت تــــل أبــــيــــب مـن تصفية قـيـادة الـحـزب ودمّـــرت مخزونه االســـتـــراتـــيـــجـــي مــــن األســـلـــحـــة والــبــنــيــة التحتية العسكرية. كما أدى سقوط نظام بشار األسد فـــي ســـوريـــا، فـــي وقــــت ســابــق مـــن شهر ديـسـمـبـر (كـــانـــون األول)، إلــــى تعميق مـــدى تـأثـيـر العمليات اإلسـرائـيـلـيـة في لبنان، إذ لم يعد «حزب الله»، الذي ذبح اآلالف من املدنيني أثناء الحرب األهلية فــي خـدمـة األســــد، يستطيع اآلن إعـــادة تسليح نفسه عبر األراضي السورية. وقد أعلن «حزب الله» انتصاره على إسرائيل، وهو أمر لم يكن مُرجحا لكنه كان مُتوقَعا، إال أنه من الصعب تفسير الــتــنــازالت فــي اتــفــاق وقـــف إطـــ ق الـنـار الــذي تم بوساطة الـواليـات املتحدة في نوفمبر (تشرين الـثـانـي) على أنـهـا أي شيء آخر سوى استسالم غير مشروط، فــ«حـزب الـلـه» لـم يكتف بالتوقيع على بـنـود قــــرار مـجـلـس األمــــن الـتـابـع لألمم ، الـذي يقضي بإنهاء 1701 املتحدة رقم وجود الحزب في جنوب لبنان فحسب، بل وافـق أيضا على تنفيذ قـرار مجلس ، الـــذي ينص على نزع 1559 األمـــن رقــم ســـ ح جـمـيـع املـيـلـيـشـيـات فـي مختلف أنــــحــــاء لـــبـــنـــان، ورغــــــم أن «حــــــزب الـــلـــه» ال يـــنـــوي بــــوضــــوح نـــــزع ســــ حــــه، فـــإن موافقته الظاهرة على مثل هذه الشروط غير املواتية تنم عن شعوره بالضعف. ومــــن الــنــاحــيــة املــثــالــيــة، فــــإن وقــف إطالق النار وتراجع مكانة «حزب الله» بــإمــكــانــهــمــا تــمــكــ بـــيـــروت أخـــيـــرًا من مـــمـــارســـة الـــســـيـــادة فـــي الـــجـــنـــوب، ومــن ثم في مختلف أنحاء الـدولـة، ولكن من املؤسف أنه ليس من الواضح ما إذا كان لبنان سيغتنم هذه الفرصة. فـصـحـيـح أن الــحــكــومــة تـــقـــوم بنشر الــــقــــوات املــســلــحــة فـــي الـــجـــنـــوب، ولـكـنـهـا قــــــد تــــحــــجــــم عــــــن تــــوجــــيــــه هــــــــذه الـــــقـــــوات لـــلـــعـــمـــل بـــشـــكـــل اســـتـــبـــاقـــي عـــلـــى تـفـكـيـك البنية التحتية العسكرية لــ«حـزب الله» ومـصـادرة أسلحته، ومـن الصعب تصور مرحلة ثانية من نزع السالح في الشمال .1559 بما يتفق مع قرار مجلس األمن رقم فـالـقـلـق الــــذي يـــســـاور الــســاســة في لبنان اآلن هـو أن الـدخـول فـي مواجهة مـع امليليشيات الشيعية قـد يــؤدي إلى إشعال فتيل الحرب األهلية مرة أخرى، ولعل األمر األكثر أهمية هو خوفهم من أن يستعيد الحزب قوته على الرغم من سقوط األسد. فعلى الرغم من أن إسرائيل نجحت في إضعاف «حـزب الله» إلى حد كبير، 15 فــإنــه ال يــــزال هــنــاك مـــا يــقــدر بـنـحـو ألف مقاتل من الحزب مُسلحني ببنادق »47 – AK« كـــ شـــيـــنـــكـــوف مـــــن طـــــــراز وقــــــاذفــــــات «آر بـــــي جـــــــي»، وصـــــواريـــــخ «كورنيت» املضادة للدبابات في لبنان، كما أنـه بالنظر إلـى تاريخ «حـزب الله» واسع نطاق و«الدنيء» من االغتياالت، فإن التهديد ال يزال قائما. وعــــــلــــــى الـــــــرغـــــــم مـــــــن جــــمــــيــــع هـــــذه الـــتـــحـــديـــات، فــــإن الـــوقـــت الــحــالــي يـبـدو مناسبا بشكل فريد للبنان، وفي الفترة املـقـبـلـة، سـيـكـون مــن الـــضـــروري للغاية دعم الزعماء السياسيني في البالد الذين كانوا يخشون املخاطرة حتى اآلن، ففي األيـام املقبلة، سينتخب البرملان رئيسا جديدًا من قائمة متنوّعة من املرشحني، تـــــتـــــراوح بـــــ أولـــــئـــــك الـــــذيـــــن يـــدعـــمـــون الـوضـع الـراهـن و«حـــزب الـلـه»، وغيرهم من املدافعني عن اإلصالح والتغيير. ومـــــــــــن أجـــــــــــل تــــشــــجــــيــــع الــــــقــــــيــــــادة الــلــبــنــانــيــة، إن لـــم يــكــن إجـــبـــارهـــا على اغـتـنـام الـفـرصـة الـتـي أتـاحـهـا إضـعـاف إسرائيل لــ«حـزب الـلـه»، فمن املرجح أن تضطر واشـنـطـن إلــى ربــط مساعداتها االقـتـصـاديـة والـعـسـكـريـة بــــأداء الـقـوات املسلحة اللبنانية في إنفاذ قرارات األمم املتحدة، كما أنـه قد تكون هناك حاجة إلــــى فــــرض عـــقـــوبـــات عــلــى الـسـيـاسـيـ اللبنانيني املتمردين أيضا. «فـــفـــي الــــروايــــة الـــتـــوراتـــيـــة لــخــروج بني إسرائيل، استغرق األمر من موسى عاما ليقود الشعب اليهودي املُحرر 40 مـــن مـصـر إلـــى أرض كــنــعــان، ووفـــقـــا ملا يُــقــال بـشـكـل تـقـلـيـدي، فـإنـهـم احـتـاجـوا هـــــذا الــــوقــــت الـــطـــويـــل لــقــطــع مـــســـافـــة ال ميال فقط ألن هؤالء العبيد 170 تتجاوز السابقني لم يكونوا مستعدين ليكونوا عام 400 أمــة ذات سـيـادة بعد أكـثـر مـن من العبودية»، لكن من املؤسف أن لبنان لـيـس لــديــه نـفـس رفــاهــيــة الـــوقـــت، وفـي غــيــاب جـهـد فــــوري ومُــنــسَّــق السـتـغـ ل النكسات التي تعرض لها «حزب الله»، فـــإن الــحــزب سيعيد بـنـاء نـفـسـه، ولكن مع الدعم املستمر من جانب واشنطن، وبعض الساسة الشجعان في بيروت، فإن لبنان قد يمكنه أن يصل أخيرًا إلى أرض السيادة املوعودة. * مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون الشرق االدنى في ادارة ترمب ديفيد *شينكر بندر بن عبد الرحمن بن معمر عبد هللا فيصل آل ربح

RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==