لـــم يـــرتَـــح كــثــيــرون لـطـريـقـة وزيــــري خارجية فرنسا وأملانيا، أثناء زيارتهما األخيرة إلى دمشق، وبخاصة حني بدأوا فـــي إعـــطـــاء دروس حــــول الــديــمــقــراطــيــة وحـــقـــوق اإلنـــســـان، الــتــي سـبـق ونستها وزيــــرة الـخـارجـيـة األملـانـيـة بتصريحها املخزي حول غـزة، حني قالت إن من حق إسرائيل استهداف املستشفيات لحماية أمــنــهــا، ولــــذا مـــن الـصـعـب أن يـنـظـر إلـى نصائحها على أنها فـي صالح الشعب السوري. وإذا كــــــــان الـــــحـــــضـــــور األوروبــــــــــــي والــــغــــربــــي فــــي ســــوريــــا يـــمـــثـــل مـــحـــاولـــة مـــــحـــــدودة الســــتــــعــــادة إرث «املـــبـــعـــوثـــ األمميني» الذين سبق وأُرسلوا إلى كثير من البالد العربية، ولـم تسفر جهودهم عـــن أي حـــل، رغـــم أن بـعـضـهـم كـــان على درجـــة كبيرة مـن الـكـفـاءة واملهنية، لكن املـــعـــضـــلـــة أن املــــدخــــل األورو ـ أمــيــركــي فـي الـتـعـامـل مــع صـــراعـــات املـنـطـقـة كـان خاطئًا، وبالتالي كانت مخرجاته كلها فاشلة. والــحــقــيــقــة أن ســـوريـــا مــثــل الـيـمـن والـسـودان وليبيا، شهدت حضور سيل مـــن املــبــعــوثــ األمـــمـــيـــ واألمـــيـــركـــيـــ ، وجــمــيــعــهــم أخـــفـــقـــوا فــــي إيــــجــــاد حــلــول 2011 للصراع الدائر بهذه البلدان، فمنذ عني األمــ العام السابق لألمم املتحدة بــان كـي مــون مبعوثًا أمميًا إلــى ليبيا؛ وهـــو وزيــــر الـخـارجـيـة األردنـــــي األسـبـق عـبـد الــلــه الـخـطـيـب، وهـــو رجـــل مشهود له بالكفاءة واملهنية، ومع ذلك لم ينجح في مهمته، مثل كل من جــاءوا بعده من البريطاني إيان مارتن، مرروًا باللبناني طارق متري واإلسباني برناردينو ليون، وانتهاء بغسان سالمة ومـارتـن كوبلر، إلى جانب مبعوثني خاصني وأميركيني وجميعهم أخفقوا في مهمتهم. األمر ذاته تكرر في اليمن الذي عرف أسـمـاء مهنية كبيرة مثل جـمـال بنعمر وإســــمــــاعــــيــــل ولــــــد الــــشــــيــــخ، وجــمــيــعــهــم عجزوا عن إيقاف الحرب املستمرة منذ أكـثـر مــن عـقـد، أمـــا الـــســـودان الـــذي عـرف ثــــــورة مـــدنـــيـــة ســلــمــيــة انـــتـــهـــت بــاقــتــتــال أهـــلـــي بـــ الــجــيــش و«الــــدعــــم الــســريــع»، فــقــد فــشــلــت جـــهـــود فــولــكــر بــيــرتــس في منع االقتتال األهلي وصناعة توافق بني فرقاء الساحة السياسية، وتكرر ذلك مع املـبـعـوث األمـيـركـي تــوم بيريلو الـــذي لم ينجح في مهمته حتى اللحظة. ولـــــم تـــخـــرج ســــوريــــا عــــن ســـيـــاق مـا جــرى بـهـذه الـبـلـدان، فقد عـ فـي بداية أمــ عام 2012 املـواجـهـات املسلحة فـي األمم املتحدة األسبق كوفي عنان مبعوثًا أمـــمـــيـــ فـــــي ســــــوريــــــا، وتـــبـــعـــه األخـــضـــر اإلبـــراهـــيـــمـــي وســتــيــفــان دي مــيــســتــورا، وفشلوا جميعًا في إقناع النظام بتقديم أي تــنــازالت؛ ســـواء بـإخـراج امليليشيات اإليــــــرانــــــيــــــة واإلفــــــــــــــــراج عــــــن املـــعـــتـــقـــلـــ الـسـيـاسـيـ ووضــــع دســـتـــور جـــديـــد، أو الــبــحــث فـــي بـــدائـــل لـــإصـــ ح مـــن داخـــل الـنـظـام نفسه بـطـرح أسـمـاء مثل فــاروق الشرع وآخرين بديال لحكم بشار األسد، وتكون نتيجتها الحفاظ على ما تبقى من الدولة السورية وإصالحها، وهو ما رفضه األسد وأركان حكمه بشكل كامل. والـــــ فـــــت أن ســــوريــــا كــــانــــت الــبــلــد الـــوحـــيـــد الــــــذي عـــــرف ســلــطــة مـتـمـاسـكـة ومؤسسات قائمة عقب اندالع االنتفاضة ، وهـو 2011) الـشـعـبـيـة فـــي مــــارس (آذار عـــلـــى عـــكـــس الـــــســـــودان ولــيــبــيــا والــيــمــن حيث انقسمت السلطة املركزية أو غابت، وكــانــت أمـامـهـا فـرصـة أن تـجـري عملية إصــــ ح مـــن داخــلــهــا أفـشـلـه نــظــام بـشـار األســــد واســتــخــدم أدوات قـمـع إجـرامـيـة غير مسبوقة. والــحــقــيــقــة أن املـــســـار الـــــذي اتــخــذه الــــقــــادة الـــجـــدد فـــي ســـوريـــا مــنــذ سـقـوط النظام، هو البعد عن فكرة اقتسام سلطة املــرحــلــة االنـتـقـالـيـة مـــع أطـــــراف املـعـادلـة الـــســـيـــاســـيـــة، الــــــذي عـــنـــي فــــي الـــتـــجـــارب الــعــربــيــة األخـــــرى بــأنــه تــقــاســم للسلطة قـــبـــل بـــنـــائـــهـــا بــــ أطـــــــراف مــخــتــلــفــة فـي التوجه والحسابات السياسية والبنى الـــعـــســـكـــريـــة مــــن خـــــ ل أدوار مـبـعـوثـ أمميني، كانت مهمتهم الرئيسية العمل على إعادة بناء الدولة من خالل اقتسام السلطة بني مؤسساتها في واقع يعاني من سيولة وانقسام. ومـــــع فـــشـــل مــــشــــروعــــات املــبــعــوثــ األمـــمـــيـــ فـــي اقـــتـــســـام الــســلــطــة بليبيا والــــــســــــودان والــــيــــمــــن وســــــوريــــــا، قــدمــت الــقــيــادة الــســوريــة الــجــديــدة نــمــوذجــ ال يخلو مــن مـخـاطـر وقـائـمـ عـلـى مطالبة الـجـمـيـع فـــي الـــداخـــل والــــخــــارج بـإعـطـاء الثقة لـطـرف أو مـشـروع سياسي يكون مــحــل تـــوافـــق بـــ مـعـظـم األطـــــــراف بـــدال مـن تلك الـجـهـود املتعثرة الـتـي قــام بها املبعوثون األمميون، وعملت على خلق سلطة ضعيفة مفتتة للسيطرة عليها، أو خوفًا من إعــادة إنتاج النظام القديم والديكتاتورية. إن ما تميزت به التجربة السورية أن قادتها الجدد يبنون مؤسسات جديدة بعد أن سقط النظام والـدولـة مـن خـارج نظام املحاصصة واقتسام السلطة الذي فشل فـي كـل الـتـجـارب العربية األخـــرى، وأن الـــبـــنـــاء الـــجـــديـــد وضـــعـــتـــه الـسـلـطـة الــجــديــدة بــالــتــشــاور فـقـط مـــع اآلخـــريـــن، وأصــبــح عـلـى قمته قـــادة مــن لـــون واحــد ســـواء فــي وزارة الــدفــاع أو الـداخـلـيـة أو الخارجية. هـــــذا املــــســــار يــمـــثـــل فــــرصــــة نـــجـــاح؛ لــكــنــه ال يــخــلــو مــــن تـــحـــديـــات ومــخــاطــر أهمها كيف يمكن بناء مؤسسات دولة مهنية ومستقلة عن السلطة التنفيذية وخلفيات كثير من عناصرها قادمة من فصائل إسالمية مسلحة؟ هذا تحد ليس بالسهل، وقد يكون الحضور العربي في سوريا عامال في دعم هذا البناء الجديد على أسس وطنية جامعة. 42 ِ مــديــنــة لـيـبـيـة تـــقـــع عــلــى بُـــعـــد كــيــلــومــتــرًا غــــرب الــعــاصــمــة طــرابــلــس، اسـمـهـا «الــــزاويــــة»، يـعـيـش فـيـهـا أكثر من نصف مليون نسمة، وتعد مدينة مخطوفة، وسكانها رهـائـن فـي أيـدي عــــصــــابــــات تـــهـــريـــب الـــبـــشـــر والـــــوقـــــود واملـــــــــخـــــــــدرات. وهـــــــي مــــديــــنــــة زراعـــــيـــــة ســـاحـــلـــيـــة، بـــهـــا مـــــرافـــــئ صـــغـــيـــرة ملـن يـعـمـلـون بـمـهـنـة صــيــد الــســمــك، وبـهـا مصفاة نفط. الوضع األمني باملدينة يشبه، إلى حد بعيد، األوضاع األمنية لكثير من مدن بلدان أميركا الجنوبية املـخـطـوفـة مـــن قـبـل عــصــابــات مهربي املخدرات. خــ ل األســبــوع املــاضــي، ونتيجة ملــعــانــاة ســكــانــهــا، وافـــتـــقـــادهـــا لـ مـن واألمـــان نتيجة تعدد كـــوارث االقتتال بـ مختلف العصابات على الغنائم والنفوذ واملواقع فيها، وما تسببت فيه ذلك من إزهاق ألرواح األبرياء، وتدمير لـلـمـمـتـلـكـات، قــــرّر املــجــلــس الــرئــاســي، وحــــكــــومــــة طــــرابــــلــــس تــــجــــريــــد حــمــلــة عسكرية للقضاء على العصابات. قــــــبــــــل تـــــــحـــــــرك الـــــــــــقـــــــــــوات، قــــائــــد الــحــمــلــة الــعــســكــريــة املــــوكــــل بــاملــهــمــة، ولطمأنة أهلها، التقى بأعيان املدينة ومشايخها وأبـلـغـهـم بـهـدف الحملة. وتناقلت الخبر وسائل اإلعالم املحلية ومــــواقــــع الـــتـــواصـــل االجـــتـــمـــاعـــي على اإلنترنت. الـــــ فـــــت لــــ هــــتــــمــــام، ومـــــــن واقـــــع الخبرة والتجارب، أن حمالت املداهمة لـــلـــعـــصـــابـــات مــــن هـــــذا الــــنــــوع تـــتـــم فـي ســــرّيــــة كـــامـــلـــة، وتـــعـــتـــمـــد عـــلـــى عــامــل املــفــاجــأة. وبـالـتـالـي، نـشـر الـخـبـر كـان بــمــثــابــة تــحــذيــر وتــنــبــيــه لـلـعـصـابـات بــــأخــــذ الــــحــــيــــطــــة. وكــــــــأن الـــعـــصـــابـــات اإلجــــرامــــيــــة أعـــطـــيـــت قــــصــــدًا الـــفـــرصـــة لتفادي املواجهة، والقيام بكل التدابير الالزمة والكفيلة بعدم تعرّض أفرادها وممتلكاتها ألي خسائر! وبناء على ذلك، كان التوقع السائد هو أن القوات املغيرة ستعود أدراجها مـثـلـمـا جــــــاءت، أي خـــاويـــة الـــوفـــاض، ولـــن تـحـقـق الـــهـــدف املـــرجـــو واملـــأمـــول. وحتى اآلن، ما زالت الحملة مستمرة، وفق ما يصدر من بيانات، من دون ما يـؤكـد على إنـجـاز املهمة بتلك املـواقـع املـنـتـشـرة فـــي املــديــنــة، واعــتــقــال أفـــراد العصابات. وكأن الحملة ال تتعدى أن تـكـون فرقعة إعـ مـيـة، بـهـدف تحويل أنــــظــــار املـــواطـــنـــ مــــن قـــضـــايـــا أخــــرى ملتهبة. تــــهــــريــــب الــــــوقــــــود املـــــســـــتـــــورد مــن الــخــارج تــجــارة رائــجــة ورابـــحـــة، كونه يــــبــــاع بـــســـعـــر زهــــيــــد لـــلـــمـــواطـــن؛ ألنّــــه مدعوم من الخزينة الليبية، ويكلفها مـــلـــيـــارات دوالر 10 ســنــويــ أكـــثـــر مـــن أمــيــركــي. عــصــابــات الـتـهـريـب الليبية تقوم بعملياتها بالتنسيق والتعاون مــــع عـــصـــابـــات مــــن تـــونـــس وإيـــطـــالـــيـــا ومـــالـــطـــا. الــبــنــزيــن الـلـيـبـي املــســتــورد، يـجـده املـــرء يـبـاع عـلـى قــارعــة الطريق البري بمجرد تجاوز الـحـدود الليبية إلى تونس. وتقوم قوارب صيد كبيرة مجهزة بخزانات بتهريبه عبر البحر إلـــــى مـــالـــطـــا. عــمــلــيــات الـــبـــيـــع تـــتـــم فـي منتصف املسافة البحرية الفاصلة بني البلدين. الــقــائــمــون عــلــى عــمــلــيــات تـهـريـب النفط فـي الـجـانـب الليبي، فـي مدينة الزاوية، ليسوا بخافني على أحد. وهم مـــعـــروفـــون لـجـمـيـع األجــــهــــزة األمــنــيــة فــــي املـــديـــنـــة وخــــارجــــهــــا، لـــكـــن ال أحـــد يــســتــطــيــع االقـــــتـــــراب مـــنـــهـــم، ألســـبـــاب مـعـروفـة، أبــرزهــا تـــورط أسـمـاء كبيرة في العمليات. األسوأ من ذلك أن حكومة طرابلس، في السنوات األخيرة، دأبـت على منح تراخيص فتح محطات بيع وقـود من دون حساب أو رقيب، وبأعداد مريبة، وفــي مناطق شبه خالية مـن السكان، ال تبعد عـن الــحــدود التونسية سوى كيلومترات قليلة. وكأنها بذلك تسهل على املهربني عملياتهم. وألن الـــــــحـــــــكـــــــومـــــــة لـــــــيـــــــس فــــي مستطاعها التعرض لـقـادة عصابات تهريب الـوقـود، عبر الـحـدود البحرية والــــبــــريــــة، لـــجـــأت إلـــــى تـــبـــنّـــي سـيـاسـة قديمة ومـجـرّبـة تـعـرف بـاسـم سياسة «معاقبة الحمار املربوط»، بدل معاقبة الحمار السائب الذي يعيث في حقول الزرع فسادًا. املـــقـــصـــود بـــالـــحـــمـــار املــــربــــوط فـي السياسة املتبناة هو املواطن املسكني. والــعــقــاب يــأخــذ مـنـاحـي عـــدة، أكثرها شــيــوعــ تـحـمـيـلـه دفــــع قـيـمـة الـبـنـزيـن املُهرّب، أي بالسعي إلى رفع سعر بيعه فـي محطات الــوقــود. وبـذلـك كفى الله الـحـكـومـة شـــر الـــدخـــول فــي مـواجـهـات عسكرية مـع جماعات مسلحة، تابعة للدولة على الورق فقط. الـــنـــقـــاش والـــــجـــــدال ال يـــتـــوقـــفـــان، حول الكيفية التي يتم بها التعامل مع الـقـضـيـة. هــل بـرفـع سـعـر لـتـر البنزين فـي املـحـطـات، أم بـوقـف دعــم الحكومة للبنزين املستورد، وتعويض املواطنني ماليًا ليتم القضاء على التهريب؟ مــــــن الـــــــواضـــــــح أن وقــــــــف الــــدعــــم الــــحــــكــــومــــي عـــــن الــــبــــنــــزيــــن املــــســــتــــورد لــيــس فـــي أجـــنـــدة األجـــهـــزة الـحـكـومـيـة ذات الــصــلــة، لــوجــود رفـــض شـعـبـي ال يـمـكـن تـجـاهـلـه. ولـــذلـــك، ال يـبـقـى أمــام املسؤولني من حلول سوى اللجوء إلى الـحـل األســهــل، وهـــو معاقبة املــواطــن، بـتـحـمـيـلـه مــالــيــ عــبــئــ إضـــافـــيـــ يـزيـد فـي ثقل أحماله، ويفاقم مـن معاناته، ويــــــزيــــــد مــــــن تـــنـــغـــيـــص آالمـــــــــه وســــــوء أحـــوالـــه، فـــي بـلـد يــنــام ويـصـحـو فـوق بحيرة نفط، ويعد من أغنى الدول في القارة األفريقية. مفكرة ترمب فــــي الـــعـــشـــريـــن مــــن يـــنـــايـــر (كــــانــــون الـــثـــانـــي) الـــــــجـــــــاري، تـــنـــتـــهـــي حـــقـــبـــة الــــرئــــيــــس األمــــيــــركــــي الــديــمــقــراطــي جـــو بـــايـــدن، وتـــبـــدأ حـقـبـة الـرئـيـس األمــــيــــركــــي الـــجـــمـــهـــوري دونـــــالـــــد تــــرمــــب. الــبــيــت األبــيــض يستقبل وافــــده الـجـديـد لـلـمـرة الثانية، والـتـوقـيـت اآلن يختلف عـن توقيت املـــرة األولـــى، فالعالم يفقد بوصلة اسـتـقـرار، وحـــروب هنا أو هناك، وصراعات على النفوذ، وسباقات لتصفية الحسابات، كما أن املسرح الـدولـي يشهد لكمات الـكـبـار املـتـبـادلـة عـلـى نـظـام عـاملـي جـديـد ال يــزال يبحث عن هويته. الـــرئـــيـــس جــــو بـــــايـــــدن، تـــــرك مـــيـــراثـــ ثــقــيــ ً، ومعقدًا، والخروج منه يحتاج إلى إرادة حديدية. دونــالــد تـرمـب، يـــدرك مخاطر هــذا املــيــراث، سـواء على الصعيد الداخلي أم على الصعيد الدولي. فــــي مـــفـــكـــرة تــــرمــــب، دُوّنَـــــــــت ســـطـــور بـالـحـبـر األحمر، حـول قضايا وملفات مشتعلة، فالداخل األمـيـركـي ينتظر اقـتـصـادًا عفيًا وقــويــ، وإيـجـاد وظـــائـــف جـــديـــدة، طـبـقـ لـشـعـار «لـنـجـعـل أمـيـركـا عظيمة مرة أخرى». أمـا على الصعيد الـدولـي، فـإن مفكرة ترمب تحمل عـنـاويـن ضاغطة ومـلـحـة، تتعلق بإيقاف الحروب الحالية، ومنع اتساعها، ورفض التدخل األمـــيـــركـــي فـــي إشـــعـــال ثـــــورات مــلــونــة، أو إشــاعــة فـــوضـــى عــلــى املـــســـرح الــــدولــــي، ويـسـتـعـيـض عن ذلـــك بـقـوة أمـيـركـا االقـتـصـاديـة، راغــبــ بـــأن تكون الدولة العظمى على املسرح الدولي دون منازع، ودون أن تــكــون إمــبــراطــوريــة، وفـــي هـــذا الـجـانـب تحمل مفكرته فرض جمارك وضرائب على السلع املـــســـتـــوردة مـــن دول أخـــــرى، حـتـى لـــو كــانــت هـذه الدول حليفة وثيقة، مثل دول االتحاد األوروبي. كـــل الـــرهـــانـــات الــصــعــبــة مـعـلـقـة عــلــى لحظة جلوس ترمب داخل البيت األبيض، كما أن خرائط العالم تنظر يمنيًا ويسارًا في حالة ترقب وحذر. هل يستطيع ترمب تنفيذ ما جاء في مفكرته، بما يحقق ما نسميه «سالم ترمب»؟ الشاهد أن ســ م ترمب املنتظر يعيدنا إلى مـفـهـوم «الــســ م الــرومــانــي»، أو «بـاكـسـرومـانـا»، الـــذي أشـاعـتـه اإلمــبــراطــوريــة الــرومــانــيــة، مــا قبل وما بعد امليالد، والذي استمر قرونًا طويلة، أثناء هيمنة الرومان على مفاصل العالم القديم. وكثيرًا مـا تـحـاول الـواليـات املتحدة أن ترث هــــذا «الــــســــ م»، لـكـنـهـا لـــم تـحـقـقـه عــلــى مـسـتـوى الـعـالـم قـــط، فـالـحـروب فــي كــل مــكــان، والـفـوضـى، والــقــ قــل، واالضـــطـــرابـــات، تــــدور بـتـوقـيـت عصر القطب الواحد. رســـبـــت واشـــنـــطـــن فـــي االخـــتـــبـــار الـــرومـــانـــي، وضلت طريق السالم العاملي. ترمب صاحب عقلية رجـــل األعـــمـــال الــبــراغــمــاتــي، الـتـقـط مـنـذ اللحظة األولـى أهمية استدعاء «السالم الروماني»، دون هيمنة عسكرية أو غــــزوات، أو احــتــ ل أو فـرض نفوذ بالقوة، إنما كان واضحًا في فلسفته، بأنه سيكون سالمًا اقتصاديًا، بعيدًا عن الفلسفة التي سادت أميركا طوال ثمانية عقود؛ أي منذ نهاية الحرب العاملية الثانية. تــرمــب يـــرى أن أمــيــركــا الـعـظـيـمـة تـتـمـثـل في دولــة كـبـرى، تعيش بـ املحيطني، ال تندفع إلى حـروب أو غــزوات إلـى العالم القديم، مثلما حدث من قبل أوروبا طيلة قرون طويلة. يقول ترمب إنه سيوقف الحروب جميعًا في أوكــرانــيــا، والــشــرق األوســــط، وبـعـض التحليالت تـشـيـر إلـــى أنـــه سيسحب قـــواعـــده الـعـسـكـريـة من العراق وسوريا، لكن ال نعرف كيف سينهي مثل هذه الحروب، خصوصًا أن أميركا الباطنية لديها مصالح كبرى، ورغبة عميقة للوجود داخل الشرق األوسط، وفي الجوار الروسي، وهو ما يتعارض مـــع رؤيـــــة تـــرمـــب، وفــــي الـــوقـــت ذاتـــــه كــيــف لـــه أن يوقف الحرب في األراضـي الفلسطينية، من دون التوصل إلى حل دائم وعادل، ال سيما أنه ال يؤمن بـحـل الــدولــتــ ، ويـــرى أن الـحـل يكمن فــي «سـ م اقـتـصـادي»، وهـو أمـر يتعارض مـع رؤيــة أميركا نفسها، ورؤيـــة املجتمع الـدولـي واألمـــم املتحدة، فـــضـــ عــــن أن أوضـــــــاع الــــشــــرق األوســـــــط تـرتـبـط ارتباطًا وثيقًا بعدم حل القضية الفلسطينية. إن مــا يـنـتـظـره الـعـالـم مــن تـرمـب فـــور توليه مباشرة مهام الرئيس، هـو إطـفـاء الحرائق التي أمسكت بتالبيب الـخـرائـط، وبـاتـت تلتهم بشكل حقيقي فــكــرة االســتــقــرار الــعــاملــي، وتــهــدد السلم واألمن الدوليني، وصارت تتسع بما يشكل خطرًا كبيرًا على مستقبل الشعوب. إن الـــطـــبـــعـــة الـــثـــانـــيـــة مـــــن الــــرئــــيــــس تـــرمـــب، تـــرغـــب فــــي إثــــبــــات جـــدارتـــهـــا فــــي تــنــفــيــذ فـلـسـفـة مــغــايــرة، ويـــبـــدو أن تــرمــب لــديــه مـــا يـسـتـنـد إلـيـه فــي الــداخــل األمــيــركــي، فـهـو يتحالف مــع عباقرة وادي السيليكون، ومبدعي الـذكـاء االصطناعي الـكـبـار، ورجــــال األعــمــال الــجــدد الــذيــن يشجعون االختراعات في الثورة الصناعية الرابعة. وإذا قـلـنـا إن تــرمــب نـجـح فــي فـتـرتـه األولـــى في أن يهيمن على الفضاء بأسلحة غير مسبوقة عــاملــيــ ، وهـــو األمــــر الــــذي لــم يـتـم تسليط الـضـوء عليه في فترته األولـى، نتيجة الصراع السياسي الداخلي الذي أحاط بوجوده في البيت األبيض، فــ شــك أنـــه فــي هـــذه املــــرة سـيـحـرص جــيــدًا على إظـهـار أدواتـــه وإمـكـانـاتـه السياسية والعسكرية واالقـــتـــصـــاديـــة، وقــــد اخـــتـــار فــريــقــ حــكــومــيــ من املــؤمــنــ بـــه وبـــأفـــكـــاره، عـلـى املــســتــوى الـداخـلـي والخارجي. وإذا أخــذنــا فــي االعـتـبـار أنـــه يهيمن بحزبه الــــجــــمــــهــــوري عـــلـــى مـــجـــلـــس الــــــنــــــواب، ومــجــلــس الـــشـــيـــوخ، واملــحــكــمــة الــعــلــيــا، وحـــكـــام الــــواليــــات، فإننا نستطيع أن نـقـول إن «ســـ م تـرمـب»، قابل للتحقيق، إال إذا جــرت أحـــداث أخـــرى مـرتـبـة، قد تكون بمثابة فخ يعرقل تنفيذ ما ورد في مفكرته املكتوبة بحبر أحمر. Issue 16842 - العدد Tuesday - 2025/1/7 الثالثاء ما تميزت به التجربة السورية أن قادتها الجدد يبنون مؤسسات جديدة من خارج نظام المحاصصة واقتسام السلطة تهريب الوقود تجارة رائجة كونه يباع بسعر زهيد للمواطن ويكلف الخزينة أكثر مليارات دوالر 10 من جمعة بوكليب عمرو الشوبكي جمال الكشكي OPINION الرأي 14 بايدن ترك ميراثا ثقيال ومعقدا والخروج منه يحتاج إلى إرادة حديدية دمشق وعبء «المبعوثين األمميين» ليبيا: ال نهاية للنفق
RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==